منهاج الصالحين (للتبريزي) المجلد 1

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الصالحین/ فتاوی جواد تبریزی.

مشخصات نشر : قم : مدین ، 1426ق. = 2005م. = 1384 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : : دوره 964-8901-17-1 : ؛ ج.1 964-8901-15-5 :

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 1. العبادات

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9 /ت2م 8 1384

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : 2997064

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، و السلام على محمّد و أهل بيته الطيبين الطاهرين، و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين ...

و بعد، تعتبر الرسالة العملية المسمّاة ب «منهاج الصالحين» التي هي فتاوى آية اللّه العظمى السيد الحكيم «طاب ثراه» ذات النفع العامّ بما تحويه من كثرة المسائل المبتلى بها و وضوح العبارة و حسن التبويب، و قد أدرج سيدنا الاستاذ آية اللّه العظمى السيد الخوئي «طاب ثراه» فتاواه فيها، فرأينا أن ندرج فتاوانا فيها حفظا لمقام العلمين الشامخ، و أن نؤدّي بعض ما لهما علينا من الحقّ.

راجين من اللّه أن يجعلها لنا ذخرا في الآخرة يوم لا ينفع مال و لا بنون، و أن ينتفع بها أهل العلم و سائر المؤمنين، إنّه خير مجيب.

و العمل بها مجزئ و مبرئ للذمة إن شاء اللّه تعالى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 5

التقليد

اشارة

(مسألة 1): يجب على كلّ مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد، أن يكون في جميع عباداته، و معاملاته، و سائر أفعاله، و تروكه: مقلدا، أو محتاطا، إلا أن يحصل له العلم بالحكم، لضرورة أو غيرها، كما في بعض الواجبات، و كثير من المستحبات و المباحات.

(مسألة 2): عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل. لا يجوز له الاجتزاء به، إلا أن يعلم- و لو بعد العمل- بمطابقته للواقع، أو لفتوى من يجب عليه تقليده فعلا.

(مسألة 3): الاقوى جواز ترك التقليد، و العمل بالاحتياط، سواء اقتضى التكرار، كما إذا ترددت الصلاة بين القصر و التمام، أو لا، كما إذا احتمل وجوب الإقامة في الصلاة، لكن معرفة موارد الاحتياط متعذرة غالبا، أو متعسرة على العوام.

[معنى التقليد]

(مسألة 4): التقليد هو الاعتماد على فتوى المجتهد سواء كان الاعتماد حين العمل أم بعده.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 6

(مسألة 5): يصحّ التقليد من الصبي المميز، فإذا مات المجتهد الذي قلده الصبي قبل بلوغه، جاز له البقاء على تقليده، و لا يجوز له أن يعدل عنه إلى غيره، إلا إذا كان الثاني أعلم أو محتمل الأعلمية بخصوصه دون من قلّده.

(مسألة 6): يشترط في مرجع التقليد البلوغ، و العقل، و الإيمان، و الذكورة، و الاجتهاد، و العدالة، و أن لا يكون معروفا عند الناس بفسق سابق بحيث يعدّ الرجوع إليه في الأحكام و هنا للمذهب، و طهارة المولد و أن لا يقلّ ضبطه عن المتعارف، و الحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداء.

(مسألة 7): إذا قلّد مجتهدا فمات، فإن كان أعلم من الحي وجب البقاء على تقليده في المسائل التي تعلّمها حال حياته و إن لم يتذكّرها فعلا سواء عمل بها أو لا، و

إن كان الحي أعلم أو كان بخصوصه محتمل الأعلمية وجب العدول إليه مع العلم بالمخالفة بينهما و لو إجمالا و إن تساويا في العلم أو احتمل الأعلمية في كل منهما فلا يبعد جواز البقاء في خصوص المسائل التي تعلّمها حال حياته و لو نسيها فعلا، و أمّا في غيرها فيجب أن يرجع فيه إلى الحي و إذا شكّ في التعلم حال الحياة فيجب عليه الرجوع إلى الحي أيضا.

(مسألة 8): إذا اختلف المجتهدون في الفتوى، وجب الرجوع إلى الأعلم، أو محتمل الأعلمية بخصوصه، و مع التساوي أو احتمال الأعلمية في كل منهم لا يبعد جواز الأخذ بفتوى أيّ منهم إلّا إذا كان آخذا بفتوى أحدهم فإنّه يعمل بفتواه و لا عبرة بكون أحدهم أعدل.

(مسألة 9): إذا علم أن أحد الشخصين أعلم من الآخر، فإن لم يعلم الاختلاف في الفتوى بينهما تخيّر بينهما، و إن علم الاختلاف وجب الفحص عن الأعلم، و يحتاط- وجوبا- في مدة الفحص، فإن عجز عن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 7

معرفة الأعلم فلا يبعد جواز الأخذ بفتوى أيّ منهما ابتداء، هذا إذا علم أن أحدهما غير المعيّن أعلم، و أمّا إذا احتمل الأعلمية في شخص بخصوصه بأن علم أنّهما إمّا متساويان في العلم أو أحدهما المعيّن أعلم فيتعين حينئذ تقليده.

(مسألة 10): إذا قلّد من ليس أهلا للفتوى وجب العدول عنه إلى من هو أهل لها، و كذا إذا قلّد غير الأعلم وجب العدول عنه إلى الأعلم، أو محتمل الأعلمية بخصوصه مع العلم بالمخالفة بينهما، و كذا لو قلّد الأعلم ثمّ صار غيره أعلم.

(مسألة 11): إذا قلد مجتهدا، ثمّ شك في أنه كان جامعا للشرائط أم لا، وجب عليه الفحص، فإن تبين

له أنه جامع للشرائط بقي على تقليده، و إن تبين أنه فاقد لها، أو لم يتبين له شي ء عدل إلى غيره، و أمّا أعماله السابقة فإن كان قد قلّده عن حجة شرعية فلا يجب عليه تداركها في العبادات و في العقود و الإيقاعات على الأظهر سواء عرف كيفيتها لا، و إن لم يكن تقليده له عن حجة شرعية فإن عرف كيفيتها رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشرائع و إن لم يعرف كيفيتها وجب تداركها، نعم إذا كان الشك في خارج الوقت لم يجب القضاء.

(مسألة 12): إذا بقي على تقليد الميت- غفلة أو مسامحة- من دون أن يقلد الحي في ذلك كان كمن عمل من غير تقليد، و عليه الرجوع إلى الحي في ذلك.

(مسألة 13): إذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط من غير حجة شرعية، و التفت إليه- بعد مدة- كان كمن عمل من غير تقليد.

(مسألة 14): لا يجوز العدول من الحي إلى الميت الذي قلده أوّلا كما لا يجوز العدول من الحي إلى الحي، إلا إذا صار الثاني أعلم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 8

(مسألة 15): إذا تردد المجتهد في الفتوى، أو عدل من الفتوى إلى التردد، تخير المقلد بين الرجوع إلى غيره و الاحتياط إن أمكن.

(مسألة 16): إذا قلد مجتهدا يجوّز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة، بل يجب الرجوع فيها إلى الأعلم أو محتمل الأعلمية بخصوصه من الأحياء، و إذا قلد مجتهدا فمات فقلد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي، أو بوجوبه، فعدل إليه، ثمّ مات فقلد من يقول بوجوب البقاء، وجب عليه البقاء على تقليد الأول في المسائل التي تعلّمها

حال حياته- أي المجتهد الأول- و إن لم يتذكرها الآن على ما مرّ في (المسألة 7).

(مسألة 17): إذا قلّد مجتهدا بتقليد صحيح، ثمّ مات ذلك المجتهد فعدل إلى المجتهد الحي لم يجب عليه تدارك الأعمال السابقة في العبادات و المعاملات من العقود و الإيقاعات إذا كانت على خلاف فتوى الحي و لو كان الخلل فيها على رأيه موجبا لبطلان العمل، فإذا قلّد من يكتفي في التيمّم بضربة واحدة ثمّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه إعادة الصلاة التي صلاها هكذا و كذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحّة ثمّ مات و قلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني و أمّا إذا قلّد من يفتي بجواز الذبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد و قلد من يقول بحرمته فإن باعه أو أكله حكم بصحّة البيع و إباحة الأكل، و أمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه و لا أكله و هكذا.

(مسألة 18): يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة و شرائطها، و يكفي أن يعلم- إجمالا- أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء و الشرائط و لا يلزم العلم- تفصيلا- بذلك، و إذا عرضت له في أثناء العبادة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 9

مسألة لا يعرف حكمها جاز له العمل على بعض الاحتمالات، ثمّ يسأل عنها بعد الفراغ، فإن تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل، و إن تبين البطلان أعاده.

(مسألة 19): يجب تعلم مسائل الشك و السهو، التي هي في معرض الابتلاء، لئلا يقع في مخالفة الواقع. و كذا غيرها من المسائل التي

تكون في معرض الابتلاء و لا يحرز تمكنه من التعلم أو الاحتياط حال العمل.

[ما تثبت به العدالة]

(مسألة 20): تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور:

الأول: العلم الحاصل بالاختبار أو بغيره.

الثاني: شهادة عادلين بها، و لا يبعد ثبوتها بشهادة العدل الواحد بل بشهادة مطلق الثقة أيضا.

الثالث: حسن الظاهر، و المراد به حسن المعاشرة و السلوك الديني بحيث لو سئل غيره عن حاله لقال لم نر منه إلا خيرا.

و يثبت اجتهاده- و أعلميته أيضا- بالعلم، و بالشياع المفيد للاطمئنان و بالبينة، و بخبر الثقة إذا لم يكن لهما معارض، و يعتبر في البينة و في خبر الثقة- هنا- أن يكون المخبر من أهل الخبرة، و في فرض التعارض يعتبر قول من هو أقوى خبرة.

(مسألة 21): من ليس أهلا للمرجعية في التقليد يحرم عليه الفتوى بقصد عمل غيره بها، كما أن من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء و لا يجوز الترافع إليه و لا الشهادة عنده، و المال المأخوذ بحكمه حرام و إن كان الآخذ محقّا، إلا إذا انحصر استنقاذ الحق المعلوم بالترافع إليه، نعم حرمة المال المأخوذ بحكمه لا تخلو من إشكال إذا كان الحق شخصيا أو كان كليا و لكنه أخذه بإعطاء المحكوم عليه لا الحاكم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 10

(مسألة 22): الظاهر أن المتجزي في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى نفسه، بل إذا عرف مقدارا معتدا به من الأحكام جاز لغيره العمل بفتواه إلا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوى الأفضل، و ينفذ قضاؤه و لو مع وجود الأعلم.

(مسألة 23): إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبين الحال.

(مسألة 24): الوكيل في

عمل يعمل بمقتضى تقليد موكله، لا تقليد نفسه، و كذلك الحكم في الوصي إلّا فيما كان الموصى به- لو لا الوصية- يخرج من الأصل فإنّ الأحوط على الوصي فيه رعاية تقليد الورثة أيضا كي يصح العمل ليجوز لهم التصرّف في التركة بعد العمل بالوصية.

(مسألة 25): المأذون، و الوكيل، عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد، و أمّا المنصوب من قبله وليّا أو قيما فإنّه لا ينعزل بموته على الأظهر.

(مسألة 26): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر، إلّا إذا علم مخالفته للواقع، أو كان صادرا عن تقصير في مقدماته.

(مسألة 27): إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد، وجب عليه إعلام من سمع منه ذلك إلّا أن تكون الفتوى السابقة مطابقة للاحتياط، و لكنّه إذا تبدل رأي المجتهد، لم يجب عليه إعلام مقلّديه فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد.

(مسألة 28): إذا تعارض الناقلان في الفتوى، فمع اختلاف التاريخ و احتمال عدول المجتهد عن رأيه الأول يعمل بمتأخر التأريخ، و في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 11

غير ذلك عمل بالاحتياط- على الأحوط وجوبا- حتى يتبين الحكم.

[تعريف العدالة]

(مسألة 29): العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة على جادة الشريعة المقدسة، و عدم الانحراف عنها يمينا و شمالا، بأن لا يرتكب معصية بترك واجب، أو فعل حرام، من دون عذر شرعي، و لا فرق في المعاصي من هذه الجهة، بين الصغيرة و الكبيرة، و في عدد الكبائر خلاف.

[تعداد بعض الكبائر]

و قد عدّ من الكبائر الشرك باللّه تعالى، و اليأس من روح اللّه تعالى، و الأمن من مكر اللّه، و عقوق الوالدين- و هو الإساءة إليهما-، و قتل النفس المحترمة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم ظلما، و الفرار من الزحف، و أكل الربا، و الزنا، و اللواط، و السحر، و اليمين الغموس الفاجرة- و هي الحلف باللّه تعالى كذبا على وقوع أمر، أو على حق امرئ أو منع حقه خاصة- كما قد يظهر من بعض النصوص- و منع الزكاة المفروضة، و شهادة الزور، و كتمان الشهادة، و شرب الخمر، و منها ترك الصلاة أو غيرها مما فرضه اللّه متعمدا، و نقض العهد، و قطيعة الرحم- بمعنى ترك الإحسان إليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه ذلك- و التعرب بعد الهجرة إلى البلاد التي ينقص بها الدين، و السرقة، و إنكار ما أنزل اللّه تعالى، و الكذب على اللّه، أو على رسوله صلّى اللّه عليه و آله، أو على الأوصياء عليهم السلام، بل مطلق الكذب، و أكل الميتة، و الدم، و لحم الخنزير، و ما أهلّ به لغير اللّه، و القمار، و أكل السحت كثمن الميتة و الخمر، و المسكر، و أجر الزانية، و ثمن الكلب الذي لا يصطاد، و الرشوة على الحكم و لو بالحق، و أجر الكاهن، و ما أصيب

من أعمال الولاة الظلمة، و ثمن الجارية المغنية، و ثمن الشطرنج، فإن جميع ذلك من السحت.

و من الكبائر: البخس في المكيال و الميزان، و معونة الظالمين، و الركون

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 12

إليهم، و الولاية لهم، و حبس الحقوق من غير عسر، و الكبر، و الإسراف و التبذير، و الاستخفاف بالحج، و المحاربة لأولياء اللّه تعالى، و الاشتغال بالملاهي كالغناء، و المحرز حرمته ما يكون لهويا في كيفيته و مضمونه، و أمّا إذا كان الصوت مشتملا على الترجيع على ما يتعارف عند أهل الفسوق و لم يكن مضمونه باطلا أو لهويا فالأحوط الاجتناب عنه، و ضرب الأوتار و نحوها مما يتعاطاه أهل الفسوق، و الإصرار على الذنوب الصغائر.

و الغيبة، و هي: أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته، سواء أ كان بقصد الانتقاص، أم لم يكن، و سواء أ كان العيب في بدنه، أم في نسبه، أم في خلقه، أم في فعله، أم في قوله، أم في دينه، أم في دنياه، أم في غير ذلك مما يكون عيبا مستورا عن الناس، كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول، أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب، و الظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد إفهامه و إعلامه، كما أن الظاهر أنه لا بد من تعيين المغتاب، فلو قال: واحد من أهل البلد جبان لا يكون غيبة، و كذا لو قال:

أحد أولاد زيد جبان، نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة و الانتقاص، لا من جهة الغيبة، و يجب عند وقوع الغيبة التوبة و الندم و الأحوط- استحبابا- الاستحلال من الشخص المغتاب- إذا لم تترتّب على ذلك مفسدة- أو الاستغفار له.

[موارد جواز الغيبة]

و قد تجوز الغيبة

في موارد، منها: المتجاهر بالفسق، و يقتصر في اغتيابه على العيب غير المتستر به على الأحوط و منها: الظالم لغيره، فيجوز للمظلوم غيبته مطلقا، و منها: نصح المؤمن، فتجوز الغيبة بقصد النصح، كما لو استشاره شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه، و لو استلزم إظهار عيبها بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء بدون استشارة، إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة، و يدخل في ذلك قدح أصحاب الرجال في بعض الرواة، و منها: ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر، فيما إذا لم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 13

يمكن الردع بغيرها، و منها: ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب، فتجوز غيبته، لئلا يترتب الضرر الديني، و منها: جرح الشهود، و منها: ما لو خيف على المغتاب الوقوع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه، و منها: القدح في المقالات الباطلة، و إن أدى ذلك إلى نقص في قائلها، و قد صدر من جماعة كثيرة من العلماء القدح في القائل بقلة التدبر، و التأمل، و سوء الفهم و نحو ذلك، و كأن صدور ذلك منهم لئلا يحصل التهاون في تحقيق الحقائق عصمنا اللّه تعالى من الزلل، و وفقنا للعلم و العمل، إنّه حسبنا و نعم الوكيل.

و قد يظهر من الروايات عن النبي و الأئمة عليهم أفضل الصلاة و السلام: أنه يجب على سامع الغيبة أن ينصر المغتاب، و يرد عنه، و أنه إذا لم يرد خذله اللّه تعالى في الدنيا و الآخرة، و كان عليه كوزر من اغتاب.

و من الكبائر: البهتان على المؤمن- و هو ذكره بما يعيبه و ليس هو فيه- و منها: سب المؤمن

و إهانته و إذلاله، و منها: النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم، و منها: القيادة و هي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرم، و منها: الغش للمسلمين، و منها: استحقار الذنب فإن أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه، و منها: الرياء و غير ذلك مما يضيق الوقت عن بيانه.

(مسألة 30): ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية، و تعود بالتوبة و الندم، و قد مرّ أنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة و الكبيرة.

(مسألة 31): الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة- إن كان مسبوقا بالفتوى أو ملحوقا بها- فهو استحبابي يجوز تركه، و إلا تخيّر العامي بين العمل بالاحتياط و الرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم و كذلك موارد الإشكال و التأمّل، فإذا قلنا: يجوز على إشكال أو على تأمل فالاحتياط في مثله استحبابي، و إن قلنا: يجب على إشكال، أو على تأمل فإنه فتوى بالوجوب، و إن قلنا المشهور: كذا، أو قيل كذا، و فيه تأمل، أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 14

فيه إشكال، فاللازم العمل بالاحتياط، أو الرجوع إلى مجتهد آخر. و إذا قلنا: «الأحوط لو لم يكن أقوى أو أظهر» فهو يحسب فتوى.

(مسألة 32): إن كثيرا من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، و لما لم تثبت عندنا فيتعين الإتيان بها برجاء المطلوبية، و كذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية، و ما توفيقي إلّا باللّه عليه توكلت و إليه أنيب.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 15

كتاب الطهارة

اشارة

و فيه مباحث

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 17

المبحث الأول أقسام المياه و أحكامها

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول: [تعريف المطلق و المضاف]

ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء إلى قسمين:

الأول: ماء مطلق، و هو ما يصحّ إطلاق الماء عليه بلا عناية، كالماء الذي يكون في البحر، أو النهر، أو البئر، أو غير ذلك، فإنه يصح أن يقال له ماء، و إضافته إلى البحر مثلا للتعيين، لا لتصحيح الاطلاق.

الثاني: ماء مضاف، و هو ما لا يصح إطلاق الماء عليه بلا عناية، كماء الرمان، و ماء الورد، فإنه لا يقال له ماء إلّا مجازا و لذا يصح سلب الماء عنه.

الفصل الثاني

[الماء الذي له مادة]

الماء المطلق إما لا مادة له، أو له مادة.

و الأول: إما قليل لا يبلغ مقداره الكر، أو كثير يبلغ مقداره الكر و القليل ينفعل بملاقاة النجس، أو المتنجس على الأقوى، إلا إذا كان متدافعا بقوة، فالنجاسة تختص حينئذ بموضع الملاقاة، و لا تسري إلى غيره، سواء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 18

أ كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل- كالماء المنصبّ من الميزاب إلى الموضع النجس، فإنه لا تسري النجاسة إلى أجزاء العمود المنصب فضلا عن المقدار الجاري على السطح- أم كان متدافعا من الأسفل إلى الأعلى- كالماء الخارج من الفوارة الملاقي للسقف النجس، فإنه لا تسري النجاسة إلى العمود، و لا إلى ما في داخل الفوارة، و كذا إذا كان متدافعا من أحد الجانبين إلى الآخر.

و أمّا الكثير الذي يبلغ الكر، فلا ينفعل بملاقاة النجس، فضلا عن المتنجس، إلا إذا تغير بلون النجاسة، أو طعمها، أو ريحها تغيرا فعليا.

(مسألة 33): قيل: إذا كانت النجاسة لا وصف لها أو كان وصفها يوافق وصف الماء، لم ينجس الماء بوقوعها فيه، و إن كان بمقدار بحيث لو كان على خلاف وصف الماء لغيره و لكنه في الفرض الثاني مشكل بل ممنوع

و كذا في مرض الأول إذا لم يصدق عليه الماء مطلقا.

(مسألة 34): إذا تغيّر الماء بغير اللون، و الطعم، و الريح، بل بالثقل أو الثخانة، أو نحوهما لم ينجس أيضا.

(مسألة 35): إذا تغير لونه أو طعمه، أو ريحه بالمجاورة للنجاسة لم ينجس أيضا.

(مسألة 36): إذا تغير الماء بوقوع المتنجس لم ينجس، إلا أن يتغير بوصف النجاسة التي تكون للمتنجس، كالماء المتغير بالدم يقع في الكر فيغيّر لونه، و يكون أصفر فإنه ينجس.

(مسألة 37): يكفي في حصول النجاسة التغير بوصف النجس في الجملة، و لو لم يكن متحدا معه، فإذا اصفر الماء بملاقاة الدم تنجس.

و الثاني: و هو ما له مادة لا ينجس بملاقاة النجاسة، إلا إذا تغير على النهج السابق فيما لا مادة له، من دون فرق بين ماء الأنهار، و ماء البئر، و ماء العيون، و غيرها مما كان له مادّة، و لا بدّ في المادة الجعلية من أن تبلغ

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 19

الكرّ، و لو بضميمة ما له المادة إليها، فإذا بلغ ما في الحياض في الحمام مع مادته كرا لم ينجس بالملاقاة على الأظهر، و أمّا إذا كانت المادة أصلية باطنية فلا يعتبر في اعتصام الماء إلّا كونه متصلا بالمادة النابعة أو الراشحة و أمّا الأصليّة الظاهرية كالماء الحاصل من ذوبان الثلوج فيعتبر في عدم الانفعال كون الماء بنفسه كرّا.

(مسألة 38): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة، فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر، فإن كان دون الكر ينجس، نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.

(مسألة 39): الراكد المتصل بالجاري كالجاري في عدم انفعاله بملاقاة النجس و المتنجس، فالحوض المتصل بالنهر بساقية لا ينجس بالملاقاة، و

كذا أطراف النهر، و إن كان ماؤها راكدا.

(مسألة 40): إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة، و إن كان قليلا، و الطرف الآخر حكمه حكم الراكد إن تغير تمام قطر ذلك البعض، و إلّا فالمتنجس هو المقدار المتغيّر فقط لاتصال ما عداه بالمادة.

(مسألة 41): إذا شك في أن للجاري مادة أم لا- و كان قليلا- ينجس بالملاقاة.

[حكم ماء المطر]

(مسألة 42): ماء المطر بحكم ذي المادة لا ينجس بملاقاة النجاسة في حال نزوله. أما لو وقع على شي ء كورق الشجر، أو ظهر الخيمة أو نحوهما، ثمّ وقع على النجس تنجس.

(مسألة 43): إذا اجتمع ماء المطر في مكان- و كان قليلا- فإن كان يتقاطر عليه المطر فهو معتصم كالكثير، و إن انقطع عنه التقاطر كان بحكم القليل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 20

(مسألة 44): الماء النجس إذا وقع عليه ماء المطر- بمقدار معتد به لا مثل القطرة، أو القطرات- طهر، و كذا ظرفه، كالإناء و الكوز و نحوهما.

(مسألة 45): يعتبر في جريان حكم ماء المطر أن يصدق عرفا أنّ النازل من السماء ماء مطر، و إن كان الواقع على المتنجس قطرات منه فيطهر موضع وقوع القطرات عليه و أمّا إذا كان مجموع ما نزل من السماء قطرات قليلة، فلا يجري عليه الحكم.

(مسألة 46): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه طهر الجميع، و لا يحتاج إلى العصر أو التعدد، و إذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه دون غيره، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، و إلّا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها.

(مسألة 47): الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها،

بشرط أن يكون من السماء و لو بإعانة الريح، و أمّا لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر- كما إذا ترشّح بعد الوقوع على مكان، فوصل مكانا نجسا- لا يطهر، نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل إلى مكان مسقّف طهر.

(مسألة 48): إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شي ء آخر لم ينجس، ما دام متصلا بماء السماء بتوالي تقاطره عليه. هذا إذا لم يكن في المترشح منه عين النجاسة و لم يكن متغيّرا.

[مقدار الكر]

(مسألة 49): مقدار الكر و زنا بحقة الاسلامبول التي هي مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا (مائتان و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة) و بحسب وزنة النجف التي هي ثمانون حقة اسلامبول (ثلاث و زنات و نصف و ثلاث حقق و ثلاث أوقية) و بالكيلو (ثلاثمائة و سبعة و سبعون كيلوا) تقريبا. هذا على ما قالوا و لكن الأحوط وجوبا مراعاة مقدار المساحة و هو ما بلغ مكسّره

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 21

سبعة و عشرين شبرا على الأظهر.

(مسألة 50): لا فرق في اعتصام الكر بين تساوي سطوحه و اختلافها و لا بين وقوف الماء و ركوده و جريانه، نعم إذا كان الماء متدافعا لا تكفي كرية المجموع، و لا كرية المتدافع إليه في اعتصام المتدافع منه، نعم تكفي كرية المتدافع منه بل و كرية المجموع في اعتصام المتدافع إليه و عدم تنجسه بملاقاة النجس.

(مسألة 51): لا فرق بين ماء الحمام و غيره في الأحكام، فما في الحياض الصغيرة- إذا كان متصلا بالمادة، و كانت وحدها، أو بضميمة ما في الحياض إليها كرا- اعتصم على ما مرّ، و أمّا إذا لم يكن متصلا بالمادة، أو لم تكن

المادة- و لو بضميمة ما في الحياض إليها كرا- لم يعتصم.

(مسألة 52): الماء الموجود في الانابيب المتعارفة في زماننا بمنزلة المادة، فإذا كان الماء الموضوع في إجانة و نحوها من الظروف نجسا و جرى عليه ماء الانبوب طهر، بل يكون ذلك الماء أيضا معتصما، ما دام ماء الانبوب جاريا عليه، و يجري عليه حكم ماء الكر في التطهير به، و هكذا الحال في كلّ ماء نجس، فإنّه إذا اتصل بالمادة طهر، إذا كانت المادة كرا.

الفصل الثالث

حكم الماء القليل:

الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر و مطهر من الحدث و الخبث، و المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر و مطهر من الخبث و الأحوط- استحبابا- عدم استعماله في رفع الحدث، إذا تمكن من ماء آخر و إلا جمع بين الغسل أو الوضوء به و التيمم، و المستعمل في رفع الخبث نجس، عدا ما يتعقب استعماله طهارة المحل فإنه طاهر و لكن لا يجوز

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 22

استعماله في الوضوء و الغسل و لو كان غير رافعين للحدث، وعدا ماء الاستنجاء و سيأتي حكمه.

الفصل الرابع

[إذا علم بنجاسة أحد الإناءين]

إذا علم- إجمالا- بنجاسة أحد الإناءين و طهارة الآخر لم يجز رفع الخبث بأحدهما و لا رفع الحدث، و لكن لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما، إلا إذا كانت الحالة السابقة فيهما النجاسة، و إذا اشتبه المطلق بالمضاف جاز رفع الخبث بالغسل بأحدهما، ثمّ الغسل بالآخر، و كذلك رفع الحدث، و إذا اشتبه المباح بالمغصوب، حرم التصرف بكل منهما و لكن لو غسل نجس بأحدهما طهر، و لا يرفع بأحدهما الحدث، و إذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة جاز الاستعمال مطلقا، و ضابط غير المحصورة أن تبلغ كثرة الأطراف حدا يوجب خروج بعضها عن مورد التكليف، و لو شك في كون الشبهة محصورة، أو غير محصورة فالأحوط- استحبابا- إجراء حكم المحصورة.

الفصل الخامس

الماء المضاف:

الماء المضاف كماء الورد و نحوه، و كذا سائر المائعات ينجس القليل و الكثير منها بمجرد الملاقاة للنجاسة، إلا إذا كان متدافعا على النجاسة بقوة كالجاري من العالي، و الخارج من الفوارة، فتختص النجاسة- حينئذ- بالجزء الملاقي للنجاسة، و لا تسري إلى العمود، و إذا تنجس المضاف لا يطهر أصلا، و إن اتصل بالماء المعتصم، كماء المطر أو الكر، نعم إذا استهلك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 23

في الماء المعتصم كالكر فقد ذهبت عينه، و مثل المضاف في الحكم المذكور سائر المائعات.

(مسألة 53): الماء المضاف لا يرفع الخبث و لا الحدث.

(مسألة 54): الاسآر- كلّها- طاهرة إلا سؤر الكلب، و الخنزير و الكافر غير الكتابي، بل الكتابي أيضا على الأحوط استحبابا، نعم يكره سؤر غير مأكول اللحم عدا الهرة، و أمّا المؤمن فإنّ سؤره شفاء بل في بعض الروايات أنّه شفاء من سبعين داء.

المبحث الثاني أحكام الخلوة و فيه فصول

الفصل الأول

أحكام التخلي:

يجب حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر بشرة العورة- و هي القبل و الدبر و البيضتان- عن كل ناظر مميز عدا الزوج و الزوجة، و شبههما كالمالك و مملوكته، و الأمة المحللة بالنسبة إلى المحلل له، فإنه يجوز لكل من هؤلاء أن ينظر إلى عورة الآخر، نعم إذا كانت الأمة مشتركة أو مزوجة أو محللة، أو معتدّة لم يجز لمولاها النظر إلى عورتها و في حكم العورة ما بين السرة و الركبة على الأحوط و كذا لا يجوز لها النظر إلى عورته، و يحرم على المتخلي استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي، و يجوز حال الاستبراء و الاستنجاء، و إن كان الأحوط استحبابا الترك، و لو اضطر إلى أحدهما

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 24

فالأقوى التخيير، و الأولى اجتناب

الاستقبال.

(مسألة 55): لو اشتبهت القبلة لم يجز له التخلي، إلا بعد اليأس عن معرفتها، و عدم إمكان الانتظار، أو كان الانتظار حرجيا أو ضرريا.

(مسألة 56): لا يجوز النظر إلى عورة غيره من وراء الزجاجة و نحوها، و لا في المرآة، و لا في الماء الصافي.

(مسألة 57): لا يجوز التخلي في ملك غيره إلا بإذنه و لو بالفحوى.

(مسألة 58): لا يجوز التخلي في المدارس و نحوها ما لم يعلم بعموم الوقف، و لو أخبر المتولي، أو بعض أهل المدرسة به أو جرت العادة و سيرة المتدينين بذلك بحيث يطمئن بعموم الوقف كفى، و كذا الحال في سائر التصرفات فيها.

الفصل الثاني

كيفية غسل موضع البول:

يجب غسل موضع البول بالماء القليل مرتين على الأحوط وجوبا، و في الغسل بغير القليل يجزئ مرة واحدة على الأظهر، و لا يجزئ غير الماء. و أما موضع الغائط فإن تعدى المخرج تعيّن غسله بالماء كغيره من المتنجسات، و إن لم يتعد المخرج تخير بين غسله بالماء حتى ينقى و مسحه بالأحجار، أو الخرق، أو نحوهما من الأجسام القالعة للنجاسة، و الماء أفضل، و الجمع أكمل.

(مسألة 59): الأحوط- وجوبا- اعتبار المسح بثلاثة أحجار، و أما غير الأحجار فلا يبعد عدم اعتبار العدد إذا حصل النقاء بالأقل، كما في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 25

إزالة العين بالخرقة.

(مسألة 60): يجب أن تكون الأحجار أو نحوها طاهرة.

(مسألة 61): يحرم الاستنجاء بالأجسام المحترمة، و أما العظم و الروث، فلا يحرم الاستنجاء بهما، و لكن لا يطهر المحل به على الأحوط.

(مسألة 62): يجب في الغسل بالماء إزالة العين و الأثر، و لا تجب إزالة اللون و الرائحة، و يجزئ في المسح إزالة العين، و لا تجب إزالة الأثر الذي لا يزول

بالمسح بالأحجار عادة.

(مسألة 63): إذا خرج قبل الغائط أو بعده، نجاسة أخرى مثل الدم، و لاقت المحل لا يجزئ في تطهيره إلا الماء، و كذا إذا كان الخروج مع الغائط على الأحوط.

الفصل الثالث

مستحبات التخلي:

يستحب للمتخلي- على ما ذكره العلماء رضوان اللّه تعالى عليهم- أن يكون بحيث لا يراه الناظر و لو بالابتعاد عنه كما يستحب له تغطية الرأس و التقنع و هو يجزئ عنها، و التسمية عند التكشف، و الدعاء بالمأثور و تقديم الرجل اليسرى عند الدخول، و اليمنى عند الخروج، و الاستبراء، و أن يتكئ- حال الجلوس- على رجله اليسرى، و يفرج اليمنى، و يكره الجلوس في الشوارع، و المشارع، و مساقط الثمار، و مواضع اللعن: كأبواب الدور و نحوها من المواضع التي يكون المتخلي فيها عرضة للعن الناس و المواضع المعدّة لنزول القوافل، و استقبال قرص الشمس، أو القمر بفرجه، و استقبال الريح بالبول، و البول في الأرض الصلبة، و في ثقوب الحيوان، و في الماء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 26

خصوصا الراكد، و الأكل و الشرب حال الجلوس للتخلي و الكلام بغير ذكر اللّه، إلى غير ذلك مما ذكره العلماء رضوان اللّه تعالى عليهم.

(مسألة 64): ماء الاستنجاء طاهر على الأقوى، و إن كان من البول فلا يجب الاجتناب عنه و لا عن ملاقيه، إذا لم يتغير بالنجاسة، و لم تتجاوز نجاسة الموضع عن المحل المعتاد، و لم تصحبه أجزاء النجاسة متميزة على الأحوط، و لم تصحبه نجاسة من الخارج أو من الداخل، فإذا اجتمعت هذه الشروط كان طاهرا، و لكن لا يجوز الوضوء به على الأظهر.

الفصل الرابع

كيفية الاستبراء:

الأحوط في كيفية الاستبراء من البول، أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، ثمّ منه إلى رأس الحشفة ثلاثا، ثمّ ينترها ثلاثا و فائدته طهارة البلل الخارج بعده إذا احتمل أنه بول، و لا يجب الوضوء منه، و لو خرج البلل المشتبه بالبول قبل الاستبراء و إن

كان تركه لعدم التمكن منه، أو كان المشتبه مرددا بين البول و المني بنى على كونه بولا، فيجب التطهير منه و الوضوء، و يلحق بالاستبراء- في الفائدة المذكورة- طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى، و لا استبراء للنساء، و البلل المشتبه الخارج منهن طاهر لا يجب له الوضوء، نعم الأولى للمرأة أن تصبر قليلا و تتنحنح و تعصر فرجها عرضا ثمّ تغسله.

(مسألة 65): فائدة الاستبراء تترتب عليه و لو كان بفعل غيره.

(مسألة 66): إذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بنى على عدمه و إن كان من عادته فعله، و إذا شك من لم يستبرى ء في خروج رطوبة بنى على عدمها، و إن كان ظانا بالخروج.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 27

(مسألة 67): إذا علم أنّه استبرأ أو استنجى و شك في كونه على الوجه الصحيح بنى على الصحة.

(مسألة 68): لو علم بخروج رطوبة و شكّ في أنها بتمامها مذي أو مركبة منه و من البول فمع الاستبراء من البول يحكم بالطهارة و إن كان لم يستبرئ يحكم عليها بالنجاسة و الناقضية على الأحوط.

المبحث الثالث الوضوء و فيه فصول

الفصل الأول

كيفية الوضوء و أحكامه:

في أجزائه و هي: غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين فهنا أمور:

الأول: يجب غسل الوجه ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولا، و ما اشتملت عليه الاصبع الوسطى و الابهام عرضا، و الخارج عن ذلك ليس من الوجه، و إن وجب إدخال شي ء من الأطراف إذا لم يحصل العلم بإتيان الواجب إلا بذلك، و يجب الابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل فالأسفل عرفا و لا يجوز النكس، نعم لو ردّ الماء منكوسا، و نوى الوضوء بإرجاعه إلى الأسفل صحّ وضوؤه.

(مسألة 69): غير مستوي الخلقة- لطول

الأصابع أو لقصرها-

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 28

يرجع إلى متناسب الخلقة المتعارف، و كذا لو كان أغم قد نبت الشعر على جبهته، أو كان أصلع قد انحسر الشعر عن مقدّم رأسه فإنّه يرجع إلى المتعارف، و أمّا غير مستوي الخلقة- بكبر الوجه أو لصغره- فيجب عليه غسل ما دارت عليه الوسطى و الإبهام المتناسبتان مع ذلك الوجه.

(مسألة 70): الشعر النابت فيما دخل في حدّ الوجه يجب غسل ظاهره، و لا يجب البحث عن الشعر المستور فضلا عن البشرة المستورة، نعم ما لا يحتاج غسله إلى بحث و طلب يجب غسله، و كذا الشعر الرقيق النابت في البشرة يغسل مع البشرة، و مثله الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة على الأحوط وجوبا.

(مسألة 71): لا يجب غسل باطن العين، و الفم، و الأنف، و مطبق الشفتين، و العينين.

(مسألة 72): الشعر النابت في الخارج عن الحد إذا تدلّى على ما دخل في الحد لا يجب غسله، و كذا المقدار الخارج عن الحد، و إن كان نابتا في داخل الحد كمسترسل اللحية.

(مسألة 73): إذا بقي مما في الحد شي ء لم يغسل و لو بمقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء، فيجب أن يلاحظ آماق و أطراف عينيه أن لا يكون عليها شي ء من القيح، أو الكحل المانع، و كذا يلاحظ حاجبه أن لا يكون عليه شي ء من الوسخ، و أن لا يكون على حاجب المرأة و سمة و خطاط له جرم مانع.

(مسألة 74): إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته عن الغسل أو المسح يجب تحصيل اليقين بزواله، و لو شك في أصل وجوده يجب الفحص عنه- على الأحوط وجوبا- إلا مع الاطمئنان بعدمه، حتى فيما كانت الحالة السابقة

هو العدم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 29

(مسألة 75): الثقبة في الأنف موضع الحلقة، أو الخزامة لا يجب غسل باطنها بل يكفي غسل ظاهرها، سواء أ كانت فيها الحلقة أم لا.

الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، و يجب الابتداء بالمرفقين، ثمّ الأسفل منها فالأسفل- عرفا- إلى أطراف الأصابع و المقطوع بعض يده يغسل ما بقي، و لو قطعت من فوق المرفق سقط وجوب غسلها، و لو كان له ذراعان دون المرفق وجب غسلهما، و كذا اللحم الزائد، و الإصبع الزائدة، و لو كان له يد زائدة فوق المرفق فالأحوط- استحبابا- غسلها أيضا، و لو اشتبهت الزائدة بالاصلية غسلهما جميعا و مسح بهما على الأحوط وجوبا.

(مسألة 76): المرفق مجمع عظمي الذراع و العضد، و يجب غسله مع اليد.

(مسألة 77): يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة، حتى الغليظ منه على الأحوط وجوبا.

(مسألة 78): إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها إلا إذا كان ما تحتها محسوبا من الظاهر، فيجب غسله- حينئذ- و لو بإخراجها.

(مسألة 79): الوسخ الذي يكون على الأعضاء- إذا كان معدودا جزءا من البشرة- لا تجب إزالته، و إن كان معدودا- أجنبيا عن البشرة- تجب إزالته.

(مسألة 80): ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين و الاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه، باطل.

(مسألة 81): يجوز الوضوء برمس العضو في الماء من أعلى الوجه و من طرف المرفق، مع مراعاة غسل الأعلى فالأعلى، و لكن لا يجوز أن ينوي الغسل لليسرى بإدخالها في الماء من المرفق، لأنه يلزم تعذر المسح بماء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 30

الوضوء، و كذا الحال في اليمنى إذا لم يغسل

بها اليسرى، و أما قصد الغسل بإخراج العضو من الماء- تدريجا- فهو غير جائز مطلقا على الأحوط.

(مسألة 82): الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب إزالته، إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر، و إذا قصّ أظافره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله بعد إزالة الوسخ.

(مسألة 83): إذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل، و إن كان اتصاله بجلدة رقيقة، و لا يجب قطعه ليغسل ما كان تحت الجلدة، و إن كان هو الأحوط وجوبا، لو عدّ ذلك اللحم شيئا خارجيا، و لم يحسب جزءا من اليد.

(مسألة 84): الشقوق التي تحدث على ظهر الكف- من جهة البرد- إن كانت وسيعة يرى جوفها، وجب إيصال الماء إليها على الأحوط و إلا فلا، و مع الشك فالأحوط- استحبابا- الإيصال.

(مسألة 85): ما يتجمد على الجرح- عند البرء- و يصير كالجلد لا يجب رفعه، و إن حصل البرء، و يجزي غسل ظاهره و إن كان رفعه سهلا.

(مسألة 86): يجوز الوضوء بماء المطر، إذا قام تحت السماء حين نزوله، فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه، مع مراعاة الأعلى فالأعلى و كذلك بالنسبة إلى يديه، و كذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه، و لو لم ينو من الأول، لكن بعد جريانه على جميع محال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله، و كذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضا.

(مسألة 87): إذا شكّ في شي ء أنّه من الظاهر حتى يجب غسله أو الباطن فالأحوط- استحبابا- غسله. نعم إذا كان قبل ذلك من الظاهر وجب غسله.

الثالث: يجب مسح مقدم الرأس- و هو ما

يقارب ربعه مما يلي الجبهة-

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 31

و يكفي فيه المسمى طولا و عرضا، و الأحوط- استحبابا- أن يكون العرض قدر ثلاثة أصابع، و الطول قدر طول اصبع، و الأحوط- وجوبا- أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل و يكون بنداوة الكفّ اليمنى، بل الأحوط- وجوبا- أن يكون بباطنها.

(مسألة 88): يكفي المسح على الشعر المختص بالمقدم، بشرط أن لا يخرج بمده عن حدّه، فلو كان كذلك فجمع، و جعل على الناصية لم يجز المسح عليه.

(مسألة 89): لا تضرّ كثرة بلل الماسح، و إن حصل معه الغسل.

(مسألة 90): لو تعذّر المسح بباطن الكف مسح بغيره، و الأحوط- وجوبا- المسح بظاهر الكف، فإن تعذر فالأحوط- وجوبا- أن يكون بباطن الذراع.

(مسألة 91): يعتبر أن لا يكون على الممسوح بلل ظاهر، بحيث يختلط ببلل الماسح بمجرد المماسة.

(مسألة 92): لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به على الأحوط وجوبا، نعم لا بأس باختلاط بلل اليد اليمنى ببلل اليد اليسرى الناشئ من الاستمرار في غسل اليسرى بعد الانتهاء من غسلها، إمّا احتياطا، أو للعادة الجارية.

(مسألة 93): لو جفّ ما على اليد من البلل لعذر، أخذ من بلل لحيته الداخلة في حد الوجه و مسح به.

(مسألة 94): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحرّ أو غيره فالأحوط- وجوبا- الجمع بين المسح بالماء الجديد و التيمم.

(مسألة 95): لا يجوز المسح على العمامة، و القناع، أو غيرهما من الحائل و إن كان شيئا رقيقا لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 32

الرابع: يجب مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين و الأحوط- وجوبا- المسح إلى مفصل الساق، و يجزئ المسمى عرضا

و الأحوط- وجوبا- مسح اليمنى باليمنى أولا، ثمّ اليسرى باليسرى و حكم العضو المقطوع من الممسوح حكم العضو المقطوع من المغسول، و كذا حكم الزائد من الرجل و الرأس، و حكم البلة، و حكم جفاف الممسوح و الماسح كما سبق.

(مسألة 96): لا يجب المسح على خصوص البشرة، بل يجوز المسح على الشعر النابت فيها أيضا، إذا لم يكن خارجا عن المتعارف، و إلا وجب المسح على البشرة.

(مسألة 97): لا يجوز المسح على الحائل كالخف لغير ضرورة، بل في جوازه مع الضرورة إشكال، نعم يجوز المسح على الحائل و يجتزئ به في حال التقية.

(مسألة 98): لو دار الأمر بين المسح على الخف، و الغسل للرجلين للتقية، اختار الثاني فيما إذا أمكن المسح على الرجلين و لو بإخفاء المسح في الغسل و أمّا مع عدم التمكن منه فهو مخيّر بينهما.

(مسألة 99): يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية على الأقوى، فلو أمكنه ترك التقية و إراءة المخالف عدم المخالفة لم تشرع التقية و لا يعتبر عدم المندوحة في الحضور في مكان التقية و زمانها، كما لا يجب بذل مال لرفع التقية، و أما في سائر موارد الاضطرار فيعتبر فيها عدم المندوحة مطلقا، نعم لا يعتبر فيها بذل المال لرفع الاضطرار، إذا كان ضرريا.

(مسألة 100): إذا زال السبب المسوّغ لغسل الرجلين أو المسح على الخفّين بعد الوضوء لم تجب الإعادة في حال التقية، و وجبت في سائر الضرورات، كما تجب الإعادة إذا زال السبب المسوّغ أثناء الوضوء مطلقا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 33

(مسألة 101): لو توضّأ على خلاف التقية فالأظهر وجوب الإعادة. نعم لو توضأ كذلك في مثل التقية كحال المداراة فلا حاجة إلى الإعادة على الأظهر.

(مسألة 102):

يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع و يمسح إلى الكعبين بالتدريج، أو بالعكس فيضع يده على الكعبين و يمسح إلى أطراف الأصابع تدريجا، و لا يجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل، و يجرها قليلا بمقدار صدق المسح على الأحوط.

الفصل الثاني

[وضوء الجبيرة]

من كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة فإن تمكّن من غسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء- مع إمكان الغسل من الأعلى إلى الأسفل- وجب، و إن لم يتمكّن- لخوف الضرر- اجتزأ بالمسح عليها، و لا يجزئ غسل الجبيرة عن مسحها على الأقوى، و لا بد من استيعابها بالمسح، إلا ما يتعسر استيعابه بالمسح عادة، كالخلل التي تكون بين الخيوط و نحوها.

(مسألة 103): الجروح و القروح المعصبة، حكمها حكم الجبيرة المتقدم، و إن لم تكن معصبة، غسل ما حولها، و الأحوط- استحبابا- المسح عليها إن أمكن، و لا يجب وضع خرقة عليها و مسحها، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 104): اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة، و أما الحاجب اللاصق- اتفاقا- كالقير و نحوه فإن أمكن رفعه وجب، و إلا وجب التيمم، إن لم يكن الحاجب في مواضعه، و إلا فالأظهر كفاية الوضوء و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين التيمّم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 34

(مسألة 105): يختصّ الحكم المتقدّم بالجبيرة الموضوعة على الموضع في موارد الجرح، أو القرح، أو الكسر، و أمّا في غيرها كالعصابة التي يعصب بها العضو، لألم، أو ورم، و نحو ذلك، فلا يجزئ المسح على الجبيرة، بل يجب التيمم إن لم يمكن غسل المحل لضرر و نحوه و لا يختص الحكم بالجبيرة غير المستوعبة

للعضو على الأظهر كما لا فرق بين أن تكون الجبيرة المستوعبة في موضع الغسل أو المسح.

و كذلك الحال مع استيعاب الجبيرة تمام الأعضاء، و أما الجبيرة النجسة التي لا تصلح أن يمسح عليها فإن كانت بمقدار الجرح، أجزأه غسل أطرافه، و يضع خرقة طاهرة على الجبيرة و يمسح عليها على الأحوط، و إن كانت أزيد من مقدار الجرح و لم يمكن رفعها و غسل ما حول الجرح، تعيّن التيمم على الأظهر إذا لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم، و إلا فالأحوط الجمع بين الوضوء و التيمم. و إن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالوضوء مع الجبيرة.

(مسألة 106): يجري حكم الجبيرة في الأغسال- غير غسل الميت- كما كان يجري في الوضوء، فمع الضرر في مسح الموضع المجبّر أو غسل غيره يتعيّن التيمّم و إلا يعمل بوظيفة الجبيرة.

(مسألة 107): لو كانت الجبيرة على العضو الماسح مسح ببلتها.

(مسألة 108): الأرمد إن كان يضره استعمال الماء تيمم، و إن أمكن غسل ما حول العين فالأحوط- استحبابا- له الجمع بين الوضوء و التيمم.

(مسألة 109): إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت أجزأ وضوؤه سواء برئ في أثناء الوضوء أم بعده، قبل الصلاة أم في أثنائها أم بعدها و لا تجب عليه إعادته لغير ذات الوقت- إذا كانت موسعة- كالصلوات الآتية، أما لو برئ في السعة فالأحوط وجوبا- إن لم يكن أقوى- الإعادة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 35

في جميع الصور المتقدمة.

(مسألة 110): إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها.

(مسألة 111): إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها، و إن كان أزيد من المقدار المتعارف، فإن أمكن رفعها، رفعها

و غسل المقدار الصحيح، ثمّ وضعها و مسح عليها و إن لم يمكن ذلك وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضعه، و إلا فالأظهر جواز الاكتفاء بالوضوء.

(مسألة 112): في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب- أولا- أن يغسل ما يمكن من أطرافه، ثمّ وضعه.

(مسألة 113): إذا أضر الماء بأطراف الجرح بالمقدار المتعارف يكفي المسح على الجبيرة، و الأحوط- وجوبا- ضم التيمم إذا كانت الأطراف المتضررة أزيد من المتعارف.

(مسألة 114): إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء، لكن كان بحيث يضره استعمال الماء في مواضعه، فالمتعين التيمم.

(مسألة 115): لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح، أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم لا.

(مسألة 116): إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا، لا يضره نجاسة باطنها.

(مسألة 117): محل الفصد داخل في الجروح، فلو كان غسله مضرا يكفي المسح على الوصلة التي عليه، إن لم تكن أزيد من المتعارف و إلا حلها، و غسل المقدار الزائد ثمّ شدها، و أما إذا لم يمكن غسل المحل لا من جهة الضرر، بل لأمر آخر، كعدم انقطاع الدم- مثلا- فلا بد من التيمم، و لا يجري عليه حكم الجبيرة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 36

(مسألة 118): إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا و كان قابلا للانتفاع لمالكه بعد ردّه إليه فلا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه و تبديله و كذلك إذا كان غير قابل للانتفاع على الأحوط، و إن كان ظاهره مباحا و باطنه مغصوبا فإن لم يعد مسح الظاهر تصرّفا فيه فلا يضرّ و إلا بطل على ما تقدّم.

(مسألة 119): لا يشترط في الجبيرة أن تكون

مما تصح الصلاة فيه فلو كان حريرا، أو ذهبا، أو جزء حيوان غير مأكول، لم يضر بوضوئه فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها، أو غصبيتها.

(مسألة 120): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة، و إن احتمل البرء، و إذا ظن البرء و زوال الخوف وجب رفعها.

(مسألة 121): إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل، لكن كان موجبا لفوات الوقت، فالأظهر العدول إلى التيمم.

(مسألة 122): الدواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم، و صار كالشي ء الواحد، و لم يمكن رفعه بعد البرء، بأن كان مستلزما لجرح المحل، و خروج الدم فلا يجري عليه حكم الجبيرة بل تنتقل الوظيفة إلى التيمم.

(مسألة 123): إذا كان العضو صحيحا، لكن كان نجسا، و لم يمكن تطهيره لا يجري عليه حكم الجرح، بل يتعين التيمم.

(مسألة 124): لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على النحو المتعارف، كما أنه لا يجوز وضع شي ء آخر عليها مع عدم الحاجة إلا أن يحسب جزء منها بعد الوضع.

(مسألة 125): الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث، و كذلك الغسل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 37

(مسألة 126): يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت برجاء استمرار العذر، فإذا انكشف ارتفاعه في الوقت أعاد الوضوء و الصلاة.

(مسألة 127): إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة- لاعتقاده الكسر مثلا- فعمل بالجبيرة ثمّ تبين عدم الكسر في الواقع، لم يصح الوضوء و لا الغسل، و أما إذا تحقق الكسر فجبره، و اعتقد الضرر في غسله فمسح على الجبيرة، ثمّ تبين عدم الضرر، فالظاهر صحة وضوئه و غسله، و إذا اعتقد عدم الضرر فغسل، ثمّ تبين أنه كان مضرا، و كان وظيفته الجبيرة صح وضوؤه و غسله،

حتى فيما كان تحمّل الضرر مع الالتفات محرّما و كذلك يصحان لو اعتقد الضرر، و لكن ترك الجبيرة و توضأ، أو اغتسل ثمّ تبين عدم الضرر، و أن وظيفته غسل البشرة، و لكن الصحة في هذه الصورة تتوقف على إمكان قصد القربة.

(مسألة 128): في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم، الأحوط وجوبا الجمع بينهما.

الفصل الثالث

في شرائط الوضوء:

منها: طهارة الماء، و إطلاقه، و إباحته، و كذا عدم استعماله في التطهير من الخبث إذا كان منفصلا عن استعماله في الوضوء بنحو محقّق للتطهير على الأظهر، بل و لا في رفع الحدث الأكبر على الأحوط استحبابا، على ما تقدّم.

و منها: طهارة أعضاء الوضوء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 38

و منها: إباحة الفضاء الذي يقع فيه الوضوء على الأحوط وجوبا، و الأظهر عدم اعتبار. إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع عدم الانحصار به بل مع الانحصار- أيضا- و إن كانت الوظيفة مع الانحصار التيمم لكنه لو خالف و توضأ بماء مباح من إناء مغصوب أثم، و صح وضوؤه من دون فرق بين الاغتراف منه دفعة، أو تدريجا و الصب منه، نعم لا يصح الوضوء في الإناء المغصوب إذا كان بنحو الارتماس فيه، كما أن الأظهر أن حكم المصب إذا كان وضع الماء على العضو مقدمة للوصول إليه حكم الإناء مع الانحصار و عدمه.

(مسألة 129): يكفي طهارة كل عضو حين غسله، و لا يلزم أن تكون جميع الأعضاء- قبل الشروع- طاهرة، فلو كانت نجسة و غسل كل عضو بعد تطهيره، أو طهره بغسل الوضوء كفى، و لا يضر تنجس عضو بعد غسله، و إن لم يتم الوضوء.

(مسألة 130): إذا توضأ من إناء الذهب، أو الفضة، بالاغتراف منه دفعة،

أو تدريجا، أو بالصب منه، فصحة الوضوء لا تخلو من وجه من دون فرق بين صورة الانحصار و عدمه، و لو توضأ بالارتماس ففي الصحّة إشكال.

و منها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض، أو عطش يخاف منه على نفسه، أو على نفس محترمة. نعم الظاهر صحة الوضوء مع المخالفة في فرض العطش، و لا سيما إذا أراق الماء على أعلى جبهته، و نوى الوضوء- بعد ذلك- بتحريك الماء من أعلى الوجه إلى أسفله.

(مسألة 131): إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فإن قصد أمر الصلاة الأدائي، و كان عالما بالضيق بطل، و إن كان جاهلا به صح، و إن قصد أمر غاية أخرى، و لو كانت هي الكون على الطهارة صح حتى مع العلم بالضيق.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 39

(مسألة 132): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف، أو النجس، أو مع الحائل، بين صورة العلم، و العمد، و الجهل، و النسيان و كذلك الحال إذا كان الماء مغصوبا، فإنه يحكم ببطلان الوضوء به حتى مع الجهل، نعم يصح الوضوء به مع النسيان أو الغفلة، إذا لم يكن الناسي هو الغاصب.

(مسألة 133): إذا نسي غير الغاصب و توضأ بالماء المغصوب و التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء، صح ما مضى من أجزائه، و يجب تحصيل الماء المباح للباقي، و لكن إذا التفت إلى الغصبية بعد الغسلات، و قبل المسح، فجواز المسح بما بقي من الرطوبة لا يخلو من قوة، و إن كان الأحوط- استحبابا- إعادة الوضوء.

(مسألة 134): مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف و يجري عليه حكم الغصب، فلا بد من العلم برضا المالك، و لو بالفحوى أو شاهد الحال.

(مسألة

135): يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار المملوكة لأشخاص خاصة، سواء أ كانت قنوات، أو منشقّة من شط، و إن لم يعلم رضا المالكين، و كذلك الأراضي الوسيعة جدا، أو غير المحجبة، فيجوز الوضوء و الجلوس، و النوم، و نحوها فيها، ما لم ينه المالك، و لو يعلم بأن المالك صغير، أو مجنون على الأحوط استحبابا.

(مسألة 136): الحياض الواقعة في المساجد و المدارس- إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها، أو الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها- لا يجوز لغيرهم الوضوء منها، إلا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد، مع عدم منع أحد، فإنه يجوز الوضوء لغيرهم منها إذا كشفت العادة عن عموم الإذن.

(مسألة 137): إذا علم أو احتمل أن حوض المسجد وقف على

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 40

المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، و لو توضأ بقصد الصلاة فيه، ثمّ بدا له أن يصلي في مكان آخر. أو لم يتمكن من ذلك، فالظاهر صحة وضوئه، فإن المتفاهم عرفا من الوقف كذلك اعتبار قصد الصلاة فيه، و كذلك يصح لو توضأ غفلة، أو باعتقاد عدم الاشتراط، و لا يجب عليه أن يصلي فيه، و إن كان أحوط.

(مسألة 138): إذا دخل المكان الغصبي- غفلة و في حال الخروج- توضأ بحيث لا ينافي فوريته، فالظاهر صحة وضوئه، و أما إذا دخل عصيانا و خرج، و توضأ في حال الخروج، فالحكم فيه هو الحكم فيما إذا توضأ حال الدخول.

و منها: النية، و هي أن يقصد العمل متقربا به إلى اللّه تعالى و يحصل التقرب بإتيان الفعل بقصد امتثال أمره أو محبوبيته أو نحو ذلك و لا

فرق بين أن يكون الداعي إلى الامتثال هو الحب له سبحانه، أو رجاء الثواب، أو الخوف من العقاب، و يعتبر فيها الاخلاص فلو ضمّ إليها الرياء بطل، و لو ضمّ إليها غيره من الضمائم الراجحة، كالتنظيف من الوسخ، أو المباحة كالتبريد، فإن كانت الضميمة تابعة، أو كان كل من الأمر و الضميمة صالحا للاستقلال في البعث إلى الفعل، لم تقدح، و في غير ذلك تقدح، و الأظهر عدم قدح العجب حتى المقارن، و إن كان موجبا لحبط الثواب.

(مسألة 139): لا تعتبر نية الوجوب، و لا الندب، و لا غيرهما من الصفات و الغايات، و لو نوى الوجوب في موضع الندب، أو العكس- جهلا أو نسيانا- صح، و كذا الحال إذا نوى التجديد و هو محدث أو نوى الرفع و هو متطهر.

(مسألة 140): لا بد من استمرار النية بمعنى صدور تمام الأجزاء عن النية المذكورة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 41

(مسألة 141): لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفى وضوء واحد، و لو اجتمعت أسباب للغسل، أجزأ غسل واحد بقصد الجميع و كذا لو قصد الجنابة فقط، بل الأقوى ذلك أيضا إذا قصد منها واحدا غير الجنابة، و لو قصد الغسل قربة من دون نية الجميع و لا واحد بعينه فالأظهر الصحة لأنّ التقرب بقصد امتثال الأمر يوجب نية الجميع.

و منها: مباشرة المتوضئ للغسل و المسح، فلو وضأه غيره- على نحو لا يسند إليه الفعل- بطل إلا مع الاضطرار، فيوضئه غيره، و لكن هو الذي يتولى النية، و الأحوط أن ينوي الموضئ أيضا.

و منها: الموالاة، و هي التتابع في الغسل و المسح بنحو لا يلزم جفاف تمام السابق قبل الشروع في اللاحق في الحال المتعارفة، فلا يقدح

الجفاف لأجل حرارة الهواء أو البدن الخارجة عن المتعارف.

(مسألة 142): الأحوط- وجوبا- عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن حد الوجه.

و منها: الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه، ثمّ اليد اليمنى، ثمّ اليسرى، ثمّ مسح الرأس، و الأحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى و كذا يجب الترتيب في اجزاء كل عضو على ما تقدم، و لو عكس الترتيب- سهوا- أعاد على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة، و إلا استأنف، و كذا لو عكس- عمدا- إلا أن يكون قد أتى بالجميع عن غير الأمر الشرعي فيستأنف.

الفصل الرابع

في أحكام الخلل:

(مسألة 143): من تيقن الحدث و شك في الطهارة تطهّر، و كذا لو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 42

ظن الطهارة ظنا غير معتبر شرعا، و لو تيقن الطهارة، و شك في الحدث بنى على الطهارة، و إن ظن الحدث ظنا غير معتبر شرعا.

(مسألة 144): إذا تيقن الحدث و الطهارة، و شك في المتقدم و المتأخر، تطهّر سواء علم تاريخ الطهارة، أو علم تاريخ الحدث، أو جهل تاريخهما جميعا.

(مسألة 145): إذا شك في الطهارة بعد الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة بنى على صحة العمل، و تطهر لما يأتي، إلا إذا كان الشك في الطهارة قبل العمل ثمّ غفل و دخل في الصلاة فالأظهر لزوم الإعادة بعد الوضوء فإنّ العمل مسبوق بالشك في الصحة.

(مسألة 146): إذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة- مثلا- قطعها و تطهر، و استأنف الصلاة.

(مسألة 147): لو تيقن الإخلال بغسل عضو أو مسحه أتى به و بما بعده، مراعيا للترتيب و الموالاة و غيرهما، من الشرائط، و كذا لو شكّ في فعل من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه، بل فيما يعتبر

في أفعاله أيضا على الأحوط، أما لو شك بعد الفراغ لم يلتفت، و إذا شك في الجزء الأخير، فإن كان ذلك قبل الدخول في الصلاة و نحوها مما يتوقف على الطهارة، و قبل فوت الموالاة لزمه الإتيان به، و إلا فلا.

(مسألة 148): ما ذكرناه آنفا من لزوم الاعتناء بالشك، فيما إذا كان الشك أثناء الوضوء، لا يفرق فيه بين أن يكون الشك بعد الدخول في الجزء المترتب أو قبله، و لكنه يختص بغير الوسواسي، و أما الوسواسي (و هو من لا يكون لشكه منشأ عقلائي بحيث لا يلتفت العقلاء إلى مثله) فلا يعتني بشكه مطلقا. و إلحاق كثير الشك في الوضوء بالوسواسي له وجه.

(مسألة 149): إذا كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 43

الحدث إذا نسي شكه و صلى، فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر فتجب عليه الإعادة إن تذكّر في الوقت، و القضاء إن تذكر بعده.

(مسألة 150): إذا كان متوضئا، و توضأ للتجديد، و صلى، ثمّ تيقن بطلان أحد الوضوءين، و لم يعلم أيهما، فلا إشكال في صحة صلاته و لا تجب عليه إعادة الوضوء للصلوات الآتية أيضا.

(مسألة 151): إذا توضأ وضوءين، و صلى بعدهما، ثمّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية، لأن الوضوء الأول معلوم الانتقاض، و الثاني غير محكوم ببقائه، للشك في تأخره و تقدمه على الحدث و أما الصلاة فيبني على صحتها لقاعدة الفراغ، و إذا كان في محل الفرض قد صلى بعد كل وضوء صلاة، أعاد الوضوء لما تقدم، و أعاد الصلاة الثانية، و أما الصلاة الأولى فيجب إعادتها أيضا إذا احتمل طهارته فعلا بالوضوء الثاني بأن حصل علمه

الإجمالي قبل أن يصدر عنه حدث غير المعلوم بالإجمال، و ذلك لعلمه الإجمالي إمّا بوجوب إعادتها أو حرمة مس كتابة القرآن فعلا.

(مسألة 152): إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءا منه و لا يدري أنه الجزء الواجب، أو المستحب، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه.

(مسألة 153): إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، و لكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية أو لا بل كان على غير الوجه الشرعي فالأظهر وجوب الإعادة.

(مسألة 154): إذا تيقن أنه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله و لكن شك في أنه أتمه على الوجه الصحيح أو لا، بل عدل عنه- اختيارا أو اضطرارا- فالظاهر عدم صحّة وضوئه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 44

(مسألة 155): إذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب، أو شك في حاجبيته كالخاتم، أو علم بوجوده و لكن شك بعده في أنه أزاله، أو أنه أوصل الماء تحته، بنى على الصحة مع احتمال الالتفات حال الوضوء و كذا إذا علم بوجود الحاجب، و شك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده بنى على الصحة.

(مسألة 156): إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجسا فتوضأ و شك- بعده في أنه طهّرها أم لا، بنى على بقاء النجاسة، فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، و أما لوضوء فمحكوم بالصحة، و كذلك لو كان الماء الذي توضأ منه نجسا ثمّ شك- بعد الوضوء- في أنه طهّره قبله أم لا، فإنّه يحكم بصحة وضوئه، و بقاء الماء نجسا، فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه و بدنه.

الفصل الخامس

في نواقض الوضوء:

يحصل

الحدث بأمور:

الأول و الثاني: خروج البول و الغائط، سواء أ كان من الموضع المعتاد بالأصل، أم بالعارض، أم كان من غيره على الأحوط وجوبا، و البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء، بحكم البول ظاهرا.

الثالث: خروج الريح من الدبر، أو من غيره، إذا كان من شأنه أن يخرج من الدبر، و لا عبرة بما يخرج من القبل و لو مع الاعتياد.

الرابع: النوم الغالب على العقل، و يعرف بغلبته على السمع من غير فرق بين أن يكون قائما، و قاعدا، و مضطجعا، و مثله كل ما غلب على العقل من جنون، أو إغماء، أو سكر، أو غير ذلك، على الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 45

الخامس: الاستحاضة على تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة 157): إذا شك في طرو أحد النواقض بنى على العدم و كذا إذا شك في أن الخارج بول، أو مذي، فإنّه يبني على عدم كونه بولا، إلا أن يكون قبل الاستبراء، فيحكم بأنه بول، فإن كان متوضئا انتقض وضوؤه.

(مسألة 158): إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء، و كذا لو شك في خروج شي ء من الغائط معه.

(مسألة 159): لا ينتقض الوضوء بخروج المذي، أو الودي، أو الوذي، و الاول ما يخرج عند الملاعبة و الشهوة، و الثاني ما يخرج بعد خروج البول، و الثالث ما يخرج بعد خروج المني.

الفصل السادس

[المبطون و المسلوس]

من استمر به الحدث في الجملة كالمبطون، و المسلوس، و نحوهما، له أحوال أربع:

الأولى: أن تكون له فترة تسع الوضوء و الصلاة الاختيارية، و حكمه وجوب انتظار تلك الفترة، و الوضوء و الصلاة فيها.

الثانية: أن لا تكون له فترة أصلا، أو تكون له فترة يسيرة لا تسع

الطهارة و بعض الصلاة، و حكمه الوضوء و الصلاة، و ليس عليه الوضوء لصلاة أخرى، إلا أن يحدث حدثا آخر، كالنوم و غيره، فيجدد الوضوء لها.

الثالثة: أن تكون له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة، و لا يكون عليه- في تجديد الوضوء في الاثناء مرة أو مرات- حرج، و حكمه الوضوء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 46

و الصلاة في الفترة، و لا يجب عليه إعادة الوضوء إذا فاجأه الحدث أثناء الصلاة و بعدها، و إن كان الاحوط أن يجدد الوضوء كلما فاجأه الحدث أثناء صلاته و يبني عليها، كما أن الأحوط إذا أحدث- بعد الصلاة- أن يتوضأ للصلاة الأخرى.

الرابعة: الصورة الثالثة، لكن يكون تجديد الوضوء- في الأثناء- حرجا عليه، و حكمه الاجتزاء بالوضوء الواحد، ما لم يحدث حدثا آخر و الأحوط أن يتوضأ لكل صلاة.

(مسألة 160): الأحوط لمستمر الحدث الاجتناب عما يحرم على المحدث، و إن كان الأظهر عدم وجوبه، فيما إذا جاز له الصلاة.

(مسألة 161): يجب على المسلوس و المبطون التحفظ من تعدي النجاسة إلى بدنه و ثوبه مهما أمكن بوضع كيس أو نحوه، و لا يجب تغييره لكل صلاة.

الفصل السابع

اشارة

لا يجب الوضوء لنفسه، و تتوقف صحة الصلاة- واجبة كانت، أو مندوبة- عليه، و كذا أجزاؤها المنسية بل سجود السهو على الأحوط استحبابا، و مثل الصلاة الطواف الواجب، و هو ما كان جزءا من حجة أو عمرة، دون المندوب و إن وجب بالنذر، نعم يستحب له.

[ما لا يجوز للمحدث مسه]

(مسألة 162): لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن، حتى المد و التشديد و نحوهما، و لا مس اسم الجلالة و سائر أسمائه و صفاته على الأحوط وجوبا، و الأولى إلحاق أسماء الأنبياء و الأوصياء و سيدة النساء- صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين- به.

(مسألة 163): الوضوء مستحب لنفسه فلا حاجة في صحته إلى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 47

جعل شي ء غاية له و إن كان يجوز الإتيان به لغاية من الغايات المأمور بها مقيّدة به فيجوز الإتيان به لأجلها، و يجب إن وجبت، بناء على وجوب المقدمة، و يستحب إن استحبت بل مطلقا، سواء توقف عليه صحتها أم كمالها.

(مسألة 164): لا فرق في جريان الحكم المذكور بين الكتابة بالعربية و الفارسية، و غيرهما، و لا بين الكتابة بالمداد، و الحفر، و التطريز، و غيرهما كما لا فرق في الماس، بين ما تحله الحياة، و غيره، نعم لا يجري الحكم في المس بالشعر إذا كان الشعر غيره تابع للبشرة ز

(مسألة 165): الألفاظ المشتركة بين القرآن و غيره يعتبر فيها قصد الكاتب، و إن شك في قصد الكاتب جاز المس.

(مسألة 166): يجب الوضوء إذا وجبت إحدى الغايات المذكورة آنفا، و يستحب إذا استحبت على ما تقدم، و قد يجب بالنذر، و شبهه، و يستحب للطواف المندوب، و لسائر أفعال الحج، و لطلب الحاجة، و لحمل المصحف الشريف، و لصلاة

الجنائز، و تلاوة القرآن، و للكون على الطهارة، و لغير ذلك من الموارد التي يستحب الوضوء فيها و إن كان بنحو التأكد في استحبابه.

(مسألة 167): إذا دخل وقت الفريضة يجوز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة، كما يجوز الإتيان به بقصد الكون على الطهارة و كذا يجوز الإتيان به بقصد الغايات المستحبة الأخرى.

(مسألة 168): سنن الوضوء على ما ذكره العلماء «رض» وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين، و التسمية، و الدعاء بالمأثور، و غسل اليدين من الزندين قبل إدخالهما في الإناء الذي يغترف منه، لحدث النوم، أو البول مرة، و للغائط مرتين، و المضمضة، و الاستنشاق، و تثليثهما، و تقديم المضمضة، و الدعاء بالمأثور عندها، و عند غسل الوجه و اليدين

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 48

و مسح الرأس، و الرجلين، و تثنية الغسلات، و الأحوط وجوبا عدم التثنية في اليسرى احتياطا للمسح بها، و كذلك اليمنى إذا أراد المسح بها من دون أن يستعملها في غسل اليسرى، و كذلك الوجه لأخذ البلل منه عند جفاف بلل اليد، و يستحب أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى و الثانية و المرأة تبدأ بالباطن فيهما، و يكره الاستعانة بغيره في المقدمات القريبة.

المبحث الرابع الغسل

اشارة

و الواجب منه لغيره: غسل الجنابة، و الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و مس الأموات، و الواجب لنفسه: غسل الأموات، فهنا مقاصد:

المقصد الأول غسل الجنابة

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول ما تتحقق به الجنابة:

سبب الجنابة أمران:

الأول: خروج المني من الموضع المعتاد و غيره، و إن كان الأحوط استحبابا عند الخروج من غير المعتاد الجمع بين الطهارتين إذا كان محدثا بالأصغر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 49

(مسألة 169): إن عرف المني فلا إشكال، و إن لم يعرف فالشهوة و الدفق، و فتور الجسد أمارة عليه، و مع انتفاء واحد منها لا يحكم بكونه منيا و في المريض يرجع إلى الشهوة و الفتور، و لا ينبغي ترك الاحتياط مع عدم الاحساس بالفتور.

(مسألة 170): من وجد على بدنه، أو ثوبه منيا و علم أنه منه بجنابة لم يغتسل منها وجب عليه الغسل، و يعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة المذكورة، دون ما يحتمل سبقها عليها، و إن علم تاريخ الجنابة و جهل تاريخ الصلاة، و إن كانت الإعادة لها أحوط استحبابا و إن لم يعلم أنه منه لم يجب عليه شي ء.

(مسألة 171): إذا دار أمر الجنابة بين شخصين يعلم كل منهما أنها من أحدهما ففيه صورتان: الأولى: أن يكون جنابة الآخر موضوعا لحكم إلزامي بالنسبة إلى العالم بالجنابة إجمالا، و ذلك كحرمة استيجاره لدخول المسجد، أو للنيابة عن الصلاة عن ميت مثلا، ففي هذه الصورة يجب على العالم بالإجمال ترتيب آثار العلم فيجب على نفسه الغسل، و لا يجوز له استيجاره لدخول المسجد، أو للنيابة في الصلاة، نعم لا بد له من التوضي أيضا تحصيلا للطهارة لما يتوقف عليها. الثانية: أن لا تكون جنابة الآخر موضوعا لحكم إلزامي بالإضافة إلى العالم بالجنابة إجمالا ففيها لا يجب الغسل على أحدهما لا من حيث تكليف نفسه، و لا من حيث تكليف غيره إذا لم يعلم بالفساد، أمّا

لو علم به و لو إجمالا لزمه الاحتياط فلا يجوز الائتمام لغيرهما بأحدهما إن كان كل منهما موردا للابتلاء فضلا عن الائتمام بكليهما، أو ائتمام أحدهما بالآخر، كما لا يجوز لغيرهما استنابة أحدهما في صلاة، أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة.

(مسألة 172): البلل المشكوك الخارج بعد خروج المني و قبل الاستبراء منه بالبول بحكم المني ظاهرا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 50

الثاني: الجماع و لو لم ينزل، و يتحقق بدخول الحشفة في القبل، أو الدبر، من المرأة و أما في غيرها فالأحوط الجمع بين الغسل و الوضوء للواطئ و الموطوء فيما إذا كانا محدثين بالحدث الأصغر، و إلا يكتفي بالغسل فقط و يكفي في مقطوع الحشفة دخول مقدارها، بل الأحوط وجوبا الاكتفاء بمجرد الادخال منه.

(مسألة 173): إذا تحقق الجماع تحققت الجنابة للفاعل و المفعول به، من غير فرق بين الصغير و الكبير، و العاقل و المجنون، و القاصد و غيره، بل الظاهر ثبوت الجنابة للحي إذا كان أحدهما ميتا.

(مسألة 174): إذا خرج المني بصورة الدم، وجب الغسل بعد العلم بكونه منيا.

(مسألة 175): إذا تحرك المني عن محله بالاحتلام و لم يخرج إلى الخارج، لا يجب الغسل.

(مسألة 176): يجوز للشخص إجناب نفسه بمقاربة زوجته و لو لم يقدر على الغسل و كان بعد دخول الوقت، نعم إذا لم يتمكن من التيمم أيضا لا يجوز ذلك، و أما في الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضئا- و لم يتمكن من الوضوء لو أحدث- أن يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت.

(مسألة 177): إذا شك في أنه هل حصل الدخول أم لا، لا يجب عليه الغسل، و كذا لا يجب لو شك في أن المدخول فيه فرج، أو دبر،

أو غيرهما.

(مسألة 178): الوطء في دبر الخنثى بلا إنزال موجب للجنابة على الأحوط فيجب الجمع بين الغسل و الوضوء إذا كان الواطئ، أو الموطوء محدثا بالأصغر دون قبلها إلا مع الإنزال فيجب عليه الغسل دونها إلا أن تنزل هي أيضا، و لو أدخلت الخنثى، في الرجل، أو الانثى مع عدم الإنزال

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 51

لا يجب الغسل على الواطئ و لا على الموطوء، و إذا أدخل الرجل بالخنثى و تلك الخنثى بالأنثى، وجب الغسل على الخنثى دون الرجل و الانثى على تفصيل تقدم في المسألة «171».

الفصل الثاني [ما تتوقف صحته أو جوازه على غسل الجنابة]

فيما يتوقف صحته أو جوازه على غسل الجنابة، و هو أمور:

الأول: الصلاة مطلقا، عدا صلاة الجنائز، و كذا أجزاؤها المنسية بل سجود السهو على الأحوط استحبابا.

الثاني: الطواف الواجب بالاحرام مطلقا كما تقدم في الوضوء.

الثالث: الصوم، بمعنى أنه لو تعمد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر بطل صومه، و كذا صوم ناسي الغسل، على تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

الرابع: مس كتابة القرآن الشريف، و مس اسم اللّه تعالى على ما تقدم في الوضوء.

الخامس: اللبث في المساجد، بل مطلق الدخول فيها، و إن كان لوضع شي ء فيها، بل لا يجوز وضع شي ء فيها حال الاجتياز و من خارجها، كما لا يجوز الدخول لأخذ شي ء منها، و يجوز الاجتياز فيها بالدخول من باب مثلا، و الخروج من آخر إلا في المسجدين الشريفين- المسجد الحرام، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله- و الأحوط وجوبا إلحاق المشاهد المشرّفة، بالمساجد في الأحكام المذكورة.

السادس: قراءة آية السجدة من سور العزائم، و هي (ألم السجدة، و حم السجدة، و النجم، و العلق) و الأحوط استحبابا إلحاق تمام السورة بها

حتى بعض البسملة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 52

(مسألة 179): لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها و الخراب، و إن لم يصلّ فيه أحد و لم تبق آثار المسجدية و كذلك المساجد في الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهبت آثار المسجدية بالمرة، على الأحوط. و إن كان الأظهر عدم ترتبها مع عدم بقاء آثار المسجدية و تعنونه بعنوان آخر كالجادة و النهر و نظائرها.

(مسألة 181): لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال الجنابة بل الإجارة فاسدة، و لا يستحق أجرة، هذا إذا علم الأجير بجنابته، أمّا إذا جهل بها فالأظهر عدم جواز استئجاره أيضا و لكنه يستحق أجرة المثل على كنسه، و أما الصبي و المجنون الجنب فلا بأس باستيجارهما.

(مسألة 182): إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين، لا يجوز استئجارهما، و لا استئجار أحدهما لقراءة العزائم، أو دخول المساجد أو نحو ذلك مما يحرم على الجنب.

(مسألة 183): مع الشك في الجنابة لا يحرم شي ء من المحرمات المذكورة، إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة.

الفصل الثالث [مكروهات غسل الجنابة]

قد ذكروا أنه يكره للجنب الأكل و الشرب إلا بعد الوضوء، أو المضمضة، و الاستنشاق، و يكره قراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، بل الأحوط استحبابا عدم قراءة شي ء من القرآن ما دام جنبا، و لكن في كون كراهة القراءة بمعنى الكراهة الاصطلاحية تأمّل، و يكره أيضا مس ما عدا الكتابة من المصحف، و النوم جنبا إلا أن يتوضأ أو يتيمم بدل الغسل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 53

الفصل الرابع واجبات غسل الجنابة:

في واجباته: فمنها النية، و لا بد فيها من الاستدامة إلى آخر الغسل كما تقدم تفصيل ذلك كله في الوضوء.

و منها: غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقق به مسماه، فلا بد من رفع الحاجب و تخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلا بالتخليل، و لا يجب غسل الشعر، إلا ما كان من توابع البدن، كالشعر الرقيق، و لا يجب غسل الباطن أيضا. نعم الأحوط استحبابا غسل ما يشك في أنه من الباطن، أو الظاهر، إلا إذا علم سابقا أنه من الظاهر ثمّ شك في تبدله فيجب غسله حينئذ.

و منها: الاتيان بالغسل على إحدى كيفيتين:

أولاهما: الترتيب بأن يغسل أولا تمام الرأس، و منه العنق ثمّ بقية البدن، و الأحوط الأولى أن يغسل أولا تمام النصف الأيمن ثمّ تمام النصف الأيسر، و لا بد في غسل كل عضو من إدخال شي ء من الآخر من باب المقدمة، و لا ترتيب هنا بين أجزاء كل عضو، فله أن يغسل الأسفل منه قبل الأعلى، كما أنه لا كيفية مخصوصة للغسل هنا، بل يكفي المسمى كيف كان، فيجزي رمس الرأس بالماء أولا، ثمّ الجانب الأيمن، ثمّ الجانب الأيسر، كما يكفي رمس البعض، و الصب على الآخر و

لا يكفي تحريك العضو المرموس في الماء على الأحوط.

ثانيتهما: الارتماس، و هو تغطية البدن في الماء تغطية واحدة بنحو يحصل غسل تمام البدن فيها، فيخلل شعره فيها إن احتاج إلى ذلك و يرفع قدمه على الأرض إن كانت موضوعة عليها، و الأحوط أن يحصل جميع

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 54

ذلك في زمان واحد عرفا و إن كان الأظهر كفاية وصول الماء إلى جميع بشرته في تغطية واحدة و لو وصل الماء إلى بعض بشرته متأخرا لحائل و غيره.

(مسألة 184): النية في هذه الكيفية، يجب أن تكون مقارنة لتغطية تمام البدن.

(مسألة 185): يعتبر خروج البدن كلا أو بعضا من الماء ثمّ رمسه بقصد الغسل على الأحوط، و لو ارتمس في الماء لغرض و نوى الغسل بعد الارتماس، لم يكفه و إن حرك بدنه تحت الماء.

و منها: إطلاق الماء، و طهارته، و إباحته، و المباشرة في حال الاختيار و عدم المانع من استعمال الماء من مرض و نحوه، و طهارة العضو المغسول على نحو ما تقدم في الوضوء. و قد تقدم فيه أيضا التفصيل في اعتبار إباحة الإناء و المصب، و حكم الجبيرة، و الحائل و غيرهما، من أفراد الضرورة و حكم الشك، و النسيان، و ارتفاع السبب المسوّغ للوضوء الناقص في الأثناء و بعد الفراغ منها فإنّ الغسل كالوضوء في جميع ذلك، نعم يفترق عنه على ما يقال في جواز المضي مع الشك بعد التجاوز و إن كان في الأثناء، و لكن لا يترك الاحتياط فيه و كذا يفترق عنه في عدم اعتبار الموالاة في الترتيبي منه.

(مسألة 186): الغسل الترتيبي أفضل من الغسل الارتماسي.

(مسألة 187): يجوز العدول من الغسل الترتيبي إلى الارتماسي، كما يجوز

العدول من الارتماسي- على ما بينّاه- قبل تمامه إلى الترتيبي و العدول بمعنى رفع اليد عما شرع فيه و البدء بكيفية أخرى.

(مسألة 188): يجوز الارتماس فيما دون الكر، و إن كان يجري على الماء حينئذ حكم المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 55

(مسألة 189): إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت، فتبين ضيقه فغسله صحيح.

(مسألة 190): ماء غسل المرأة من الجنابة، أو الحيض، أو نحوهما عليها، لا على الزوج.

(مسألة 191): إذا خرج من بيته بقصد الغسل في الحمام فدخله و اغتسل، و لم يستحضر النية تفصيلا، كفى ذلك في نية الغسل إذا كان بحيث لو سئل ما ذا تفعل، لأجاب بأنه يغتسل، أما لو كان يتحير في الجواب، بطل لانتفاء النية.

(مسألة 192): إذا كان قاصدا عدم إعطاء العوض للحمامي، أو كان بناؤه على إعطاء الأموال المحرمة، أو على تأجيل العوض مع عدم إحراز رضا الحمامي بطل غسله، و إن استرضاه بعد ذلك.

(مسألة 193): إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل، و بعد الخروج شك في أنه اغتسل أم لا بنى على العدم، و لو علم أنه اغتسل، لكن شك في أنه اغتسل على الوجه الصحيح أم لا، بنى على الصحة.

(مسألة 194): إذا كان ماء الحمام مباحا، لكن سخن بالحطب المغصوب، لا مانع من الغسل فيه.

(مسألة 195): لا يجوز الغسل في حوض المدرسة، إلا إذا علم بعموم الوقفية، أو الإباحة. نعم إذا كان الاغتسال فيه لأهلها من التصرفات المتعارفة جاز.

(مسألة 196): الماء الذي يسبلونه، لا يجوز الوضوء، و لا الغسل منه إلا مع العلم بعموم الاذن أو مع عدم مالك محترم له.

(مسألة 197): لبس المئزر الغصبي حال الغسل محرّم في نفسه، و في صحّة الغسل معه

تأمّل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 56

الفصل الخامس مستحبات غسل الجنابة:

قد ذكر العلماء «رض» أنه يستحب غسل اليدين أمام الغسل، من المرفقين ثلاثا، ثمّ المضمضة ثلاثا، ثمّ الاستنشاق ثلاثا، و إمرار اليد على ما تناله من الجسد، خصوصا في الترتيبي، بل ينبغي التأكد في ذلك و في تخليل ما يحتاج إلى التخليل، و نزع الخاتم و نحوه، و الاستبراء بالبول قبل الغسل.

(مسألة 198): الاستبراء بالبول ليس شرطا في صحة الغسل، لكن إذا تركه و اغتسل ثمّ خرج منه بلل مشتبه بالمني، جرى عليه حكم المني ظاهرا، فيجب الغسل له كالمني، سواء استبرأ بالخرطات، لتعذر البول أم لا، إلا إذا علم بذلك أو بغيره عدم بقاء شي ء من المني في المجرى.

(مسألة 199): إذا بال بعد الغسل و لم يكن قد بال قبله، لم تجب إعادة الغسل و إن احتمل خروج شي ء من المني مع البول فالأحوط إعادة الغسل.

(مسألة 200): إذا دار الأمر المشتبه بين البول و المني بعد الاستبراء بالبول و الخرطات فإن كان محدثا بالأصغر وجب عليه الوضوء فقط و إن كان متطهرا من الحدثين فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء أيضا و ذلك لأنه بخروج البلل المزبور يعلم بصدور ناقض الوضوء و من صدر عنه ناقض الوضوء و لم يكن جنبا- كما هو مقتضى الاستصحاب هنا- فوظيفته الوضوء.

(مسألة 201): يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكل ما اشترط به.

(مسألة 202): إذا خرجت رطوبة مشتبهة بعد الغسل، و شك في أنه استبرأ بالبول، أم لا، بنى على عدمه، فيجب عليه الغسل.

(مسألة 203): لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة، بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص و الاختبار، و أن يكون لعدم إمكان الاختبار من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 57

جهة العمى، أو الظلمة، أو نحو ذلك.

(مسألة 204): لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل من الجنابة استأنف الغسل، و الأحوط وجوبا ضمّ الوضوء إليه. نعم إذا عدل بعد الحدث الأصغر إلى الارتماسي فلا حاجة إلى ضم الوضوء بل هو غير مشروع هنا.

(مسألة 205): إذا أحدث أثناء سائر الأغسال بالحدث الأصغر أتمّها و توضأ، و لكنه إذا عدل عن الغسل الترتيبي إلى الارتماسي، فلا حاجة إلى الوضوء، إلا في الاستحاضة المتوسطة.

(مسألة 206): إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل، فإن كان مماثلا للحدث السابق، كالجنابة في أثناء غسلها، أو المس في أثناء غسله، فلا إشكال في وجوب الاستئناف، و إن كان مخالفا له فالأقوى عدم بطلانه، فالحدث السابق يرتفع بإتمام الغسل و يبقى محدثا بالحدث الطارئ في الأثناء فيأتي بغسل آخر، و يجوز الاستئناف بغسل واحد لهما ارتماسا. و أمّا في الترتيبي فيقصد به رفع الحدث الموجود على النحو المأمور به واقعا، و لا يجب الوضوء بعده في غير الاستحاضة المتوسطة.

(مسألة 207): إذا شك في غسل الرأس و الرقبة قبل الدخول في غسل البدن، رجع و أتى به، و إن كان بعد الدخول فيه فالأحوط لزوم الاعتناء و البناء على عدم الإتيان به، و أمّا إذا شك في غسل الطرف الأيمن فاللازم الاعتناء به حتى مع الدخول في غسل الطرف الأيسر.

(مسألة 208): إذا غسل أحد الأعضاء، ثمّ شك في صحته و فساده فالأحوط الاعتناء ما دام لم يفرغ عن الغسل بالدخول في الصلاة و نحوها و لا فرق فيما ذكر بين أن يكون الشك بعد دخوله في غسل العضو الآخر أو يكون قبله.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 58

(مسألة 209): إذا شك في غسل الجنابة بنى على

عدمه، و إذا شك فيه بعد الفراغ من الصلاة، و احتمل الالتفات إلى ذلك قبلها فالصلاة محكومة بالصحة، لكنه يجب عليه أن يغتسل للصلوات الآتية. هذا إذا لم يصدر منه الحدث الأصغر بعد الصلاة، و إلا وجب عليه الجمع بين الوضوء و الغسل، بل وجبت إعادة الصلاة أيضا إذا كان الشك في الوقت و أمّا بعد مضيه فلا تجب إعادتها. و إذا علم- إجمالا- بعد الصلاة ببطلان صلاته أو غسله، وجبت عليه إعادة الصلاة فقط.

(مسألة 210): إذا اجتمع عليه أغسال متعددة واجبة، أو مستحبة أو بعضها واجب، و بعضها مستحب، فقد تقدم حكمها في شرائط الوضوء في المسألة «141» فراجع.

(مسألة 211): إذا كان يعلم- إجمالا- أن عليه أغسالا، لكنه لا يعلم بعضها بعينه، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه، و إذا قصد البعض المعين كفى عن غير المعين، و إذا علم أن في جملتها غسل الجنابة و قصده في جملتها، أو بعينه لم يحتج إلى الوضوء بل الأظهر عدم الحاجة إلى الوضوء مطلقا في غير الاستحاضة المتوسطة.

المقصد الثاني غسل الحيض

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول [سبب الحيض]

في سببه و هو خروج دم الحيض الذي تراه المرأة في زمان مخصوص غالبا، سواء خرج من الموضع المعتاد، أو من غيره، و إن كان خروجه بقطنة،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 59

و إذا انصب من الرحم إلى فضاء الفرج و لم يخرج منه أصلا ففي جريان حكم الحيض عليه إشكال، و إن كان الأظهر عدمه، و لا إشكال في بقاء الحدث ما دام باقيا في باطن الفرج.

(مسألة 212): إذا افتضّت البكر فسال دم كثير و شك في أنه من دم الحيض، أو من العذرة، أو منهما، أدخلت قطنة و تركتها مليا ثمّ أخرجتها إخراجا رفيقا، فإن كانت مطوّقة بالدم، فهو من العذرة و إن كانت مستنقعة فهو من الحيض، و وجوب الاختبار طريقي، فلو صلّت بدونه صحت إن تبين بعد ذلك عدم كونه حيضا و حصل منها قصد القربة و مع عدم الاختبار لا يجوز إتيان العمل بقصد الأمر الجزمي.

(مسألة 213): إذا تعذّر الاختبار المذكور فالأقوى الاعتبار بحالها السابق، من حيض، أو عدمه، و إذا جهلت الحالة السابقة على هذا الدم من طهر أو حيض فتبني على الطهارة و إن كان الجمع بين تروك الحائض و أفعال الطاهرة أحوط.

الفصل الثاني [اعتبار البلوغ في تحقق الحيض]

كل دم تراه الصبية قبل بلوغها تسع سنين و لو بلحظة، لا تكون له أحكام الحيض، و إن علمت أنه حيض واقعا، هذا إذا أحرزت عدم إكمالها التسع و إلا يحكم ببلوغها و يجري على الدم أحكام الحيض، و كذا المرأة بعد اليأس و يتحقق اليأس ببلوغ خمسين سنة في غير القرشية على المشهور و لكن الأحوط، في القرشية و غيرها الجمع بين تروك الحائض، و أفعال المستحاضة بعد بلوغها خمسين، و قبل بلوغها ستين

إذا كان الدم بصفات الحيض، أو أنها رأته أيام عادتها.

(مسألة 214): الأقوى اجتماع الحيض و الحمل حتى بعد استبانته،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 60

لكن لا يترك الاحتياط فيما يرى بعد أول العادة بعشرين يوما، إذا كان واجدا للصفات.

الفصل الثالث أقل الحيض و أكثره:

أقل الحيض ما يستمر ثلاثة أيام و لو في باطن الفرج، و ليلة اليوم الأول كليلة الرابع خارجتان، و الليلتان المتوسطتان داخلتان، و لا يكفي وجوده في بعض كل يوم من الثلاثة، و لا مع انقطاعه في الليل، و يكفي التلفيق من أبعاض اليوم، و أكثر الحيض عشرة أيام، و كذلك أقل الطهر فكل دم تراه المرأة ناقصا عن ثلاثة، أو زائدا على العشرة، أو قبل مضي عشرة من الحيض الأول، فليس بحيض.

الفصل الرابع [أحكام ذات العادة]

تصير المرأة ذات عادة بتكرر الحيض مرتين متواليتين من غير فصل بينهما بحيضة مخالفة، فإن اتفقا في الزمان و العدد- بأن رأت في أول كل من الشهرين المتواليين أو آخره سبعة أيام مثلا- فالعادة وقتية و عددية و إن اتفقا في الزمان خاصة دون العدد- بأن رأت في أول الشهر الأول سبعة و في أول الثاني خمسة- فالعادة وقتية خاصة، و إن اتفقا في العدد فقط- بأن رأت الخمسة في أول الشهر الأول و كذلك في آخر الشهر الثاني- مثلا- فالعادة عددية فقط.

(مسألة 215): ذات العادة الوقتية- سواء أ كانت عددية أم لا- تتحيض بمجرد رؤية الدم في العادة أو قبلها، بيوم، أو يومين أو أكثر مع احتمالها تعجيل وقتها و كذلك الحكم مع تأخّر الدم عن العادة بيوم أو يومين أو أكثر مع احتمالها تأخير وقتها و إن لم يكن الدم بصفات الحيض فتترك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 61

العبادة، و تعمل عمل الحائض في جميع الأحكام و لكن إذا انكشف أنه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة مثلا وجب عليها قضاء الصلاة.

(مسألة 216): غير ذات العادة الوقتية، سواء أ كانت ذات عادة عددية فقط أم لم تكن ذات عادة أصلا

كالمبتدئة، إذا رأت الدم و كان جامعا للصفات، مثل الحرارة، و الحمرة أو السواد، و الخروج بحرقة، تتحيض أيضا بمجرد الرؤية، و لكن إذا انكشف أنه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة مثلا، وجب عليها قضاء الصلاة، و إن كان فاقدا للصفات، فالأحوط في المبتدئة و المضطربة أن تحتاط بالجمع بين تروك الحائض و أفعال المستحاضة إن استمر الدم إلى ثلاثة أيام و انقطع في العشرة أو قبلها.

(مسألة 217): إذا تقدم الدم على العادة الوقتية، بمقدار كثير أو تأخر عنها بحيث لم يصدق على المتقدّم و المتأخر تعجيل وقتها و تأخير وقتها فإن كان الدم جامعا للصفات تحيّضت به، و إلا تجري عليه أحكام الاستحاضة، إذا كانت ترى الدم في أيام العادة أيضا.

(مسألة 218): الأظهر ثبوت العادة بالتمييز كما في المرأة المستمر بها الدم إذا رأت خمسة أيام مثلا بصفات الحيض في أول الشهر الأول ثمّ رأت بصفات الاستحاضة و كذلك رأت في الشهر الثاني خمسة أيام بصفات الحيض ثمّ رأت بصفات الاستحاضة فحينئذ تصير ذات عادة عددية وقتية، و بالجملة لو حصلت العادة بالتمييز تجعل مقدارها حيضا- و لو لم يكن الدم بصفات الحيض- و الباقي استحاضة.

الفصل الخامس [حكم الدم في أيام العادة]

كل ما تراه المرأة من الدم أيام العادة فهو حيض، و إن لم يكن الدم بصفات الحيض، و كل ما تراه في غير أيام العادة- و كان فاقدا للصفات-

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 62

فهو استحاضة، و إذا رأت الدم ثلاثة أيام و انقطع، ثمّ رأت ثلاثة أخرى أو أزيد، فإن كان مجموع النقاء و الدمين لا يزيد على عشرة أيام كان الكل حيضا واحدا، و النقاء المتخلل بحكم الدمين على الأقوى. هذا إذا كان كل من الدمين

في أيام العادة، أو مع تقدم أحدهما عليها بيوم أو يومين، أو كان كل منهما بصفات الحيض، أو كان أحدهما بصفات الحيض، و الآخر في أيام العادة. و أمّا إذا كان أحدهما، أو كلاهما فاقدا للصفات، و لم يكن الفاقد في أيام العادة، كان الفاقد استحاضة، إلا إذا لم تر في أيام عادتها دما أيضا أو رأت في بعضها بحيث يصدق على مجموع الدم تقدّم العادة أو تأخّرها فيحكم حينئذ عليه بالحيض كما تقدّم. و إن تجاوز المجموع عن العشرة، و لكن لم يفصل بينهما أقل الطهر، فإن كان أحدهما في العادة دون الآخر، كان ما في العادة حيضا، و الآخر استحاضة مطلقا، أمّا إذا لم يصادف شي ء منهما العادة- و لو لعدم كونها ذات عادة- فإن كان أحدهما واجدا للصفات دون الآخر، جعلت الواجد حيضا و الفاقد استحاضة، و إن تساويا، فإن كان كلّ منهما واجدا للصفات تحيضت بالأول على الأقوى، و الأولى أن تحتاط في كل من الدمين- و إن لم يكن شي ء منهما واجدا للصفات- عملت بوظائف المستحاضة في كليهما. نعم لو لم تر دما في أيام عادتها فالأحوط الجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض.

(مسألة 219): إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر، كان كل منهما حيضا مستقلا، إذا كان كل منهما في العادة، أو واجدا للصفات، أو كان أحدهما في العادة، و الآخر واجدا للصفات. و أما الدم الفاقد لها في غير أيام العادة، فهو استحاضة.

الفصل السادس
[انقطاع الدم دون العشرة]

إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة، فإن احتملت بقاءه في الرحم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 63

استبرأت بإدخال القطنة، فإن خرجت ملوثة بقيت على التحيض كما سيأتي، و إن خرجت نقية اغتسلت و عملت

عمل الطاهر، و لا استظهار عليها- هنا- حتّى مع ظن العود، إلا مع اعتياد تخلل النقاء على وجه تعلم أو تطمئن بعوده، فعليها حينئذ ترتيب آثار الحيض، و الأولى لها في كيفية إدخال القطنة أن تكون ملصقة بطنها بحائط، أو نحوه، رافعة إحدى رجليها ثمّ تدخلها، و إذا تركت الاستبراء لعذر، من نسيان أو نحوه، و اغتسلت، و صادف براءة الرحم صح غسلها، و إن تركته- لا لعذر- ففي صحة غسلها إذا صادف براءة الرحم وجهان: أقواهما ذلك أيضا و إن لم تتمكن من الاستبراء، فالأحوط وجوبا لها الاغتسال في كل وقت تحتمل فيه النقاء، إلى أن تعلم بحصوله، فتعيد الغسل و الصوم.

(مسألة 220): إذا استبرأت فخرجت القطنة ملوثة، بالدم أو بالصفرة فإن كانت مبتدئة، أو لم تستقر لها عادة، أو عادتها عشرة، بقيت على التحيض إلى تمام العشرة، أو يحصل النقاء قبلها، و إن كانت ذات عادة- دون العشرة- فإن كان ذلك الاستبراء في أيام العادة، فلا إشكال في بقائها على التحيض، و إن كان بعد انقضاء العادة فلو خرجت القطنة ملوثة بالدم بقيت على التحيض استظهارا يوما واحدا، و تخيرت- بعده- في الاستظهار و عدمه إلى العشرة، إلى أن يظهر لها حال الدم، و أنه ينقطع على العشرة، أو يستمر إلى ما بعد العشرة. فإن اتضح لها الاستمرار- قبل تمام العشرة- اغتسلت و عملت عمل المستحاضة، و إلا فالأحوط لها- استحبابا- الجمع بين أعمال المستحاضة، و تروك الحائض. و أمّا لو خرجت ملوثة بالصفرة فيترتب على تلك الصفرة التي رأتها بعد أيام العادة حكم الاستحاضة سواء انقطعت الصفرة على العشرة أو استمرت إلى ما عداها، نعم إذا رأت الدم بعد تلك الصفرة قبل

عشرة و انقطع على العشرة يحكم بكون المجموع حيضا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 64

[تجاوز الدم عن العشرة]

(مسألة 221): قد عرفت حكم الدم إذا انقطع على العشرة في ذات العادة و غيرها، و إذا تجاوز العشرة، فإن كانت ذات عادة وقتية و عددية تجعل ما في العادة حيضا، و إن كان فاقدا للصفات، و تجعل الزائد عليها استحاضة، و إن كان واجدا لها، هذا فيما إذا لم يمكن جعل واجد الصفات حيضا، لا منضما، و لا مستقلا، و أمّا إذا أمكن ذلك، كما إذا كانت عادتها ثلاثة- مثلا- ثمّ انقطع الدم، ثمّ عاد لصفات الحيض، ثمّ رأت الدم الأصفر فتجاوز العشرة، فالأحوط في مثله أن تجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض في أيام الدم الواجد للصفات و كذلك الجمع بين أعمال الطاهرة و تروك الحائض في النقاء المتخلل و كذلك إذا رأت الدم الأصفر بعد أيام عادتها و تجاوز العشرة و بعد ذلك رأت الدم الواجد للصفات و كان الفصل بينه و بين أيام العادة عشرة أيام أو أكثر فإنّها تحتاط في الدم الثاني بالجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض.

[المبتدئة]

(مسألة 222): المبتدئة و هي المرأة التي ترى الدم لأول مرة و المضطربة و هي التي رأت الدم و لم تستقر لها عادة، إذا رأت الدم و قد تجاوز العشرة، رجعت إلى التمييز، بمعنى أن الدم المستمر إذا كان بعضه بصفات الحيض، و بعضه فاقدا لها، أو كان بعضه أسود، و بعضه أحمر وجب عليها التحيض بالدم الواجد للصفات، أو بالدم الأسود بشرط عدم نقصه عن ثلاثة أيام، و عدم زيادته على العشرة، و إن لم تكن ذات تمييز فإن كان الكل واجدا للصفات و كان على لون واحد أو كان المتميز أقل من ثلاثة أو أكثر من عشرة أيام

فالمبتدئة ترجع إلى عادة أقاربها و تتحيض بقدرها و الباقي استحاضة فإن لم تكن لها أقارب أو اختلفن في العدد فالأظهر أنّها تتحيض في الشهر الأول ستة أو سبعة أيام و تحتاط إلى تمام العشرة و بعد ذلك في الأشهر تتحيض من رؤية الدم إلى ثلاثة أيام و تحتاط بعدها إلى الستة أو السبعة. و أمّا المضطربة فهي تتحيض بستة أو سبعة أيام مطلقا و تعمل بعد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 65

ذلك بوظائف المستحاضة، و إن كان الكل فاقدا للصفات أو كان الواجد اقل من ثلاثة فالمبتدئة و المضطربة تعملان بما ذكر على الأحوط.

[حكم الفاقدة للتمييز]

(مسألة 223): إذا كانت ذات عادة عددية فقط، و نسيت عادتها ثمّ رأت الدم بصفات الحيض ثلاثة أيام أو أكثر، و لم يتجاوز العشرة كان جميعه حيضا، و إذا تجاوز العشرة جعلت المقدار الذي تحتمل العادة فيه حيضا، و الباقي استحاضة. و إن احتملت العادة- فيما زاد على السبعة- فالأحوط أن تجمع بين تروك الحائض، و أعمال المستحاضة في المقدار المحتمل إلى تمام العشرة.

(مسألة 224): إذا كانت ذات عادة وقتية فقط و نسيتها، ثمّ رأت الدم بصفات الحيض ثلاثة أيام أو أكثر، و لم يتجاوز العشرة، كان جميعه حيضا. و إذا تجاوز الدم العشرة، فإن علمت المرأة- إجمالا- بمصادفة الدم أيام عادتها، لزمها الاحتياط في جميع أيام الدم، حتى فيما إذا لم يكن الدم في بعض الأيام، أو في جميعها بصفات الحيض، و إن لم تعلم بذلك فإن كان الدم مختلفا من جهة الصفات، جعلت ما بصفات الحيض- إذا لم يقلّ عن ثلاثة و لم يزد عن عشرة أيام- حيضا، و ما بصفة الاستحاضة استحاضة، و إن لم يختلف

الدم في الصفة، و كان جميعه بصفة الحيض، أو كان ما بصفة الحيض أكثر من عشرة أيام، جعلت ستة، أو سبعة أيام، حيضا، و الباقي استحاضة، و الأحوط أن تحتاط إلى العشرة و الأولى أن تحتاط في جميع أيام الدم.

(مسألة 225): إذا كانت ذات عادة عددية و وقتية، فنسيتها ففيها صور:

الأولى: أن تكون ناسية للوقت مع حفظ العدد، و الحكم فيها هو الحكم في المسألة السابقة، غير أن الدم إذا كان بصفة الحيض و تجاوز العشرة و لم تعلم المرأة بمصادفة الدم أيام عادتها- رجعت إلى عادتها من جهة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 66

العدد، فتتحيض بمقدارها، و الزائد عليه استحاضة.

الثانية: أن تكون حافظة للوقت و ناسية للعدد، ففي هذه الصورة كان ما تراه من الدم في وقتها المعتاد- بصفة الحيض أو بدونها- حيضا فإن كان الزائد عليه بصفة الحيض- و لم يتجاوز العشرة- فجميعه حيض و إن تجاوزها تحيضت فيما تحتمل العادة فيه من الوقت، و الباقي استحاضة، لكنها إذا احتملت العادة- فيما زاد على السبعة إلى العشرة- فالأحوط أن تعمل فيه بالاحتياط.

الثالثة: أن تكون ناسية للوقت و العدد معا، و الحكم في هذه الصورة و إن كان يظهر مما سبق، إلا أنا نذكر فروعا للتوضيح.

الأول: إذا رأت الدم بصفة الحيض أياما- لا تقل عن ثلاثة، و لا تزيد على عشرة- كان جميعه حيضا، و أما إذا كان أزيد من عشرة أيام- و لم تعلم بمصادفته أيام عادتها- تحيضت بمقدار ما تحتمل أنه عادتها لكن المحتمل إذا زاد على سبعة أيام، احتاطت في الزائد.

الثاني: إذا رأت الدم بصفة الحيض أياما، لا تقلّ عن ثلاثة، و لا تزيد على عشرة، و أياما بصفة الاستحاضة،

و لم تعلم بمصادفة ما رأته أيام عادتها، جعلت ما بصفة الحيض حيضا و ما بصفة الاستحاضة استحاضة و الأولى أن تحتاط في الدم الذي ليس بصفة الحيض. إذا لم يزد المجموع على عشرة أيام.

الثالث: إذا رأت الدم و تجاوز عشرة أيام أو لم يتجاوز، و علمت بمصادفته أيام عادتها، لزمها الاحتياط في جميع أيام الدم، سواء أ كان الدم جميعه أو بعضه بصفة الحيض، أم لم يكن.

(مسألة 226): إذا كانت المرأة ذات عادة مركبة، كما إذا رأت في الشهر الأول ثلاثة، و في الثاني أربعة، و في الثالث ثلاثة، و في الرابع أربعة، فالأحوط لها الاحتياط بترتيب أحكام المضطربة، و ترتيب أحكام

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 67

ذات العادة، بأن تجعل حيضها في شهر الفرد ثلاثة، و في شهر الزوج أربعة و تحتاط بعد ذلك إلى الستة أو السبعة، و كذا إذا رأت في شهرين متواليين ثلاثة، و في شهرين متواليين أربعة، ثمّ شهرين متواليين ثلاثة ثمّ شهرين متواليين أربعة، فإنها تجعل حيضها في شهرين ثلاثة و شهرين أربعة، ثمّ تحتاط إلى الستة أو السبعة.

الفصل السابع في أحكام الحيض:

(مسألة 227): لا يجوز للحائض جميع ما يشترط فيه الطهارة من العبادات، كالصلاة، و الصيام، و الطواف، و الاعتكاف، و يحرم عليها جميع ما يحرم على الجنب مما تقدم.

(مسألة 228): يحرم وطؤها في القبل، عليها و على الفاعل، بل قيل إنه من الكبائر، بل الأحوط وجوبا ترك إدخال بعض الحشفة أيضا، أما وطؤها في الدبر فالأحوط وجوبا تركه، بل الأحوط ترك الوطء في الدبر مطلقا و لا بأس بالاستمتاع بها بغير ذلك، و إن كره بما تحت المئزر مما بين السرة و الركبة، و إذا نقيت من الدم،

جاز وطؤها و إن لم تغتسل و لا يجب غسل فرجها قبل الوطء، و إن كان أحوط.

(مسألة 229): الأحوط- استحبابا- للزوج- دون الزوجة- الكفارة عن الوطء في أول الحيض بدينار، و في وسطه بنصف دينار و في آخره بربع دينار. و الدينار هو (18) حمّصة، من الذهب المسكوك، و الأحوط- استحبابا- أيضا دفع الدينار نفسه مع الإمكان، و إلا دفع القيمة وقت الدفع. و لا شي ء على الساهي، و الناسي، و الصبي، و المجنون، و الجاهل بالموضوع أو الحكم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 68

(مسألة 230): لا يصح طلاق الحائض و ظهارها، إذا كانت مدخولا بها- و لو دبرا- و كان زوجها حاضرا، أو في حكمه، إلا أن تكون حاملا فلا بأس به- حينئذ- و إذا طلقها على أنها حائض، فبانت طاهرة صح، و إن عكس فسد.

(مسألة 231): يجب الغسل من حدث الحيض لكل مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر، و يستحب للكون على الطهارة، و هو كغسل الجنابة في الكيفية من الارتماس، و الترتيب. و الظاهر أنه يجزئ عن الوضوء كغسل الجنابة، و الأحوط و الأولى ضم الوضوء إليه قبله أو بعده.

(مسألة 232): يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم في رمضان بل و المنذور في وقت معين- على الأقوى-، و لا يجب عليها قضاء الصلاة اليومية، و صلاة الآيات، و المنذورة في وقت معين.

(مسألة 233): الظاهر أنها تصح طهارتها من الحدث الأكبر غير الحيض، فإذا كانت جنبا و اغتسلت عن الجنابة صح، و تصح منها الأغسال المندوبة حينئذ، و كذلك الوضوء.

(مسألة 234): يستحب لها التحشي و الوضوء في وقت كل صلاة واجبة، و الجلوس في مكان طاهر مستقبلة القبلة، ذاكرة للّه تعالى، و الأولى

لها اختيار التسبيحات الأربع.

(مسألة 235): يكره لها الخضاب بالحناء، أو غيرها، و حمل المصحف و لمس هامشه، و ما بين سطوره، و تعليقه.

المقصد الثالث الاستحاضة

(مسألة 236): دم الاستحاضة في الغالب أصفر بارد رقيق يخرج

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 69

بلا لذع و حرقة، عكس دم الحيض، و ربما كان بصفاته، و لا حدّ لكثيره، و لا لقليله، و لا للطهر المتخلل بين أفراده، و يتحقق قبل البلوغ و بعده، و بعد اليأس، و هو ناقض للطهارة بخروجه، و لو بمعونة القطنة من المحل المعتاد بالأصل، أو بالعارض، و في غيره إشكال، أو باستمراره في فضاء فرجها بعد انقضاء أيام عادتها على ما تقدم في مسائل الحيض، و يكفي في بقاء حدثيته بقاؤه في باطن الفرج بحيث يمكن إخراجه بالقطنة و نحوها، و الظاهر عدم كفاية ذلك في انتقاض الطهارة به، كما تقدم في الحيض.

(مسألة 237): الاستحاضة على ثلاثة أقسام: قليلة، و متوسطة، و كثيرة.

الأولى: ما يكون الدم فيها قليلا، بحيث لا يغمس القطنة.

الثانية: ما يكون فيها أكثر من ذلك، بأن يغمس القطنة و لا يسيل.

الثالثة: ما يكون فيها أكثر من ذلك، بأن يغمسها و يسيل منها.

(مسألة 238): الأحوط لها الاختبار- حال الصلاة- بإدخال القطنة في الموضع المتعارف، و الصبر عليها بالمقدار المتعارف، و إذا تركته- عمدا أو سهوا- و عملت، فإن طابق عملها الوظيفة اللازمة لها، صح، و إلا بطل.

(مسألة 239): حكم القليلة وجوب تبديل القطنة، أو تطهيرها على الأحوط وجوبا، و وجوب الوضوء لكل صلاة، فريضة كانت، أو نافلة، دون الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط، فلا يحتاج فيها إلى تجديد الوضوء أو غيره.

(مسألة 240): حكم المتوسطة- مضافا إلى ما ذكر من الوضوء و تجديد

القطنة، أو تطهيرها لكل صلاة على الأحوط- غسل قبل صلاة الصبح قبل الوضوء، أو بعده.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 70

(مسألة 241): حكم الكثيرة- مضافا إلى وجوب تجديد القطنة على الأحوط و الغسل للصبح- غسلان آخران، أحدهما للظهرين تجمع بينهما، و الآخر للعشاءين كذلك، و لا يجوز لها الجمع بين أكثر من صلاتين بغسل واحد، و يكفي للنوافل أغسال الفرائض، و لا يجب لكل صلاة منها الوضوء، بل الظاهر عدم وجوبه للفرائض أيضا، و إن كان الأحوط- استحبابا- أن تتوضأ لكل غسل. نعم يجزي الوضوء و لا يحتاج إلى الغسل في الصلوات المستقلة كصلاة الآيات و صلاة الليل و نحوها.

(مسألة 242): إذا حدثت المتوسطة- بعد صلاة الصبح- وجب الغسل للظهرين، و إذا حدثت- بعدهما- وجب الغسل للعشاءين، و إذا حدثت- بين الظهرين أو العشاءين- وجب الغسل للمتأخرة منها، و إذا حدثت- قبل صلاة الصبح- و لم تغتسل لها عمدا، أو سهوا، وجب الغسل للظهرين، و عليها إعادة صلاة الصبح، و كذا إذا حدثت- أثناء الصلاة- وجب استئنافها بعد الغسل و الوضوء.

(مسألة 243): إذا حدثت الكبرى- بعد صلاة الصبح- وجب غسل للظهرين، و آخر للعشاءين، و إذا حدثت- بعد الظهرين- وجب غسل واحد للعشاءين، و إذا حدثت- بين الظهرين أو العشاءين- وجب الغسل للمتأخرة منهما.

(مسألة 244): إذا انقطع دم الاستحاضة انقطاع برء قبل الأعمال وجبت تلك الأعمال و لا إشكال، و إن كان بعد الشروع في الأعمال- قبل الفراغ من الصلاة- استأنفت الأعمال، و كذا الصلاة إن كان الانقطاع في أثنائها، و إن كان بعد الصلاة أعادت الأعمال و الصلاة، و هكذا الحكم إذا كان الانقطاع انقطاع فترة تسع الطهارة و الصلاة، بل الأحوط ذلك أيضا،

إذا كانت الفترة تسع الطهارة و بعض الصلاة، أو شك في ذلك، فضلا عما إذا شك في أنها تسع الطهارة و تمام الصلاة، أو أن الانقطاع لبرء، أو فترة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 71

تسع الطهارة و بعض الصلاة.

(مسألة 245): إذا علمت المستحاضة أن لها فترة تسع الطهارة و الصلاة، وجب تأخير الصلاة إليها، و إذا صلّت قبلها بطلت صلاتها، و لو مع الوضوء و الغسل، و إذا كانت الفترة في أول الوقت، فأخّرت الصلاة عنها- عمدا أو نسيانا- عصت، و عليه الصلاة بعد فعل وظيفتها.

(مسألة 264): إذا انقطع الدم انقطاع برء، و جددت الوظيفة اللازمة لها، لم تجب المبادرة إلى فعل الصلاة، بل حكمها- حينئذ- حكم الطاهرة في جواز تأخير الصلاة.

(مسألة 247): إذا اغتسلت ذات الكثيرة لصلاة الظهرين و لم تجمع بينهما- عمدا أو لعذر- وجب عليها تجديد الغسل للعصر، و كذا الحكم في العشاءين.

(مسألة 248): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى كالقليلة إلى المتوسطة، أو إلى الكثيرة، و كالمتوسطة إلى الكثيرة، فإن كان قبل الشروع في الأعمال، فلا إشكال في أنها تعمل عمل الأعلى للصلاة الآتية، أما الصلاة التي فعلتها قبل الانتقال فلا إشكال في عدم لزوم إعادتها، و إن كان بعد الشروع في الأعمال فعليها الاستئناف، و عمل الأعمال التي هي وظيفة الأعلى كلها، و كذا إذا كان الانتقال في أثناء الصلاة، فتعمل أعمال الأعلى، و تستأنف الصلاة، بل يجب الاستئناف حتى إذا كان الانتقال من المتوسطة إلى الكثيرة، فيما إذا كانت المتوسطة محتاجة إلى الغسل و أتت به، فإذا اغتسلت ذات المتوسطة للصبح، ثمّ حصل الانتقال أعادت الغسل، حتى إذا كان في أثناء الصبح، فتعيد الغسل، و تستأنف الصبح،

و إذا ضاق الوقت عن الغسل، تيممت بدل الغسل و صلت، و إذا ضاق الوقت عن ذلك- أيضا- فالأحوط الاستمرار على عملها، ثمّ القضاء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 72

(مسألة 249): إذا انتقلت الاستحاضة من الأعلى إلى الأدنى استمرت على عملها للأعلى بالنسبة إلى الصلاة الأولى، و تعمل عمل الأدنى بالنسبة إلى الباقي، فإذا انتقلت الكثيرة إلى المتوسطة، أو القليلة اغتسلت للظهر، و اقتصرت على الوضوء بالنسبة إلى العصر و العشاءين.

(مسألة 250): قد عرفت أنه يجب عليها المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء و الغسل، لكن يجوز لها الإتيان بالأذان و الإقامة و الأدعية المأثورة و ما تجري العادة بفعله قبل الصلاة، أو يتوقف فعل الصلاة على فعله و لو من جهة لزوم العسر و المشقة بدونه، مثل الذهاب إلى المصلى، و تهيئة المسجد، و نحو ذلك، و كذلك يجوز لها الإتيان بالمستحبات في الصلاة.

(مسألة 251): يجب عليها التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة، و شدّه بخرقة، و نحو ذلك، فإذا قصّرت- و خرج الدم- أعادت الصلاة، بل الأحوط- وجوبا- إعادة الغسل.

(مسألة 252): الظاهر توقف صحة الصوم من المستحاضة على فعل الأغسال النهارية في الكثيرة، و على غسل الليلة الماضية على الأحوط، و الأحوط- استحبابا- في المتوسطة توقفه على غسل الفجر، كما أن الأحوط- استحبابا- توقف جواز وطئها على الغسل. و أما دخول المساجد و قراءة العزائم، فالظاهر جوازهما مطلقا، و لا يجوز لها مس المصحف و نحوه قبل الغسل و الوضوء، بل الأحوط- وجوبا- عدم الجواز بعدهما أيضا، و لا سيما مع الفصل المعتد به.

المقصد الرابع

النفاس
اشارة

(مسألة 253): دم النفاس هو دم تقذفه الرحم بالولادة معها أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 73

بعدها، على

نحو يعلم استناد خروج الدم إليها، و لا حدّ لقليله. و حدّ كثيره عشرة أيام، من حين الولادة و فيما إذا انفصل خروج الدم عن الولادة تحتاط في احتساب العشرة من حين الولادة، أو من زمان رؤية الدم، و إذا رأته بعد العشرة لم يكن نفاسا، و إذا لم تر فيها دما لم يكن لها نفاس أصلا، و مبدأ حساب الأكثر من حين تمام الولادة، لا من حين الشروع فيها، و إن كان جريان الأحكام عليه من حين الشروع و لا يعتبر فصل أقل الطهر بين النفاسين، كما إذا ولدت توأمين- و قد رأت الدم عند كل منهما- بل النقاء المتخلل بينهما طهر، و لو كانت لحظة، بل لا يعتبر الفصل بين النفاسين أصلا، كما إذا ولدت و رأت الدم إلى عشرة، ثمّ ولدت آخر على رأس العشرة، و رأت الدم إلى عشرة أخرى، فالدمان- جميعا- نفاسان متواليان، و إذا لم تر الدم حين الولادة، و رأته قبل العشرة، و انقطع عليها، فذلك الدم نفاسها و إذا رأته حين الولادة، ثمّ انقطع، ثمّ رأته قبل العشرة و انقطع عليها فالدمان و النقاء بينهما كلها نفاس واحد، و إن كان الأحوط- استحبابا- في النقاء الجمع بين عمل الطاهرة و النفساء.

[أحكام النفاس]

(مسألة 254): الدم الخارج قبل ظهور الولد، ليس بنفاس فإن كان منفصلا عن الولادة بعشرة أيام نقاء فلا إشكال، و إن كان متصلا بها و علم أنه حيض و كان بشرائطه، جرى عليه حكمه، و إن كان منفصلا عنها بأقل من عشرة أيام نقاء، أو كان متصلا بالولادة و لم يعلم أنه حيض فالأظهر أنه إن كان بشرائط الحيض و كان في أيام العادة، أو كان

واجدا لصفات الحيض فهو حيض، و إلا فهو استحاضة.

(مسألة 255): النفساء ثلاثة أقسام: (1) التي لا يتجاوز دمها العشرة، فجميع الدم في هذه الصورة نفاس (2) التي يتجاوز دمها العشرة و تكون ذات عادة عددية في الحيض، ففي هذه الصورة كان نفاسها بمقدار عادتها، و الباقي استحاضة (3) التي يتجاوز دمها العشرة، و لا تكون ذات

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 74

عادة في الحيض، ففي هذه الصورة جعلت مقدار عادة حيض أقاربها نفاسا، و إذا كانت عادتهن أقل من العشرة، احتاطت فيما زاد عنها إلى العشرة.

(مسألة 256): إذا رأت الدم في اليوم الأول من الولادة، ثمّ انقطع، ثمّ عاد في اليوم العاشر من الولادة، أو قبله ففيه صورتان:

الأولى: أن لا يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أول رؤية الدم، ففي هذه الصورة كان الدم الأول و الثاني كلاهما نفاسا، و يجري على النقاء المتخلل حكم النفاس على الأظهر، و إن كان الأحوط فيه الجمع بين أعمال الطاهرة و تروك النفساء.

الثانية: أن يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أول رؤية الدم و هذا على أقسام:

1- أن تكون المرأة ذات عادة عددية في حيضها، و قد رأت الدم الثاني في زمان عادتها، ففي هذه الصورة كان الدم الأول- و ما رأته في أيام العادة و النقاء المتخلل- نفاسا، و ما زاد على العادة استحاضة. مثلا إذا كانت عادتها في الحيض سبعة أيام، فرأت الدم حين ولادتها يومين فانقطع، ثمّ رأته في اليوم السادس و استمر إلى أن تجاوز اليوم العاشر من حين الولادة، كان زمان نفاسها، اليومين الأولين، و اليوم السادس و السابع، و النقاء المتخلل بينهما، و ما زاد على اليوم السابع فهو استحاضة.

2- أن

تكون المرأة ذات عادة، و لكنها لم تر الدم الثاني حتى انقضت مدة عادتها فرأت الدم، و تجاوز اليوم العاشر، ففي هذه الصورة كان نفاسها هو الدم الأول، و كان الدم الثاني استحاضة. و يجري عليها أحكام الطاهرة في النقاء المتخلل.

3- أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها، و قد رأت الدم الثاني قبل مضي عادة أقاربها، و يتجاوز اليوم العاشر، ففي هذه الصورة كان نفاسها

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 75

مقدار عادة أقاربها، و إذا كانت عادتهن أقل من العشرة احتاطت إلى اليوم العاشر، و ما بعده استحاضة.

4- أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها، و قد رأت الدم الثاني الذي تجاوز اليوم العاشر بعد مضي عادة أقاربها، ففي هذه الصورة كان نفاسها هو الدم الأول، و تحتاط أيام النقاء، و أيام الدم الثاني إلى اليوم العاشر.

ثمّ إن ما ذكرناه في الدم الثاني يجري في الدم الثالث و الرابع و هكذا .. مثلا إذا رأت الدم في اليوم الأول، و الرابع، و السادس، و لم يتجاوز اليوم العاشر، كان جميع هذه الدماء و النقاء المتخلل بينها نفاسا، و إذا تجاوز الدم اليوم العاشر، في هذه الصورة، و كانت عادتها في الحيض تسعة أيام، كان نفاسها إلى اليوم التاسع و ما زاد استحاضة، و إذا كانت عادتها خمسة أيام كان نفاسها الأيام الأربعة الأولى، و فيما بعدها كانت طاهرة، و مستحاضة.

(مسألة 257): النفساء بحكم الحائض، في الاستظهار عند تجاوز الدم أيام العادة، و في لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم، و تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة، و يحرم وطؤها، و لا يصح طلاقها. و المشهور أن أحكام الحائض من الواجبات، و

المحرمات، و المستحبات، و المكروهات تثبت للنفساء أيضا، و لكن جملة من الأفعال التي كانت محرمة على الحائض تشكل حرمتها على النفساء، و إن كان الأحوط أن تجتنب عنها. و هذه الأفعال هي:

1- قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة.

2- الدخول في المساجد بغير قصد العبور.

3- المكث في المساجد.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 76

4- وضع شي ء فيها.

5- دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و لو كان بقصد العبور.

(مسألة 258): ما تراه النفساء من الدم إلى عشرة أيام- بعد تمام نفاسها- فهو استحاضة، سواء أ كان الدم بصفات الحيض، أو لم يكن، و سواء أ كان الدم في أيام العادة، أم لم يكن، و إن استمر الدم بها إلى ما بعد العشرة، أو انقطع و عاد بعد العشرة، فما كان منه في أيام العادة أو واجدا لصفات الحيض، فهو حيض، بشرط أن لا يقل عن ثلاثة أيام، و ما لم يكن واجدا للصفات و لم يكن في أيام العادة، فهو استحاضة، و إذا استمر بها الدم، أو انقطع، و عاد بعد عشرة أيام من نفاسها، و صادف أيام عادتها، أو كان الدم واجدا لصفات الحيض و لم ينقطع على العشرة فالمرأة- إن كانت ذات عادة عددية- جعلت مقدار عادتها حيضا، و الباقي استحاضة، و إن لم تكن ذات عادة عددية رجعت إلى التمييز، و مع عدمه رجعت إلى العدد، على ما تقدم في الحيض.

المقصد الخامس غسل الأموات

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول في أحكام الاحتضار:

(مسألة 259): يجب على الأحوط توجيه المحتضر إلى القبلة، بأن يلقى على ظهره، و يجعل وجهه و باطن رجليه إليها، بل الأحوط وجوب ذلك على المحتضر نفسه إن أمكنه ذلك، و لا يعتبر في توجيه غير الولي إذن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 77

الولي و إن كان الاستئذان أحوط، و ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب نقله إلى مصلاه إن اشتد عليه النزع، و تلقينه الشهادتين، و الإقرار بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و سائر الاعتقادات الحقة، و تلقينه كلمات الفرج و يكره أن يحضره جنب، أو حائض، و أن يمس حال النزع، و إذا مات يستحب أن تغمض عيناه، و يطبق فوه، و يشدّ لحياه، و تمدّ يداه إلى جانبيه، و ساقاه، و يغطى بثوب، و أن يقرأ عنده القرآن، و يسرج في المكان الذي مات فيه إن مات في الليل، و إعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، و يعجل تجهيزه، إلا إذا شك في موته فينتظر به حتى يعلم موته و يكره أن يثقل بطنه بحديد أو غيره، و أن يترك وحده.

الفصل الثاني [غسل الأموات و أحكامه]
في الغسل:
اشارة

تجب إزالة النجاسة عن جميع بدن الميت قبل الشروع في الغسل على الأحوط الأولى، و الأقوى كفاية إزالتها عن كل عضو قبل الشروع فيه، بل الأظهر كفاية الإزالة بنفس الغسل إذا لم يتنجس الماء بملاقاة المحل. ثمّ أن الميت يغسل ثلاثة أغسال: الأول: بماء السدر، الثاني: بماء الكافور، الثالث: بماء القراح، كل واحد منها كغسل الجنابة الترتيبي و لا بد فيه من تقديم الأيمن على الأيسر، و من النية على ما عرفت في الوضوء.

(مسألة 260): إذا كان المغسل غير الولي فلا بد من إذن الولي

على الأحوط و هو الزوج بالنسبة إلى الزوجة، ثمّ المالك، ثمّ الطبقة الأولى في الميراث و هم الأبوان و الأولاد، ثمّ الثانية، و هم الأجداد و الاخوة، ثمّ الثالثة و هم الأعمام و الأخوال، ثمّ المولى المعتق، ثمّ ضامن الجريرة، ثمّ الحاكم الشرعي على الأحوط، و إن كان الأظهر عدم الحاجة إلى إذنه إذا لم يتوقف

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 78

تغسيله على التصرّف في أمواله كثيابه.

(مسألة 261): البالغون في كل طبقة مقدّمون على غيرهم، و الذكور مقدّمون على الاناث، و في تقديم الأب في الطبقة الأولى على الأولاد و الجد على الأخ، و الأخ من الأبوين على الأخ من أحدهما، و الأخ من الأب على الأخ من الأم، و العم على الخال إشكال، و الأحوط- وجوبا- الاستئذان من الطرفين.

(مسألة 262): إذا تعذّر استيذان الولي لعدم حضوره مثلا، أو امتنع عن الاذن، و عن مباشرة التغسيل، وجب تغسيله على غيره و لو بلا إذن.

(مسألة 263): إذا أوصى أن يغسله شخص معين لم يجب عليه القبول، لكن إذا قبل لم يحتج إلى إذن الولي، و إذا أوصى أن يتولى تجهيزه شخص معين، جاز له الرد في حياة الموصي، و ليس له الرد بعد ذلك على الأحوط، و إن كان الأظهر جوازه، لكنه إذا لم يرد وجب الاستيذان منه دون الولي.

(مسألة 264): يجب في التغسيل طهارة الماء و إباحته، و إباحة السدر و الكافور، بل الفضاء الذي يشغله الغسل، و مجرى الغسالة على النحو الذي مر في الوضوء، و منه السدة التي يغسل عليها فمع عدم الانحصار يصح الغسل عليها، أما معه فيسقط الغسل، لكن إذا غسّل- حينئذ- صح الغسل، و كذلك التفصيل في ظرف الماء

إذا كان مغصوبا.

(مسألة 265): يجزي تغسيل الميت قبل برده.

[مورد تعذر السدر و الكافور]

(مسألة 266): إذا تعذّر أحد الخليطين سقط اعتباره و اكتفى بالماء القراح بدله و إن تعذر كلاهما سقط و غسل بالقراح ثلاثة أغسال.

(مسألة 267): يعتبر في كل من السدر و الكافور أن لا يكون كثيرا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 79

بمقدار يوجب خروج الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، و لا قليلا بحيث لا يصدق أنه مخلوط بالسدر و الكافور، و يعتبر في الماء القراح أن يصدق خلوصه منهما، فلا بأس أن يكون فيه شي ء منهما، إذا لم يصدق الخلط، أو أن فيه شي ء من السدر أو الكافور، و لا فرق في السدر بين اليابس و الأخضر.

[مورد تعذر الغسل]

(مسألة 268): إذا تعذّر الماء، أو خيف تناثر لحم الميت بالتغسيل يمم على الأحوط- وجوبا- ثلاث مرات، ينوي بواحد منها ما في الذمة.

(مسألة 269): يجب أن يكون التيمم بيد الحي، و الأحوط- وجوبا- مع الإمكان أن يكون بيد الميت أيضا.

(مسألة 270): يشترط في الانتقال إلى التيمم الانتظار إذا احتمل تجدد القدرة على التغسيل، فإذا حصل اليأس جاز التيمم، لكن إذا اتفق تجدد القدرة قبل الدفن وجب التغسيل، و إذا تجددت بعد الدفن و خيف على الميت من الضرر، أو الهتك، لم يجب الغسل، و إلا ففي وجوب نبشه و استيناف الغسل إشكال، و إن كان الأظهر وجوب النبش و الغسل، و كذا الحكم فيما إذا تعذر السدر أو الكافور.

(مسألة 271): إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل، أو في أثنائه بنجاسة خارجية، أو منه. وجب تطهيره، و لو بعد وضعه في القبر، نعم لا يجب ذلك بعد الدفن.

(مسألة 272): إذا خرج من الميت بول، أو مني، لا تجب إعادة غسله، و لو قبل الوضع في القبر.

(مسألة 273): لا يجوز

أخذ الاجرة على تغسيل الميت، و يجوز أخذ العوض على بذل الماء و نحوه، مما لا يجب بذله مجانا.

(مسألة 274): لا يجوز أن يكون المغسل صبيا- على الأحوط

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 80

وجوبا- و إن كان تغسيله على الوجه الصحيح.

[موارد جواز تغسيل غير المماثل]

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، منهاج الصالحين (للتبريزي)، 2 جلد، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

منهاج الصالحين (للتبريزي)؛ ج 1، ص: 80

(مسألة 275): يجب في المغسل أن يكون مماثلا للميت في الذكورة و الانوثة، فلا يجوز تغسيل الذكر للانثى، و لا العكس، و يستثنى من ذلك صور:

الأولى: أن يكون الميت طفلا لم يتجاوز ثلاث سنين، فيجوز للذكر و للأنثى تغسيله، سواء أ كان ذكرا، أم أنثى، مجردا عن الثياب، أم لا، وجد المماثل له أو لا.

الثانية: الزوج و الزوجة، فإنه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر، سواء أ كان مجردا أم من وراء الثياب، و سواء وجد المماثل أو لا، من دون فرق بين الحرة و الأمة، و الدائمة و المنقطعة، و كذا المطلقة الرجعية إذا كان الموت في أثناء العدة.

الثالثة: المحارم بنسب، أو رضاع، أو مصاهرة، و الأحوط اعتبار فقد المماثل، و كونه من وراء الثياب، و لا يبعد كفاية ستر العورة بحيث يمنع عن وقوع النظر عليها.

(مسألة 276): إذا اشتبه ميت بين الذكر و الأنثى، غسله كل من الذكر و الأنثى و الأحوط أن يكون من وراء الثياب.

(مسألة 277): إذا انحصر المماثل بالكافر الكتابي، أمره المسلم أن يغتسل أولا، ثمّ يغسل الميت، و الآمر هو الذي يتولى النية، و الأحوط- استحبابا- نية كل من الآمر و المغسل، و إذا أمكن التغسيل بالماء المعتصم- كالكر و

الجاري- لا يتعين ذلك على الأظهر، و إن كان أحوط إلا إذا أمكن أن لا يمس الماء و لا بدن الميت فتخير حينئذ بينهما، و إذا أمكن المخالف قدم على الكتابي، و إذا أمكن المماثل بعد ذلك أعاد التغسيل.

(مسألة 278): إذا لم يوجد المماثل حتى المخالف و الكتابي، سقط

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 81

الغسل، و لكن الأحوط- استحبابا- تغسيل غير المماثل من وراء الثياب من غير لمس و نظر، ثمّ ينشف بدنه بعد التغسيل قبل التكفين.

(مسألة 279): إذا دفن الميت بلا تغسيل- عمدا أو خطأ- جاز بل وجب نبشه لتغسيله أو تيممه، و كذا إذا ترك بعض الأغسال و لو سهوا أو تبين بطلانها، أو بطلان بعضها، كل ذلك إذا لم يلزم محذور من هتكه أو الإضرار ببدنه.

(مسألة 280): إذا مات الميت محدثا بالأكبر- كالجنابة و الحيض- لا يجب إلا تغسيله غسل الميت فقط.

(مسألة 281): إذا كان محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله الثاني إلا أن يكون موته بعد السعي في الحج، و كذلك لا يحنط بالكافور، بل لا يقرب إليه طيب آخر، و لا يلحق به المعتدة للوفاة، و المعتكف.

[من لا يجب غسله]

(مسألة 282): يجب تغسيل كل مسلم حتى المخالف عدا صنفين:

الأول: الشهيد المقتول في المعركة مع الإمام أو نائبه الخاص، أو في حفظ بيضة الإسلام، و يشترط فيه أن يكون خروج روحه في المعركة قبل انقضاء الحرب، أو بعدها بقليل و لم يدركه المسلمون و به رمق، فإذا أدركه المسلمون و به رمق، غسل على الأحوط وجوبا، و إذا كان في المعركة مسلم و كافر، و اشتبه أحدهما بالآخر، وجب الاحتياط بتغسيل كل منهما و تكفينه و دفنه.

الثاني: من وجب قتله برجم

أو قصاص، فإنه يغتسل غسل الميت- المتقدم تفصيله- و يحنط و يكفن كتكفين الميت، ثمّ يقتل فيصلى عليه، و يدفن بلا تغسيل.

[مستحبات غسل الميت]

(مسألة 283): قد ذكروا للتغسيل سننا، مثل أن يوضع الميت في حال التغسيل على مرتفع، و أن يكون تحت الظلال، و أن يوجه إلى القبلة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 82

كحالة الاحتضار، و أن ينزع قميصه من طرف رجليه و إن استلزم فتقه بشرط إذن الوارث، و الأولى ان يجعل ساترا لعورته، و أن تليّن أصابعه برفق، و كذا جميع مفاصله، و أن يغسل رأسه برغوة السدر و فرجه بالأشنان، و أن يبدأ بغسل يديه إلى نصف الذراع في كل غسل ثلاث مرات ثمّ بشق رأسه الأيمن، ثمّ الأيسر، و يغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل و يمسح بطنه في الأولين، إلا الحامل التي مات ولدها في بطنها فيكره ذلك، و أن يقف الغاسل على الجانب الأيمن للميت، و أن يحفر للماء حفيرة، و أن ينشف بدنه بثوب نظيف أو نحوه. و ذكروا أيضا أنه يكره إقعاده حال الغسل، و ترجيل شعره، و قص أظافره و جعله بين رجلي الغاسل، و إرسال الماء في الكنيف، و حلق رأسه، أو عانته، و قص شاربه، و تخليل ظفره، و غسله بالماء الساخن بالنار، أو مطلقا إلا مع الاضطرار، و التخطي عليه حين التغسيل.

الفصل الثالث [في التكفين]
[واجبات التكفين و كيفيته]

في التكفين، يجب تكفين الميت بثلاثة أثواب:

الأول: المئزر، و يجب أن يكون ساترا ما بين السرة و الركبة.

الثاني: القميص، و يجب أن يكون ساترا ما بين المنكبين إلى نصف الساق.

الثالث: الازار، و يجب أن يغطي تمام البدن، و الأحوط وجوبا في كل واحد منهما أن يكون ساترا لما تحته غير حاك عنه و إن حصل الستر بالمجموع.

(مسألة 284): لا بد في التكفين من إذن الولي على نحو ما تقدم في التغسيل، و

لا يعتبر فيه نية القربة.

(مسألة 285): إذا تعذرت القطعات الثلاث فالأحوط الاقتصار

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 83

على الميسور، فإذا دار الأمر بينها يقدم الازار، و عند الدوران بين المئزر و القميص، يقدم القميص، و إن لم يكن إلا مقدار ما يستر العورة تعين الستر به، و إذا دار الأمر بين ستر القبل و الدبر، تعين ستر القبل.

[أحكام التكفين]

(مسألة 286): لا يجوز اختيارا التكفين بالحرير، و لا بالنجس حتى إذا كانت نجاسته معفوا عنها في الصلاة، بل الأحوط- وجوبا- أن لا يكون مذهبا، و لا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، بل و لا من جلد المأكول و أما وبره و شعره، فيجوز التكفين به، و أما في حال الاضطرار فيجوز بالجميع فإذا انحصر في واحد منها تعين، و إذا تعدد و دار الأمر بين تكفينه بالمتنجس و تكفينه بغيره من تلك الأنواع، فالأحوط الجمع بينهما. و إذا دار الأمر بين الحرير و غير المتنجس منها، قدّم غير الحرير، و لا يبعد التخيير في غير ذلك من الصور.

(مسألة 287): لا يجوز التكفين بالمغصوب حتى مع الانحصار و في جلد الميتة إشكال، و الأحوط وجوبا مع الانحصار التكفين به.

(مسألة 288): يجوز التكفين بالحرير غير الخالص بشرط أن يكون الخليط أزيد من الحرير على الأحوط وجوبا.

(مسألة 289): إذا تنجس الكفن بنجاسة من الميت، أو من غيره وجب إزالتها و لو بعد الوضع في القبر، بغسل أو بقرض إذا كان الموضع يسيرا، و إن لم يكن ذلك وجب تبديله مع الإمكان.

(مسألة 290): القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة قبل الدين و الوصية، و كذا ما وجب من مئونة تجهيزه و دفنه، من السدر و الكافور،

و ماء الغسل، و قيمة الأرض، و ما يأخذه الظالم على الدفن في الأرض المباحة، و أجرة الحمال، و الحفار، و نحوها.

(مسألة 291): كفن الزوجة على زوجها و إن كانت صغيرة أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 84

مجنونة أو أمة أو غير مدخول بها، و كذا المطلقة الرجعية، و لا يترك الاحتياط في الناشزة و المنقطعة، و لا فرق في الزوج بين أحواله من الصغر و الكبر و غيرهما من الأحوال.

(مسألة 292): يشترط في وجوب كفن الزوجة على زوجها يساره و أن لا يكون محجورا عليه قبل موتها بفلس، و أن لا يكون ماله متعلقا به حق غيره برهن، أو غيره، و أن لا يقترن موتها بموته، و عدم تعيينها الكفن بالوصية، لكن الأحوط وجوبا إن لم يكن أقوى في صورة فقد أحد الشروط الثلاثة الأول، وجوب الاستقراض إن أمكن و لم يكن حرجيا و كذا الاحتياط في صورة عدم العمل بوصيتها بالكفن.

(مسألة 293): كما أن كفن الزوجة على زوجها، كذلك سائر مؤن التجهيز من السدر، و الكافور و غيرهما مما عرفت على الأحوط وجوبا إن لم يكن أقوى.

(مسألة 294): الزائد على المقدار الواجب من الكفن و سائر مؤن التجهيز، لا يجوز إخراجه من الأصل إلا مع رضا الورثة، و إذا كان فيهم صغير أو غير رشيد لا يجوز لوليه الاجازة في ذلك، فيتعين حينئذ إخراجه من حصة الكاملين برضاهم، و كذا الحال في قيمة القدر الواجب فإن الذي يخرج من الأصل ما هو أقل قيمة من الكفن المتعارف، و لا يجوز إخراج الأكثر منه إلا مع رضاء الورثة الكاملين، فلو كان الدفن في بعض المواضع لا يحتاج إلى بذل مال، و في غيره

يحتاج إلى ذلك، لا يجوز للولي مطالبة الورثة بذلك ليدفنه فيه.

(مسألة 295): كفن واجب النفقة من الأقارب في ماله لا على من تجب عليه النفقة.

(مسألة 296): إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن فلا يترك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 85

الاحتياط ببذله ممن تجب نفقته عليه، و مع عدمه يدفن عاريا، و لا يجب على المسلمين بذل كفنه.

[مستحبات التكفين]

تكملة: فيما ذكروا من سنن هذا الفصل، يستحب في الكفن العمامة للرجل و يكفي فيها المسمى، و الأولى أن تدار على رأسه و يجعل أطرافها تحت حنكه على صدره، الأيمن على الأيسر، و الأيسر على الأيمن و المقنعة للمرأة، و يكفي فيها أيضا المسمى، و لفافة لثدييها يشدان بها إلى ظهرها، و خرقة يعصب بها وسط الميت ذكرا كان أو أنثى، و خرقة أخرى للفخذين تلف عليهما، و لفافة فوق الازار يلف بها تمام بدن الميت، و الأولى كونها بردا يمانيا، و أن يجعل القطن أو نحوه عند تعذره بين رجليه، يستر به العورتان، و يوضع عليه شي ء من الحنوط، و أن يحشى دبره و منخراه، و قبل المرأة إذا خيف خروج شي ء منها، و إجادة الكفن، و أن يكون من القطن، و أن يكون أبيض، و أن يكون من خالص المال و طهوره، و أن يكون ثوبا قد أحرم، أو صلى فيه، و أن يلقى عليه الكافور و الذريرة، و أن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة، و أن يكتب على حاشية الكفن: فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و ان محمدا رسول اللّه، ثمّ يذكر الأئمة عليهم السّلام واحدا بعد واحد، و أنهم أولياء اللّه و أوصياء

رسوله، و أن البعث و الثواب و العقاب حق، و أن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير، و الكبير، و يلزم أن يكون ذلك كله في موضع يؤمن عليه من النجاسة و القذارة، فيكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت، و قيل: ينبغي أن يكون ذلك في شي ء يستصحب معه بالتعليق في عنقه أو الشدّ في يمينه، لكنه لا يخلو من تأمل، و يستحب في التكفين أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة على ايسر الميت، و الأيسر على أيمنه، و أن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث، و إن كان هو المغسل غسل يديه من المرفقين بل المنكبين ثلاث مرات، و رجليه إلى الركبتين، و يغسل كل موضع تنجس من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 86

بدنه، و أن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة، و الأولى أن يكون كحال الصلاة عليه. و يكره قطع الكفن بالحديد، و عمل الأكمام و الزرور له، و لو كفن في قميصه قطع أزراره و يكره بل الخيوط التي تخاط بها بريقه، و تبخيره، و تطييبه بغير الكافور و الذريرة، و أن يكون أسود بل مطلق المصبوغ، و أن يكتب عليه بالسواد، و أن يكون من الكتان، و أن يكون ممزوجا بابريسم، و المماكسة في شرائه، و جعل العمامة بلا حنك و كونه و سخا، و كونه مخيطا.

(مسألة 297): يستحب لكل أحد أن يهيئ كفنه قبل موته و أن يكرر نظره إليه.

الفصل الرابع في التحنيط:

يجب إمساس مساجد الميت السبعة بالكافور، و يكفي المسمى، و الأحوط- وجوبا- أن يكون بالمسح باليد، بل بالراحة، و الأفضل أن يكون وزنه سبعة مثاقيل صيرفية، و يستحب سحقه باليد، كما يستحب مسح مفاصله و

لبته، و صدره، و باطن قدميه، و ظاهر كفيه.

(مسألة 298): محل التحنيط بعد التغسيل، أو التيمم، قبل التكفين أو في أثنائه.

(مسألة 299): يشترط في الكافور أن يكون طاهرا مباحا مسحوقا له رائحة.

(مسألة 300): يكره إدخال الكافور في عين الميت، و أنفه، و أذنه و على وجهه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 87

الفصل الخامس في الجريدتين:

يستحب أن يجعل مع الميت جريدتان رطبتان، إحداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة ببدنه، و الأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص و الازار، و الأولى أن تكونا من النخل، فإن لم يتيسر فمن السدر، فإن لم يتيسر فمن الرمان أو الخلاف، و الرمان مقدم على الخلاف، و إلا فمن كل عود رطب.

(مسألة 301): إذا تركت الجريدتان لنسيان، أو نحوه، فالأولى جعلهما فوق القبر، واحدة عند رأسه، و الأخرى عند رجليه.

(مسألة 302): الأولى أن يكتب عليهما ما يكتب على حواشي الكفن مما تقدم، و يلزم الاحتفاظ عن تلوثهما بما يوجب المهانة و لو بلفهما بما يمنعهما عن ذلك من قطن و نحوه.

الفصل السادس في الصلاة على الميت:
اشارة

تجب الصلاة وجوبا كفائيا على كل ميت مسلم سواء أ كان ذكرا أم أنثى، حرا أم عبدا، مؤمنا أم مخالفا، عادلا أم فاسقا، و لا تجب على أطفال المسلمين إلا إذا بلغوا ست سنين، و في استحبابها على ما لم يبلغ ذلك و قد تولّد حيا إشكال، و الأحوط الإتيان بها برجاء المطلوبية، و كل من وجد ميتا في بلاد الإسلام فهو مسلم ظاهرا، و كذا لقيط دار الإسلام بل دار الكفر، إذا احتمل كونه مسلما على الأحوط.

(مسألة 303): الأحوط في كيفيتها أن يكبّر أولا، و يتشهد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 88

الشهادتين، ثمّ يكبّر ثانيا، و يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمّ يكبّر ثالثا و يدعو للمؤمنين، ثمّ يكبر رابعا و يدعو للميت، ثمّ يكبر خامسا و ينصرف، و الأحوط استحبابا الجمع بين الأدعية بعد كل تكبيرة و لا قراءة فيها و لا تسليم، و يجب فيها أمور:

منها: النية على نحو ما تقدم في

الوضوء.

و منها: حضور الميت فلا يصلى على الغائب.

و منها: استقبال المصلي القبلة.

و منها: أن يكون رأس الميت إلى جهة يمين المصلي، و رجلاه إلى جهة يساره.

و منها: أن يكون مستلقيا على قفاه.

و منها: وقوف المصلي خلفه محاذيا لبعضه، إلا أن يكون مأموما و قد استطال الصف حتى خرج عن المحاذاة.

و منها: أن لا يكون المصلي بعيدا عنه على نحو لا يصدق الوقوف عنده إلا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة.

و منها: أن لا يكون بينهما حائل من ستر، أو جدار، و لا يضر الستر بمثل التابوت و نحوه.

و منها: أن يكون المصلي قائما، فلا تصح صلاة غير القائم، إلا مع عدم التمكن من صلاة القائم.

و منها: الموالاة بين التكبيرات و الأدعية.

و منها: أن تكون الصلاة بعد التغسيل و التحنيط و التكفين، و قبل الدفن.

و منها: أن يكون الميت مستور العورة و لو بنحو الحجر، و اللبن إن تعذر الكفن.

و منها: إباحة مكان المصلي على الاحوط بل لا يبعد اعتبارها.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 89

و منها: إذن الولي على الأحوط إلا إذا أوصى الميت بأن يصلي عليه شخص معيّن فلم يأذن له الولي و أذن لغيره فلا يحتاج إلى الإذن.

(مسألة 304): لا يعتبر في الصلاة على الميت الطهارة من الحدث و الخبث، و إباحة اللباس، و ستر العورة، و إن كان الأحوط اعتبار جميع شرائط الصلاة، بل لا يترك الاحتياط وجوبا بترك الكلام في أثنائها و الضحك و الالتفات عن القبلة.

(مسألة 305): إذا شك في أنه صلى على الجنازة أم لا، بنى على العدم، و إذا صلى و شك في صحة الصلاة و فسادها بنى على الصحة، و إذا علم ببطلانها وجبت إعادتها على الوجه

الصحيح، و كذا لو أدى اجتهاده أو تقليده إلى بطلانها على الأحوط.

(مسألة 306): يجوز تكرار الصلاة على الميت الواحد، لكنه مكروه إلا إذا كان الميت من أهل الشرف في الدين.

(مسألة 307): لو دفن الميت بلا صلاة صحيحة، صلى على قبره ما لم يتلاش بدنه.

[مستحبات الصلاة على الميت]

(مسألة 308): يستحب أن يقف الإمام و المنفرد عند وسط الرجل و عند صدر المرأة.

(مسألة 309): إذا اجتمعت جنائز متعددة جاز تشريكها بصلاة واحدة، فتوضع الجميع أمام المصلي مع المحاذاة بينها، و الأولى مع اجتماع الرجل و المرأة، أن يجعل الرجل أقرب إلى المصلي، و يجعل صدرها محاذيا لوسط الرجل، و يجوز جعل الجنائز صفا واحدا، فيجعل رأس كل واحد عند ألية الآخر، شبه الدرج و يقف المصلي وسط الصف و يراعي في الدعاء بعد التكبير الرابع، تثنية الضمير، و جمعه.

(مسألة 310): يستحب في صلاة الميت الجماعة، و يعتبر في الإمام

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 90

أن يكون جامعا لشرائط الإمامة، من البلوغ، و العقل، و الإيمان، بل يعتبر فيه العدالة أيضا على الأحوط استحبابا و الأحوط- وجوبا- اعتبار شرائط الجماعة من انتفاء البعد، و الحائل، و أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم، و غير ذلك.

(مسألة 311): إذا حضر شخص في اثناء صلاة الإمام، كبر مع الإمام، و جعله أول صلاته و تشهد الشهادتين بعده و هكذا يكبر مع الإمام و يأتي بما هو وظيفة نفسه، فإذا فرغ الإمام أتى ببقية التكبير بلا دعاء و إن كان الدعاء أحوط.

(مسألة 312): لو صلى الصبي على الميت، لم تجز صلاته عن صلاة البالغين و إن كانت صلاته صحيحة.

(مسألة 313): إذا كان الولي للميت امرأة، جاز لها مباشرة الصلاة و

الاذن لغيرها ذكرا كان، أو أنثى.

(مسألة 314): لا يتحمل الإمام في صلاة الميت شيئا عن المأموم.

(مسألة 315): قد ذكروا للصلاة على الميت آدابا.

منها: أن يكون المصلي على طهارة، و يجوز التيمم مع وجدان الماء إذا خاف فوت الصلاة إن توضأ، أو اغتسل.

و منها: رفع اليدين عند التكبير.

و منها: أن يرفع الإمام صوته بالتكبير و الأدعية.

و منها: اختيار المواضع التي يكثر فيها الاجتماع.

و منها: أن يقف المأموم خلف الإمام، هذا إذا كان الإمام رجلا، و أمّا في إمامة المرأة للنساء فتقوم في وسطهن في الصف الأول من غير أن تبرز.

و منها: الاجتهاد في الدعاء للميت و للمؤمنين.

و منها: أن يقول قبل الصلاة: الصلاة- ثلاث مرات-.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 91

[أقل ما يجزي في صلاة الميت]

(مسألة 316): أقل ما يجزئ من الصلاة أن يقول المصلي: اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ يقول: اللّه أكبر اللهم صلى على محمد و آل محمد، ثمّ يقول: اللّه أكبر اللهم اغفر للمؤمنين، ثمّ يقول: اللّه أكبر اللهم اغفر لهذا، و يشير إلى الميت، ثمّ يقول: اللّه أكبر.

الفصل السابع في التشييع:

يستحب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيعوه، و يستحب لهم تشييعه، و قد ورد في فضله أخبار كثيرة، ففي بعضها من تبع جنازة أعطي يوم القيامة أربع شفاعات. و لم يقل شيئا إلا و قال الملك: و لك مثل ذلك، و في بعضها أن أول ما يتحف به المؤمن في قبره، أن يغفر لمن تبع جنازته، و له آداب كثيرة مذكورة في الكتب المبسوطة، مثل أن يكون المشيع ماشيا خلف الجنازة، خاشعا متفكرا، حاملا للجنازة على الكتف، قائلا حين الحمل:

بسم اللّه و باللّه و صلى اللّه على محمد و آل محمد، اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و يكره الضحك، و اللعب، و اللهو، و الإسراع في المشي، و أن يقول: ارفقوا به، و استغفروا له، و الركوب و المشي قدام الجنازة، و الكلام بغير ذكر اللّه تعالى و الدعاء و الاستغفار، و يكره وضع الرداء من غير صاحب المصيبة، فإنه يستحب له ذلك، و أن يمشي حافيا.

الفصل الثامن في الدفن:
[أحكام الدفن]

تجب كفاية مواراة الميت في الأرض، بحيث يؤمن على جسده من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 92

السباع، و إيذاء رائحته للناس، و لا يكفي وضعه في بناء، أو تابوت، و إن حصل فيه الأمران، و يجب وضعه على الجانب الأيمن موجها وجهه إلى القبلة، و إذا اشتبهت القبلة عمل بالظن على الأحوط، و مع تعذّره يسقط وجوب الاستقبال إن لم يمكن التأخير، و إذا كان الميت في البحر، و لم يمكن دفنه في البر، و لو بالتأخير غسل و حنط و صلي عليه و وضع في خابية و نحوها كالصندوق من حديد و أحكم رأسها و ألقي في البحر، أو ثقل بشد حجر أو نحوه برجليه ثمّ يلقى

في البحر، و الأحوط وجوبا اختيار الأول مع الإمكان و كذلك الحكم إذا خيف على الميت من نبش العدو قبره و تمثيله.

(مسألة 317): لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكافرين، و كذا العكس.

(مسألة 318): إذا ماتت الحامل الكافرة، و مات في بطنها حملها من مسلم، دفنت في مقبرة المسلمين على جانبها الأيسر، مستدبرة للقبلة و كذلك الحكم إن كان الجنين لم تلجه الروح.

(مسألة 319): لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة، و البالوعة، و لا في مكان مملوك بغير إذن المالك، أو الموقوف لغير الدفن كالمدارس، و المساجد، و الحسينيات المتعارفة في زماننا و الخانات الموقوفة و إن أذن الولي بذلك.

(مسألة 320): لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه و صيرورته ترابا، نعم إذا كان القبر منبوشا، جاز الدفن فيه على الأقوى.

[مستحبات الدفن]

(مسألة 321): يستحب حفر القبر قدر قامة، أو إلى الترقوة و أن يجعل له الحد مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس و في الرخوة يشق وسط القبر شبه النهر و يجعل فيه الميت، و يسقف عليه ثمّ يهال عليه التراب، و أن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة، و الذكر عند

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 93

تناول الميت، و عند وضعه في اللحد، و التحفّي، و حلّ الأزرار و كشف الرأس للمباشرة لذلك، و أن تحل عقد الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، و أن يحسر عن وجهه و يجعل خده على الأرض و يعمل له وسادة من تراب، و أن يوضع شي ء من تربة الحسين عليه السّلام معه و تلقينه الشهادتين و الإقرار بالأئمة عليهم السّلام، و أن يسد اللحد

باللبن و أن يخرج المباشر من طرف الرجلين، و أن يهيل الحاضرون غير ذي الرحم التراب بظهور الأكف، و طم القبر و تربيعه لا مثلثا، و لا مخمسا، و لا غير ذلك، ورش الماء عليه دورا يستقبل القبلة، و يبتدأ من عند الرأس فإن فضل شي ء صب على وسطه، و وضع الحاضرين أيديهم عليه غمزا بعد الرش، و لا سيما إذا كان الميت هاشميا، أو الحاضر لم يحضر الصلاة عليه، و الترحم عليه بمثل: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و صعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليّين، و الحقه بالصالحين، و أن يلقنه الولي بعد انصراف الناس رافعا صوته، و أن يكتب اسم الميت على القبر، أو على لوح، أو حجر و ينصب على القبر.

[مكروهات الدفن]

(مسألة 322): يكره دفن ميتين في قبر واحد، و نزول الأب في قبر ولده، و غير المحرم في قبر المرأة، و إهالة الرحم التراب، و فرش القبر بالساج من غير حاجة، و تجصيصه و تطيينه و تسنيمه و المشي عليه و الجلوس و الاتكاء و كذا البناء عليه و تجديده، إلا أن يكون الميت من أهل الشرف.

(مسألة 323): يكره نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر، إلا المشاهد المشرفة، و المواضع المحترمة، فإنه يستحب، و لا سيما الغري و الحائر و في بعض الروايات أن من خواص الأول، إسقاط عذاب القبر و محاسبة منكر و نكير.

(مسألة 324): لا فرق في جواز النقل بين ما قبل الدفن و ما بعده إذا اتفق تحقق النبش، بل لا يبعد جواز النبش لذلك إذا كان بإذن الولي و لم يلزم هتك حرمة الميت.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 94

(مسألة 325): يحرم نبش قبر

المؤمن على نحو يظهر جسده، إلا مع العلم باندراسه، و صيرورته ترابا، من دون فرق بين الصغير و الكبير و العاقل و المجنون،

[موارد جواز النبش]

و يستثنى من ذلك موارد:

منها: ما إذا كان النبش لمصلحة الميت، كالنقل إلى المشاهد، كما تقدم، أو لكونه مدفونا في موضع يوجب مهانة عليه كمزبلة، أو بالوعة، أو نحوهما، أو في موضع يتخوف فيه على بدنه من سيل، أو سبع، أو عدو.

و منها: ما لو عارضه أمر راجح أهم، كما إذا توقف دفع مفسدة على رؤية جسده.

و منها: ما لو لزم من ترك نبشه ضرر مالي، كما إذا دفن معه مال غيره، من خاتم و نحوه، فينبش لدفع ذلك الضرر المالي، و مثل ذلك ما إذا دفن في ملك الغير من دون إذنه أو إجازته.

و منها: ما إذا دفن بلا غسل، أو بلا تكفين أو تبيّن بطلان غسله، أو بطلان تكفينه، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعي، لوضعه في القبر على غير القبلة، أو في مكان أوصى بالدفن في غيره، أو نحو ذلك فيجوز نبشه في هذه الموارد إذا لم يلزم هتك لحرمته، و إلا ففيه إشكال.

(مسألة 326): لا يجوز التوديع المتعارف عند بعض الشيعة (أيدهم اللّه تعالى) بوضع الميت في موضع و البناء عليه، ثمّ نقله إلى المشاهد المشرفة، بل اللازم أن يدفن بمواراته في الأرض مستقبلا بوجهه القبلة على الوجه الشرعي، ثمّ ينقل بعد ذلك بإذن الولي على نحو لا يؤدي إلى هتك حرمته.

(مسألة 327): إذا وضع الميت في سرداب، جاز فتح بابه و إنزال ميت آخر فيه، إذا لم يظهر جسد الأول، إمّا للبناء عليه، أو لوضعه في لحد داخل السرداب، و أمّا إذا كان بنحو يظهر جسده

ففي جوازه إشكال.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 95

(مسألة 328): إذا مات ولد الحامل دونها، فإن أمكن إخراجه صحيحا وجب، و إلا جاز تقطيعه، و يتحرى الأرفق فالأرفق، و إن ماتت هي دونه، شق بطنها من الجانب الأيسر إن احتمل دخله في حياته، و إلا فمن أي جانب كان و أخرج، ثمّ يخاط بطنها، و تدفن.

(مسألة 329): إذا وجد بعض الميت، و فيه الصدر، غسل و حنط و كفن و صلي عليه و دفن، و كذا إذا كان الصدر وحده، أو بعضه على الأحوط وجوبا، و في الأخيرين يقتصر في التكفين على القميص و الازار و في الأول يضاف إليهما المئزر إن وجد له محل، و إن وجد غير عظم الصدر مجردا كان، أو مشتملا عليه اللحم، غسل و حنط و لف بخرقة و دفن على الأحوط وجوبا و لم يصل عليه، و إن لم يكن فيه عظم لف بخرقة و دفن على الأحوط وجوبا.

(مسألة 330): السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غسل و حنط و كفن و لم يصل عليه، و إذا كان لدون ذلك لف بخرقة و دفن على الأحوط وجوبا، لكن لو ولجته الروح حينئذ فالأحوط إن لم يكن أقوى جريان حكم الأربعة أشهر عليه.

المقصد السادس غسل مس الميت

يجب الغسل بمس الميت الإنساني بعد برده و قبل إتمام غسله، مسلما كان أو كافرا، حتى السقط إذا و لجته الروح و إن لم يتم له أربعة أشهر على الأحوط، و لو غسله الكافر لفقد المماثل، أو غسل بالقراح لفقد الخليط، فالأقوى عدم وجوب الغسل بمسه و لو يمّم الميت للعجز عن تغسيله فالظاهر وجوب الغسل بمسه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 96

(مسألة 331): لا فرق في

الماس و الممسوس بين أن يكون من الظاهر و الباطن، كما لا فرق بين كون الماس و الممسوس مما تحلّه الحياة و عدمه و العبرة في وجوب الغسل بالمس بالشعر، أو بمسّه بالصدق العرفي، و يختلف ذلك بطول الشعر و قصره.

(مسألة 332): لا فرق بين العاقل و المجنون، و الصغير و الكبير و المس الاختياري و الاضطراري.

(مسألة 333): إذا مس الميت قبل برده، لم يجب الغسل بمسه، نعم يتنجس العضو الماس بشرط الرطوبة المسرية في أحدهما، و إن كان الأحوط تطهيره مع الجفاف أيضا.

(مسألة 334): يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الميت إذا كانت مشتملة على العظم، و كذا في القطعة المبانة من الحي على الأحوط دون الخالية من العظم و دون العظم المجرد من الحي، أما العظم المجرد من الميت، المنفصل عن سائر العظام، أو السن منه، فالأحوط استحبابا الغسل بمسه.

(مسألة 335): إذا قلع السن من الحي و كان معه لحم يسير، لم يجب الغسل بمسه.

(مسألة 336): يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد و المشاهد و المكث فيها، و قراءة العزائم، نعم لا يجوز له مس كتابة القرآن و نحوها مما لا يجوز للمحدث مسه، و لا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة إلا بالغسل، و الأحوط ضم الوضوء إليه. و إن كان الأظهر عدم وجوبه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 97

المقصد السابع الأغسال المندوبة زمانية، و مكانية، و فعلية

الأول: الأغسال الزمانية،

و لها أفراد كثيرة:

منها: غسل الجمعة، و هو أهمّها حتى قيل بوجوبه لكنه ضعيف، و وقته من طلوع الفجر الثاني من يوم الجمعة إلى الغروب على الأظهر، و الأحوط أن ينوي فيما بين الزوال إلى الغروب القربة المطلقة، و إذا فاته إلى الغروب قضاه يوم السبت إلى الغروب، و يجوز

تقديمه يوم الخميس رجاء إن خاف إعواز الماء يوم الجمعة، و لو اتفق تمكنه منه يوم الجمعة أعاده فيه، و إذا فاته حينئذ أعاده يوم السبت.

(مسألة 337): يصح غسل الجمعة من الجنب و الحائض، و يجزئ عن غسل الجنابة و الحيض إذا كان بعد النقاء على الأقوى.

و منها: غسل يوم العيدين، و وقته من الفجر إلى زوال الشمس و الأولى الإتيان به قبل الصلاة، و غسل ليلة الفطر، و الأولى الإتيان به أول الليل و يوم عرفة و الأولى الإتيان به قبيل الظهر، و يوم التروية و هو الثامن من ذي الحجّة، و الليلة الأولى و السابع عشرة، و الرابعة و العشرين من شهر رمضان و ليالي القدر، و الغسل عند احتراق القرص في الكسوف و الخسوف.

(مسألة 338): جميع الأغسال الزمانية يكفي الإتيان بها في وقتها مرة واحدة، و لا حاجة إلى إعادتها إذا صدر الحدث الأكبر أو الأصغر بعدها و يتخير في الإتيان بها بين ساعات وقتها.

و الثاني: الأغسال المكانية،

و لها أيضا أفراد كثيرة، كالغسل لدخول

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 98

الحرم، و لدخول مكة، و لدخول الكعبة، و لدخول حرم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لدخول المدينة.

(مسألة 339): وقت الغسل في هذا القسم قبل الدخول في هذه الأمكنة قريبا منه. نعم في الحرم و مكة يجوز الاغتسال لدخولهما بعد أن يدخل فيهما.

و الثالث: الأغسال الفعلية

و هي قسمان: القسم الأول: ما يستحب لأجل إيقاع فعل كالغسل للإحرام، أو لزيارة البيت، و الغسل للذبح و النحر، و الحلق، و الغسل للاستخارة، أو الاستسقاء، أو المباهلة مع الخصم، و الغسل لوداع قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و الغسل لقضاء صلاة الكسوف إذا تركها متعمدا عالما به مع احتراق القرص و الغسل للتوبة على وجه، و القسم الثاني: ما يستحب بعد وقوع فعل منه كالغسل لمس الميت بعد تغسيله.

(مسألة 340): يجزئ في القسم الأول من هذا النوع غسل أول النهار ليومه، و أول الليل لليلته، و لا يخلو القول بالاجتزاء بغسل الليل للنهار و بالعكس عن قوة، و الظاهر انتقاضه بالحدث بينه و بين الفعل.

(مسألة 341): هذه الأغسال قد ثبت استحبابها بدليل معتبر و الظاهر أنها تغني عن الوضوء، و هناك أغسال أخر ذكرها الفقهاء في الأغسال المستحبة، و لكنه لم يثبت عندنا استحبابها و لا بأس بالإتيان بها رجاء، و هي كثيرة نذكر جملة منها:

1- الغسل في الليالي الفرد من شهر رمضان المبارك و جميع ليالي العشر الأخيرة منه و أول يوم منه.

2- غسل آخر في الليلة الثالثة و العشرين من شهر رمضان المبارك قبيل الفجر.

3- الغسل في يوم الغدير و هو الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص:

99

و في اليوم الرابع و العشرين منه.

4- الغسل يوم النيروز، و أول رجب، و آخره، و نصفه، و يوم المبعث و هو السابع و العشرون منه.

5- الغسل في اليوم النصف من شعبان، و أما غسل ليلة النصف منه فلا يبعد استحبابه.

6- الغسل في اليوم التاسع، و السابع عشر من ربيع الأول.

7- الغسل في اليوم الخامس و العشرين من ذي القعدة.

8- الغسل لزيارة كل معصوم من قريب أو بعيد.

9- الغسل لقتل الوزغ، و هذه الأغسال لا يغني شي ء منها عن الوضوء.

المبحث الخامس التيمّم

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول في مسوغاته:

و يجمعها العذر المسقط لوجوب الطهارة المائية و هو أمور: الأول: عدم وجدان ما يكفيه من الماء لوضوئه، أو غسله.

(مسألة 342): إن علم بفقد الماء لم يجب عليه الفحص عنه، و إن احتمل وجوده في رحله أو في القافلة، فالأحوط الفحص إلى أن يحصل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 100

العلم، أو الاطمئنان بعدمه، و لا يبعد عدم وجوبه فيما إذا علم بعدم وجود الماء قبل ذلك و احتمل حدوثه، و أما إذا احتمل وجود الماء و هو في الفلاة وجب عليه الطلب فيها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة و سهمين في الأرض السهلة في الجهات الأربع إن احتمل وجوده في كل واحدة منها، و إن علم بعدمه في بعض معين من الجهات الأربع لم يجب عليه الطلب فيها، فإن لم يحتمل وجوده إلا في جهة معينة وجب عليه الطلب فيها دون غيرها، و البينة بمنزلة العلم و كذا خبر العدل و الثقة بل و خبر من يعيش في تلك الأطراف و إن لم يعلم حاله، فإن شهدوا بعدم الماء في جهة، أو جهات معينة لم يجب الطلب فيها.

(مسألة 343): يجوز الاستنابة في الطلب إذا كان النائب ثقة على الأظهر، و أما إذا حصل العلم أو الاطمئنان من قوله فلا إشكال.

(مسألة 334): إذا أخل بالطلب و تيمم صح تيممه إن صادف عدم الماء.

(مسألة 345): إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي إليه و إن بعد، إلا أن يلزم منه مشقة عظيمة.

(مسألة 346): إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجد لم تجب إعادة الطلب بعد دخول الوقت، و إن احتمل العثور على الماء لو

أعاد الطلب لاحتمال تجدد وجوده، و أما إذا انتقل عن ذلك المكان فيجب الطلب مع احتمال وجوده.

(مسألة 347): إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات فلا تجب إعادة الطلب عند كل صلاة و إن احتمل العثور مع الإعادة لاحتمال تجدد وجوده.

(مسألة 348): المناط في السهم و الرمي و القوس، و الهواء و الرامي

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 101

هو المتعارف المعتدل الوسط في القوة و الضعف.

(مسألة 349): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف على نفسه، أو ماله من لص، أو سبع، أو نحو ذلك، و كذا إذا كان في طلبه حرج و مشقة لا تتحمل.

(مسألة 350): إذا ترك الطلب حتى ضاق الوقت عصى، لكن الأقوى صحة صلاته حينئذ و إن علم أنه لو طلب لعثر، لكن الأحوط استحبابا القضاء خصوصا في الفرض المذكور.

(مسألة 351): إذا ترك الطلب و تيمم في سعة الوقت و صلى و لو في ضيق الوقت بطلت صلاته و إن تبيّن عدم وجود الماء، نعم لو تيمّم و صلّى برجاء عدم الماء ثمّ تبين عدمه فالأقوى صحتها.

(مسألة 352): إذا طلب الماء فلم يجد، فتيمم و صلى ثمّ تبين وجوده في محل الطلب من الرمية، أو الرميتين، أو الرحل، أو القافلة فالأحوط الإعادة في الوقت، إذا لم يكن التبين بتكرار فحصه في ذلك الموضع و إلا فلا تجب الإعادة. نعم لا يجب القضاء إذا كان التبين خارج الوقت.

(مسألة 353): إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة، و في بعضها سهلة، يلحق كلا حكمه من الرمية و الرميتين.

الثاني: عدم التمكن من الوصول إلى الماء لعجز عنه و لو كان عجزا شرعيا، أو ما بحكمه، بأن كان

الماء في إناء مغصوب، أو لخوفه على نفسه أو عرضه، أو ماله من سبع، أو عدو، أو لص، أو ضياع، أو غير ذلك.

الثالث: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرض أو زيادته أو بطؤه، على النفس، أو بعض البدن، و منه الرمد المانع من استعمال الماء كما أنّ منه خوف الشين، الذي يعسر تحمله و هو الخشونة المشوهة للخلقة، و المؤدية في بعض الأبدان إلى تشقق الجلد.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 102

الرابع: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه عليه أو على نفس حيوان يكون من شأن المكلف الاحتفاظ بها و الاهتمام بشأنها- كدابته و شاته و نحوهما- مما يكون تلفه موجبا للحرج أو الضرر.

الخامس: توقف تحصيله على الاستيهاب الموجب لذلته، و هو انه، أو على شرائه بثمن يضر بحاله، و يلحق به كل مورد يكون الوضوء فيه حرجيا لشدة حرّ، أو برد، أو نحو ذلك.

السادس: أن يكون مبتلى بواجب يتعين صرف الماء فيه على نحو لا يقوم غير الماء مقامه، مثل إزالة الخبث عن المسجد، فيجب عليه التيمم و صرف الماء في إزالة الخبث، و إذا دار الأمر بين إزالة الحدث و إزالة الخبث عن لباسه أو بدنه فالأحوط أن يصرف الماء أولا في إزالة الخبث ثمّ يتيمم بعد ذلك.

السابع: ضيق الوقت عن تحصيل الماء أو عن استعماله بحيث يلزم من الوضوء وقوع الصلاة أو بعضها في خارج الوقت، فيجوز التيمم في جميع الموارد المذكورة.

(مسألة 354): إذا خالف المكلف عمدا فتوضأ في مورد يكون الوضوء فيه حرجيا- كالوضوء في شدة البرد- صح وضوؤه و إذا خالف في مورد يكون الوضوء فيه محرما بطل وضوؤه، و إذا خالف في مورد يجب فيه

حفظ الماء- كما في الأمر الرابع- فالأظهر بطلان وضوئه، إذا كان ناويا للوضوء بصبّ الماء على العضو حيث إنّ الغسل المساوق للصب هنا إتلاف للماء الواجب حفظه. نعم إذا أراقه على العضو ثمّ ردّه من الأسفل إلى الأعلى و نوى الوضوء بالغسل من الأعلى إلى الأسفل، فالظاهر صحة وضوئه حينئذ، و أمّا إذا كان الواجب صرف الماء في غير الوضوء لا وجوب حفظه- كما في وجوب صرفه في تطهير المسجد- فيكون الوضوء محكوما بالصحة مطلقا.

(مسألة 355): إذا خالف فتطهر بالماء لعذر من نسيان، أو غفلة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 103

صح و ضوؤه في جميع الموارد المذكورة و كذلك مع الجهل فيما إذا لم يكن الوضوء محرما في الواقع أما إذا توضأ في ضيق الوقت فإن نوى الأمر المتعلق بالوضوء فعلا صح، من غير فرق بين العمد و الخطأ، و كذلك ما إذا نوى الأمر الأدائي فيما إذا لم يكن مشرّعا في عمله.

(مسألة 356): إذا آوى إلى فراشه و ذكر أنه ليس على وضوء جاز له التيمم رجاء و إن تمكّن من استعمال الماء، كما يجوز التيمم لصلاة الجنازة إن لم يتمكن من استعمال الماء و إدراك الصلاة، بل لا بأس به مع التمكن أيضا رجاء.

الفصل الثاني فيما يتيمم به:

الأقوى جواز التيمم بما يسمى أرضا، سواء أ كان ترابا، أم رملا، أو مدرا، أم حصى، أم صخرا أملس، و منه أرض الجص و النورة قبل الإحراق، و لا يعتبر علوق شي ء منه باليد، و إن كان الأحوط استحبابا الاقتصار على التراب مع الإمكان.

(مسألة 357): لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض و إن كان أصله منه، كالرماد، و النبات، و المعادن، و الذهب، و الفضة

و نحوها مما لا يسمى ارضا و أما العقيق، و الفيروزج و نحوهما، من الأحجار الكريمة فالأحوط أن لا يتيمم بها، و كذلك الخزف، و الجص النورة، بعد الإحراق حال الاختيار، و مع الانحصار لزمه التيمم بها و الصلاة، و الأحوط القضاء خارج الوقت.

(مسألة 358): لا يجوز التيمم بالنجس، و لا المغصوب، و لا الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض، نعم لا يضر إذا كان الخليط مستهلكا فيه عرفا،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 104

و لو أكره على المكث في المكان المغصوب فالأظهر جواز التيمم به.

(مسألة 359): إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما، و إذا اشتبه التراب بالرماد فتيمم بكل منهما صح، بل يجب ذلك مع الانحصار، و كذلك الحكم إذا اشتبه الطاهر بالنجس.

(مسألة 360): إذا عجز عن التيمم بالأرض لأحد الأمور المتقدمة في سقوط الطهارة المائية يتيمم بالغبار المجتمع على ثوبه، أو عرف دابته أو نحوهما، إذا كان غبار ما يصح التيمم به دون غيره كغبار الدقيق و نحوه، و يجب مراعاة الأكثر فالأكثر على الأحوط، و إذا أمكنه نقض الغبار و جمعه على نحو يصدق عليه التراب تعين ذلك.

(مسألة 361): إذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل و هو الطين، و إذا أمكن تجفيفه و التيمم به، تعين ذلك.

(مسألة 362): إذا عجز عن الأرض، و الغبار، و الوحل، كان فاقدا للطهور، و الأحوط له الصلاة في الوقت و القضاء في خارجه، و إن كان الأظهر عدم وجوب الأداء، و إذا تمكن من الثلج و لم تمكنه إذابته و الوضوء به، و لكن أمكنه مسح أعضاء الوضوء به على نحو يتحقق مسمى الغسل وجب و اجتزأ به، و إذا كان على نحو

لا يتحقق الغسل تعين التيمم و إن كان الأحوط له الجمع بين التيمم و المسح به و الصلاة في الوقت.

(مسألة 363): الأحوط الأولى نفض اليدين بعد الضرب، و يستحب أن يكون ما يتيمم به من ربى الأرض و عواليها، و يكره أن يكون من مهابطها، و أن يكون من تراب الطريق.

الفصل الثالث [كيفية التيمم]

كيفية التيمم أن يضرب بيده على الأرض، و أن يكون دفعة واحدة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 105

على الأحوط وجوبا، و أن يكون بباطنهما ثمّ يمسح بهما جميعا تمام جبهته و جبينه، من قصاص الشعر إلى الحاجبين، و إلى طرف الأنف الأعلى المتصل بالجبهة، و الأحوط مسح الحاجبين أيضا، ثمّ مسح تمام ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليسرى، ثمّ مسح تمام ظاهر الكف اليسرى كذلك بباطن الكف اليمنى.

(مسألة 364): لا يجب المسح بتمام كل من الكفين، بل يكفي المسح ببعض كل منهما على نحو يستوعب الجبهة و الجبينين.

(مسألة 365): المراد من الجبهة الموضع المستوي، و المراد من الجبين ما بينه و بين طرف الحاجب إلى قصاص الشعر.

(مسألة 366): الأظهر كفاية ضربة واحدة في التيمم بدلا عن الغسل، أو الوضوء، و إن كان الأحوط تعدد الضرب فيضرب ضربة للوجه و ضربة للكفين، و يكفي في الاحتياط أن يمسح الكفين مع الوجه في الضربة الأولى، ثمّ يضرب ضربة ثانية فيمسح كفيه.

(مسألة 367): إذا تعذر الضرب و المسح بالباطن، انتقل إلى الظاهر و كذا إذا كان نجسا نجاسة متعدية و لم تمكن الإزالة، أمّا إذا لم تكن متعدية ضرب به و مسح، بل الظاهر عدم اعتبار الطهارة في الماسح و الممسوح مطلقا، و إذا كان على الممسوح حائل لا تمكن إزالته مسح

عليه، أما إذا كان ذلك على الباطن الماسح فالأحوط وجوبا الجمع بين الضرب و المسح به، و الضرب و المسح بالظاهر.

(مسألة 368): المحدث بالأصغر يتيمم بدلا عن الوضوء، و الجنب يتيمم بدلا عن الغسل، و المحدث بالأكبر غير الجنابة يتيمم عن الغسل، و عليه أن يتيمم أيضا عن الوضوء، و إذا تمكن من الوضوء دون الغسل أتى به و تيمم عن الغسل، و إذا تمكن من الغسل أتى به و هو يغني عن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 106

الوضوء إلا في الاستحاضة المتوسطة فلا بد فيها من الوضوء فإن لم يتمكن تيمم عنه.

الفصل الرابع [أحكام التيمم]

يشترط في التيمم النية، على ما تقدم في الوضوء مقارنا بها الضرب على الأظهر.

(مسألة 369): لا تجب فيه نية البدلية عن الوضوء أو الغسل، بل تكفي نية الأمر المتوجه إليه، و مع تعدد الأمر لا بد من تعيينه بالنية.

(مسألة 370): الأقوى أن التيمم رافع للحدث حال الاضطرار لكن لا تجب فيه نية الرفع و لا نية الاستباحة للصلاة مثلا.

(مسألة 371): يشترط فيه المباشرة و الموالاة حتى فيما كان بدلا عن الغسل، و يشترط فيه أيضا الترتيب على حسب ما تقدم، و الأحوط وجوبا البدأة من الأعلى و المسح منه إلى الأسفل.

(مسألة 372): مع الاضطرار يسقط المعسور، و يجب الميسور على حسب ما عرفت في الوضوء من حكم الأقطع، و ذي الجبيرة، و الحائل و العاجز عن المباشرة، كما يجري هنا حكم اللحم الزائد، و اليد الزائدة و غير ذلك.

(مسألة 373): العاجز ييممه غيره و لكن يضرب بيدي العاجز و يمسح بهما مع الإمكان، و مع العجز يضرب المتولي بيدي نفسه، و يمسح بهما.

(مسألة 374): الشعر المتدلي على الجبهة يجب رفعه و

مسح البشرة تحته، و أما النابت فيها فالظاهر الاجتزاء بمسه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 107

(مسألة 375): إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة و إن كانت لجهل أو نسيان، أما لو لم تفت صح إذا أعاد على نحو يحصل به الترتيب.

(مسألة 376): الخاتم حائل يجب نزعه حال التيمم.

(مسألة 377): الأحوط وجوبا اعتبار إباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم، و إذا كان التراب في إناء مغصوب لم يصح الضرب عليه.

(مسألة 378): إذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت، و لكن الشك إذا كان في الجزء الأخير و لم تفت الموالاة و لم يدخل في الأمر المرتب عليه من صلاة و نحوها، فالأحوط الالتفات إلى الشك، و لو شك في جزء منه بعد التجاوز عن محله لم يلتفت، و إن كان الأحوط استحبابا التدارك.

الفصل الخامس أحكام التيمم [مسوغات التيمم]:

لا يجوز التيمم لصلاة موقتة قبل دخول وقتها مع احتمال وجدان الماء بعد دخول الوقت، و يجوز عند ضيق وقتها، و في جوازه في السعة إشكال، و الأظهر الجواز مع اليأس عن التمكن من الماء، و لو اتفق التمكن منه بعد الصلاة وجبت الإعادة إذا كان العذر غير فقد الماء، و أما في فقده فلا تجب الإعادة.

(مسألة 379): إذا تيمم لصلاة فريضة، أو نافلة، لعذر ثمّ دخل وقت أخرى فإن يئس من ارتفاع العذر و التمكن من الطهارة المائية جاز له المبادرة إلى الصلاة في سعة وقتها، بل تجوز المبادرة مع عدم اليأس أيضا، و على كلا التقديرين، فإن ارتفع العذر أثناء الوقت لا تجب الإعادة في صورة اليأس و كان العذر فقد الماء و إلا وجبت.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 108

(مسألة 380): لو وجد الماء في أثناء العمل،

فإن كان دخل في صلاة فريضة أو نافلة و كان وجدانه بعد الدخول في ركوع الركعة الأولى مضى في صلاته و صحت على الأقوى، و لو كان وجدانه قبل ذلك يتعين الاستئناف بعد الطهارة المائية.

(مسألة 381): إذا تيمم المحدث بالأكبر بدلا عن غسل الجنابة ثمّ أحدث بالأصغر، انتقض تيممه و لزمه التيمم بعد ذلك، و الأحوط استحبابا الجمع بين التيمم و الوضوء، و لو كان التيمم بدلا عن الحدث الأكبر غير الجنابة، ثمّ أحدث بالأصغر لزمه التيمم بدلا عن الغسل مع الوضوء، فإن لم يتمكن من الوضوء أيضا لزمه تيمم آخر بدلا عنه.

(مسألة 382): لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء، أو الغسل بعد دخول الوقت، و إذا تعمد إراقة الماء بعد دخول وقت الصلاة، وجب عليه التيمم مع اليأس من الماء و أجزأ، و لو تمكن بعد ذلك وجبت عليه الإعادة في الوقت، و لا يجب القضاء إذا كان التمكن خارج الوقت، و لو كان على وضوء لا يجوز إبطاله بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجود الماء أو يئس منه، و لو أبطله و الحال هذه وجب عليه التيمم و أجزأ أيضا على ما ذكر، و كذلك لا يجوز إبطال الوضوء بعد دخول الوقت على الأحوط إذا احتمل عدم تمكّنه منه بعد ذلك إلى آخر الوقت.

(مسألة 383): يشرع التيمم لكل مشروط بالطهارة من الفرائض و النوافل، و كذا كل ما يتوقف كما له على الطهارة إذا كان مأمورا به على الوجه الكامل، كقراءة القرآن، و الكون في المساجد و نحو ذلك بل لا يبعد مشروعيته للكون على الطهارة، بل الظاهر جواز التيمم لأجل ما يحرم على المحدث من دون أن يكون مأمورا به- كمس

القرآن و مس اسم اللّه تعالى- كما أشرنا إلى ذلك في غايات الوضوء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 109

(مسألة 384): إذا تيمم المحدث لغاية، جازت له كل غاية و صحت منه، فإذا تيمم للكون على الطهارة صحت منه الصلاة، و جاز له دخول المساجد و المشاهد و غير ذلك مما يتوقف صحته أو كماله، أو جوازه على الطهارة المائية، نعم لا يجزئ ذلك فيما إذا تيمم لضيق الوقت.

(مسألة 385): ينتقض التيمم بمجرد التمكن من الطهارة المائية و إن تعذرت عليه بعد ذلك، و إذا وجد من تيمم تيممين- من الماء- ما يكفيه لوضوئه، انتقض تيممه الذي هو بدل عنه، و إذا وجد ما يكفيه للغسل انتقض ما هو بدل عنه خاصة و إن أمكنه الوضوء به، هذا بناء على ما هو الأظهر من إغناء كلّ غسل عن الوضوء، فلو فقد الماء بعد ذلك أعاد التيمم بدلا عن الغسل خاصة إلا في المستحاضة المتوسطة فإنّه تتيمّم تيممين بعد فقد الماء لبطلانهما بوجدان الماء الكافي لأحدهما.

(مسألة 386): إذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي إلا لأحدهم، فإن تسابقوا إليه جميعا و لم يسبق أحدهم، لم يبطل تيممهم، و إن سبق واحد منهم بطل تيمم السابق، و إن لم يتسابقوا إليه، بطل تيمم الجميع، و كذا إذا كان الماء مملوكا و أباحه المالك للجميع، و إن أباحه لبعضهم، بطل تيمم ذلك البعض لا غير.

(مسألة 387): حكم التداخل الذي مرّ سابقا في الأغسال يجري في التيمم أيضا، فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل، يكفي تيمم واحد عن الجميع، و حينئذ فإن كان من جملتها الجنابة، لم يحتج إلى الوضوء، أو التيمم بدلا عنه، و إلا وجب الوضوء، أو

تيمم آخر بدلا عنه، سواء أ كان محدثا بالأصغر أم لا، بناء على ما هو الأظهر من كون الحدث الأكبر أيضا ناقضا للوضوء.

(مسألة 388): إذا اجتمع جنب، و محدث بالأصغر، و ميت،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 110

و كان هناك ماء لا يكفي إلا لأحدهم، فإن كان مملوكا لأحدهم تعين صرفه لنفسه، و إلا فالمشهور أنه يغتسل الجنب، و ييمّم الميت، و يتيمم المحدث بالأصغر و لكن تعين صرفه في الجنب لا يخلو عن إشكال. نعم إذا كان ذلك قبل دخول وقت الفريضة فالظاهر أنه لا بد من صرفه في تغسيل الميت.

(مسألة 389): إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم فحاله حال الوضوء و الغسل في وجوب الفحص حتى يحصل اليقين، أو الاطمئنان بالعدم.

المبحث السادس الطهارة من الخبث

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول [الأعيان النجسة]

في عدد الأعيان النجسة و هي عشرة:

الأول و الثاني: البول و الغائط من كل حيوان له نفس سائلة محرم الأكل بالاصل، أو بالعارض، كالجلال و الموطوء، أما ما لا نفس له سائلة أو كان محلل الأكل، فبوله و خرؤه طاهران.

(مسألة 390): بول الطير، و ذرقه، طاهران و إن كان غير مأكول اللحم، كالخفاش، و الطاوس، و نحوهما.

(مسألة 391): ما يشك في أنه له نفس سائلة، محكوم بطهارة بوله و خرئه، و كذا ما يشك في أنه محلل الأكل، أو محرمه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 111

الثالث: المني من كل حيوان له نفس سائلة و إن حل أكل لحمه، و أما منى ما لا نفس له سائلة فطاهر.

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة و إن كان محلل الأكل، و كذا أجزاؤها المبانة منها و إن كانت صغارا.

(مسألة 392): الجزء المقطوع من الحي بمنزلة الميتة، و يستثنى من ذلك الثالول، و البثور، و ما يعلو الشفة، و القروح، و نحوها عند البرء و قشور الجرب، و نحوه، المتصل بما ينفصل من شعره، و ما ينفصل بالحك، و نحوه من بعض الأبدان، فإن ذلك كله طاهر إذا فصل من الحي.

(مسألة 393): أجزاء الميتة إذا كانت لا تحلها الحياة طاهرة، و هي الصوف، و الشعر، و الوبر، و العظم، و القرن، و المنقار، و الظفر، و المخلب، و الريش، و الظلف، و السن، و البيضة إذا اكتست القشر الأعلى، و إن لم يتصلب سواء أ كان ذلك كله مأخوذا من الحيوان الحلال أم الحرام، و سواء أخذ بجز، أم نتف، أم غيرهما، نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة، و يلحق بالمذكورات الأنفحة، و

كذلك اللبن في الضرع، إذا كان مما يؤكل لحمه. و لا ينجس بملاقاة الضرع النجس، و إن كان الأحوط استحبابا اجتنابه.

هذا كله في ميتة طاهرة العين. أمّا ميتة نجسة العين: فلا يستثنى منها شي ء.

(مسألة 394): فأرة المسك طاهرة، إذا انفصلت من الظبي الحي، أما إذا انفصلت من الميت ففيها إشكال، و مع الشك في ذلك يبنى على الطهارة، و أما المسك فطاهر على كل حال، إلا أن يعلم برطوبته المسرية حال موت الظبي ففيه إشكال.

(مسألة 395): ميتة ما لا نفس له سائلة طاهرة، كالوزغ، و العقرب، و السمك، و منه الخفاش على ما يقال من قضاء الاختبار به و كذا ميتة ما يشك في أن له نفسا سائلة، أم لا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 112

(مسألة 396): المراد من الميتة ما استند موته إلى غير التذكية الشرعية، و يقابله المذكى و هو ما استند موته إلى التذكية الشرعية، هذا في الحيوان القابل للتذكية بالصيد، و أما الحيوان الذي يكون ذكاته بالذبح أو النحر خاصة فميتته ما زهق روحه و لم يجر عليه حال حياته الذبح أو النحر مع الشرائط المعتبرة فيهما، و يقابله المذكى و هو ما زهق روحه و جرى عليه قبل زهوقه الذبح أو النحر سواء استند زهوق روحه فعلا إليهما أو إلى غيرهما كالسقوط في النار أو الماء بعد فري أوداجه أو نحره.

(مسألة 397): ما يؤخذ من يد المسلم، أو سوقهم من اللحم، و الشحم، و الجلد، إذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة، و الحلّية ظاهرا، بل لا يبعد ذلك حتى لو علم بسبق يد الكافر عليه إذا احتمل أن المسلم قد أحرز تذكيته على الوجه الشرعي، و كذا ما

صنع في أرض الإسلام، أو وجد مطروحا في أرض المسلمين إذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال على التذكية مثل ظرف الماء و السمن و اللبن، لا مثل ظروف العذرات و النجاسات.

(مسألة 398): المذكورات إذا أخذت من أيدي الكافرين فإن كانت من الحيوان الذي تكون تذكيته بالذبح أو النحر فقط فيحكم عليها بالنجاسة و إلا فمحكومة بالطهارة إذا احتمل أنها مأخوذة من المذكى، لكنه لا يجوز أكلها، و لا الصلاة فيها ما لم يحرز أخذها من المذكى، و لو من جهة العلم بسبق يد المسلم عليها.

(مسألة 399): السقط قبل ولوج الروح نجس، و كذا الفرخ في البيض على الأحوط وجوبا فيهما.

(مسألة 400): الأنفحة هي ما يستحيل إليه اللبن الذي يرتضعه الجدي، أو السخل قبل أن يأكل.

الخامس: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة، أما دم ما لا نفس له

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 113

سائلة كدم السمك، و البرغوث، و القمل، و نحوها فإنه طاهر.

(مسألة 401): إذا وجد في ثوبه مثلا دما لا يدري أنه من الحيوان ذي النفس السائلة أو من غيره بنى على طهارته.

(مسألة 402): دم العلقة المستحيلة من النطفة، و الدم الذي يكون في البيضة نجس على الأحوط وجوبا.

(مسألة 403): الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يعتاد خروجه منها بالذبح طاهر، إلا أن يتنجس بنجاسة خارجية، مثل السكين التي يذبح بها.

(مسألة 404): إذا خرج من الجرح، أو الدمل شي ء أصفر يشك في أنه دم أم لا، يحكم بطهارته، و كذا إذا شك من جهة الظلمة أنه دم، أم قيح، و لا يجب عليه الاستعلام، و كذلك إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم، أو ماء أصفر يحكم بطهارتها.

(مسألة 405):

الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب، نجس و منجس له.

السادس و السابع: الكلب، و الخنزير البريان بجميع أجزائهما و فضلاتهما و رطوباتهما دون البحريين.

الثامن: المسكر المائع بالأصالة بجميع أقسامه- لكن الحكم في غير الخمر و النبيذ المسكر مبني على الاحتياط، و أما الجامد كالحشيشة- و إن غلى و صار مائعا بالعارض- فهو طاهر لكنه حرام، و أما السبيرتو المتخذ من الأخشاب أو الأجسام الأخر، فالظاهر طهارته بجميع أقسامه.

(مسألة 406): العصير العنبي إذا غلى بالنار، أو بغيرها، فالظاهر بقاؤه على الطهارة و إن صار حراما، فإذا ذهب ثلثاه بالنار صار حلالا، و الظاهر كفاية ذهاب الثلثين بغير النار في الحلّية.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 114

(مسألة 407): العصير الزبيبي، و التمري لا ينجس و لا يحرم بالغليان بالنار، فيجوز وضع التمر، و الزبيب، و الكشمش في المطبوخات مثل المرق، و المحشي، و الطبيخ و غيرها، و كذا دبس التمر المسمى بدبس الدمعة.

التاسع: الفقاع: و هو شراب مخصوص متخذ من الشعير، و ليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء.

العاشر: الكافر: و هو من لم ينتحل دينا أو انتحل دينا غير الإسلام أو انتحل الإسلام و جحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة، نعم إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقا، و لا فرق بين المرتد، و الكافر الأصلي، و الحربي، و الذمي، و الخارجي، و الغالي، و الناصب، هذا في غير الكتابي، أما الكتابي يعني اليهود و النصارى فلا يبعد طهارته و يلحق بالكتابي المجوس.

(مسألة 408): عرق الجنب من الحرام طاهر و لكن لا تجوز الصلاة فيه على الأحوط الأولى و يختص الحكم بما إذا كان التحريم ثابتا لموجب الجنابة بعنوانه

كالزنا، و اللواط، و الاستمناء، بل و وطئ الحائض أيضا، و أما إذا كان بعنوان آخر كإفطار الصائم، أو مخالفة النذر، و نحو ذلك فلا يعمه الحكم.

(مسألة 409): عرق الإبل الجلالة، و غيرها من الحيوان الجلال طاهر، و لكن لا تجوز الصلاة فيه.

الفصل الثاني في كيفية سراية النجاسة إلى الملاقي:

(مسألة 410): الجسم الطاهر إذا لاقى الجسم النجس لا تسري النجاسة إليه، إلا إذا كان في أحدهما رطوبة مسرية، يعني: لا تنتقل من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 115

أحدهما إلى الآخر بمجرد الملاقاة، فإذا كانا يابسين، أو نديين جافين لم يتنجس الطاهر بالملاقاة، و كذا لو كان أحدهما مائعا بلا رطوبة كالذهب و الفضة، و نحوهما من الفلزات، فإنها إذا أذيبت في ظرف نجس لا تنجس.

(مسألة 411): الفراش الموضوع في أرض السرداب إذا كانت الأرض نجسة، لا ينجس و إن سرت رطوبة الأرض إليه و صار ثقيلا بعد أن كان خفيفا، فإن مثل هذه الرطوبة غير المسرية لا توجب سراية النجاسة و كذلك جدران المسجد المجاور لبعض المواضع النجسة، مثل الكنيف و نحوه فإن الرطوبة السارية منها إلى الجدران ليست مسرية، و لا موجبة لتنجسها و إن كانت مؤثرة في الجدار على نحو قد تؤدي إلى الخراب.

(مسألة 412): يشترط في سراية النجاسة في المائعات، أن لا يكون المائع متدافعا إلى النجاسة، و إلا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة، و لا تسري إلى ما اتصل به من الأجزاء، فإن صب الماء من الإبريق على شي ء نجس، لا تسري النجاسة إلى العمود، فضلا عما في الإبريق، و كذا الحكم لو كان التدافع من الأسفل إلى الأعلى كما في الفوارة.

(مسألة 413): الأجسام الجامدة إذا لاقت النجاسة مع الرطوبة المسرية تنجس موضع الاتصال، أما غيره من

الأجزاء المجاورة له فلا تسري النجاسة إليه، و إن كانت الرطوبة المسرية مستوعبة للجسم، فالخيار أو البطيخ، أو نحوهما، إذا لاقته النجاسة يتنجس موضع الاتصال منه لا غير، و كذلك بدن الإنسان إذا كان عليه عرق، و لو كان كثيرا، فإنه إذا لاقى النجاسة تنجس الموضع الملاقي لا غير، إلا أن يجري العرق المتنجس على الموضع الآخر فإنه ينجسه أيضا.

(مسألة 414): يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع غليظا، و إلا اختصت بموضع الملاقاة لا غير، فالدبس الغليظ إذا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 116

أصابته النجاسة، لم تسر النجاسة إلى تمام أجزائه، بل يتنجس موضع الاتصال لا غير، و كذا الحكم في اللبن الغليظ. نعم إذا كان المائع رقيقا سرت النجاسة إلى تمام أجزائه، كالسمن، و العسل، و الدبس، في أيام الصيف، بخلاف أيام البرد، فإن الغلظة مانع من سراية النجاسة إلى تمام الأجزاء. و الحد في الغلظة و الرقة، هو أن المائع إذا كان بحيث لو أخذ منه شي ء بقي مكانه خاليا حين الأخذ و إن امتلأ بعد ذلك، فهو غليظ و إن امتلأ مكانه بمجرد الأخذ، فهو رقيق.

(مسألة 415): المتنجس بملاقاة عين النجاسة كالنجس، ينجس ما يلاقيه مع الرطوبة المسرية، و كذلك المتنجس بملاقاة المتنجس، ينجس الماء القليل و المضاف بملاقاته و كذا في غير ذلك على الأحوط وجوبا.

(مسألة 416): تثبت النجاسة بالعلم و الاطمينان، و بشهادة العدلين، و بإخبار ذي اليد، بل بإخبار مطلق الثقة أيضا على الأظهر.

(مسألة 417): ما يؤخذ من أيدي الكافرين من الخبز، و الزيت و العسل، و نحوها، من المائعات، و الجامدات طاهر، إلا أن يعلم بمباشرتهم له بالرطوبة المسرية، هذا في غير الكتابي،

و أمّا فيه فهي محكومة بالطهارة إلا أن يحرز- و لو بالاطمينان- ملاقاتها للنجس مع الرطوبة المسرية، و كذلك ثيابهم، و أوانيهم، و الظن بالنجاسة لا عبرة به.

الفصل الثالث في أحكام النجاسة:

اشارة

(مسألة 418): يشترط في صحة الصلاة الواجبة، و المندوبة، و كذلك في أجزائها المنسية، طهارة بدن المصلي، و توابعه، من شعره، و ظفره و نحوهما و طهارة ثيابه، من غير فرق بين الساتر و غيره، و الطواف

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 117

الواجب و المندوب، كالصلاة في ذلك.

(مسألة 419): الغطاء الذي يتغطى به المصلي إيماء إن كان ملتفا به المصلي بحيث يصدق أنه صلى فيه، وجب أن يكون طاهرا، و إلا فلا.

(مسألة 420): يشترط في صحة الصلاة طهارة محل السجود، و هو ما يحصل به مسمى وضع الجبهة دون غيره من مواضع السجود و إن كان اعتبار الطهارة فيها أحوط- استحبابا-.

[الصلاة في النجس]

(مسألة 421): كل واحد من أطراف الشبهة المحصورة بحكم النجس، فلا يجوز لبسه في الصلاة، و لا السجود عليه، بخلاف ما هو من أطراف الشبهة غير المحصورة.

(مسألة 422): لا فرق في بطلان الصلاة لنجاسة البدن، أو اللباس أو المسجد بين العالم بالحكم التكليفي، أو الوضعي، و الجاهل بهما عن تقصير ما لم يكن غافلا، و الأظهر صحة الصلاة في موارد الجهل القصوري لاجتهاد، أو تقليد.

(مسألة 423): لو كان جاهلا بالنجاسة، و لم يعلم بها حتى فرغ من صلاته، فلا إعادة عليه في الوقت، و لا القضاء في خارجه.

(مسألة 424): لو علم في أثناء الصلاة بوقوع بعض الصلاة في النجاسة، فإن كان الوقت واسعا بطلت و استأنف الصلاة، و إن كان الوقت ضيقا حتى عن إدراك ركعة، فإن أمكن التبديل أو التطهير بلا لزوم المنافي فعل ذلك و أتم الصلاة و إلا صلى فيه، و الأحوط استحبابا القضاء أيضا.

(مسألة 425): لو عرضت النجاسة في أثناء الصلاة أو علم بها و احتمل العروض في الأثناء

فإن أمكن التطهير، أو التبديل، على وجه لا ينافي الصلاة فعل ذلك و أتم صلاته و لا إعادة عليه، و إذا لم يمكن ذلك، فإن كان الوقت واسعا استأنف الصلاة بالطهارة، و إن كان ضيقا فمع عدم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 118

إمكان النزع لبرد و نحوه و لو لعدم الأمن من الناظر، يتم صلاته و لا شي ء عليه، و لو أمكنه النزع و لا ساتر له غيره فلا يبعد التخيير بين إتمام الصلاة فيه أو عاريا و إن كان الإتمام فيه أحوط.

(مسألة 426): إذا نسي أن ثوبه نجس و صلى فيه، كان عليه الإعادة إن ذكر في الوقت، و إن ذكر بعد خروج الوقت، فعليه القضاء و لا فرق بين الذكر بعد الصلاة، و في أثنائها مع إمكان التبديل، أو التطهير، و عدمه.

(مسألة 427): إذا طهّر ثوبه النجس، و صلّى فيه ثمّ تبين أن النجاسة باقية فيه، لم تجب الإعادة و لا القضاء لأنه كان جاهلا بالنجاسة.

(مسألة 428): إذا لم يجد إلا ثوبا نجسا، فإن لم يمكن نزعه لبرد أو نحوه، صلى فيه بلا إشكال، و لا يجب عليه القضاء، و إن أمكن نزعه فلا يبعد التخيير بين إتيان الصلاة فيه أو عاريا، و الأحوط الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا.

(مسألة 429): إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالا بنجاسة أحدهما وجبت الصلاة في كل منهما، و لو كان عنده ثوب ثالث يعلم بطهارته تخير بين الصلاة فيه، و الصلاة في كل منهما.

(مسألة 430): إذا تنجس موضع من بدنه و موضع من ثوبه أو موضعان من بدنه، أو من ثوبه، و لم يكن عنده من الماء ما يكفي لتطهيرهما معا، لكن كان يكفي

لأحدهما وجب تطهير أحدهما مخيرا إلا مع الدوران بين الأقل و الأكثر، فيختار تطهير الأكثر.

(مسألة 431): يحرم أكل النجس و شربه، و يجوز الانتفاع به فيما لا يشترط فيه الطهارة.

(مسألة 432): لا يجوز بيع الميتة، و الخمر، و الخنزير، و الكلب غير الصيود، و لا بأس ببيع غيرها من الأعيان النجسة، و المتنجسة إذا كانت لها

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 119

منفعة محللة معتد بها عند العقلاء على نحو يبذل بازائها المال و إلا فلا يجوز بيعها على الأظهر و إن كان لها منفعة محللة جزئية لأن أخذ العوض بإزائها مع عدم المالية يكون من أكل المال بالباطل.

[حرمة تنجيس المساجد]

(مسألة 433): يحرم تنجيس المساجد و بنائها، و سائر آلاتها، و كذلك فراشها، و إذا تنجس شي ء منها وجب تطهيره، بل يحرم إدخال النجاسة العينية غير المتعدية إليه إذا لزم من ذلك هتك حرمة المسجد، مثل وضع العذرات و الميتات فيه، و لا بأس به مع عدم الهتك، و لا سيما فيما لا يعتد به لكونه من توابع الداخل، مثل أن يدخل الإنسان و على ثوبه أو بدنه دم، لجرح، أو قرحة، أو نحو ذلك.

(مسألة 434): تجب المبادرة إلى إزالة النجاسة من المسجد، بل و آلاته و فراشه على الأحوط حتى لو دخل المسجد ليصلي فيه فوجد فيه نجاسة، وجبت المبادرة إلى إزالتها مقدما لها على الصلاة مع سعة الوقت لكن لو صلى و ترك الإزالة عصى و صحت الصلاة، أما في الضيق فتجب المبادرة إلى الصلاة مقدما لها على الإزالة.

(مسألة 435): إذا توقف تطهير المسجد على تخريب شي ء منه وجب تطهيره إذا كان يسيرا لا يعتد به، و أما إذا كان التخريب مضرا بالوقف ففي

جوازه فضلا عن الوجوب إشكال، حتى فيما إذا وجد باذل لتعميره.

(مسألة 436): إذا توقف تطهير المسجد على بذل مال وجب، إلا إذا كان بحيث يضر بحاله، و لا يضمنه من صار سببا للتنجيس كما لا يختص وجوب إزالة النجاسة به.

(مسألة 437): إذا توقف تطهير المسجد على تنجيس بعض المواضع الطاهرة وجب، إذا كان يطهر بعد ذلك.

(مسألة 438): إذا لم يتمكن الإنسان من تطهير المسجد وجب عليه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 120

إعلام غيره إذا احتمل حصول التطهير بإعلامه.

(مسألة 439): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره فيما إذا لم يستلزم فساده على الأحوط، و أما مع استلزام الفساد ففي جواز تطهيره أو قطع موضع النجس منه إشكال.

(مسألة 440): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و إن كان لا يصلي فيه أحد، و يجب تطهيره إذا تنجس.

(مسألة 441): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين، أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما.

[حرمة تنجيس المصحف]

(مسألة 442): يلحق بالمساجد، المصحف الشريف، و المشاهد المشرفة، و الضرائح المقدسة، و التربة الحسينية، بل تربة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سائر الأئمة عليهم السّلام المأخوذة للتبرك، فيحرم تنجيسها إذا كان يوجب إهانتها و تجب إزالة النجاسة عنها حينئذ.

(مسألة 443): إذا غصب المسجد و جعل طريقا، أو دكانا، أو خانا، أو نحو ذلك، ففي حرمة تنجيسه و وجوب تطهيره إشكال، و الأقوى عدم وجوب تطهيره من النجاسة الطارئة عليه بعد الخراب، و أما معابد الكفار فلا يحرم تنجيسها و لا تجب إزالة النجاسة عنها، نعم إذا اتخذت مسجدا بأن يتملكها ولي الأمر ثمّ يجعلها مسجدا، جرى عليها جميع أحكام المسجد.

[ما يعفى عنه في الصلاة]

تتميم: فيما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات، و هو أمور:

الأول: دم الجروح، و القروح في البدن و اللباس حتى تبرأ بانقطاع الدم انقطاع برء، و الأقوى اعتبار المشقة النوعية بلزوم الإزالة، أو التبديل، فإذا لم يلزم ذلك فلا عفو، و منه دم البواسير إذا كانت ظاهرة، بل الباطنة كذلك على الأظهر، و كذا كل جرح، أو قرح باطني خرج دمه إلى الظاهر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 121

(مسألة 444): كما يعفى عن الدم المذكور، يعفى أيضا عن القيح المتنجس به، و الدواء الموضوع عليه، و العرق المتصل به، و الأحوط- استحبابا- شدّه إذا كان في موضع يتعارف شدّه.

(مسألة 445): إذا كانت الجروح و القروح المتعددة متقاربة، بحيث تعد جرحا واحدا عرفا، جرى عليه حكم الواحد، فلو برأ بعضها لم يجب غسله بل هو معفو عنه حتى يبرأ الجميع.

(مسألة 446): إذا شك في دم أنه دم جرح، أو قرح، أو لا، لا يعفى عنه.

الثاني: الدم في البدن و اللباس إذا كانت سعته

أقل من الدرهم البغلي، و لم يكن من دم نجس العين، و لا من الميتة، و لا من غير مأكول اللحم، و إلا فلا يعفى عنه على الأظهر، و الأحوط إلحاق الدماء الثلاثة- الحيض و النفاس و الاستحاضة- بالمذكورات، و لا يلحق المتنجس بالدم به.

(مسألة 447): إذا تفشى الدم من أحد الجانبين إلى الآخر فهو دم واحد، نعم إذا كان قد تفشى من مثل الظهارة إلى البطانة، فهو دم متعدد، فيلحظ التقدير المذكور على فرض اجتماعه، فإن لم يبلغ المجموع سعة الدرهم عفى عنه و إلا فلا.

(مسألة 448): إذا اختلط الدم بغيره من قيح، أو ماء، أو غيرهما لم يعف عنه.

(مسألة 449): إذا تردد قدر الدم بين المعفو عنه و الأكثر، بنى على عدم العفو، و إذا كانت سعة الدم أقل من الدرهم و شك في أنه من الدم المعفو عنه، أو من غيره، بنى على العفو، و لم يجب الاختبار، و إذا انكشف بعد الصلاة أنه من غير المعفو لم تجب الإعادة.

(مسألة 450): الأحوط الاقتصار في مقدار الدرهم على ما يساوي

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 122

عقد السبابة.

الثالث: الملبوس الذي لا تتم به الصلاة وحده- يعني لا يستر العورتين- كالخف، و الجورب و التكة، و القلنسوة، و الخاتم، و الخلخال، و السوار، و نحوها، فإنه معفو عنه في الصلاة إذا كان متنجسا و لو بنجاسة من غير المأكول بشرط أن لا يكون فيه شي ء من أجزائه، و إلا فلا يعفى عنه، و كذلك لا يعفى عنه إذا كان متخذا من نجس العين كالميتة، و شعر الكلب مثلا.

(مسألة 451): الأظهر عدم العفو عن المحمول المتخذ من نجس العين كالكلب، و الخنزير، و كذا ما

تحله الحياة من أجزاء الميتة، و كذا ما كان من أجزاء أو توابع ما لا يؤكل لحمه، و أما المحمول المتنجس فهو معفو عنه حتى إذا كان مما تتم فيه الصلاة، فضلا عما إذا كان مما لا تتم به الصلاة، كالساعة و الدراهم، و السكين، و المنديل الصغير، و نحوها.

الرابع: ثوب الأم المربية للطفل الذكر، فإنه معفو عنه إن تنجس ببوله إذا لم يكن عندها غيره بشرط غسله في اليوم و الليلة مرة، مخيرة بين ساعاته، و لا يتعدى من الأم إلى مربية أخرى، و لا من الذكر إلى الانثى، و لا من البول إلى غيره، و لا من الثوب، إلى البدن، و لا من المربية إلى المربي، و لا من ذات الثوب الواحد، إلى ذات الثياب المتعددة، مع عدم حاجتها إلى لبسهن جميعا، و إلا فهي كالثوب الواحد. هذا هو المشهور، و لكن الأحوط الاقتصار في المربية و غيرها على موارد الحرج الشخصي.

الفصل الرابع في المطهرات

اشارة

و هي أمور:

الأول: الماء، و هو مطهر لكل متنجس

[كيفية التطهير بالماء]

يغسل به على نحو يستولي على المحل النجس، بل يطهر الماء النجس أيضا على تفصيل تقدم في أحكام المياه،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 123

نعم لا يطهر الماء المضاف في حال كونه مضافا. و كذا غيره من المائعات.

[القليل و المعتصم]

(مسألة 452): يعتبر في التطهير بالقليل انفصال ماء الغسالة على النحو المتعارف، فإذا كان المتنجس مما ينفذ فيه الماء مثل الثوب، و الفراش فلا بد من عصره، أو غمزه بكفه أو رجله، و الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء عن العصر بتوالي الصب عليه إلى أن يعلم بانفصال الأول، و إن كان مثل الصابون، و الطين، و الخزف، و الخشب. و نحوهما مما تنفذ فيه الرطوبة المسرية يطهر ظاهره بإجراء الماء عليه، و في طهارة باطنه تبعا للظاهر إشكال، و إن كان لا يبعد حصول الطهارة للباطن بنفوذ الماء الطاهر فيه على نحو يصل إلى ما وصل إليه النجس فيغلب على المحل، و يزول بذلك الاستقذار العرفي لاستهلاك الأجزاء المائية النجسة الداخلة فيه، إذا لم يكن قد جفف و إن كان التجفيف أسهل في حصول ذلك، و إذا كان النافذ في باطنه الرطوبة غير المسرية، فقد عرفت أنه لا ينجس بها.

(مسألة 453): الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجس، يطهر بالغسل بالكثير إذا بقي الماء على إطلاقه إلى أن ينفذ إلى جميع أجزائه، بل بالقليل أيضا إذا كان الماء باقيا على إطلاقه إلى أن يتم عصره.

(مسألة 454): العجين النجس يطهر، إن خبز و جفف و وضع في الكثير على نحو ينفذ الماء إلى أعماقه، و مثله الطين المتنجس إذا جفف و وضع في الكثير أو أجري عليه الماء القليل حتى ينفذ الماء إلى أعماقه، فحكمها حكم الخبز المتنجس الذي نفذت الرطوبة النجسة

إلى أعماقه.

(مسألة 455): المتنجس بالبول غير الآنية إذا طهر بالقليل فلا بد من الغسل مرتين، و المتنجس بغير البول و منه المتنجس بالمتنجس بالبول في غير الأواني يكفي في تطهيره غسلة واحدة، هذا مع زوال العين قبل الغسل، أما لو أزيلت بالغسل، فالأحوط عدم احتسابها. إلا إذا استمر إجراء الماء بعد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 124

الإزالة فتحسب حينئذ و يطهر المحل بها إذا كان متنجسا بغير البول، و يحتاج إلى أخرى إن كان متنجسا بالبول.

(مسألة 456): الآنية إن تنجست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره مما يصدق معه الولوغ غسلت بالماء القليل ثلاثا، أولاهن بالتراب ممزوجا بالماء، و غسلتان بعدهما بالماء، و إذا غسلت في الكثير، أو الجاري تكفي غسلة واحدة بعد غسلها بالتراب ممزوجا بالماء.

(مسألة 457): إذا لطع الكلب الإناء، أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه، فالأحوط أنه بحكم الولوغ في كيفية التطهير، و ليس كذلك ما إذا باشره بلعابه، أو تنجس بعرقه، أو سائر فضلاته، أو بملاقاة بعض أعضائه، نعم إذا صب الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر، جرى عليه حكم الولوغ.

(مسألة 458): الآنية التي يتعذر تعفيرها بالتراب الممزوج بالماء تبقى على النجاسة، أمّا إذا أمكن إدخال شي ء من التراب الممزوج بالماء في داخلها و تحريكه بحيث يستوعبها، أجزأ ذلك في طهرها.

(مسألة 459): يجب أن يكون التراب الذي يعفّر به الإناء طاهرا قبل الاستعمال على الأحوط.

(مسألة 460): يجب في تطهير الإناء النجس من شرب الخنزير غسله سبع مرات، و كذا من موت الجرذ، بلا فرق فيها بين الغسل بالماء القليل أو الكثير، و إذا تنجس الإناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله ثلاث مرات بالماء القليل،

و يكفي غسله مرة واحدة في الكر و الجاري. هذا في غير أواني الخمر، و أما هي فيجب غسلها ثلاث مرات حتى إذا غسلت بالكثير أو الجاري و الأولى أن تغسل سبعا.

(مسألة 461): الثياب و نحوها إذا تنجست بالبول يكفي غسلها في الماء الجاري مرة واحدة، و في غيره لا بد من الغسل مرتين، و لا بد من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 125

العصر، أو الدلك في جميع ذلك.

(مسألة 462): التطهير بماء المطر يحصل بمجرد استيلائه على المحل النجس، من غير حاجة إلى عصر، و لا إلى تعدد، إناء كان أم غيره، نعم الإناء المتنجس بولوغ الكلب لا يسقط فيه الغسل بالتراب الممزوج بالماء و إن سقط فيه التعدد.

(مسألة 463): يكفي الصب في تطهير المتنجس ببول الصبي ما دام رضيعا لم يتغذ و إن تجاوز عمره الحولين، و لا يحتاج إلى العصر و الأحوط استحبابا اعتبار التعدد، و لا تلحق الصبية بالصبي.

(مسألة 464): يتحقق غسل الإناء بالقليل بأن يصب فيه شي ء من الماء ثمّ يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثمّ يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث مرات فقد غسل ثلاث مرات و طهر.

(مسألة 465): يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال.

(مسألة 466): يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها كاللون، و الريح، فإذا بقي واحد منهما، أو كلاهما لم يقدح ذلك في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين.

(مسألة 467): الأرض الصلبة، أو المفروشة بالآجر، أو الصخر أو الزفت، أو نحوها يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجسا إذا كانت الغسالة نجسة.

(مسألة 468): لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدد الغسل، فلو غسل في يوم

مرة، و في آخر أخرى كفى ذلك، نعم الأحوط استحبابا المبادرة إلى العصر فيما يعصر.

(مسألة 469): ماء الغسالة التي تتعقبها طهارة المحل إذا جرى من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 126

الموضع النجس لم يتنجس ما اتصل به من المواضع الطاهرة، فلا يحتاج إلى تطهير، من غير فرق بين البدن، و الثوب و غيرهما من المتنجسات و الماء المنفصل من الجسم المغسول طاهر، إذا كان يطهر المحل بانفصاله.

[كيفية تطهير الأواني الكبيرة]

(مسألة 470): الأواني الكبيرة المثبتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصب الماء فيها و يدار حتى يستوعب جميع أجزائها، ثمّ يخرج حينئذ ماء الغسالة المجتمع في وسطها بنزح أو غيره، و الأحوط استحبابا المبادرة إلى إخراجه، و لا يقدح الفصل بين الغسلات، و لا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع نفسه، و الأحوط وجوبا تطهير آلة الإخراج كل مرة من الغسلات.

(مسألة 471): الدسومة التي في اللحم، أو اليد، لا تمنع من تطهير المحل، إلا إذا بلغت حدا تكون جرما حائلا، و لكنها حينئذ لا تكون دسومة بل شيئا آخر.

(مسألة 472): إذا تنجس اللحم، أو الأرز، أو الماش، أو نحوها و لم تدخل النجاسة في عمقها، يمكن تطهيرها بوضعها في طشت و صب الماء عليها على نحو يستولي عليها، ثمّ يراق الماء و يفرغ الطشت مرة واحدة فيطهر النجس، و كذا الطشت تبعا، و كذا إذا أريد تطهير الثوب فإنه يوضع في الطشت و يصب الماء عليه. ثمّ يعصر و يفرغ الماء مرة واحدة فيطهر ذلك الثوب، و الطشت أيضا، و إذا كانت النجاسة محتاجة إلى التعدد كالبول كفى الغسل مرة أخرى على النحو المذكور، هذا كله فيما إذا غسل المتنجس في الطشت و نحوه، و أما

إذا غسل في الإناء فلا بد من غسله ثلاثا على الأحوط.

(مسألة 473): الحليب النجس يمكن تطهيره بأن يصنع جبنا أو يوضع في الكثير أو يجري عليه الماء القليل حتى يصل الماء إلى أعماقه.

(مسألة 474): إذا غسل ثوبه النجس ثمّ رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطين، أو مسحوق الغسيل أو الصابون الذي كان متنجسا، لا يضر ذلك في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 127

طهارة الثوب، بل يحكم أيضا بطهارة ظاهر الطين، أو مسحوق الغسيل أو الصابون الذي رآه، بل باطنه إذا نفذ فيه الماء على الوجه المعتبر.

(مسألة 475): الحلي الذي يصوغها الكافر المحكوم بالنجاسة إذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة يحكم بطهارتها، و إن علم ذلك يجب غسلها و يطهر ظاهرها و يبقى باطنها على النجاسة، و إذا استعملت مدة و شك في ظهور الباطن فلا يجب تطهيرها، و ذلك لأنه لم يكن في السابق تمام المصوغ نجسا ليستصحب نجاسة ظاهره الفعلي.

(مسألة 476): الدهن المتنجس لا يمكن تطهيره بجعله في الكر الحار و مزجه به، و كذلك سائر المائعات المتنجسة، فإنها لا تطهر إلا بالاستهلاك.

(مسألة 477): إذا تنجس التنوّر، يمكن تطهيره بصب الماء من الإبريق عليه و مجمع ماء الغسالة يبقى على نجاسته لو كان متنجسا قبل الصب، و إذا تنجس التنور بالبول، وجب تكرار الغسل مرتين.

[التطهير بالأرض]

الثاني: من المطهرات الأرض، فإنها تطهّر باطن القدم و ما توقي به كالنعل، و الخف، أو الحذاء و نحوها، بالمسح بها، أو المشي عليها. بشرط زوال عين النجاسة بهما، و لو زالت عين النجاسة قبل ذلك كفى مسمّى المسح بها، أو المشي عليها، و يشترط- على الأحوط جوبا- كون النجاسة حاصلة بالمشي على الأرض.

(مسألة 478): المراد

من الأرض مطلق ما يسمى أرضا، من حجر أو تراب، أو رمل، و لا يبعد عموم الحكم للآجر، و الجص، و النورة، و الأحوط اعتبار طهارة الأرض و جفافها في مطهريتها.

(مسألة 479): في إلحاق ظاهر القدم، و عيني الركبتين، و اليدين إذا كان المشي عليها، و كذلك ما توقي به كالنعل، و أسفل خشبة الأقطع و حواشي القدم القريبة من الباطن- إشكال.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 128

(مسألة 480): إذا شك في طهارة الأرض، يبني على طهارتها فتكون مطهرة حينئذ، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها.

(مسألة 481): إذا كان في الظلمة و لا يدري أن ما تحت قدمه أرض، أو شي ء آخر، من فرش، و نحوه، لا يكفي المشي عليه في حصول الطهارة، بل لا بد من العلم بكونه أرضا.

[التطهير بالشمس]

الثالث: الشمس: فإنها تطهّر الأرض و كل ما لا ينقل من الأبنية و ما اتصل بها من أخشاب، و أعتاب و أبواب، و أوتاد، و كذلك الأشجار و الثمار، و النبات، و الخضروات، و إن حان قطفها و غير ذلك، و في تطهير الحصر، و البواري بها، إشكال بل منع.

(مسألة 482): يشترط في الطهارة بالشمس- مضافا إلى زوال عين النجاسة، و إلى رطوبة المحل- اليبوسة المستندة إلى الإشراق عرفا و إن شاركها غيرها في الجملة من ريح، أو غيرها.

(مسألة 483): الباطن النجس يطهر تبعا لطهارة الظاهر بالإشراق.

(مسألة 484): إذا كانت الأرض النجسة جافة، و أريد تطهيرها صبّ عليها الماء الطاهر، أو النجس، فإذا يبس بالشمس طهرت.

(مسألة 485): إذا تنجست الأرض بالبول، فأشرقت عليها الشمس حتى يبست طهرت، من دون حاجة إلى صب الماء عليها، نعم إذا كان البول غليظا له جرم لم يطهر جرمه بالجفاف،

بل لا يطهر سطح الأرض الذي عليه الجرم.

(مسألة 486): الحصى، و التراب، و الطين، و الأحجار المعدودة جزءا من الأرض، بحكم الأرض في الطهارة بالشمس و إن كانت في نفسها منقولة، نعم لو لم تكن معدودة من الأرض كقطعة من اللبن في أرض مفروشة بالزفت أو بالصخر، أو نحوهما، فثبوت الحكم حينئذ لها محل إشكال.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 129

(مسألة 487): المسمار الثابت في الأرض، أو البناء، بحكم الأرض فإذا قلع لم يجر عليه الحكم. فإذا رجع رجع حكمه و هكذا.

[التطهير بالاستحالة]

الرابع: الاستحالة إلى جسم آخر، فيطهر ما أحالته النار رمادا، أو دخانا، أو بخارا سواء أ كان نجسا، أم متنجسا و كذا يطهر ما استحال بخارا بغير النار، أمّا ما أحالته النار خزفا، أم آجرا، أم جصا، أم نورة، فهو باق على النجاسة، و فيما أحالته فحما إشكال.

(مسألة 488): لو استحال الشي ء بخارا، ثمّ استحال عرقا، فإن كان متنجسا فهو طاهر. و إن كان نجسا فكذلك، إلا إذا صدق على العرق نفسه عنوان إحدى النجاسات، كعرق الخمر، فإنه مسكر.

(مسألة 489): الدود المستحيل من العذرة، أو الميتة طاهر، و كذا كل حيوان تكوّن من نجس، أو متنجس.

(مسألة 490): الماء النجس إذا صار بولا لحيوان مأكول اللحم أو عرقا له، أو لعابا، فهو طاهر.

(مسألة 491): الغذاء النجس، أو المتنجس إذا صار روثا لحيوان مأكول اللحم، أو لبنا، أو صار جزءا من الخضروات، أو النباتات أو الأشجار، أو الأثمار فهو طاهر، و كذلك الكلب إذا استحال ملحا و كذا الحكم في غير ذلك مما يعدّ المستحال إليه متولدا من المستحال منه.

[التطهير بالانقلاب]

الخامس: الانقلاب، فإنه مطهر للخمر إذا انقلبت خلا بنفسها أو بعلاج، نعم لو تنجس إناء الخمر بنجاسة خارجية ثمّ انقلبت الخمر خلا لم تطهر على الأحوط وجوبا. و أما إذا وقعت النجاسة في الخمر و استهلكت فيها و لم يتنجس الإناء بها، فانقلب الخمر خلا طهرت على الأظهر، و كما أن الانقلاب إلى الخل يطهر الخمر، كذلك العصير العنبي إذا غلى بناء على نجاسته، فإنه يطهر إذا انقلب خلا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 130

[التطهير بذهاب الثلثين و الانتقال و الاسلام و التبعية]

السادس: ذهاب الثلثين بحسب الكم لا بحسب الثقل، فإنه مطهّر للعصير العنبي إذا غلى- بناء على نجاسته-.

[التطهير بزوال عين النجاسة و الغيبة و استبراء الحيوان الجلال]

السابع: الانتقال، كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبق و القمل، و كانتقال البول إلى النبات و الشجر و نحوهما، و لا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه و إلا لم يطهر و إن أضيف إلى المنتقل إليه ايضا كالجزء المبان من حي أو ميّت- كعينه أو يده- فيما رقّعت ببدن الحي فإنه محكوم بالنجاسة على الأحوط و ذلك لبقاء الإضافة الأولية الموجبة للنجاسة.

الثامن: الإسلام، فإنه مطهر للكافر المحكوم بالنجاسة حتى المرتد عن فطرة على الأقوى، و يتبعه أجزاؤه كشعره، و ظفره، و فضلاته من بصاقه و نخامته، و قيئه، و غيرها.

التاسع: التبعية، فإن الكافر إذا أسلم يتبعه ولده الصغار فيحكم عليهم بالطهارة، أبا كان الكافر، أم جدا، أم أما، و الطفل المسبي للمسلم يتبعه في الطهارة إذا لم يكن مع الطفل أحد آبائه، و يشترط في طهارة الطفل في الصورتين أن لا يظهر الكفر إذا كان مميزا، و كذا أواني الخمر فإنها تتبعها في الطهارة إذا انقلبت الخمر خلا، و كذا أواني العصير إذا ذهب ثلثاه- بناء على النجاسة- و كذا يد الغاسل للميت، و السدة التي يغسل عليها، و الثياب التي يغسل فيها، فإنها تتبع الميت في الطهارة، و أما بدن الغاسل، و ثيابه، و سائر آلات التغسيل، فالحكم بطهارتها تبعا للميت محل إشكال.

العاشر: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان و جسد الحيوان الصامت فيطهر منقار الدجاجة الملوث بالعذرة، بمجرد زوال عينها و رطوبتها، و كذا بدن الدابة المجروحة، و فم الهرة الملوث بالدم،

و ولد الحيوان الملوث بالدم عند الولادة بمجرد زوال عين النجاسة، و كذا يطهر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 131

باطن فم الإنسان إذا أكل نجسا، أو شربه بمجرد زوال العين، و كذا باطن عينه عند الاكتحال بالنجس، أو المتنجس، بل في ثبوت النجاسة لبواطن الإنسان، و جسد الحيوان منع، بل و كذا المنع في سراية النجاسة من النجس إلى الطاهر إذا كانت الملاقاة بينهما في الباطن، سواء أ كان متكوّنين في الباطن كالمذي يلاقي البول في الباطن، أو كان النجس متكونا في الباطن، و الطاهر يدخل إليه كماء الحقنة، فإنّه لا ينجس بملاقاة النجاسة في الأمعاء، أم كان النجس في الخارج، كالماء النجس الذي يشربه الإنسان فإنه لا ينجس ما دون الحلق، و كذا ما فوق الحلق فإنه لا ينجس على الأظهر أيضا، و كذا إذا كانا معا متكوّنين في الخارج و دخلا و تلاقيا في الداخل، كما إذا ابتلع شيئا طاهرا، و شرب عليه ماء نجسا، فإنه إذا خرج ذلك الطاهر من جوفه حكم عليه بالطهارة و في جريان الحكم الأخير في الملاقاة في باطن الفم إشكال فالأحوط تطهير الملاقي.

الحادي عشر: الغيبة، فإنها مطهّرة للإنسان و ثيابه، و فراشه، و أوانيه و غيرها من توابعه إذا علم بنجاستها و لم يكن ممن لا يبالي بالطهارة و النجاسة و كان يستعملها فيما يعتبر فيه الطهارة، فإنه حينئذ يحكم بطهارة ما ذكر بمجرد احتمال حصول الطهارة له.

الثاني عشر: استبراء الحيوان الجلال، فإنه مطهر له من نجاسة الجلل و الأحوط اعتبار مضي المدة المعينة له شرعا، و هي في الإبل أربعون يوما و في البقرة عشرون، و في الغنم عشرة، و في البطة خمسة، و في

الدجاجة ثلاثة، و يعتبر زوال اسم الجلل عنها مع ذلك، و مع عدم تعين مدة شرعا يكفي زوال الاسم.

(مسألة 492): الظاهر قبول كل حيوان ذي جلد للتذكية عدا نجس العين فإذا ذكي الحيوان الطاهر العين، جاز استعمال جلده، و كذا سائر أجزائه فيما يشترط فيه الطهارة و لو لم يدبغ جلده على الأقوى.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 132

(مسألة 493): تثبت الطهارة بالعلم و الاطمينان، و البينة، و بإخبار ذي اليد إذا لم تكن قرينة على اتهامه، بل بإخبار الثقة أيضا على الأظهر، و إذا شك في نجاسة ما علم طهارته سابقا يبني على طهارته.

[حرمة استعمال أواني الذهب و الفضة]

خاتمة: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة، في الأكل و الشرب بل يحرم استعمالها في الطهارة من الحدث و الخبث و غيرها على الأحوط، و لا يحرم نفس المأكول و المشروب، و الأحوط استحبابا عدم التزيين بها: و كذا اقتناؤها و بيعها و شراؤها، و صياغتها، و أخذ الأجرة عليها، و الأقوى الجواز في جميعها.

(مسألة 494): الظاهر توقف صدق الآنية على انفصال المظروف عن الظرف و كونها معدة لأن يحرز فيها المأكول، أو المشروب، أو نحوهما فرأس (الغرشة) و رأس (الشطب) و قراب السيف، و الخنجر، و السكين و (قاب) الساعة المتداولة في هذا العصر، و محل فص الخاتم، و بيت المرآة، و ملعقة الشاي و أمثالها، خارج عن الآنية فلا بأس بها، و لا يبعد ذلك أيضا في ظرف الغالية، و المعجون، و التتن (و الترياك) و البن.

(مسألة 495): لا فرق في حكم الآنية بين الصغيرة و الكبيرة و بين ما كان على هيئة الأواني المتعارفة من النحاس، و الحديد و غيرهما.

(مسألة 496): لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ

من الذهب و الفضة كحرز الجواد عليه السّلام و غيره.

(مسألة 497): يكره استعمال القدح المفضض، و الأحوط عزل الفم عن موضع الفضة، بل لا يخلو وجوبه عن قوة، و اللّه سبحانه العالم و هو حسبنا و نعم الوكيل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 133

كتاب الصلاة

اشارة

و فيه مقاصد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 135

الصلاة هي إحدى الدعائم التي بني عليها الإسلام، إن قبلت قبل ما سواها، و إن ردت رد ما سواها.

المقصد الأول أعداد الفرائض و نوافلها و مواقيتها و جملة من أحكامها

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول [عدد الفرائض]

الصلوات الواجبة في هذا الزمان ست: اليومية، و تندرج فيها صلاة الجمعة فإن المكلف مخير بين إقامتها، و صلاة الظهر يوم الجمعة، و إذا أقيمت بشرائطها أجزأت عن صلاة الظهر، و صلاة الطواف، و الآيات و الأموات، و ما التزم بنذر، أو نحوه، أو اجارة، و قضاء ما فات عن الوالد بالنسبة إلى الولد الأكبر، أما اليومية فخمس: الصبح ركعتان، و الظهر أربع، و العصر أربع، و المغرب ثلاث، و العشاء أربع، و في السفر و الخوف تقصر الرباعية فتكون ركعتين، و أما النوافل فكثيرة أهمها الرواتب اليومية:

ثمان للظهر قبلها، و ثمان بعدها قبل العصر للعصر، و أربع بعد المغرب لها، و ركعتان من جلوس تعدان بركعة بعد العشاء لها، و ثمان صلاة الليل،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 136

و ركعتا الشفع بعدها، و ركعة الوتر بعدها، و ركعتا الفجر قبل الفريضة، و في يوم الجمعة يزاد على الست عشرة أربع ركعات قبل الزوال، و لها آداب مذكورة في محلها، مثل كتاب مفتاح الفلاح للمحقق البهائي (قدس سره).

(مسألة 498): يجوز الاقتصار على بعض النوافل المذكورة، كما يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع و الوتر، و على الوتر خاصة و في نافلة المغرب على ركعتين.

(مسألة 499): يجوز الإتيان بالنوافل الرواتب و غيرها في حال الجلوس اختيارا، لكن الأولى حينئذ عد كل ركعتين بركعة، و عليه فيكرر الوتر مرتين، كما يجوز الإتيان بها في حال المشي.

(مسألة 500): الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها، صلاة الظهر.

الفصل الثاني [أوقات الفرائض]

وقت الظهرين من الزوال إلى الغروب على الأحوط، فلو أخّرهما أتى بهما بين الغروب و ذهاب الحمرة المشرقية و لا يتعرض لنية الأداء و لا القضاء، و تختص الظهر من أوله

بمقدار أدائها، و العصر من آخره كذلك، و ما بينهما مشترك بينهما، و وقت العشاءين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، و تختص المغرب من أوله بمقدار أدائها، و العشاء من آخره كذلك، و ما بينهما مشترك أيضا بينهما، و أما المضطر لنوم، أو نسيان، أو حيض، أو غيرها فيمتد وقتهما له إلى الفجر الصادق، و تختص العشاء من آخره بمقدار أدائها و الأحوط وجوبا للعامد المبادرة إليها بعد نصف الليل قبل طلوع الفجر من دون نية القضاء، أو الأداء، و وقت الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 137

(مسألة 501): الفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الذي يتزايد وضوحا و جلاء، و قبله الفجر الكاذب، و هو البياض المستطيل من الأفق صاعدا إلى السماء كالعمود الذي يتناقص و يضعف حتى ينمحي.

(مسألة 502): الزوال هو المنتصف ما بين طلوع الشمس و غروبها و يعرف بزيادة ظل كل شاخص معتدل بعد نقصانه، أو حدوث ظله بعد انعدامه، و نصف الليل منتصف ما بين غروب الشمس و طلوعها، و يعرف الغروب بسقوط القرص، و الأحوط لزوما تاخير صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المشرقية.

(مسألة 503): المراد من اختصاص الظهر بأول الوقت عدم صحة العصر إذا وقعت فيه عمدا، و أما إذا صلى العصر في الوقت المختص بالظهر- سهوا- صحت، و لكن الأحوط أن يراعي احتمال كونها ظهرا فيأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة أعم من الظهر و العصر، بل و كذلك إذا صلى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر سهوا، سواء كان التذكر في الوقت المختص بالعصر، أو المشترك، و إذا قدم العشاء على المغرب سهوا صحت و لزمه الإتيان

بالمغرب بعدها.

(مسألة 504): وقت فضيلة الظهر ما بين الزوال و بلوغ الظل الحادث به مثل الشاخص، و وقت فضيلة العصر ما بين الزوال و بلوغ الظل الحادث به مقدار مثليه، و وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق و هو الحمرة المغربية، و هو أول وقت فضيلة العشاء و يمتد إلى ثلث الليل و وقت فضيلة الصبح من الفجر إلى ظهور الحمرة المشرقية، و الغلس بها أول الفجر أفضل، كما أن التعجيل في جميع أوقات الفضيلة أفضل.

(مسألة 505): وقت نافلة الظهرين من الزوال إلى آخر إجزاء الفريضتين، لكن الأولى تقديم فريضة الظهر على النافلة بعد أن يبلغ الظل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 138

الحادث سبعي الشاخص، كما أن الأولى تقديم فريضة العصر بعد أن يبلغ الظل المذكور أربعة أسباع الشاخص، و وقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلى آخر وقت الفريضة، و إن كان الأولى عدم التعرض للأداء و القضاء بعد ذهاب الحمرة المغربية، و يمتد وقت نافلة العشاء بامتداد وقتها، و وقت نافلة الفجر السدس الأخير من الليل و ينتهى بطلوع الحمرة المشرقية على المشهور، و يجوز دسها في صلاة الليل قبل ذلك، و وقت نافلة الليل من منتصفه إلى الفجر الصادق و أفضله السحر، و الظاهر أنه الثلث الأخير من الليل.

(مسألة 506): يجوز تقديم نافلتي الظهرين على الزوال يوم الجمعة بل في غيره أيضا إذا علم أنه لا يتمكن منهما بعد الزوال، فيجعلهما في صدر النهار. و كذا يجوز تقديم صلاة الليل على النصف للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرها، أو صعب عليه فعلها في وقتها، و كذا الشاب و غيره ممن يخاف فوتها إذا أخرها لغلبة النوم، أو طرو الاحتلام

أو غير ذلك.

الفصل الثالث [وجوب الترتيب بين الفرائض]

إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء نفس الصلاة الاختيارية و لم يصل ثمّ طرأ أحد الأعذار المانعة من التكليف وجب القضاء، و إلا لم يجب، و إذا ارتفع العذر في آخر الوقت فإن وسع الصلاتين مع الطهارة وجبتا جميعا، و كذا إذا وسع مقدار خمس ركعات معها، و إلا وجبت الثانية إذا بقي ما يسع ركعة معها، و إلا لم يجب شي ء.

(مسألة 507): لا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت، بل لا تجزي إلا مع العلم به، أو قيام البينة، و لا يبعد الاجتزاء بأذان الثقة العارف أو بإخباره و يجوز العمل بالظن في الغيم، و كذا في غيره من الأعذار النوعية.

(مسألة 508): إذا أحرز دخول الوقت بالوجدان، أو بطريق معتبر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 139

فصلى، ثمّ تبين أنها وقعت قبل الوقت لزم إعادتها، نعم إذا علم أن الوقت قد دخل و هو في الصلاة، فالمشهور أن صلاته صحيحة، لكن الأحوط لزوما إعادتها، و أما إذا صلى غافلا و تبين دخول الوقت في الأثناء، فلا إشكال في البطلان، نعم إذا تبين دخوله قبل الصلاة أجزأت، و كذا إذا صلى برجاء دخول الوقت، و إذا صلى ثمّ شك في دخوله أعاد.

(مسألة 509): يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر، و كذا بين العشاءين بتقديم المغرب، و إذا عكس في الوقت المشترك عمدا أعاد، و إذا كان سهوا لم يعد على ما تقدّم، و إذا كان التقديم من جهة الجهل بالحكم، فالأقرب الصحة إذا كان الجاهل معذورا، سواء أ كان مترددا غير جازم، أم كان جازما غير متردد و يعيد غير المعذور إذا كان مترددا غير جازم.

(مسألة 510): يجب العدول من اللاحقة إلى

السابقة كما إذا قدم العصر، أو العشاء سهوا، و ذكر في الأثناء فإنه يعدل إلى الظهر، أو المغرب، و لا يجوز العكس كما إذا صلى الظهر، أو المغرب، و في الأثناء ذكر أنه قد صلاهما، فإنه لا يجوز له العدول إلى العصر أو العشاء.

(مسألة 511): إنّما يجوز العدول من العشاء إلى المغرب إذا لم يدخل في ركوع الرابعة، و إلا بطلت و لزم استئنافها.

(مسألة 512): يجوز تقديم الصلاة في أول الوقت لذوي الأعذار مع اليأس عن ارتفاع العذر بل مع رجائه أيضا في غير المتيمم، لكن إذا ارتفع العذر في الوقت وجبت الإعادة، نعم في التقية يجوز البدار و لو مع العلم بزوال العذر، و لا تجب الإعادة بعد زواله في الوقت.

(مسألة 513): الأقوى جواز التطوع بالصلاة لمن عليه الفريضة أدائية، أو قضائية ما لم تتضيق.

(مسألة 514): إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 140

إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد، و لو صلى قبل البلوغ ثمّ بلغ في الوقت في أثناء الصلاة أو بعدها فالأقوى كفايتها، و عدم وجوب الإعادة و إن كان الأحوط استحبابا الإعادة في الصورتين.

المقصد الثاني القبلة

يجب استقبال المكان الواقع فيه البيت الشريف في جميع الفرائض اليومية و توابعها من الأجزاء المنسية، بل سجود السهود على الأحوط الأولى، و النوافل إذا صليت على الأرض في حال الاستقرار على الأحوط.

أما إذا صليت حال المشي، أو الركوب، أو في السفينة، فلا يجب فيها الاستقبال، و إن كانت منذورة.

(مسألة 515): يجب العلم بالتوجه إلى القبلة و تقوم مقامه البينة بل و إخبار الثقة، و كذا قبلة بلد المسلمين في صلواتهم، و قبورهم و محاريبهم إذا لم يعلم بناؤها

على الغلط، و مع تعذر ذلك يبذل جهده في تحصيل المعرفة بها، و يعمل على ما تحصل له و لو كان ظنا، و مع تعذره يكتفي بالجهة العرفية، و مع الجهل بها فالأحوط وجوبا أن يصلّي إلى إحدى الجهات المشتبهة و الأحوط استحبابا أن يصلي إلى جميعها مع سعة الوقت، و إلا صلى بقدر ما وسع، و إذا علم عدمها في بعض الجهات اجتزأ بالصلاة إلى المحتملات الأخر.

(مسألة 516): من صلى إلى جهة اعتقد أنها القبلة، ثمّ تبين الخطأ، فإن كان منحرفا إلى ما بين اليمين و الشمال صحّت صلاته، و إذا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 141

التفت في الأثناء مضى ما سبق و استقبل في الباقي، من غير فرق بين بقاء الوقت و عدمه، و لا بين المتيقن و الظان، و الناسي و الغافل، نعم إذا كان ذلك عن جهل بالحكم، فالأقوى لزوم الإعادة في الوقت، و القضاء في خارجه، و أما إذا تجاوز انحرافه عما بين اليمين و الشمال، أعاد في الوقت، سواء كان التفاته أثناء الصلاة، أو بعدها، و لا يجب القضاء إذا التفت خارج الوقت.

المقصد الثالث الستر و الساتر

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول [وجوب ستر العورة في الصلاة]

يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها، بل و سجود السهو على الأحوط استحبابا و إن لم يكن ناظر، أو كان في ظلمة.

(مسألة 517): إذا بدت العورة لريح أو غفلة، أو كانت بادية من الأول و هو لا يعلم، أو نسي سترها صحت صلاته، و إذا التفت إلى ذلك في الأثناء أعاد صلاته على الأظهر.

(مسألة 518): عورة الرجل في الصلاة القضيب، و الانثيان، و الدبر دون ما بينهما، و عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها، حتى الرأس، و الشعر، عدا الوجه بالمقدار الذي يغسل في الوضوء، و عدا الكفين إلى الزندين، و القدمين إلى الساقين، ظاهرهما، و باطنهما، و لا بد من ستر شي ء مما هو خارج عن الحدود.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 142

(مسألة 519): الأمة، و الصبية، كالحرة و البالغة في ذلك، إلا في الرأس و شعره و العنق، فإنه لا يجب عليهما سترها.

(مسألة 520): إذا كان المصلي واقفا على شباك، أو طرف سطح بحيث لو كان ناظر تحته لرأى عورته، فالأقوى وجوب سترها من تحته، نعم إذا كان واقفا على الأرض لم يجب الستر من جهة التحت.

الفصل الثاني شروط لباس المصلي

اشارة

يعتبر في لباس المصلي أمور:

الأول: الطهارة، إلا في الموارد التي يعفى عنها في الصلاة، و قد تقدمت في أحكام النجاسات.

الثاني: الإباحة، فلا تجوز الصلاة فيما يكون المغصوب ساترا له بالفعل، نعم إذا كان جاهلا بالغصبية، أو ناسيا لها فيما لم يكن هو الغاصب، أو كان جاهلا بحرمته جهلا يعذر فيه، أو ناسيا لها، أو مضطرا فلا بأس.

(مسألة 521): لا فرق في الغصب بين أن يكون عين المال مغصوبا أو منفعته، أو كان متعلقا لحق موجب لعدم جواز التصرف فيه، بل إذا اشترى ثوبا

بعين مال فيه الخمس أو الزكاة مع عدم أدائهما من مال آخر، كان حكمه حكم المغصوب، و كذا إذا مات الميت و كان مشغول الذمة بالحقوق المالية من الخمس، و الزكاة، و المظالم و غيرها بمقدار يستوعب التركة فإن أمواله بمنزلة المغصوب لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي، و كذا إذا مات و له وارث قاصر لم ينصب عليه قيما، فإنه لا يجوز التصرف في تركته إلا بمراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة 522): لا بأس بحمل المغصوب في الصلاة، إذا لم يتحرك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 143

بحركات المصلي، بل و إذا تحرك بها أيضا على الأظهر.

الثالث: أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة، سواء أ كانت من حيوان محلل الأكل، أم محرمه، و سواء أ كانت له نفس سائلة، أم لم تكن على الأحوط وجوبا، و قد تقدم في النجاسات حكم الجلد الذي يشك في كونه مذكى أو لا، كما تقدم بيان ما لا تحله الحياة من الميتة فراجع، و المشكوك في كونه من جلد الحيوان، أو من غيره لا بأس بالصلاة فيه.

الرابع: أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه، و لا فرق بين ذي النفس و غيره، و لا بين ما تحله الحياة من أجزائه و غيره، بل لا فرق أيضا بين ما تتمّ فيه الصلاة، و غيره على الأحوط وجوبا، بل لا يبعد المنع من مثل الشعرات الواقعة على الثوب و نحوه، بل الأحوط وجوبا عموم المنع للمحمول في جيبه.

(مسألة 523): إذا صلى في غير المأكول جهلا به صحت صلاته و كذا إذا كان نسيانا، أو كان جاهلا بالحكم، أو ناسيا له، نعم تجب الإعادة إذا كان جاهلا بالحكم

عن تقصير إلا إذا كان غافلا فلا يبعد عدم وجوب الإعادة.

(مسألة 524): إذا شك في اللباس، أو فيما على اللباس من الرطوبة أو الشعر، أو غيرهما في أنه من المأكول، أو من غيره، أو من الحيوان، أو من غيره، صحت الصلاة فيه.

(مسألة 525): لا بأس بالشمع، و العسل، و الحرير الممزوج، و مثل البق، و البرغوث، و الزنبور و نحوها من الحيوانات التي لا لحم لها، و كذا لا بأس بالصدف، و لا بأس بفضلات الإنسان كشعره، و ريقه، و لبنه و نحوها و إن كانت واقعة على المصلي من غيره، و كذا الشعر الموصول بالشعر المسمى بالشعر العارية، سواء أ كان مأخوذا من الرجل، أم من المرأة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 144

(مسألة 526): يستثى من الحكم المزبور جلد الخز، و السنجاب و وبرهما، و في كون ما يسمى الآن خزا، هو الخز إشكال، و إن كان الظاهر جواز الصلاة فيه، و الاحتياط طريق النجاة، و أما السمور، و القماقم و الفنك فلا تجوز الصلاة في أجزائها على الأقوى.

[لبس الذهب و الفضة و الحرير]

الخامس: أن لا يكون من الذهب- للرجال- و لو كان حليا كالخاتم، أما إذا كان مذهبا بالتمويه و الطلي على نحو يعد عند العرف لونا فلا بأس و يجوز ذلك كله للنساء، كما يجوز أيضا حمله للرجال كالساعة، و الدنانير. نعم الظاهر عدم جواز مثل زنجير الساعة إذا كان ذهبا و معلقا برقبته، أو بلباسه على نحو يصدق عليه عنوان اللبس عرفا.

(مسألة 527): إذا صلى في الذهب جاهلا، أو ناسيا صحت صلاته.

(مسألة 528): لا يجوز للرجال لبس الذهب في غير الصلاة أيضا و فاعل ذلك آثم، و الظاهر عدم حرمة التزين بالذهب فيما لا يصدق

عليه اللبس، مثل جعل مقدم الأسنان من الذهب، و أما شد الأسنان به، أو جعل الأسنان الداخلية منه فلا بأس به بلا إشكال.

السادس: أن لا يكون من الحرير الخالص- للرجال- و لا يجوز لبسه في غير الصلاة أيضا كالذهب، نعم لا بأس به في الحرب و الضرورة كالبرد و المرض حتى في الصلاة، كما لا بأس بحمله في حال الصلاة و غيرها و كذا افتراشه و التغطي به و نحو ذلك مما لا يعد لبسا له، و لا بأس بكف الثوب به، و الأحوط أن لا يزيد على أربع أصابع، كما لا بأس بالأزرار منه و السفائف (و القياطين) و إن تعددت و كثرت، و أما ما لا تتم فيه الصلاة من اللباس، فالأحوط وجوبا تركه.

(مسألة 529): لا يجوز جعل البطانة من الحرير و إن كانت إلى النصف.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 145

(مسألة 530): لا بأس بالحرير الممتزج بالقطن، أو الصوف أو غيرهما مما يجوز لبسه في الصلاة، لكن بشرط أن يكون الخلط بحيث يخرج اللباس به عن صدق الحرير الخالص، فلا يكفي الخلط بالمقدار اليسير المستهلك عرفا.

(مسألة 531): إذا شك في كون اللباس حريرا، أو غيره جاز لبسه و كذا إذا شك في أنه حرير خالص، أو ممتزج.

(مسألة 532): يجوز للولي إلباس الصبي الحرير، أو الذهب، و لكن لا تصح صلاة الصبي فيه.

الفصل الثالث [أحكام لباس المصلي]

إذا لم يجد المصلي لباسا يلبسه في الصلاة فإن وجد ساترا غيره كالحشيش، و ورق الشجر، و الطين و نحوها، تستر به و صلى صلاة المختار و إن لم يجد ذلك أيضا، فإن أمن الناظر المحترم صلى قائما موميا إلى الركوع و السجود، و الأحوط له وضع يديه على سوأته،

و إن لم يأمن الناظر المحترم صلى جالسا، موميا إلى الركوع و السجود، و الأحوط الأولى أن يجعل إيماء السجود أخفض من إيماء الركوع.

(مسألة 533): إذا انحصر الساتر بالمغصوب، أو الذهب، أو الحرير أو ما لا يؤكل لحمه، أو النجس، فإن اضطر إلى لبسه صحت صلاته فيه، و إن لم يضطر صلى عاريا في الأربعة الأولى، و أما في النجس فالأحوط الجمع بين الصلاة فيه، و الصلاة عاريا، و إن كان الأظهر التخيير بينهما كما سبق في أحكام النجاسات.

(مسألة 534): الأحوط لزوما تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر و احتمل وجوده في آخر الوقت، و إذا يئس و صلى في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 146

أول الوقت صلاته الاضطرارية بدون ساتر، فإن استمر العذر إلى آخر الوقت صحت صلاته، و إن لم يستمر لم تصح.

(مسألة 535): إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالا أن أحدهما مغصوب أو حرير، و الآخر مما تصح الصلاة فيه، لا تجوز الصلاة في واحد منهما بل يصلي عاريا، و إن علم أن أحدهما من غير المأكول، و الآخر من المأكول، أو أن أحدهما نجس، و الآخر طاهر، صلى صلاتين في كل منهما صلاة.

المقصد الرابع مكان المصلي

اشارة

(مسألة 536): لا تجوز الصلاة فريضة، أو نافلة في مكان يكون أحد المساجد السبعة فيه مغصوبا عينا، أو منفعة، أو لتعلق حق موجب لعدم جواز التصرف فيه، و لا فرق في ذلك في مسجد الجبهة بين العالم بالغصب، و الجاهل به من دون عذر كما أنّ الأحوط استحبابا في الجاهل المعذور الإعادة. نعم إذا كان معتقدا عدم الغصب أو كان ناسيا له و لم يكن هو الغاصب صحّت صلاته و أمّا في سائر

المساجد فلا يبعد الحكم بصحّة الصلاة من الجاهل المعذور أيضا كما في الإخلال عن عذر بسائر ما يعتبر في السجدة شرعا، و الأحوط إلحاق الركوع بالسجود بأن لا يقع بهويّة في فضاء مغصوب، و تصح صلاة من كان مضطرا أو مكرها على التصرف في المغصوب كالمحبوس بغير حق و كذا الصلاة فيما إذا أوقعت تحت سقف مغصوب أو خيمة مغصوبة و الأحوط ترك الصلاة في المكان الذي يحرم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 147

المكث فيه لضرر على النفس أو البدن لحرّ أو برد، أو نحو ذلك، و كذلك المكان الذي يغامر فيه.

[حكم مكان الصلاة]

(مسألة 537): إذا اعتقد غصب المكان، فصلى فيه بطلت صلاته و إن انكشف الخلاف.

(مسألة 538): لا يجوز لأحد الشركاء الصلاة في الأرض المشتركة إلا بإذن بقية الشركاء، كما لا تجوز الصلاة في الأرض المجهولة المالك إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 539): إذا سبق واحد إلى مكان في المسجد فغصبه منه غاصب، فصلى فيه ففي صحة صلاته إشكال.

(مسألة 540): إنما تبطل الصلاة في المغصوب مع عدم الإذن من المالك في الصلاة، و لو لخصوص زيد المصلي، و إلا فالصلاة صحيحة.

(مسألة 541): المراد من إذن المالك المسوغ للصلاة، أو غيرها من التصرفات، أعم من الاذن الفعلية بأن كان المالك ملتفتا إلى الصلاة مثلا و أذن فيها، و الإذن التقديرية بأن يعلم من حاله أنه لو التفت إلى التصرف لأذن فيه، فتجوز الصلاة في ملك غيره مع غفلته إذا علم من حاله أنه لو التفت لأذن، بل يكفي الرضا الباطني و لو تقديرا إذا أحرزه المتصرف.

(مسألة 542): تعلم الاذن في الصلاة، إمّا بالقول كأن يقول: صلّ في بيتي، أو بالفعل كأن يفرش له سجادة إلى القبلة،

أو بشاهد الحال كما في المضائف المفتوحة الأبواب و نحوها، و في غير ذلك لا تجوز الصلاة و لا غيرها من التصرفات، إلا مع العلم بالاذن و لو كان تقديريا، و لذا يشكل في بعض المجالس المعدة لقراءة التعزية الدخول في المرحاض و الوضوء بلا إذن، و لا سيما إذا توقف ذلك على تغيّر بعض أوضاع المجلس من رفع ستر، أو طي بعض فراش المجلس، أو نحو ذلك مما يثقل على صاحب المجلس، و مثله

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 148

في الإشكال كثرة البصاق على الجدران النزهة، و الجلوس في بعض مواضع المجلس المعدة لغير مثل الجالس لما فيها من مظاهر الكرامة المعدة لأهل الشرف في الدين مثلا، أو لعدم كونها معدة للجلوس فيها، مثل الغطاء الذي يكون على الحوض المعمول في وسط الدار، أو على درج السطح، أو فتح بعض الغرف و الدخول فيها، و الحاصل أنه لا بد من إحراز رضا صاحب المجلس في كيفية التصرف و كمّه، و موضع الجلوس، و مقداره، و مجرد فتح باب المجلس لا يدل على الرضا بكل تصرف يشاء الداخل.

(مسألة 543): الحمامات المفتوحة و الخانات، لا يجوز الدخول فيها لغير الوجه المقصود منها، إلا بالإذن، فلا يصح الوضوء من مائها و الصلاة فيها، إلا بإذن المالك أو وكيله، و مجرد فتح أبوابها لا يدل على الإذن في ذلك و ليست هي كالمضايف المسبلة للانتفاع بها.

(مسألة 544): تجوز الصلاة في الأراضي المتسعة و الوضوء من مائها و إن لم يعلم الإذن من المالك، إذا لم يكن المالك لها صغيرا، أو مجنونا و لم يعلم كراهته، و إلا فالأحوط استحبابا ترك الصلاة فيها.

و كذلك الأراضي غير المحجبة، كالبساتين

التي لا سور لها و لا حجاب، فيجوز الدخول إليها و الصلاة فيها و إن لم يعلم الإذن من المالك، نعم إذا ظن كراهة المالك فالأحوط الاجتناب عنها.

[صحة صلاة الرجل و المرأة المتحاذيين]

(مسألة 545): الأقوى صحة صلاة كل من الرجل و المرأة إذا كانا متحاذيين حال الصلاة، أو كانت المرأة متقدمة إذا كان الفصل بينهما مقدار شبر، أو أكثر، و إن كان الأحوط استحبابا أن يتقدم الرجل بموقفه على مسجد المرأة، أو يكون بينهما حائل، أو مسافة عشرة أذرع بذراع اليد، و لا فرق في ذلك بين المحارم و غيرهم، و الزوج و الزوجة و غيرهما، نعم يختص ذلك بصورة وحدة المكان بحيث يصدق التقدم و المحاداة، فإذا كان

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 149

أحدهما في موضع عال، دون الآخر على وجه لا يصدق التقدم و المحاذاة فلا بأس، و يستثنى من ذلك الصلاة في مكّة فيجوز تقدم المرأة على الرجل في الصلاة و محاذاتهما من دون اشتراط.

(مسألة 546): لا يجوز التقدم في الصلاة على قبر المعصوم إذا كان مستلزما للهتك و إساءة الأدب، و لا بأس به مع البعد المفرط، أو الحاجب المانع الرافع لسوء الأدب، و لا يكفي فيه الضرائح المقدسة و لا ما يحيط بها من غطاء و نحوه.

(مسألة 547): تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها بلا إذن مع عدم العلم بالكراهة، كالأب، و الأم، و الأخ، و العم، و الخال، و العمة، و الخالة. و من ملك الشخص مفتاح بيته و الصديق، و أما مع العلم بالكراهة فلا يجوز.

(مسألة 548): إذا دخل المكان المغصوب جهلا، أو نسيانا بتخيل الإذن ثمّ التفت و بان الخلاف ففي سعة الوقت لا يجوز التشاغل

بالصلاة و يجب قطعها، و في ضيق الوقت يجوز الاشتغال بها حال الخروج مبادرا إليه سالكا أقرب الطرق، مراعيا للاستقبال بقدر الإمكان، و يومي للسجود و يركع، إلا أن يستلزم ركوعه تصرفا زائدا فيومي له حينئذ، و تصح صلاته و لا يجب عليه القضاء، و المراد بالضيق أن لا يتمكن من إدراك ركعة في الوقت على تقدير تأخير الصلاة إلى ما بعد الخروج.

[ما يصح السجود عليه]

(مسألة 549): يعتبر في مسجد الجبهة- مضافا إلى ما تقدم من الطهارة- أن يكون من الأرض، أو نباتها، أو القرطاس، و الأفضل أن يكون من التربة الشريفة الحسينية- على مشرفها أفضل الصلاة و التحية، فقد ورد فيها فضل عظيم، و لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن- كالذهب و الفضة و غيرهما- و لا على ما خرج عن اسم النبات

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، منهاج الصالحين (للتبريزي)، 2 جلد، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

منهاج الصالحين (للتبريزي)؛ ج 1، ص: 150

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 150

كالرماد، و الفحم، و يجوز السجود على الخزف، و الآجر و الجص و النورة و لو بعد طبخهما.

(مسألة 550): يعتبر في جواز السجود على النبات، أن لا يكون مأكولا كالحنطة، و الشعير، و البقول، و الفواكه و نحوها من المأكول، و لو قبل وصولها إلى زمان الأكل، أو احتيج في أكلها إلى عمل من طبخ و نحوه، نعم يجوز السجود على قشورها، و نواها، و على التبن، و القصيل، و الجت و نحوها، و فيما لم يتعارف أكله مع صلاحيته لذلك لما فيه من حسن الطعم المستوجب لإقبال النفس على أكله إشكال، و إن

كان الأظهر في مثله الجواز و مثله عقاقير الأدوية كورد لسان الثور، و عنب الثعلب، و الخوبة، و نحوها مما له طعم و ذوق حسن، و أما ما ليس له ذلك، فلا إشكال في جواز السجود عليه و إن استعمل للتداوي به، و كذا ما يؤكل عند الضرورة و المخمصة، أو عند بعض الناس نادرا.

(مسألة 551): يعتبر أيضا في جواز السجود على النبات، أن لا يكون ملبوسا كالقطن، و الكتان، و القنب، و لو قبل الغزل، أو النسج و لا بأس بالسجود على خشبها و ورقها، و كذا الخوص، و الليف، و نحوهما مما لا صلاحية فيه لذلك، و إن لبس لضرورة أو شبهها، أو عند بعض الناس نادرا.

(مسألة 552): الأظهر جواز السجود على القرطاس مطلقا، و إن اتخذ مما لا يصح السجود عليه، كالمتخذ من الحرير، أو القطن، أو الكتان.

(مسألة 553): لا بأس بالسجود على القرطاس المكتوب إذا كانت الكتابة معدودة صبغا، لا جرما.

(مسألة 554): إذا لم يتمكن من السجود على ما يصح السجود عليه لتقية، جاز له السجود على كل ما تقتضيه التقية، و أما إذا لم يتمكن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 151

لفقد ما يصح السجود عليه، أو لمانع من حرّ، أو برد، فالأظهر وجوب السجود على ثوبه، فإن لم يمكن فعلى ظهر الكف، أو على شي ء آخر مما لا يصح السجود عليه حال الاختيار.

(مسألة 555): لا يجوز السجود على الوحل، أو التراب اللذين لا يحصل تمكن الجبهة في السجود عليهما، و إن حصل التمكن جاز، و إن لصق بجبهته شي ء منهما أزاله للسجدة الثانية على الأحوط، و إن لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه صلى إيماء.

(مسألة 556):

إذا كانت الأرض ذات طين بحيث يتلطخ بدنه أو ثيابه، إذا صلى فيها صلاة المختار و كان ذلك حرجيا، صلى مومئا للسجود، و لا يجب عليه الجلوس للسجود و لا للتشهد.

(مسألة 557): إذا اشتغل بالصلاة، و في أثنائها فقد ما يصح السجود عليه، قطعها في سعة الوقت، و في الضيق ينتقل إلى البدل من الثوب أو ظهر الكف على الترتيب المتقدم.

(مسألة 558): إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه باعتقاده أنه مما يصح السجود عليه، فإن التفت بعد رفع الرأس مضى و لا شي ء عليه، و إن كان قبله جرّ جبهته إلى ما يصح السجود عليه إن أمكن، و إلا قطع الصلاة في السعة و استأنفها، و في الضيق أتمّ على ما تقدم.

(مسألة 559): يعتبر في مكان الصلاة أن يكون بحيث يستقر فيه المصلي و لا يضطرب، فلا تجوز الصلاة على الدابة السائرة، و الأرجوحة و نحوهما مما يفوت معه الاستقرار، و تجوز الصلاة على الدابة و في السفينة الواقفتين مع حصول الاستقرار، و كذا إذا كانتا سائرتين إن حصل ذلك أيضا، و نحوهما العربة، و القطار، و أمثالهما، فإنه تصح الصلاة فيها إذا حصل الاستقرار و الاستقبال، و لا تصح إذا فات واحد منهما، إلا مع

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 152

الضرورة، و حينئذ ينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة أو نحوها، و إن لم يتمكن من الاستقبال، إلا في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه، و إن لم يتمكن من الاستقبال أصلا سقط، و الأحوط استحبابا تحري الأقرب إلى القبلة فالأقرب، و كذا الحال في الماشي و غيره من المعذورين.

(مسألة 560): الأقوى جواز إيقاع الفريضة في جوف الكعبة الشريفة اختيارا و إن كان

الأحوط تركه، أما اضطرارا فلا إشكال في جوازها، و كذا النافلة و لو اختيارا.

[مستحبات مكان المصلي]

(مسألة 561): تستحب الصلاة في المساجد، و أفضلها المسجد الحرام و الصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة، ثمّ مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و الصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة، ثمّ مسجد الكوفة و الأقصى و الصلاة فيهما تعدل ألف صلاة، ثمّ مسجد الجامع و الصلاة فيه بمائة صلاة، ثمّ مسجد القبيلة و فيه تعدل خمسا و عشرين، ثمّ مسجد السوق و الصلاة فيه تعدل اثنتي عشرة صلاة، و صلاة المرأة في بيتها أفضل، و أفضل البيوت المخدع.

(مسألة 562): تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السّلام بل قيل:

إنّها أفضل من المساجد، و قد ورد أن الصلاة عند علي عليه السّلام بمائتي ألف صلاة.

(مسألة 563): يكره تعطيل المسجد، ففي الخبر: ثلاثة يشكون إلى اللّه تعالى، مسجد خراب لا يصلي فيه أحد، و عالم بين جهّال، و مصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.

(مسألة 564): يستحب التردد إلى المساجد، ففي الخبر من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات، و محي عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، و يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علة كالمطر، و في الخبر لا صلاة لجار

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 153

المسجد إلا في مسجده.

(مسألة 565): يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلا إذا كان في معرض مرور أحد قدامه، و يكفي في الحائل عود أو حبل أو كومة تراب.

(مسألة 566): قد ذكروا أنه تكره الصلاة في الحمام، و المزبلة، و المجزرة، و الموضع المعد للتخلي، و بيت المسكر،

و معاطن الإبل، و مرابط الخيل، و البغال، و الحمير، و الغنم، بل في كل مكان قذر، و في الطريق إذا أضرت بالمارة حرمت و بطلت، و في مجاري المياه، و الأرض السبخة و بيت النار كالمطبخ، و أن يكون أمامه نار مضرمة، و لو سراجا، أو تمثال ذي روح، أو مصحف مفتوح، أو كتاب كذلك، و الصلاة على القبر و في المقبرة، أو أمامه قبر، و بين قبرين. و إذا كان في الأخيرين حائل، أو بعد عشرة أذرع، فلا كراهة، و أن يكون قدامه إنسان مواجه له، و هناك موارد أخرى للكراهة مذكورة في محلها.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 154

المقصد الخامس أفعال الصلاة و ما يتعلق بها

اشارة

و فيه مباحث

المبحث الأول الأذان و الإقامة

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول [مستحبات الأذان و الإقامة]
اشارة

يستحب الأذان و الإقامة استحبابا مؤكدا في الفرائض اليومية أداء و قضاء، حضرا، و سفرا، في الصحة، و المرض، للجامع و المنفرد، رجلا كان، أو امرأة، و يتأكدان في الأدائية منها، و خصوص المغرب و الغداة و أشدهما تأكدا الإقامة خصوصا للرجال، بل الأحوط- استحبابا- لهم الإتيان بها، و لا يشرع الأذان و لا الإقامة في النوافل، و لا في الفرائض غير اليومية.

[موارد سقوط الأذان و الإقامة]

(مسألة 567): يسقط الأذان للعصر عزيمة يوم عرفة، إذا جمعت مع الظهر، و للعشاء ليلة المزدلفة، إذا جمعت مع المغرب.

(مسألة 568): يسقط الأذان و الإقامة جميعا في موارد.

الأول: في الصلاة جماعة إذا سمع الإمام الأذان و الإقامة في الخارج.

الثاني: الداخل في الجماعة التي أذنوا لها و أقاموا و إن لم يسمع.

الثالث: الداخل إلى المسجد قبل تفرق الجماعة، سواء صلى جماعة إماما، أو مأموما، أم صلى منفردا بشرط الاتحاد في المكان عرفا، فمع كون إحداهما في أرض المسجد، و الأخرى على سطحه يشكل السقوط و يشترط

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 155

أيضا أن تكون الجماعة السابقة بأذان و إقامة، فلو كانوا تاركين لهما لاجتزائهم بأذان جماعة سابقة عليها و إقامتها، فلا سقوط، و أن تكون صلاتهم صحيحة فلو كان الإمام فاسقا مع علم المأمومين به فلا سقوط و في اعتبار كون الصلاتين أدائيتين و اشتراكهما في الوقت، إشكال، و الأحوط الإتيان حينئذ بهما برجاء المطلوبية، بل الظاهر جواز الإتيان بهما في جميع الصور برجاء المطلوبية، و كذا إذا كان المكان غير مسجد.

الرابع: إذا سمع شخصا آخر يؤذن و يقيم للصلاة إماما كان الآتي بهما، أو مأموما، أم منفردا، و كذا في السامع بشرط سماع تمام الفصول و إن سمع أحدهما لم يجز

عن الآخر.

الفصل الثاني فصول الأذان

فصول الأذان ثمانية عشر: اللّه أكبر أربع مرات، ثمّ أشهد أن لا إله إلا اللّه، ثمّ أشهد أن محمدا رسول اللّه، ثمّ حي على الصلاة، ثمّ حي على الفلاح، ثمّ حي على خير العمل، ثمّ اللّه أكبر، ثمّ لا إله إلا اللّه كل فصل مرتان، و كذلك الإقامة، إلا أن فصولها أجمع مثنى مثنى، إلا التهليل في آخرها فمرة، و يزاد فيها بعد الحيعلات قبل التكبير، قد قامت الصلاة مرتين، فتكون فصولها سبعة عشر. و تستحب الصلاة على محمد و آل محمد عند ذكر اسمه الشريف. و إكمال الشهادتين بالشهادة لعلي عليه السّلام بالولاية و إمرة المؤمنين في الأذان و غيره.

الفصل الثالث [شروط الأذان و الإقامة]

يشترط فيهما أمور:

الأول: النية ابتداء و استدامة، و يعتبر فيها القربة و التعيين مع الاشتراك.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 156

الثاني و الثالث: العقل و الإيمان، و في الاجتزاء بأذان المميز و إقامته إشكال.

الرابع: الذكورة للذكور فلا يعتد بأذان النساء و إقامتهن لغيرهن حتى المحارم على الأحوط وجوبا، نعم يجتزئ بهما لهن، فإذا أمّت المرأة النساء فأذنت و أقامت كفى.

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان على الإقامة، و كذا بين فصول كل منهما، فإذا قدم الإقامة أعادها بعد الأذان، و إذا خالف بين الفصول أعاد على نحو يحصل الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة فيعيد من الأول.

السادس: الموالاة بينهما و بين الفصول من كل منهما، و بينهما و بين الصلاة فإذا أخل بها أعاد.

السابع: العربية و ترك اللحن.

الثامن: دخول الوقت فلا يصحان قبله. نعم يجوز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام.

الفصل الرابع [مستحبات الأذان]

يستحب في الأذان الطهارة من الحدث، و القيام و الاستقبال، و يكره الكلام في أثنائه، و كذلك الإقامة، بل الظاهر اشتراطها بالطهارة و القيام و تشتد كراهة الكلام بعد قول المقيم: «قد قامت الصلاة» إلا فيما يتعلق بالصلاة، و يستحب فيهما التسكين في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان و الحدر في الإقامة، و الإفصاح بالألف و الهاء من لفظ الجلالة و وضع الاصبعين في الاذنين في الأذان، و مد الصوت فيه و رفعه إذا كان المؤذن ذكرا، و يستحب رفع الصوت أيضا في الإقامة، إلا أنه دون الأذان، و غير ذلك مما هو مذكور في المفصلات.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 157

الفصل الخامس [ما ينبغي للمصلي حال الصلاة]

من ترك الأذان و الإقامة، أو أحدهما عمدا، حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها و استئنافها على الأحوط، و إذا تركهما عن نسيان يستحب له القطع لتداركهما ما لم يركع، و إذا نسي الإقامة وحدها فالظاهر استحباب القطع لتداركها إذا ذكر قبل القراءة و لا يبعد الجواز لتداركهما أو تدارك الإقامة مطلقا.

إيقاظ و تذكير: قال اللّه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلٰاتِهِمْ خٰاشِعُونَ و قال النبي و الأئمة عليهم أفضل الصلاة و السلام كما ورد في أخبار كثيرة أنه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما يقبل عليه منها و أنه لا يقدّمن أحدكم على الصلاة متكاسلا، و لا ناعسا، و لا يفكّرن في نفسه، و يقبل بقلبه على ربه. و لا يشغله بأمر الدنيا، و أن الصلاة وفادة على اللّه تعالى، و أن العبد قائم فيها بين يدي اللّه تعالى، فينبغي أن يكون قائما مقام العبد الذليل، الراغب الراهب، الخائف الراجي المسكين المتضرع، و أن يصلي صلاة مودع

يرى أن لا يعود إليها أبدا و كان علي بن الحسين عليه السّلام إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة، لا يتحرك منه إلا ما حركت الريح منه، و كان أبو جعفر، و أبو عبد اللّه عليهما السّلام إذا قاما إلى الصلاة تغيرت ألوانهما، مرة حمرة، و مرة صفرة، و كأنهما يناجيان شيئا يريانه، و ينبغي أن يكون صادقا في قوله (إياك نعبد و إياك نستعين) فلا يكون عابدا لهواه. و لا مستعينا بغير مولاه. و ينبغي إذا أراد الصلاة، أو غيرها من الطاعات أن يستغفر اللّه تعالى، و يندم على ما فرّط في جنب اللّه ليكون معدودا في عداد المتقين الذين قال اللّه تعالى في حقهم إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و إليه أنيب، و هو حسبنا و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 158

المبحث الثاني فيما يجب في الصلاة

اشارة

و هو أحد عشر:

النية، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و القراءة، و الذكر، و الركوع، و السجود، و التشهد، و التسليم، و الترتيب، و الموالاة، و الأركان- و هي التي تبطل الصلاة بنقيصتها عمدا و سهوا- خمسة: النية، و التكبير، و القيام و الركوع، و السجود. و البقية أجزاء غير ركنية لا تبطل الصلاة بنقصها سهوا، و في بطلانها بالزيادة تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى، فهنا فصول:

الفصل الأول [النية]
اشارة

في النية:

و هي القصد إلى الفعل متقربا به إلى اللّه تعالى بأن يكون الباعث إليه أمر اللّه تعالى أو نحوه، و قد تقدم تفصيله في الوضوء. و لا يعتبر التلفظ بها، و لا إخطار صورة العمل تفصيلا عند القصد إليه، و لا نية الوجوب و لا الندب، و لا تمييز الواجبات من الأجزاء عن مستحباتها، و لا غير ذلك من الصفات و الغايات بل يكفي الإرادة الإجمالية المنبعثة عن أمر اللّه تعالى، المؤثرة في وجود الفعل كسائر الأفعال الاختيارية الصادرة عن المختار، المقابل للساهي و الغافل.

(مسألة 569): يعتبر فيها الاخلاص فإذا انضم إلى أمر اللّه تعالى الرياء بطلت الصلاة و كذا غيرها من العبادات الواجبة و المستحبة سواء أ كان الرياء في الابتداء أم في الاثناء، و في تمام الأجزاء، أم في بعضها الواجبة،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 159

أو في المسجد أو في الصف الأول، أو خلف الإمام الفلاني، أو أول الوقت، أو نحو ذلك. نعم في بطلانها بالرياء في الأجزاء المستحبة مثل القنوت، أو زيادة التسبيح أو نحو ذلك إشكال، بل الظاهر عدم البطلان بالرياء بما هو خارج عن الصلاة، مثل إزالة الخبث قبل الصلاة، و التصدق في أثنائها، و ليس من الرياء المبطل ما

لو أتى بالعمل خالصا للّه، و لكنه كان يعجبه أن يراه الناس كما أن الخطور القلبي لا يبطل الصلاة، خصوصا إذا كان يتأذى بهذا الخطور و لو كان المقصود من العبادة أمام الناس رفع الذم عن نفسه، أو ضرر آخر غير ذلك، لم يكن رياءً و لا مفسدا، و الرياء المتأخر عن العبادة لا يبطلها، كما لو كان قاصدا الاخلاص ثمّ بعد إتمام العمل بدا له أن يذكر عمله، و العجب لا يبطل العبادة، سواء أ كان متأخرا أم مقارنا.

(مسألة 570): الضمائم الأخر غير الرياء إن كانت محرمة و موجبة لحرمة العبادة أبطلت العبادة، و إلا فإن كانت راجحة، أو مباحة فالظاهر صحة العبادة إذا كان داعي القربة صالحا للاستقلال في البعث إلى الفعل بحيث يفعل للأمر به و لو لم تكن تلك الضميمة، و إن لم يكن صالحا للاستقلال، فالظاهر البطلان.

(مسألة 571): يعتبر تعيين الصلاة التي يريد الإتيان بها إذا كانت صالحة لأن تكون على أحد وجهين متميزين، و يكفي التعيين الإجمالي مثل عنوان ما اشتغلت به الذمة- إذا كان متحدا- أو ما اشتغلت به أولا- إذا كان متعددا- أو نحو ذلك، فإذا صلى صلاة مرددة بين الفجر و نافلتها، لم تصح كل منهما. نعم إذا لم تصلح لأن تكون على أحد وجهين متميزين، كما إذا نذر نافلتين لم يجب التعيين، لعدم تميز إحداهما في مقابل الأخرى.

(مسألة 572): لا تجب نية القضاء، و لا الأداء إلا مع ثبوت التكليف بكل منهما فلا بد من تعيّن أحدهما و لو إجمالا، فإذا علم أنه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 160

مشغول الذمة بصلاة الظهر، و لا يعلم أنها قضاء. أو أداء صحت إذا قصد الإتيان بما

اشتغلت به الذمة فعلا، و إذا اعتقد أنها أداء. فنواها أداء صحت أيضا، إذا قصد امتثال الأمر المتوجه إليه و إن كانت في الواقع قضاء، و كذا الحكم في العكس.

(مسألة 573): لا يجب الجزم بالنية في صحة العبادة، فلو صلى في ثوب مشتبه بالنجس لاحتمال طهارته، و بعد الفراغ تبينت طهارته صحت الصلاة، و إن كان عنده ثوب معلوم الطهارة، و كذا إذا صلى في موضع الزحام لاحتمال التمكن من الإتمام فاتفق تمكنه صحت صلاته، و إن كان يمكنه الصلاة في غير موضع الزحام.

(مسألة 574): قد عرفت أنه لا يجب- حين العمل- الالتفات إليه تفصيلا و تعلق القصد به، بل يكفي الالتفات إليه و تعلق القصد به قبل الشروع فيه و بقاء ذلك القصد إجمالا على نحو يستوجب وقوع الفعل من أوله إلى آخره عن داعي الأمر، بحيث لو التفت إلى نفسه لرأى انه يفعل عن قصد الأمر، و إذا سئل أجاب بذلك، و لا فرق بين أول الفعل و آخره، و هذا المعنى هو المراد من الاستدامة الحكمية بلحاظ النية التفصيلية حال حدوثها، أما بلحاظ نفس النية فهي استدامة حقيقية.

(مسألة 575): إذا كان في أثناء الصلاة فنوى قطعها، أو نوى الإتيان بالقاطع، و لو بعد ذلك، فإن أتم صلاته على هذا الحال بطلت و كذا إذا أتى ببعض الأجزاء ثمّ عاد إلى النية الأولى، و أما إذا عاد إلى النية الأولى قبل أن يأتي بشي ء منها، صحت و أتمها.

(مسألة 576): إذا شك في الصلاة التي بيده أنه عينها ظهرا، أو عصرا، فإن لم يأت بالظهر قبل ذلك نواها ظهرا و أتمها و إن أتى بالظهر بطلت، إلا إذا رأى نفسه فعلا في صلاة العصر،

و شك في أنه نواها عصرا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 161

من أول الأمر، أو أنه نواها ظهرا، فإنه حينئذ يحكم بصحتها و يتمها عصرا.

(مسألة 577): إذا دخل في فريضة، فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة، صحت فريضة، و في العكس تصح نافلة.

(مسألة 578): إذا قام لصلاة ثمّ دخل في الصلاة، و شك في أنه نوى ما قام إليها، أو غيرها، فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة.

[موارد جواز العدول في الفريضة]

(مسألة 579): لا يجوز العدول عن صلاة إلى أخرى، إلا في موارد:

منها: ما إذا كانت الصلاتان أدائيتين مترتبتين- كالظهرين و العشاءين- و قد دخل في الثانية قبل الأولى، فإنه يجب أن يعدل إلى الأولى إذا تذكر في الأثناء.

و منها: إذا كانت الصلاتان قضائيتين، فدخل في اللاحقة، ثمّ تذكر أن عليه سابقة، فإنه يجب أن يعدل إلى السابقة، في المترتبتين، و يجوز العدول في غيرهما.

و منها: ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه فائتة، فإنه يجوز العدول إلى الفائتة، و إنما يجوز العدول في الموارد المذكورة، إذا ذكر قبل أن يتجاوز محله. أما إذا ذكر في ركوع رابعة العشاء، أنه لم يصل المغرب فإنها تبطل، و لا بد من أن يأتي بها بعد أن يأتي بالمغرب.

و منها: ما إذا نسي فقرأ في الركعة الأولى من فريضة يوم الجمعة غير سورة الجمعة، و تذكر بعد أن تجاوز النصف، فإنه يستحب له العدول إلى النافلة ثمّ يستأنف الفريضة و يقرأ سورتها.

و منها: ما إذا دخل في فريضة منفردا ثمّ أقيمت الجماعة، فإنه يستحب له العدول بها إلى النافلة مع بقاء محله ثمّ يتمها و يدخل في الجماعة. نعم إذا بدا له قطع النافلة بعد العدول إليها فلا بأس به و لا يجوز

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 162

نية العدول من الأول.

و منها: ما إذا دخل المسافر في القصر ثمّ نوى الإقامة قبل التسليم فإنه يعدل بها إلى التمام، و إذا دخل المقيم في التمام فعدل عن الإقامة قبل ركوع الركعة الثالثة عدل إلى القصر، و إذا كان بعد الركوع بطلت صلاته.

(مسألة 580): إذا عدل في غير محل العدول، فإن لم يفعل شيئا جاز له العود إلى ما نواه أولا، و إن فعل شيئا فإن كان عامدا بطلت الصلاتان و إن كان ساهيا، ثمّ التفت أتم الأولى إن لم يزد ركوعا، أو سجدتين.

(مسألة 581): الأظهر جواز ترامي العدول، فإذا كان في فائتة فذكر أن عليه فائتة سابقة، فعدل إليها فذكر أن عليه فائتة أخرى سابقة عليها، فعدل إليها أيضا صح.

الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام:

و تسمى تكبيرة الافتتاح و صورتها: (اللّه اكبر) و لا يجزئ مرادفها بالعربية، و لا ترجمتها بغير العربية، و إذا تمت حرم ما لا يجوز فعله من منافيات الصلاة، و هي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمدا و سهوا، و تبطل بزيادتها عمدا، فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة، فيحتاج إلى ثالثة، فإن جاء بالرابعة بطلت أيضا و احتاج إلى خامسة و هكذا تبطل بالشفع، و تصح بالوتر، و الظاهر عدم بطلان الصلاة بزيادتها سهوا، و يجب الإتيان بها على النهج العربي- مادة و هيئة- و الجاهل يلقنه غيره أو يتعلم، فإن لم يمكن اجتزأ منها بالممكن، فإن عجز جاء بمرادفها و إن عجز فبترجمتها.

(مسألة 582): الأحوط- وجوبا- عدم وصلها بما قبلها من الكلام دعاء كان أو غيره، و لا بما بعدها من بسملة، أو غيرها، و أن لا يعقب اسم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 163

الجلالة

شي ء من الصفات الجلالية، أو الجمالية، و ينبغي تفخيم اللام من لفظ الجلالة، و الراء من أكبر.

(مسألة 583): يجب فيها القيام التام فإذا تركه- عمدا أو سهوا- بطلت، من غير فرق بين المأموم الذي أدرك الإمام راكعا و غيره، بل يجب التربص في الجملة حتى يعلم بوقوع التكبير تاما قائما، و أما الاستقرار في القيام المقابل للمشي و التمايل من أحد الجانبين إلى الآخر، أو الاستقرار بمعنى الطمأنينة، فهو و إن كان معتبرا حال التكبير، لكن الظاهر أنه إذا تركه سهوا لم تبطل الصلاة.

(مسألة 584): الأخرس يأتي بها على قدر ما يمكنه، فإن عجز عن النطق أخطرها بقلبه و أشار بإصبعه، و الأحوط الأولى أن يحرّك بها لسانه إن أمكن.

(مسألة 585): يشرع الإتيان بست تكبيرات، مضافا إلى تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبعا، و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث، و الأحوط الأولى أن يقصد بالأخيرة تكبيرة الإحرام.

(مسألة 586): يستحب للإمام الجهر بواحدة، و الإسرار بالبقية و يستحب أن يكون التكبير في حال رفع اليدين إلى الأذنين، أو مقابل الوجه، أو إلى النحر، مضمومة الأصابع، حتى الإبهام، و الخنصر مستقبلا بباطنهما القبلة.

(مسألة 587): إذا كبر ثمّ شك في أنها تكبيرة الإحرام، أو للركوع بنى على الأولى. و إن شك في صحتها، بنى على الصحة. و إن شك في وقوعها و قد دخل فيما بعدها من القراءة، بنى على وقوعها.

(مسألة 588): يجوز الإتيان بالتكبيرات ولاء، بلا دعاء، و الأفضل أن يأتي بثلاث منها ثمّ يقول: اللهم أنت الملك الحق، لا إله إلا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 164

أنت سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» ثمّ يأتي باثنتين و

يقول: «لبيك، و سعديك، و الخير في يديك، و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك رب البيت» ثمّ يأتي باثنتين و يقول:

«وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ، عالم الغيب و الشهادة حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا من المسلمين، ثمّ يستعيذ و يقرأ سورة الحمد.

الفصل الثالث في القيام:

و هو ركن حال تكبيرة الاحرام- كما عرفت- و عند الركوع، و هو الذي يكون الركوع عنه- المعبر بالقيام المتصل بالركوع- فمن كبر للافتتاح و هو جالس بطلت صلاته، و كذا إذا ركع جالسا سهوا و إن قام في أثناء الركوع متقوسا، و في غير هذين الموردين يكون القيام الواجب واجبا غير ركن، كالقيام بعد الركوع، و القيام حال القراءة، أو التسبيح فإذا قرأ جالسا- سهوا- أو سبح كذلك، ثمّ قام و ركع عن قيام ثمّ التفت صحت صلاته، و كذا إذا نسي القيام بعد الركوع حتى سجد السجدتين.

(مسألة 589): إذا هوى لغير الركوع، ثمّ نواه في أثناء الهوي لم يجز، و لم يكن ركوعه عن قيام فتبطل صلاته، نعم إذا لم يصل إلى حد الركوع انتصب قائما، و ركع عنه و صحت صلاته، و كذلك إذا وصل و لم ينوه ركوعا.

(مسألة 590): إذا هوى إلى ركوع عن قيام، و في أثناء الهوي غفل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 165

حتى جلس للسجود، فإن كانت الغفلة بعد تحقق مسمى الركوع، صحت صلاته و الأحوط- استحبابا- أن يقوم منتصبا، ثمّ يهوي إلى السجود و إذا التفت إلى

ذلك و قد سجد سجدة واحدة مضى في صلاته، و الأحوط- استحبابا- إعادة الصلاة بعد الإتمام، و إذا التفت إلى ذلك و قد سجد سجدتين، صح سجوده و مضى، و إن كانت الغفلة قبل تحقق مسمى الركوع عاد إلى القيام منتصبا، ثمّ هوى إلى الركوع، و مضى و صحت صلاته.

(مسألة 591): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام، و الانتصاب، فإذا انحنى أو مال إلى أحد الجانبين بطل، و كذا إذا فرج بين رجليه على نحو يخرج عن الاستقامة عرفا، نعم لا بأس بإطراق الرأس. و تجب أيضا في القيام غير المتصل بالركوع الطمأنينة و الأحوط- استحبابا- الوقوف على القدمين جميعا، فلا يقف على أحدهما، و لا على أصابعهما فقط، و لا على أصل القدمين فقط، و الظاهر جواز الاعتماد على عصا أو جدار، أو إنسان في القيام على كراهية، بل الأحوط ترك ذلك مع الإمكان.

(مسألة 592): إذا قدر على ما يصدق عليه القيام عرفا، و لو منحنيا أو منفرج الرجلين، صلى قائما، و إن عجز عن ذلك صلى جالسا و يجب الانتصاب، و الاستقرار، و الطمأنينة على نحو ما تقدم في القيام. هذا مع الإمكان، و إلا اقتصر على الممكن، فإن تعذر الجلوس حتى الاضطراري صلى- مضطجعا- على الجانب الأيمن و وجهه إلى القبلة كهيئة المدفون، و مع تعذره فعلى الأيسر عكس الأول، و إن تعذر صلى مستلقيا و رجلاه إلى القبلة كهيئة المحتضر و الأحوط- وجوبا- أن يومئ برأسه للركوع و السجود مع الإمكان، و الأولى أن يجعل إيماء السجود أخفض من إيماء الركوع، و مع العجز يومئ بعينيه.

(مسألة 593): إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما صلّى قائما و ركع

جالسا و كذا الحال في السجود فيصلّي قائما و يجلس

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 166

و يسجد إيماء إن لم يتمكن من غيره كما يأتي.

(مسألة 594): إذا قدر على القيام في بعض الصلاة دون بعض وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس، و إذا أحس بالقدرة على القيام قام و هكذا، و لا يجب عليه استئناف ما فعله حال الجلوس، فلو قرأ جالسا ثمّ تجددت القدرة على القيام- قبل الركوع بعد القراءة- قام للركوع، و ركع من دون إعادة للقراءة، هذا في ضيق الوقت، و أما مع سعته فإن استمر العذر إلى آخر الوقت لا يعيد، و إن لم يستمر، فإن أمكن التدارك كأن تجددت القدرة بعد القراءة، و قبل الركوع، استأنف القراءة عن قيام و مضى في صلاته، و إن لم يمكن التدارك، فإن كان الفائت قياما ركنيا، أعاد صلاته، و إلا لم تجب الإعادة.

(مسألة 595): إذا دار الأمر بين القيام في الجزء السابق، و القيام في الجزء اللاحق، فالترجيح للسابق، حتى فيما إذا لم يكن القيام في الجزء السابق ركنا، و كان في الجزء اللاحق ركنا.

(مسألة 596): يستحب في القيام إسدال المنكبين، و إرسال اليدين و وضع الكفين على الفخذين، قبال الركبتين اليمين على اليمنى، و اليسرى على اليسرى، و ضم أصابع الكفين، و أن يكون نظره إلى موضع سجوده، و أن يصفّ قدميه متحاذيتين مستقبلا بهما، و يباعد بينهما بثلاث أصابع منفرجات، أو أزيد إلى شبر، و أن يسوي بينهما في الاعتماد، و أن يكون على حال الخضوع و الخشوع، كقيام عبد ذليل بين يدي المولى الجليل.

الفصل الرابع في القراءة:
اشارة

يعتبر في الركعة الأولى و الثانية من كل صلاة فريضة، أو نافلة قراءة

منهاج

الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 167

فاتحة الكتاب، و يجب في خصوص الفريضة قراءة سورة كاملة غيرها- على الأحوط- بعدها، و إذا قدمها عليها- عمدا- استأنف الصلاة، و إذا قدمها- سهوا- و ذكر قبل الركوع، فإن كان قد قرأ الفاتحة- بعدها- أعاد السورة، و إن لم يكن قد قرأ الفاتحة قرأها و قرأ السورة بعدها، و إن ذكر بعد الركوع مضى، و كذا إن نسيهما، أو نسي إحداهما و ذكر بعد الركوع.

(مسألة 597): تجب السورة في الفريضة و إن صارت نافلة، كالمعادة و لا تجب في النافلة و إن صارت واجبة بالنذر و نحوه على الأقوى، نعم النوافل التي وردت في كيفيتها سور مخصوصة، تجب قراءة تلك السور فيها فلا تشرع بدونها، إلا إذا كانت السورة شرطا لكمالها، لا لأصل مشروعيتها.

(مسألة 598): تسقط السورة في الفريضة عن المريض، و المستعجل و الخائف من شي ء إذا قرأها، و من ضاق وقته، و الأحوط- استحبابا- في الأولين الاقتصار على صورة المشقة في الجملة بقراءتها، و الأظهر كفاية الضرورة العرفية.

(مسألة 599): لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقراءتها من السور الطوال، فإن قرأها- عامدا- بطلت الصلاة، و إن كان ساهيا عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، و إن ذكر بعد الفراغ منها- و قد خرج الوقت- أتم صلاته، إلا إذا لم يكن قد أدرك ركعة فيحكم- حينئذ- ببطلان صلاته و لزمه القضاء.

(مسألة 600): لا تجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة على إشكال، فإذا قرأها عمدا وجب عليه السجود للتلاوة، فإن سجد بطلت صلاته، و إن عصى- يعني لم يسجد للتلاوة- فالأحوط إتمامها ثمّ الإعادة و إن كان الأظهر جواز قطعها ثمّ الاستئناف، و إذا قرأها- نسيانا- و

ذكر قبل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 168

آية السجدة عدل إلى غيرها، و إذا ذكر بعدها فإن سجد- نسيانا- أيضا أتمها و صحت صلاته، و إن التفت قبل السجود أومأ إليه و أتم صلاته، و سجد بعدها على الأحوط، فإن سجد و هو في الصلاة بطلت.

(مسألة 601): إذا استمع إلى آية السجدة و هو في الصلاة أومأ برأسه إلى السجود و أتم صلاته، و الأحوط- وجوبا- السجود أيضا بعد الفراغ، و الظاهر عدم وجوب السجود بالسماع من غير اختيار مطلقا.

[جواز قراءة سورة العزائم في النافلة]

(مسألة 602): تجوز قراءة سور العزائم في النافلة منفردة، أو منضمة إلى سورة أخرى، و يسجد عند قراءة آية السجدة، و يعود إلى صلاته فيتمها، و كذا الحكم لو قرأ آية السجدة وحدها، و سور العزائم أربع (ألم السجدة، حم السجدة، النجم، اقرأ باسم ربك).

[أحكام القراءة]

(مسألة 603): تجب قراءة البسملة مع كل سورة- عدا سورة براءة- و إذا عينها لسورة لم تجز قراءة غيرها إلا بعد إعادة البسملة لها، و إذا قرأ البسملة من دون تعيين سورة وجب إعادتها و يعينها لسورة خاصة، و كذا إذا عينها لسورة و نسيها فلم يدر ما عين، و إذا كان مترددا بين السور لم يجز له البسملة إلا بعد التعيين، و إذا كان عازما من أول الصلاة على قراءة سورة معينة، أو كان من عادته ذلك فقرأ غيرها كفى و لم تجب إعادة السورة.

(مسألة 604): الأحوط ترك القران بين السورتين في الفريضة، و إن كان الأظهر الجواز على كراهة، و في النافلة يجوز ذلك بلا كراهة.

(مسألة 605): سورتا الفيل و الإيلاف، سورة واحدة، و كذا سورتا الضحى و أ لم نشرح، فلا تجزئ واحدة منهما، بل لا بد من الجمع بينهما مرتبا مع البسملة الواقعة. بينهما.

(مسألة 606): تجب القراءة الصحيحة بأداء الحروف و إخراجها من مخارجها على النحو اللازم في لغة العرب، كما يجب أن تكون هيئة الكلمة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 169

موافقة للأسلوب العربي، من حركة البنية، و سكونها، و حركات الاعراب و البناء و سكناتها، و الحذف، و القلب، و الادغام، و المد الواجب، و غير ذلك، فإن أخل بشي ء من ذلك بطلت القراءة.

(مسألة 607): يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة:

اللّه و

الرحمن، و الرحيم، و اهدنا و غيرها، فإذا أثبتها بطلت القراءة، و كذا يجب إثبات همزة القطع مثل: إياك، و أنعمت، فإذا حذفها بطلت القراءة.

(مسألة 608): الأحوط الأولى ترك الوقوف بالحركة، بل و كذا الوصل بالسكون.

(مسألة 609): يجب المد في الواو المضموم ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها، و الألف المفتوح ما قبلها، إذا كان بعدها سكون لازم مثل: ضالين، بل هو الأحوط في مثل: جاء، و جي ء، و سوء.

(مسألة 610): الأحوط- استحبابا- الادغام إذا كان بعد النون الساكنة، أو التنوين أحد حروف: يرملون.

(مسألة 611): يجب ادغام لام التعريف إذا دخلت على التاء، و الثاء، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاء، و السين، و الشين، و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و اللام، و النون، و إظهارها في بقية الحروف فتقول في: اللّه، و الرحمن، و الرحيم، و الصراط، و الضالين بالادغام و في الحمد، و العالمين، و المستقيم بالاظهار.

(مسألة 612): يجب الادغام في مثل مدّ و ردّ مما اجتمع مثلان في كلمة واحدة، و لا يجب في مثل اذهب بكاتبي، و يدرككم مما اجتمع فيه المثلان في كلمتين و كان الأول ساكنا، و إن كان الادغام أحوط.

(مسألة 613): تجوز قراءة مالك يوم الدين، و ملك يوم الدين و يجوز في الصراط بالصاد، و السين، و يجوز في كفوا، أن يقرأ بضم الفاء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 170

و بسكونها مع الهمزة، أو الواو.

(مسألة 614): إذا لم يقف على أحد، في قل هو اللّه أحد، و وصله ب (اللّه الصمد) فالأحوط الأولى أن يقول أحدن اللّه الصمد، بضم الدال و كسر النون.

(مسألة 615): إذا اعتقد كون الكلمة على وجه

خاص من الاعراب أو البناء، أو مخرج الحرف، فصلى مدة على ذلك الوجه، ثمّ تبين أنه غلط، فالظاهر الصحة، و إن كان الأحوط الإعادة.

(مسألة 616): الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع، و إن كان الأقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الأئمة عليهم السّلام.

(مسألة 617): يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الأوليين من المغرب، و العشاء، و الاخفات في غير الأوليين منهما، و كذا في الظهر، و العصر في غير يوم الجمعة عدا البسملة. أما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة، بل في الظهر أيضا على الأقوى.

(مسألة 618): إذا جهر في موضع الاخفات، أو أخفت في موضع الجهر- عمدا- بطلت صلاته، و إذا كان ناسيا، أو جاهلا بالحكم من أصله، أو بمعنى الجهر و الاخفات صحت صلاته، و الأحوط الأولى الإعادة إذا كان مترددا فجهر، أو أخفت في غير محله- برجاء المطلوبية- و إذا تذكر الناسي، أو علم الجاهل في أثناء القراءة مضى في القراءة، و لم تجب عليه إعادة ما قرأه.

(مسألة 619): لا جهر على النساء، بل يتخيرن بينه و بين الاخفات في الجهرية، و يجب عليهن الاخفات في الاخفاتية، و يعذرن فيما يعذر الرجال فيه.

(مسألة 620): مناط الجهر و الاخفات الصدق العرفي، لا سماع من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 171

بجانبه و عدمه، و لا يصدق الاخفات على ما يشبه كلام المبحوح، و إن كان لا يظهر جوهر الصوت فيه، و لا يجوز الافراط في الجهر كالصياح، و الأحوط وجوبا في الاخفات أن يسمع نفسه تحقيقا، أو تقديرا، كما إذا كان أصم، أو كان هناك مانع من سماعه.

(مسألة 621): من لا يقدر إلا على الملحون، و لو لتبديل

بعض الحروف، و لا يمكنه التعلم أجزأه ذلك، و لا يجب عليه أن يصلي صلاته مأموما، و كذا إذا ضاق الوقت عن التعلم، نعم إذا كان مقصرا في ترك التعلم، وجب عليه أن يصلي مأموما، و إذا تعلم بعض الفاتحة قرأه و الأحوط- استحبابا- أن يقرأ من سائر القرآن عوض البقية، و إذا لم يعلم شيئا منها قرأ من سائر القرآن، و الأحوط- وجوبا- أن يكون بقدر الفاتحة، و إذا لم يعرف شيئا من القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح، و الأحوط- وجوبا- أن يكون بقدرها أيضا، بل الأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع، و إذا عرف الفاتحة و جهل السورة، فالظاهر سقوطها مع العجز عن تعلمها.

(مسألة 622): تجوز القراءة اختيارا في المصحف الشريف، و بالتلقين و إن كان الأحوط- استحبابا- الاقتصار في ذلك على حال الاضطرار.

(مسألة 623): يجوز العدول اختيارا من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز النصف، و الأحوط عدم العدول ما بين النصف و الثلثين، و لا يجوز العدول بعد بلوغ الثلثين، هذا في غير سورتي الجحد، و التوحيد، و أما فيهما فلا يجوز العدول من إحداهما إلى غيرهما، و لا إلى الأخرى مطلقا، نعم يجوز العدول من غيرهما- و لو بعد تجاوز النصف- أو من إحدى السورتين مع الاضطرار لنسيان بعضها، أو ضيق الوقت عن إتمامها، أو كون الصلاة نافلة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 172

(مسألة 624): يستثنى من الحكم المتقدم يوم الجمعة، فإنّ من كان بانيا فيه على قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى و سورة (المنافقون) في الثانية من صلاة الجمعة، أو الظهر فغفل و شرع في سورة أخرى، فإنه يجوز له العدول إلى السورتين و إن كان من سورة التوحيد،

أو الجحد أو بعد تجاوز الثلثين من أي سورة كانت، و الأحوط وجوبا عدم العدول عن الجمعة و المنافقون يوم الجمعة، حتى إلى السورتين (التوحيد و الجحد) إلا مع الضرورة فيعدل إلى إحداهما دون غيرهما على الأحوط.

(مسألة 625): يتخير المصلي في ثالثة المغرب، و أخيرتي الرباعيات بين الفاتحة، و التسبيح، و صورته: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر» هذا في غير المأموم في الصلوات الجهرية، و أما فيه فالأحوط- لزوما- اختيار التسبيح، و تجب المحافظة على العربية، و يجزئ ذلك مرة واحدة، و الأحوط- استحبابا- التكرار ثلاثا، و الأفضل إضافة الاستغفار إليه، و يجب الاخفات في الذكر، و في القراءة بدله حتى البسملة- على الأحوط وجوبا-.

(مسألة 626): لا تجب مساواة الركعتين الأخيرتين في القراءة و الذكر، بل له القراءة في إحداهما، و الذكر في الأخرى.

(مسألة 627): إذا قصد أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر، فالظاهر عدم الاجتزاء به، و عليه الاستئناف له، أو لبديله، و إذا كان غافلا و أتى به بقصد الصلاة اجتزأ به، و إن كان خلاف عادته، أو كان عازما في أول الصلاة على غيره، و إذا قرأ الحمد بتخيل أنه في الأولتين، فذكر أنه في الأخيرتين اجتزأ، و كذا إذا قرأ سورة التوحيد- مثلا- بتخيل أنه في الركعة الأولى، فذكر أنه في الثانية.

(مسألة 628): إذا نسي القراءة، و الذكر، و تذكر بعد الوصول إلى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 173

حد الركوع صحت الصلاة، و إذا تذكر قبل ذلك- و لو بعد الهوي- رجع و تدارك، و إذا شك في قراءتها بعد الركوع مضى، و إذا شك قبل ذلك تدارك، و إن كان الشك بعد

الاستغفار، بل بعد الهوي أيضا.

(مسألة 629): الذكر للمأموم أفضل في الصلوات الاخفاتية من القراءة، و في أفضليته للإمام، و المنفرد إشكال. و تقدم أن الأحوط- لزوما- اختيار الذكر للمأموم في الصلوات الجهرية.

(مسألة 630): تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأولى بأن يقول: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» و الأولى الاخفات بها، و الجهر بالبسملة في أوليي الظهرين، و الترتيل في القراءة، و تحسين الصوت بلا غناء، و الوقف على فواصل الآيات، و السكتة بين الحمد و السورة، و بين السورة و تكبير الركوع، أو القنوت، و أن يقول بعد قراءة التوحيد «كذلك اللّه ربي» أو «ربنا» و أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة «الحمد للّه رب العالمين» و المأموم يقولها بعد فراغ الإمام و قراءة بعض السور في بعض الصلوات كقراءة: عم، و هل أتى، و هل أتاك، و لا أقسم، في صلاة الصبح. و سورة الأعلى، و الشمس، و نحوهما في الظهر و العشاء.

و سورة النصر، و التكاثر، في العصر و المغرب. و سورة الجمعة في الركعة الأولى، و سورة الأعلى في الثانية من العشاءين ليلة الجمعة، و سورة الجمعة في الأولى، و التوحيد في الثانية من صبحها، و سورة الجمعة في الأولى، و المنافقون في الثانية من ظهريها، و سورة هل أتى في الأولى، و هل أتاك في الثانية في صبح الخميس و الاثنين، و يستحب في كل صلاة قراءة القدر في الأولى، و التوحيد في الثانية، و إذا عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من فضل، أعطي أجر السورة التي عدل عنها، مضافا إلى أجرهما.

(مسألة 631): يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 174

و قراءتها بنفس واحد، و قراءة سورة واحدة في كلتا الركعتين الأوليين إلا سورة التوحيد، فإنه لا بأس بقراءتها في كل من الركعة الأولى و الثانية.

(مسألة 632): يجوز تكرار الآية و البكاء، و تجوز قراءة المعوذتين في الصلاة و هما من القرآن، و يجوز إنشاء الخطاب بمثل: «إياك نعبد و إياك نستعين» مع قصد القرآنية، و كذا إنشاء الحمد بقوله: «الحمد للّه رب العالمين» و إنشاء المدح بمثل الرحمن الرحيم.

(مسألة 633): إذا أراد أن يتقدم أو يتأخر في أثناء القراءة يسكت و بعد الطمأنينة يرجع إلى القراءة، و لا يضر تحريك اليد، أو أصابع الرجلين حال القراءة.

(مسألة 634): إذا تحرك في حال القراءة قهرا لريح، أو غيرها بحيث فاتت الطمأنينة فالأحوط- استحبابا- إعادة ما قرأ في تلك الحال.

(مسألة 635): يجب الجهر في جميع الكلمات، و الحروف في القراءة الجهرية على الأحوط.

(مسألة 636): تجب الموالاة بين حروف الكلمة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة، فإذا فاتت الموالاة- سهوا- بطلت الكلمة و إذا كان عمدا بطلت الصلاة، و كذا الموالاة بين الجار و المجرور، و حرف التعريف و مدخوله، و نحو ذلك مما يعد جزء الكلمة. و الأحوط الموالاة بين المضاف و المضاف إليه، و المبتدأ و خبره، و الفعل و فاعله، و الشرط و جزائه، و الموصوف و صفته، و المجرور و متعلقه، و نحو ذلك مما له هيئة خاصة على نحو لا يجوز الفصل فيه بالأجنبي، فإذا فاتت سهوا أعاد القراءة و إذا فاتت عمدا فالأحوط- وجوبا- الاتمام و الاستئناف.

(مسألة 637): إذا شك في حركة كلمة، أو مخرج حروفها، لا يجوز أن يقرأ بالوجهين، فيما إذا لم يصدق على الآخر أنه ذكر و لو غلطا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 175

و لكن لو اختار أحد الوجهين جازت القراءة عليه، فإذا انكشف أنه مطابق للواقع لم يعد الصلاة، و إلا أعادها.

الفصل الخامس [في الركوع]
[واجبات الركوع:]

و هو واجب في كل ركعة مرة، فريضة كانت، أو نافلة، عدا صلاة الآيات كما سيأتي، كما أنه ركن تبطل الصلاة بزيادته، و نقيصته عمدا و سهوا، عدا صلاة الجماعة، فلا تبطل بزيادته للمتابعة كما سيأتي، و عدا النافلة فلا تبطل بزيادته فيها سهوا، و يجب فيه أمور:

الأول: الانحناء بقصد الخضوع قدر ما تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين، و غير مستوي الخلقة لطول اليدين، أو قصرهما يرجع إلى المتعارف، و لا بأس باختلاف أفراد مستوي الخلقة، فإن لكل حكم نفسه.

الثاني: الذكر، و يجزئ منه «سبحان ربي العظيم و بحمده»، أو «سبحان اللّه ثلاثا»، بل يجزئ مطلق الذكر، من تحميد، و تكبير، و تهليل، و غيرهما، إذا كان بقدر الثلاث الصغريات، مثل: «الحمد للّه» ثلاثا، أو «اللّه أكبر» ثلاثا، و يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الثلاث الصغريات، و كذا بينهما و بين غيرهما من الأذكار، و يشترط في الذكر العربية، و الموالاة و أداء الحروف من مخارجها، و عدم المخالفة في الحركات الاعرابية، و البنائية.

الثالث: الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب، بل الأحوط وجوبا ذلك في الذكر المندوب، إذا جاء به بقصد الخصوصية، و الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع غير مجز عن الذكر الواجب فيه فلا بد من إعادته بعد الوصول.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 176

الرابع: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائما.

الخامس: الطمأنينة حال القيام المذكور، و إذا لم يتمكن لمرض، أو غيره سقطت، و كذا الطمأنينة حال الذكر، فإنها تسقط لما ذكر، و لو ترك

الطمأنينة في الركوع سهوا بأن لم يبق في حده، بل رفع رأسه بمجرد الوصول إليه، ثمّ ذكر بعد رفع الرأس فالأحوط إتمام الصلاة ثمّ الإعادة.

(مسألة 638): إذا تحرك- حال الذكر الواجب- بسبب قهري وجب عليه السكوت حال الحركة، و إعادة الذكر، و إذا ذكر في حال الحركة، فإن كان عامدا بطلت صلاته، و إن كان ساهيا فالأحوط- وجوبا- تدارك الذكر.

[مستحبات الركوع]

(مسألة 639): يستحب التكبير للركوع قبله، و رفع اليدين حالة التكبير، و وضع الكفين على الركبتين، اليمنى على اليمنى، و اليسرى على اليسرى، ممكّنا كفّيه من عينيهما، ورد الركبتين إلى الخلف، و تسوية الظهر، و مد العنق موازيا للظهر، و أن يكون نظره بين قدميه، و أن يجنح بمرفقيه، و أن يضع اليمنى على الركبة قبل اليسرى، و أن تضع المرأة كفها على فخذيها، و تكرار التسبيح ثلاثا، أو خمسا أو سبعا، أو أكثر، و أن يكون الذكر وترا، و أن يقول قبل التسبيح: «اللهم لك ركعت و لك أسلمت، و عليك توكلت و أنت ربي، خشع لك قلبي، و سمعي، و بصري و شعري، و بشري، و لحمي و دمي، و مخي و عصبي و عظامي، و ما أقلته قدماي، غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر» و أن يقول للانتصاب بعد الركوع «سمع اللّه لمن حمده»، و أن يضم إليه: «الحمد للّه رب العالمين»، و أن يرفع يديه للانتصاب المذكور. و أن يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله في الركوع و يكره فيه أن يطأطئ رأسه، أو يرفعه إلى فوق و أن يضم يديه إلى جنبيه، و أن يضع إحدى الكفين على الأخرى، و يدخلهما بين ركبتين، و أن يقرأ

القرآن فيه، و أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقا لجسده.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 177

(مسألة 640): إذا عجز عن الانحناء التام بنفسه، اعتمد على ما يعينه عليه، و إذا عجز عنه فالأحوط أن يأتي بالممكن منه، مع الإيماء إلى الركوع منتصبا قائما قبله، أو بعده، و إذا دار أمره بين الركوع- جالسا- و الإيماء إليه- قائما- تعيّن الأول على الأظهر، و الأولى الجمع بينهما بتكرار الصلاة، و لا بد في الإيماء من أن يكون برأسه إن أمكن، و إلا فبالعينين تغميضا له، و فتحا للرفع منه.

(مسألة 641): إذا كان كالراكع خلقة، أو لعارض، فإن أمكنه الانتصاب التام للقراءة، و للهوي للركوع وجب، و لو بالاستعانة بعصا و نحوها، و إلا فإن تمكن من رفع بدنه بمقدار يصدق على الانحناء بعده الركوع في حقه عرفا لزمه ذلك، و إلا أومأ برأسه و إن لم يمكن فبعينيه.

(مسألة 642): حد ركوع الجالس أن ينحني بمقدار يساوي وجهه ركبتيه، و الأفضل الزيادة في الانحناء إلى أن يستوي ظهره، و إذا لم يتمكن من الركوع انتقل إلى الإيماء كما تقدم.

(مسألة 643): إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود، و ذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام، ثمّ ركع، و كذلك إن ذكره بعد ذلك قبل الدخول في الثانية على الأظهر، و الأحوط استحبابا حينئذ إعادة الصلاة بعد الإتمام، و إن ذكره بعد الدخول في الثانية، بطلت صلاته و استأنف.

(مسألة 644): يجب أن يكون الانحناء بقصد الركوع، فإذا انحنى ليتناول شيئا من الأرض، أو نحوه، ثمّ نوى الركوع لا يجزئ، بل لا بد من القيام، ثمّ الركوع عنه.

(مسألة 645): يجوز للمريض- و في ضيق الوقت و سائر موارد الضرورة-

الاقتصار في ذكر الركوع على: «سبحان اللّه».

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 178

الفصل السادس في السجود:
[واجبات السجود]

و الواجب منه في كل ركعة سجدتان، و هما معا ركن تبطل الصلاة بنقصانهما معا، و بزيادتهما كذلك عمدا و سهوا، و لا تبطل بزيادة واحدة و لا بنقصها سهوا، و المدار في تحقق مفهوم السجدة على وضع الجبهة، أو ما يقوم مقامها بقصد التذلل و الخضوع، و على هذا المعنى تدور الزيادة و النقيصة دون بقية الواجبات: و هي أمور:

الأول: السجود على ستة أعضاء: الكفين، و الركبتين، و إبهامي الرجلين، و يجب في الكفين الباطن، و في الضرورة ينتقل إلى الظاهر، ثمّ إلى الأقرب فالأقرب على الأحوط، و لا يجزئ السجود على رءوس الأصابع و كذا إذا ضمّ أصابعه إلى راحته و سجد على ظهرها. و لا يجب الاستيعاب في الجبهة بل يكفي المسمى. و لا يعتبر أن يكون مقدار المسمى مجتمعا بل يكفي و إن كان متفرقا، فيجوز السجود على السبحة غير المصبوغة إذا كان مجموع ما وقعت عليه بمقدار مسمى السجود، مع كون أجزائها غير متباعدة، و يجزئ في الركبتين أيضا المسمى، و في الإبهامين وضع ظاهرهما، أو باطنهما، و إن كان الأحوط وضع طرفهما.

(مسألة 646): لا بد في الجبهة من مماستها لما يصح السجود عليه من أرض و نحوها، و لا يعتبر في غيرها من الأعضاء المذكورة.

الثاني: الذكر على نحو ما تقدم في الركوع، و الأحوط في التسبيحة الكبرى إبدال العظيم بالأعلى.

الثالث: الطمأنينة فيه كما في ذكر الركوع.

الرابع: كون المساجد في محلها حال الذكر، و إذا أراد رفع شي ء منها

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 179

سكت إلى أن يضعه، ثمّ يرجع إلى الذكر.

الخامس: رفع الرأس من السجدة

الأولى إلى أن ينتصب جالسا مطمئنا.

السادس: تساوي موضع جبهته و موقفه، إلا أن يكون الاختلاف بمقدار لبنة، و قدّر بأربعة أصابع مضمومة، و لا فرق بين الانحدار و التسنيم فيما إذا كان الانحدار ظاهرا، و أما في غير الظاهر فلا اعتبار بالتقدير المذكور و إن كان هو الأحوط استحبابا، و لا يعتبر ذلك في باقي المساجد على الأقوى.

(مسألة 647): إذا وضع جبهته على الموضع المرتفع، أو المنخفض فإن لم يصدق معه السجود رفعها ثمّ سجد على المستوى، و إن صدق معه السجود، أو كان المسجد مما لا يصح السجود عليه، فالأظهر جر الجبهة إلى ما يجوز السجود عليه، و إذا وضعها على ما يصح السجود عليه جاز جرها إلى الأفضل، أو الأسهل.

(مسألة 648): إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهرا قبل الذكر، أو بعده، فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانيا احتسبت له، و سجد أخرى بعد الجلوس معتدلا، و إن وقعت على المسجد ثانيا قهرا لم تحسب الثانية فيرفع رأسه و يسجد الثانية.

(مسألة 649): إذا عجز عن السجود التام انحنى بالمقدار الممكن و رفع المسجد إلى جبهته، و وضعها عليه و وضع سائر المساجد في محالها و إن لم يمكن الانحناء أصلا، أو أمكن بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا، أومأ برأسه، فإن لم يمكن فبالعينين، و إن لم يمكن فالأولى أن يشير إلى السجود باليد، أو نحوها، و ينويه بقلبه، و الأحوط- استحبابا- له رفع المسجد إلى الجبهة، و كذا وضع المساجد في محالها، و إن كان الأظهر عدم وجوبه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 180

(مسألة 650): إذا كان بجبهته قرحة، أو نحوها مما يمنعه من وضعها على المسجد، فإن لم يستغرقها سجد على الموضع

السليم، و لو بأن يحفر حفيرة ليقع السليم على الأرض، و إن استغرقها سجد على أحد الجبينين، مقدما الأيمن على الأحوط استحبابا، و الأحوط لزوما الجمع بينه و بين السجود على الذقن و لو بتكرار الصلاة، فإن تعذر السجود على الجبين، اقتصر على السجود على الذقن، فإن تعذر أومأ إلى السجود برأسه أو بعينيه على ما تقدم.

(مسألة 651): لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها، مثل الفراش في حال التقية، و لا يجب التخلص منها بالذهاب إلى مكان آخر، نعم لو كان في ذلك المكان وسيلة لترك التقية بأن يصلي على البارية، أو نحوها مما يصح السجود عليه وجب اختيارها.

(مسألة 652): إذا نسي السجدتين فإن تذكر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليهما، و إن تذكر بعد الدخول فيه بطلت الصلاة، و إن كان المنسي سجدة واحدة رجع و أتى بها إن تذكر قبل الركوع، و إن تذكر بعده مضى و قضاها بعد السلام، و سيأتي في مبحث الخلل التعرض لذلك.

[مستحبات السجود]

(مسألة 653): يستحب في السجود التكبير حال الانتصاب بعد الركوع، و رفع اليدين حاله، و السبق باليدين إلى الأرض، و استيعاب الجبهة في السجود عليها، و الارغام بالأنف، و بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتى الابهام حذاء الاذنين متوجها بهما إلى القبلة، و شغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود، و الدعاء قبل الشروع في الذكر فيقول: «اللهم لك سجدت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكلت، و أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه، و شق سمعه و بصره الحمد للّه رب العالمين تبارك اللّه أحسن الخالقين» و تكرار الذكر، و الختم على الوتر، و اختيار التسبيح

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص:

181

و الكبرى منه و تثليثها، و الأفضل تخميسها، و الأفضل تسبيعها، و أن يسجد على الأرض بل التراب، و مساواة موضع الجبهة للموقف، بل مساواة جميع المساجد لهما. قيل: و الدعاء في السجود بما يريد من حوائج الدنيا و الآخرة، خصوصا الرزق فيقول: «يا خير المسئولين، و يا خير المعطين ارزقني و ارزق عيالي من فضلك، فإنك ذو الفضل العظيم»، و التورك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما، بأن يجلس على فخذه اليسرى، جاعلا ظهر قدمه اليمين على باطن اليسرى، و أن يقول في الجلوس بين السجدتين: «أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه»، و أن يكبر بعد الرفع من السجدة الأولى بعد الجلوس مطمئنا، و يكبر للسجدة الثانية و هو جالس، و يكبر بعد الرفع من الثانية كذلك، و يرفع اليدين حال التكبيرات، و وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس، و اليمنى على اليمنى، و اليسرى على اليسرى، و التجافي حال السجود عن الأرض، و التجنح بمعنى أن يباعد بين عضديه عن جنبيه و يديه عن بدنه، و أن يصلي على النبي و آله في السجدتين، و أن يقوم رافعا ركبتيه قبل يديه، و أن يقول بين السجدتين:

«اللهم اغفر لي، و ارحمني، و اجرني، و ادفع عني، إني لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك اللّه رب العالمين» و أن يقول عند النهوض: «بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد و أركع و أسجد» أو «بحولك و قوتك أقوم و أقعد» أو «اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد» و يضم إليه «و أركع و أسجد» و أن يبسط يديه على الأرض، معتمدا عليها للنهوض، و أن يطيل السجود و يكثر فيه من الذكر،

و التسبيح، و يباشر الأرض بكفّيه، و زيادة تمكين الجبهة، و يستحب للمرأة وضع اليدين بعد الركبتين عند الهوي للسجود و عدم تجافيهما بل تفرش ذراعيها، و تلصق بطنها بالأرض، و تضم أعضاءها و لا ترفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض معتدلة، و يكره الاقعاء في الجلوس بين السجدتين بل بعدهما أيضا و هو أن يعتمد بصدر قدميه على

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 182

الأرض و يجلس على عقبيه، و يكره أيضا نفخ موضع السجود إذا لم يتولد منه حرف، و إلا لم يجز، و أن لا يرفع بيديه عن الأرض بين السجدتين، و أن يقرأ القرآن في السجود.

(مسألة 654): الأحوط- استحبابا- الإتيان بجلسة الاستراحة و هي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى، و الثالثة مما لا تشهد فيه.

[آيات السجود]

(تتميم): يجب السجود عند قراءة آياته الأربع في السور الأربع و هي ألم تنزيل عند قوله تعالى: لٰا يَسْتَكْبِرُونَ و حم فصلت عند قوله:

تَعْبُدُونَ، و النجم، و العلق في آخرهما، و كذا يجب على المستمع إذا لم يكن في حال الصلاة، فإن كان في حال الصلاة أومأ إلى السجود، و سجد بعد الصلاة على الأحوط، و يستحب في أحد عشر موضعا في الأعراف عند قوله تعالى: وَ لَهُ يَسْجُدُونَ و في الرعد عن قوله تعالى:

وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ، و في النحل عند قوله تعالى: وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ و في بني إسرائيل عند قوله تعالى: وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً و في مريم، عند قوله تعالى: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا و في سورة الحج في موضعين عند قوله تعالى: إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ و عند قوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ و في الفرقان عند قوله:

وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً و في النمل عند قوله:

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ و في «ص» عند قوله: خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ، و في الانشقاق عند قوله: لٰا يَسْجُدُونَ بل الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود.

(مسألة 655): ليس في هذا السجود تكبيرة افتتاح، و لا تشهد و لا تسليم، نعم يستحب التكبير للرفع منه، بل الأحوط- استحبابا- عدم تركه، و لا يشترط فيه الطهارة من الحدث، و لا الخبث، و لا الاستقبال و لا طهارة محل السجود، و لا الستر، و لا صفات الساتر، بل يصح حتى في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 183

المغصوب إذا لم يكن السجود تصرفا فيه، و الأحوط- وجوبا- فيه السجود على الأعضاء السبعة، و وضع الجبهة على الأرض، أو ما في حكمها و عدم اختلاف المسجد عن الموقف في العلو، و الانخفاض، و لا بد فيه من النية، و إباحة المكان، و يستحب فيه أن يقول: «سجدت لك تعبّدا و رقّا لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا مستعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» و الأولى بل الأحوط ضمّ الذكر الواجب في سجود الصلاة إليه.

(مسألة 656): يتكرر السجود بتكرر السبب، و إذا شك بين الأقل و الأكثر، جاز الاقتصار على الأقل، و يكفي في التعدد رفع الجبهة ثمّ وضعها من دون رفع بقية المساجد، أو الجلوس.

[سجود الشكر]

(مسألة 657): يستحب السجود- شكرا للّه تعالى- عند تجدد كل نعمة، و دفع كل نقمة، و عند تذكر ذلك، و التوفيق لأداء كل فريضة و نافلة، بل كل فعل خير، و منه إصلاح ذات البين، و يكفي سجدة واحدة، و الأفضل سجدتان، فيفصل بينهما بتعفير الخدين، أو الجبينين أو الجميع، مقدما

الأيمن على الأيسر، ثمّ وضع الجبهة ثانيا، و يستحب فيه افتراش الذراعين، و إلصاق الصدر و البطن بالأرض، و أن يمسح موضع سجوده بيده، ثمّ يمرّها على وجهه، و مقاديم بدنه، و أن يقول فيه «شكرا للّه شكرا للّه» أو مائة مرة «شكرا شكرا» أو مائة مرة «عفوا عفوا» أو مائة مرة «الحمد للّه شكرا» و كلما قاله عشر مرات قال «شكرا لمجيب» ثمّ يقول: «يا ذا المنّ الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصيه غيره عددا، و يا ذا المعروف الذي لا ينفد أبدا، يا كريم يا كريم يا كريم»، ثمّ يدعو و يتضرع و يذكر حاجته، و قد ورد في بعض الروايات غير ذلك و الأحوط فيه السجود على ما يصح السجود عليه، و السجود على المساجد السبعة.

(مسألة 658): يستحب السجود بقصد التذلل للّه تعالى، بل هو من أعظم العبادات، و قد ورد أنه أقرب ما يكون العبد إلى اللّه تعالى و هو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 184

ساجد، و يستحب إطالته.

(مسألة 659): يحرم السجود لغير اللّه تعالى، من دون فرق بين المعصومين عليهم السّلام و غيرهم، و ما يفعله الشيعة في مشاهد الأئمة عليهم السّلام لا بد أن يكون للّه تعالى شكرا على توفيقهم لزيارتهم عليهم السّلام و الحضور في مشاهدهم، جمعنا اللّه تعالى و إياهم في الدنيا و الآخرة إنه أرحم الراحمين.

الفصل السابع في التشهد:

و هو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية، و في الثلاثية، و الرباعية مرتين، الأولى كما ذكر، و الثانية بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة، و هو واجب غير ركن، فإذا تركه- عمدا- بطلت الصلاة، و إذا تركه-

سهوا- أتى به ما لم يركع، و إلا قضاه بعد الصلاة على الأحوط، و كيفيته على الأحوط «أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد» و يجب فيه الجلوس و الطمأنينة و أن يكون على النهج العربي مع الموالاة بين فقراته، و كلماته، و العاجز عن التعليم إذا لم يجد من يلقنه، يأتي بما أمكنه إن صدق عليه الشهادة مثل أن يقول:

«أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه» و إن عجز فالأحوط وجوبا أن يأتي بترجمته و إذا عجز عنها أتى بسائر الأذكار بقدره.

(مسألة 660): يكره الاقعاء فيه، بل يستحب فيه الجلوس متوركا كما تقدم فيما بين السجدتين، و أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه» أو يقول: «بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه، و خير الأسماء للّه، أو الأسماء الحسنى، كلها للّه»، و أن يجعل يديه على فخذيه منضمة الأصابع،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 185

و أن يكون نظره إلى حجره، و أن يقول بعد الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله: «و تقبل شفاعته و ارفع درجته» في التشهد الأول، و أن يقول: «سبحان اللّه» سبعا بعد التشهد الأول، ثمّ يقوم و أن يقول حال النهوض عنه: «بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد» و أن تضم المرأة فخذيها إلى نفسها، و ترفع ركبتيها عن الأرض.

الفصل الثامن في التسليم:

و هو واجب في كل صلاة و آخر أجزائها، و به يخرج عنها و تحل له منافياتها، و له صيغتان، الأولى: «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» و الثانية «السلام عليكم» بإضافة

«و رحمة اللّه و بركاته» على الأحوط و إن كان الأظهر عدم وجوبها، فبأيهما أتى فقد خرج عن الصلاة، و إذا بدأ بالأولى استحبت له الثانية بخلاف العكس، و أما قول «السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته» فليس من صيغ السلام، و لا يخرج به عن الصلاة، بل هو مستحب.

(مسألة 661): يجب الإتيان بالتسليم على النهج العربي، كما يجب فيه الجلوس و الطمأنينة حاله، و العاجز عنه كالعاجز عن التشهد في الحكم المتقدم.

(مسألة 662): إذا أحدث قبل التسليم بطلت الصلاة، و كذا إذا فعل غيره من المنافيات، و إذا نسي التسليم حتى وقع منه المنافي و لو كان وقوعه عمديا فالظاهر صحة الصلاة و إن كانت إعادتها أحوط، و إذا نسي السجدتين حتى سلم أعاد الصلاة، إذا صدر منه ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا، و إلا أتى بالسجدتين، و التشهد، و التسليم، و سجد سجدتي السهو لزيادة السلام.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 186

(مسألة 663): يستحب التورك في الجلوس حاله، و وضع اليدين على الفخذين، و يكره الاقعاء كما سبق في التشهد.

الفصل التاسع في الترتيب:

يجب الترتيب بين أفعال الصلاة على نحو ما عرفت، فإذا عكس الترتيب فقدم مؤخرا، فإن كان عمدا بطلت الصلاة، و إن كان سهوا، أو عن جهل بالحكم من غير تقصير، فإن قدم ركنا على ركن بطلت، و إن قدم ركنا على غيره- كما إذا ركع قبل القراءة- مضى و فات محل ما ترك و لو قدم غير الركن عليه تدارك على وجه يحصل الترتيب، و كذا لو قدم غير الأركان بعضها على بعض.

الفصل العاشر في الموالاة:

و هي واجبة في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب محو صورة الصلاة في نظر أهل الشرع، و هي بهذا المعنى تبطل الصلاة بفواتها عمدا و سهوا و لا يضر فيها تطويل الركوع و السجود، و قراءة السور الطوال، و أما بمعنى توالي الأجزاء و تتابعها، و إن لم يكن دخيلا في حفظ عنوان الصلاة، فوجوبها محل إشكال، و الأظهر عدم الوجوب من دون فرق بين العمد و السهو.

الفصل الحادي عشر في القنوت:
اشارة

و هو مستحب في جميع الصلوات، فريضة كانت، أو نافلة على

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 187

إشكال في الشفع، و الأحوط الإتيان به فيها برجاء المطلوبية، و يتأكد استحبابه في الفرائض الجهرية، خصوصا في الصبح، و الجمعة، و المغرب، و في الوتر من النوافل، و المستحب منه مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية، إلا في الجمعة، ففيه قنوتان قبل الركوع في الأولى، و بعده في الثانية، و إلا في العيدين ففيها خمسة قنوتات في الأولى، و أربعة في الثانية، و إلا في الآيات، ففيها قنوتان قبل الركوع الخامس من الأولى و قبله في الثانية، بل خمسة قنوتات قبل كل ركوع زوج، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، و إلا في الوتر ففيها قنوتان، قبل الركوع، و بعده على إشكال في الثاني،

[مستحبات قنوت الوتر]

نعم يستحب بعده أن يدعو بما دعا به أبو الحسن موسى عليه السّلام و هو:

«هذا مقام من حسناته نعمة منك، و شكره ضعيف و ذنبه عظيم، و ليس لذلك إلا رفقك و رحمتك، فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل- صلى اللّه عليه و آله- «كٰانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ، وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» طال و اللّه هجوعي، و قلّ قيامي و هذا السحر، و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرا، و لا نفعا، و لا موتا، و لا حياة، و لا نشورا» كما يستحب أن يدعو في القنوت قبل الركوع في الوتر بدعاء الفرج و هو: «لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم، سبحان اللّه رب السموات السبع، و رب الأرضين السبع، و ما فيهن و ما بينهن، و رب

العرش العظيم، و الحمد للّه رب العالمين»، و أن يستغفر لأربعين مؤمنا أمواتا، و أحياء، و أن يقول سبعين مرة: «أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه» ثمّ يقول: «أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، ذو الجلال و الإكرام، لجميع ظلمي و جرمي، و إسرافي على نفسي و أتوب إليه»، سبع مرات، و سبع مرات: «هذا مقام العائذ بك من النار» ثمّ يقول:

«رب أسأت، و ظلمت نفسي، و بئس ما صنعت، و هذي يدي جزاء بما كسبت، و هذي رقبتي خاضعة لما أتيت، و ها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 188

من نفسي الرضا حتى ترضى، لك العتبى لا أعود» ثمّ يقول: «العفو» ثلاثمائة مرة و يقول: «رب اغفر لي، و ارحمني، و تب عليّ، إنك أنت التواب الرحيم».

[مستحبات القنوت]

(مسألة 664): لا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما يتيسر من ذكر، أو دعاء أو حمد، أو ثناء، و يجزي سبحان اللّه خمسا أو ثلاثا، أو مرة، و الأولى قراءة المأثور عن المعصومين عليهم السّلام.

(مسألة 665): يستحب التكبير قبل القنوت، و رفع اليدين حال التكبير، و وضعهما، ثمّ رفعهما حيال الوجه، قيل: و بسطهما جاعلا باطنهما نحو السماء، و ظاهرهما نحو الأرض، و أن تكونا منضمتين مضمومتي الأصابع، إلا الإبهامين، و أن يكون نظره إلى كفيه.

(مسألة 666): يستحب الجهر بالقنوت للإمام و المنفرد، و المأموم و لكن يكره للمأموم أن يسمع الإمام صوته.

(مسألة 667): إذا نسي القنوت و هوى، فإن ذكر قبل الوصول إلى حد الركوع رجع، و إن كان بعد الوصول إليه قضاه حين الانتصاب بعد الركوع، و إذا ذكره بعد الدخول في السجود

قضاه بعد الصلاة جالسا مستقبلا، و الأحوط ذلك فيما إذا ذكره بعد الهوي إلى السجود قبل وضع الجبهة، و إذا تركه عمدا في محله، أو بعد ما ذكره بعد الركوع فلا قضاء له.

(مسألة 668): الظاهر أنه لا تؤدى وظيفة القنوت بالدعاء الملحون أو بغير العربي، و إن كان لا يقدح ذلك في صحة الصلاة.

الفصل الثاني عشر في التعقيب:

و هو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر، و الدعاء، و منه أن يكبر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 189

ثلاثا بعد التسليم، رافعا يديه على نحو ما سبق، و منه- و هو أفضله- تسبيح الزهراء عليها السّلام و هو التكبير أربعا و ثلاثين، ثمّ الحمد ثلاثا و ثلاثين ثمّ التسبيح ثلاثا و ثلاثين، و منه قراءة الحمد، و آية الكرسي، و آية شهد اللّه، و آية الملك، و منه غير ذلك مما هو كثير مذكور في الكتب المعدة له.

الفصل الثالث عشر في صلاة الجمعة، و في فروعها:

الأول: صلاة الجمعة ركعتان، كصلاة الصبح، و تمتاز عنها بخطبتين قبلها، ففي الأولى منهما يقوم الإمام و يحمد اللّه و يثني عليه و يوصي بتقوى اللّه و يقرأ سورة من الكتاب العزيز ثمّ يجلس قليلا، و في الثانية يقوم و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلي على محمد صلى اللّه عليه و آله و على أئمة المسلمين عليهم السّلام و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، و الأحوط استحبابا تكرار الوصية بالتقوى و قراءة سورة خفيفة.

الثاني: يعتبر في القدر الواجب من الخطبة: العربية، و لا تعتبر في الزائد عليه، و إذا كان الحاضرون غير عارفين باللغة العربية فالأحوط هو الجمع بين اللغة العربية و لغة الحاضرين بالنسبة إلى الوصية بتقوى اللّه.

الثالث: صلاة الجمعة واجبة تخييرا، بمعنى: أن المكلف مخير يوم الجمعة بين إقامة صلاة الجمعة إذا توفرت شرائطها الآتية و بين الإتيان بصلاة الظهر، فإذا أقام الجمعة مع الشرائط أجزأت عن الظهر.

الرابع: يعتبر في وجوب صلاة الجمعة أمور:

1- دخول الوقت، و هو زوال الشمس على ما مر في صلاة الظهر إلى أن يصير الظل الحادث من كل شي ء مثله.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 190

2- اجتماع

سبعة أشخاص، أحدهم الإمام، و إن كان تصح صلاة الجمعة من خمسة نفر أحدهم الإمام إلا أنه حينئذ لا يجب الحضور معهم.

3- وجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة من العدالة و غيرها- على ما نذكرها في صلاة الجماعة- و اعتبار بسط اليد في الإمام لا يخلو من وجه و الأحوط استحبابا مع عدمه عدم الاكتفاء بها.

الخامس: تعتبر في صحة صلاة الجمعة أمور:

1- الجماعة، فلا تصح الجمعة فرادى و يجزي فيها إدراك الإمام في الركوع الأول بل في القيام من الركعة الثانية فيأتي مع الإمام بركعة و بعد فراغه يأتي بركعة أخرى. و أما لو أدركه في ركوع الركعة الثانية فالأحوط عندئذ عدم الاكتفاء به و الإتيان بصلاة الظهر بعدها.

2- أن لا تكون المسافة بينها و بين صلاة جمعة أخرى أقل من فرسخ فلو أقيمت جمعتان فيما دون فرسخ بطلتا جميعا إن كانتا مقترنتين زمانا، و أما إذا كانت إحداهما سابقة على الأخرى و لو بتكبيرة الإحرام صحت السابقة دون اللاحقة، نعم إذا كانت إحدى الصلاتين فاقدة لشرائط الصحة فهي لا تمنع عن إقامة صلاة جمعة أخرى و لو كانت في عرضها أو متأخرة عنها.

3- قراءة خطبتين قبل الصلاة- على ما تقدم- و الأحوط أن تكون الخطبتان بعد الزوال، و لا بد أن يكون الخطيب هو الإمام.

السادس: إذا أقيمت الجمعة في بلد واجدة لشرائط الوجوب و الصحة وجب الحضور على الأحوط، نعم لا يجب الحضور حالة الخطبة على الأظهر.

السابع: يعتبر في وجوب الحضور أمور:

1- الذكورة، فلا يجب الحضور على النساء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 191

2- الحرية، فلا يجب على العبيد.

3- الحضور، فلا يجب على المسافر سواء في ذلك المسافر الذي وظيفته القصر و من كانت وظيفته

الإتمام كالقاصد لإقامة عشرة أيام.

4- السلامة من المرض و العمى، فلا يجب على المريض و الأعمى.

5- عدم الشيخوخة، فلا يجب على الشيخ الكبير.

6- أن لا يكون الفصل بينه و بين المكان الذي تقام فيه الجمعة أزيد من فرسخين، كما لا يجب على من كان الحضور له حرجيا و إن لم يكن الفصل بهذا المقدار، بل لا يبعد عدم وجوب الحضور عند المطر و إن لم يكن الحضور حرجيا.

الثامن: الأحوط عدم السفر بعد زوال الشمس يوم الجمعة من بلد تقام فيه الجمعة واجدة للشرائط.

التاسع: لا يجوز التكلم أثناء اشتغال الإمام بالخطبة، و الأحوط الاصغاء إليها لمن يفهم معناها.

العاشر: يحرم البيع و الشراء بعد النداء لصلاة الجمعة إذا كانا منافيين للصلاة، و لكن الأظهر صحة المعاملة و إن كانت محرّمة.

الحادي عشر: من يجب عليه الحضور إذا تركه و صلى صلاة الظهر فالأظهر صحة صلاته.

الثاني عشر: من لا يجب عليه الحضور كالمرأة و المسافر و نحوهما إذا صلّى صلاة الجمعة فيكتفي بها و لا يجب عليه إتيان صلاة الظهر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 192

المبحث الثالث منافيات الصلاة

اشارة

و هي أمور:

الأول: الحدث، سواء أ كان أصغر، أم أكبر، فإنه مبطل للصلاة أينما وقع في أثنائها عمدا أو سهوا، نعم إذا وقع قبل السلام سهوا يعني كان ناسيا للسلام حتى أحدث و لو عمدا فقد تقدم أن الظاهر صحة صلاته، و يستثنى من الحكم المذكور المسلوس و المبطون و نحوهما، و المستحاضة كما تقدم.

الثاني: الالتفات بكل البدن عن القبلة و لو سهوا، أو قهرا، من ريح أو نحوها، و الساهي إن لم يذكره إلا بعد خروج الوقت لم يجب عليه القضاء، أما إذا ذكره في الوقت أعاد، إلا إذا كان لم يبلغ

إحدى نقطتي اليمين و اليسار فلا إعادة- حينئذ- فضلا عن القضاء، و يلحق بالالتفات بالبدن الالتفات بالوجه خاصة مع بقاء البدن على استقباله إذا كان الالتفات فاحشا فيجري فيه ما ذكرناه من البطلان في فرض العمد، و عدم وجوب القضاء مع السهو إذا كان التذكر خارج الوقت، و وجوب الإعادة إذا كان التذكر في الوقت و كان انحراف الوجه بلغ نقطتي اليمين و اليسار، و أما إذا كان الالتفات بالوجه يسيرا يصدق معه الاستقبال فلا بطلان و لو كان عمدا، نعم هو مكروه.

الثالث: ما كان ماحيا لصورة الصلاة في نظر أهل الشرع، كالرقص و التصفيق، و الاشتغال بمثل الخياطة و النساجة بالمقدار المعتد به، و نحو ذلك، و لا فرق في البطلان به بين صورتي العمد و السهو، و لا بأس بمثل حركة اليد، و الإشارة بها، و الانحناء لتناول شي ء من الأرض، و المشي إلى إحدى الجهات بلا انحراف عن القبلة، و قتل الحية، و العقرب، و حمل الطفل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 193

و إرضاعه، و نحو ذلك مما لا يعد منافيا للصلاة عندهم.

(مسألة 669): الظاهر بطلان الصلاة فيما إذا أتى في أثنائها بصلاة أخرى، و تصح الصلاة الثانية مع السهو، و كذلك مع العمد إذا كانت الصلاة الأولى نافلة، و أما إذا كانت فريضة ففي صحتها إشكال و إذا أدخل صلاة فريضة في أخرى سهوا و تذكر في الأثناء فإن كان التذكر قبل الركوع أتم الأولى، إلا إذا كانت الأولى مضيقة فيرفع اليد عما في يده و يستأنف الأولى. نعم إن استمر في الثانية فتصح صلاته و إن أثم بتأخير الأولى.

(مسألة 670): إذا أتى بفعل كثير، أو سكوت طويل، و شك

في فوات الموالاة و محو الصورة قطع الصلاة و استأنفها و الأحوط إعادتها بعد إتمامها.

الرابع: الكلام عمدا، إذا كان مؤلفا من حرفين، و يلحق به الحرف الواحد المفهم مثل (ق)- فعل أمر من الوقاية- فتبطل الصلاة به بل الظاهر قدح الحرف الواحد غير المفهم أيضا، مثل حروف المباني التي تتألف منها الكلمة، أو حروف المعاني، مثل همزة الاستفهام، و لام الاختصاص.

(مسألة 671): لا تبطل الصلاة بالتنحنح و النفخ، و الأنين، و التأوه و نحوها و إذا قال: آه، أو آه من ذنوبي، فإن كان شكاية إليه تعالى لم تبطل، و إلا بطلت.

(مسألة 672): لا فرق في الكلام المبطل عمدا، بين أن يكون مع مخاطب أو لا، و بين أن يكون مضطرا فيه أو مختارا، نعم لا بأس بالتكلم سهوا و لو لاعتقاد الفراغ من الصلاة.

(مسألة 673): لا بأس بالذكر، و الدعاء، و قراءة القرآن في جميع أحوال الصلاة، و أما الدعاء بالمحرم فالظاهر عدم البطلان به و إن كانت الإعادة أحوط.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 194

(مسألة 674): إذا لم يكن الدعاء مناجاة له سبحانه، بل كان المخاطب غيره كما إذا قال لشخص «غفر اللّه لك» فالأحوط إن لم يكن أقوى عدم جوازه.

(مسألة 675): الظاهر عدم جواز تسميت العاطس في الصلاة.

[السلام على المصلي و رده]

(مسألة 676): لا يجوز للمصلي ابتدأ السلام و لا غيره من أنواع التحية، نعم يجوز رد السلام بل يجب، و إذا لم يرد و مضى في صلاته صحت و إن أثم.

(مسألة 677): يجب أن يكون رد السلام في أثناء الصلاة بمثل ما سلم فلو قال المسلم: «سلام عليكم» يجب أن يكون جواب المصلي «سلام عليكم»، بل الأحوط وجوبا المماثلة في التعريف، و التنكير و

الافراد، و الجمع، نعم إذا سلم المسلم بصيغة الجواب بأن قال مثلا: عليك السلام جاز الرد بأي صيغة كان، و أما في غير حال الصلاة فيستحب الرد بالأحسن فيقول في سلام عليكم: عليكم السلام، أو بضميمة و رحمة اللّه و بركاته.

(مسألة 678): إذا سلم بالملحون وجب الجواب، و الأحوط كونه صحيحا.

(مسألة 679): إذا كان المسلم صبيا مميزا، أو امرأة، فالظاهر وجوب الرد.

(مسألة 680): يجب إسماع رد السلام في حال الصلاة و غيرها إلا أن يكون المسلم أصم، أو كان بعيدا و لو بسبب المشي سريعا، و حينئذ فالأولى الجواب على النحو المتعارف في الرد.

(مسألة 681): إذا كانت التحية بغير السلام مثل: «صبحك اللّه بالخير» لم يجب الرد و إن كان أحوط و أولى، و إذا أراد الرد في الصلاة فالأحوط- وجوبا- الرد بقصد الدعاء على نحو يكون المخاطب به اللّه تعالى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 195

مثل: «اللهم صبحه بالخير».

(مسألة 682): يكره السلام على المصلي.

(مسألة 683): إذا سلم واحد على جماعة كفى رد واحد منهم، و إذا سلم واحد على جماعة منهم المصلي فرد واحد منهم لم يجز له الرد، و إن كان الراد صبيا مميزا فالأحوط الرد و الإعادة، و إذا شك المصلي في أن المسلم قصده مع الجماعة لم يجز الرد و إن لم يرد واحد منهم.

(مسألة 684): إذا سلم مرات عديدة كفى في الجواب مرة، و إذا سلم بعد الجواب احتاج أيضا إلى الجواب من دون فرق بين المصلي و غيره.

(مسألة 685): إذا سلم على شخص مردد بين شخصين، لم يجب على واحد منهما الرد، و في الصلاة لا يجوز الرد.

(مسألة 686): إذا تقارن شخصان في السلام، وجب على كل منهما

الرد على الآخر على الأحوط.

(مسألة 687): إذا سلم سخرية، أو مزاحا، فالظاهر عدم وجوب الرد.

(مسألة 688): إذا قال: سلام، بدون عليكم، فالأحوط في الصلاة الجواب بذلك أيضا.

(مسألة 689): إذا شك المصلي في أن السلام كان بأي صيغة فالظاهر جواز الجواب بكل من الصيغ الأربع المتعارفة.

(مسألة 690): يجب رد السلام فورا، فإذا أخر عصيانا أو نسيانا حتى خرج عن صدق الجواب لم يجب الرد، و في الصلاة لا يجوز و إذا شك في الخروج عن الصدق وجب على الأحوط و إن كان في الصلاة فالأحوط الرد و إعادة الصلاة بعد الإتمام.

(مسألة 691): لو اضطر المصلي إلى الكلام في الصلاة لدفع الضرر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 196

عن النفس، أو غيره تكلم و بطلت صلاته.

(مسألة 692): إذا ذكر اللّه تعالى في الصلاة، أو دعا أو قرأ القرآن على غير وجه العبادة بل بقصد التنبيه على أمر من دون قصد القربة لم تبطل الصلاة، نعم لو لم يقصد الذكر، و لا الدعاء، و لا القرآن، و إنما جرى على لسانه مجرد التلفظ بطلت.

الخامس: القهقهة: و هي الضحك المشتمل على الصوت و الترجيع و لا بأس بالتبسم و بالقهقهة سهوا.

(مسألة 693): لو امتلأ جوفه ضحكا و احمرّ و لكن حبس نفسه عن إظهار الصوت لم تبطل صلاته، و الأحوط- استحبابا- الاتمام و الإعادة.

السادس: تعمد البكاء المشتمل على الصوت، بل غير المشتمل عليه على الأحوط وجوبا، إذا كان لأمور الدنيا، أو لذكر ميت، فإذا كان خوفا من اللّه تعالى، أو شوقا إلى رضوانه، أو تذللا له تعالى، و لو لقضاء حاجة دنيوية، فلا بأس به، و كذا ما كان منه على سيد الشهداء عليه السّلام إذا كان راجعا إلى

الآخرة، كما لا بأس به إذا كان سهوا، أما إذا كان اضطرارا بأن غلبه البكاء فلم يملك نفسه، فالظاهر أنه مبطل أيضا.

السابع: الأكل و الشرب، و إن كانا قليلين، إذا كانا ماحيين للصورة، أما إذا لم يكونا كذلك ففي البطلان بهما إشكال، و لا بأس بابتلاع السكر المذاب في الفم، و بقايا الطعام، و لو أكل أو شرب سهوا فإن بلغ حد محو الصورة بطلت صلاته كما تقدم، و إن لم يبلغ ذلك فلا بأس به.

(مسألة 694): يستثنى من ذلك ما إذا كان عطشانا مشغولا في دعاء الوتر، و قد نوى أن يصوم، و كان الفجر قريبا يخشى مفاجأته، و الماء أمامه، أو قريبا منه قدر خطوتين، أو ثلاثا، فإنه يجوز له التخطي و الارتواء ثمّ الرجوع إلى مكانه و يتم صلاته و الأحوط الاقتصار على الوتر المندوب دون

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 197

ما كان واجبا كالمنذور، و لا يبعد التعدي من الدعاء إلى سائر الأحوال، كما لا يبعد التعدي من الوتر إلى سائر النوافل، و لا يجوز التعدي من الشرب إلى الأكل.

الثامن: التكفير، و هو وضع إحدى اليدين على الأخرى، كما يتعارف عند غيرنا، فإنه مبطل للصلاة إذا أتى به بقصد الجزئية من الصلاة و أما إذا لم يقصد به الجزئية، بل أتى به بقصد الخضوع، و التأدب في الصلاة ففي بطلان الصلاة به إشكال، و الأحوط وجوبا الإتمام ثمّ الإعادة، نعم هو حرام حرمة تشريعية مطلقا، هذا فيما إذا وقع التكفير عمدا و في حال الاختيار، و أما إذا وقع سهوا أو تقية، أو كان الوضع لغرض آخر غير التأدب، من حك جسده و نحوه، فلا بأس به.

التاسع: تعمد قول «آمين»

بعد تمام الفاتحة، إماما كان أو مأموما أو منفردا، أخفت بها، أو جهر، فإنه مبطل إذا قصد الجزئية، أو لم يقصد به الدعاء، و إذا كان سهوا فلا بأس به، و كذا إذا كان تقية، بل قد يجب، و إذا تركه حينئذ أثم و صحت صلاته على الأظهر.

(مسألة 695): إذا شك بعد السلام في أنه أحدث في أثناء الصلاة أو فعل ما يوجب بطلانها، بنى على العدم.

(مسألة 696): إذا علم أنه نام اختيارا، و شك في أنه أتم الصلاة ثمّ نام، أو نام في أثنائها غفلة عن كونه في الصلاة، بنى على صحة الصلاة، و أما إذا احتمل أن نومه كان عن عمد، و إبطالا منه للصلاة فالظاهر وجوب الإعادة، و كذلك إذا علم أنه غلبه النوم قهرا، و شك في أنه كان في أثناء الصلاة، أو بعدها، كما إذا رأى نفسه في السجود و شك في أنه سجود الصلاة، أو سجود الشكر.

(مسألة 697): لا يجوز قطع الفريضة اختيارا على الأحوط، و يجوز

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 198

لضرورة دينية، أو دنيوية، كحفظ المال، و أخذ العبد من الاباق، و الغريم من الفرار، و الدابة من الشراد، و نحو ذلك، بل لا يبعد جوازه لأي غرض يهتم به دينيا كان، أو دنيويا، و إن لم يلزم من فواته ضرر، فإذا صلى في المسجد و في الأثناء علم أنّ فيه نجاسة، جاز القطع و إزالة النجاسة، و يجوز قطع النافلة مطلقا، و إن كانت منذورة، لكن الأحوط استحبابا الترك، بل الأحوط استحبابا ترك قطع النافلة في غير مورد جواز قطع الفريضة.

(مسألة 698): إذا وجب القطع فتركه، و اشتغل بالصلاة أثم، و صحت صلاته.

(مسألة 699): يكره

في الصلاة الالتفات بالوجه قليلا و بالعين و العبث باليد، و اللحية و الرأس، و الأصابع، و القران بين السورتين، و نفخ موضع السجود، و البصاق، و فرقعة الأصابع، و التمطي و التثاؤب، و مدافعة البول و الغائط و الريح، و التكاسل و التناعس، و التثاقل و الامتخاط، و وصل إحدى القدمين بالأخرى بلا فصل بينهما، و تشبيك الأصابع، و لبس الخف، أو الجورب الضيق، و حديث النفس، و النظر إلى نقش الخاتم و المصحف و الكتاب، و وضع اليد على الورك متعمدا، و غير ذلك مما ذكر في المفصلات.

[استحباب الصلاة على النبي ص]

ختام: تستحب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله لمن ذكره أو ذكر عنده، و لو كان في الصلاة، من دون فرق بين ذكره باسمه الشريف، أو لقبه، أو كنيته، أو بالضمير.

(مسألة 700): إذا ذكر اسمه مكررا استحب تكرارها، و إن كان في أثناء التشهد لم يكتف بالصلاة التي هي جزء منه.

(مسألة 701): الظاهر كون الاستحباب على الفور، و لا يعتبر فيها كيفية خاصة، نعم لا بد من ضم آله عليهم السلام إليه في الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله و سلم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 199

المقصد السادس صلاة الآيات

اشارة

و فيه مباحث

المبحث الأول [وجوب صلاة الآيات]

تجب هذه الصلاة على كل مكلف- عدا الحائض و النفساء- عند كسوف الشمس، و خسوف القمر، و لو بعضهما، و كذا عند الزلزلة، و كل مخوف سماوي، كالريح السوداء، و الحمراء، و الصفراء، و الظلمة الشديدة، و الصاعقة، و الصيحة، و النار التي تظهر في السماء، بل عند كل مخوف أرضي أيضا على الأحوط، كالهدة، و الخسف، و غير ذلك من المخاوف.

(مسألة 702): لا يعتبر الخوف في وجوب الصلاة للكسوف و الخسوف و كذا الزلزلة على الأقوى، و يعتبر في وجوبها للمخوف حصول الخوف لغالب الناس، فلا عبرة بغير المخوف، و لا بالخوف النادر.

المبحث الثاني: وقت صلاة الكسوفين

وقت صلاة الكسوفين من حين الشروع في الانكساف إلى تمام الانجلاء و الأحوط استحبابا إتيانها قبل الشروع في الانجلاء، و إذا لم يدرك المصلي من الوقت إلا مقدار ركعة صلاها أداء، و إن أدرك أقل من ذلك صلاها من دون تعرض للأداء و القضاء، هذا فيما إذا كان الوقت في نفسه واسعا و أما إذا كان زمان الكسوف، أو الخسوف قليلا في نفسه، و لا يسع مقدار الصلاة، ففي

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 200

وجوب صلاة الآيات حينئذ إشكال، و الاحتياط لا يترك، و أما سائر الآيات فثبوت الوقت فيها محل إشكال، فتجب المبادرة إلى الصلاة بمجرد حصولها، و إن عصى فبعده إلى آخر العمر، على الأحوط.

(مسألة 703): إذا لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء، و لم يكن القرص محترقا كله لم يجب القضاء، و أما إذا كان عالما به و أهمل و لو نسيانا أو كان القرص محترقا كله وجب القضاء، و كذا إذا صلى صلاة فاسدة.

(مسألة 704): غير الكسوفين من الآيات إذا تعمد تأخير الصلاة له عصى، و

وجب الإتيان بها ما دام العمر على الأحوط، و كذا إذا علم و نسي، و إذا لم يعلم حتى مضى الوقت، أو الزمان المتصل بالآية فالأحوط الوجوب أيضا.

(مسألة 705): يختص الوجوب بمن في بلد الآية، و ما يلحق به مما يشترك معه في رواية الآية نوعا، و لا يضر الفصل بالنهر كدجلة و الفرات، نعم إذا كان البلد عظيما جدا بنحو لا يحصل الرؤية لطرف منه عند وقوع الآية في الطرف الآخر اختص الحكم بطرف الآية.

(مسألة 706): إذا حصل الكسوف في وقت فريضة يومية و اتسع وقتهما تخير في تقديم أيهما شاء، و إن ضاق وقت إحداهما دون الأخرى قدمها، و إن ضاق وقتهما قدم اليومية، و إن شرع في إحداهما فتبين ضيق وقت الأخرى على وجه يخاف فوتها على تقدير إتمامها، قطعها و صلى الأخرى، لكن إذا كان قد شرع في صلاة الآية فتبين ضيق اليومية فبعد القطع و أداء اليومية يعود إلى صلاة الآية من محل القطع، إذا لم يقع منه مناف غير الفصل باليومية.

(مسألة 707): يجوز قطع صلاة الآية و فعل اليومية إذا خاف فوت فضيلتها ثمّ يعود إلى صلاة الآية من محل القطع.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 201

المبحث الثالث [كيفية صلاة الآيات]

اشارة

صلاة الآيات ركعتان، في كل واحدة خمسة ركوعات ينتصب بعد كل واحد منها، و سجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس، و يتشهد بعدهما ثمّ يسلم، و تفصيل ذلك أن يحرم مقارنا للنية كما في سائر الصلوات. ثمّ يقرأ الحمد و سورة. ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه منتصبا فيقرأ الحمد و سورة، ثمّ يركع، و هكذا حتى يتم خمسة ركوعات، ثمّ ينتصب بعد الركوع الخامس، و يهوي إلى السجود، فيسجد سجدتين ثمّ يقوم

و يصنع كما صنع أولا، ثمّ يتشهد و يسلم.

(مسألة 708): يجوز أن يفرق سورة واحدة على الركوعات الخمسة، فيقرأ بعد الفاتحة في القيام الأول، بعضا من سورة، آية كان أو أقل من آية، أو أكثر، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ بعضا آخر من حيث قطع أولا، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ بعضا آخر من حيث قطع ثمّ يركع.

و هكذا يصنع في القيام الرابع و الخامس حتى يتم سورة، ثمّ يسجد السجدتين، ثمّ يقوم و يصنع كما صنع في الركعة الأولى، فيكون قد قرأ في كل ركعة فاتحة واحدة، و سورة تامة موزعة على الركوعات الخمسة، و يجوز أن يأتي بالركعة الأولى على النحو الأول و بالثانية على النحو الثاني و يجوز العكس، كما أنه يجوز تفريق السورة على أقل من خمسة ركوعات، لكن يجب عليه في القيام اللاحق لانتهاء السورة الابتداء بالفاتحة و قراءة سورة تامة أو بعض سورة، و إذا لم يتم السورة في القيام السابق، لم تشرع له الفاتحة في اللاحق، بل يقتصر على القراءة من حيث قطع، نعم إذا لم يتم السورة في القيام الخامس فركع فيه عن بعض سورة و جبت عليه قراءة الفاتحة بعد القيام للركعة الثانية.

(مسألة 709): حكم هذه الصلاة حكم الثنائية في البطلان بالشك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 202

في عدد الركعات، و إذا شك في عدد الركوعات بنى على الأقل، إلا أن يرجع إلى الشك في الركعات، كما إذا شك في أنه الخامس أو السادس فتبطل.

(مسألة 710): ركوعات هذه الصلاة أركان تبطل بزيادتها، و نقصها عمدا، و سهوا كاليومية، و يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة اليومية من أجزاء و شرائط، و

أذكار، واجبة، و مندوبة و غير ذلك. كما يجري فيها أحكام السهو، و الشك في المحل و بعد التجاوز.

[مستحبات صلاة الآيات]

(مسألة 711): يستحب فيها القنوت بعد القراءة قبل الركوع في كل قيام زوج، و يجوز الاقتصار على قنوتين في الخامس و العاشر، و يجوز الاقتصار على الأخير منهما، و يستحب التكبير عند الهوي إلى الركوع و عند الرفع عنه، إلا في الخامس و العاشر فيقول: «سمع اللّه لمن حمده» بعد الرفع من الركوع.

(مسألة 712): يستحب إتيانها بالجماعة أداء كان، أو قضاء مع احتراق القرص، و عدمه، و يتحمل الإمام فيها القراءة، لا غيرها كاليومية و تدرك بإدراك الإمام قبل الركوع الأول، أو فيه من كل ركعة، أما إذا أدركه في غيره ففيه إشكال.

(مسألة 713): يستحب التطويل في صلاة الكسوف إلى تمام الانجلاء فإن فرغ قبله جلس في مصلاه مشتغلا بالدعاء، أو يعيد الصلاة، نعم إذا كان إمام يشق على من خلفه التطويل خفف، و يستحب قراءة السور الطوال كياسين، و النور، و الكهف، و الحجر، و إكمال السورة في كل قيام، و أن يكون كل من الركوع، و السجود بقدر القراءة في التطويل و الجهر بالقراءة ليلا، أو نهارا، حتى في كسوف الشمس على الأصح، و كونها تحت السماء، و كونها في المسجد.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 203

(مسألة 714): يثبت الكسوف و غيره من الآيات بالعلم، و بشهادة العدلين، بل بشهادة الثقة الواحد أيضا على الأظهر، و لا يثبت بإخبار الرصدي إذا لم يوجب العلم أو الاطمينان.

(مسألة 715): إذا تعدد السبب تعدد الواجب، و الأحوط استحبابا التعيين مع اختلاف السبب نوعا، كالكسوف و الزلزلة.

المقصد السابع صلاة القضاء

يجب قضاء الصلاة اليومية التي فاتت في وقتها عمدا، أو سهوا، أو جهلا، أو لأجل النوم المستوعب للوقت، أو لغير ذلك، و كذا إذا أتى بها فاسدة لفقد جزء أو

شرط يوجب فقده البطلان، و لا يجب قضاء ما تركه المجنون في حال جنونه، أو الصبي في حال صباه، أو المغمى عليه إذا لم يكن بفعله، أو الكافر الأصلي في حال كفره، و كذا ما تركته الحائض أو النفساء مع استيعاب المانع تمام الوقت، أما المرتد فيجب عليه قضاء ما فاته حال الارتداد بعد توبته، و تصح منه و إن كان عن فطرة على الأقوى و الأحوط وجوبا القضاء على المغمى عليه إذا كان بفعله.

(مسألة 716): إذا بلغ الصبي، و أفاق المجنون، و المغمى عليه، في أثناء الوقت وجب عليهم الأداء إذا أدركوا مقدار ركعة مع الشرائط فإذا تركوا وجب القضاء، و أما الحائض، أو النفساء إذا طهرت في أثناء الوقت فإن تمكنت من الصلاة و الطهارة المائية وجب عليها الأداء، فإن فاتها وجب القضاء، و كذلك إن لم تتمكن من الطهارة المائية لمرض، أو لعذر آخر و تمكنت من الطهارة الترابية، و أما إذا لم تتمكن من الطهارة المائية لضيق

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 204

الوقت فالأحوط أن تأتي بالصلاة مع التيمم، لكنها إذا لم تصلّ لم يجب القضاء.

(مسألة 717): إذا طرأ الجنون، أو الإغماء بعد ما مضى من الوقت مقدار يسع الصلاة وجب القضاء فيما إذا كان متمكنا من تحصيل الشرائط بعد الوقت أو كانت الشرائط حاصلة عند دخوله أو كان متمكنا من الصلاة مع الطهارة المائية أو الترابية فقط و علم أو احتمل بأنه لو لم يصلّ طرأ العذر و كذا الحال فيما إذا طرأ الحيض أو النفاس.

(مسألة 718): المخالف إذا استبصر يقضي ما فاته أيام خلافه أو أتى به على نحو كان يراه فاسدا في مذهبه، و إلا فليس عليه

قضاؤه و الأحوط استحبابا الإعادة مع بقاء الوقت، و لا فرق بين المخالف الأصلي و غيره.

(مسألة 719): يجب القضاء على السكران، من دون فرق بين الاختياري، و غيره، و الحلال و الحرام.

(مسألة 720): يجب قضاء غير اليومية من الفرائض، عدا العيدين حتى النافلة المنذورة في وقت معين، على الأظهر.

(مسألة 721): يجوز القضاء في كل وقت من الليل و النهار، و في الحضر و السفر، نعم يقضي ما فاته قصرا قصرا و لو في الحضر، و ما فاته تماما تماما و لو في السفر، و إذا كان في بعض الوقت حاضرا، و في بعضه مسافرا قضى ما وجب عليه في آخر الوقت.

(مسألة 722): إذا فاتته الصلاة في بعض أماكن التخيير قضى قصرا، و لو لم يخرج من ذلك المكان، فضلا عما إذا خرج و رجع، أو خرج و لم يرجع، و إذا كان الفائت مما يجب فيه الجمع بين القصر و التمام احتياطا، فالقضاء كذلك.

(مسألة 723): يستحب قضاء النوافل الرواتب بل غيرها، و لا يتأكد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 205

قضاء ما فات منها حال المرض، و إذا عجز عن قضاء الرواتب استحب له الصدقة عن كل ركعتين بمد، و إن لم يتمكن فمد لصلاة الليل، و مد لصلاة النهار.

(مسألة 724): لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت غير اليومية لا بعضها مع بعض و لا بالنسبة إلى اليومية، و أما الفوائت اليومية فيجب الترتيب بينها إذا كانت مترتبة بالأصل كالظهرين، أو العشاءين، من يوم واحد، أما إذا لم تكن كذلك فاعتبار الترتيب بينها في القضاء على نحو الترتيب في الفوات، بأن يقضي الأول فواتا فالأول محل إشكال، و الأظهر عدم الاعتبار، من دون فرق بين

العلم به و الجهل.

(مسألة 725): إذا علم أن عليه إحدى الصلوات الخمس يكفيه صبح، و مغرب، و رباعية بقصد ما في الذمة، مرددة بين الظهر، و العصر، و العشاء. و إذا كان مسافرا يكفيه مغرب، و ثنائية بقصد ما في الذمة مرددة بين الأربع، و إن لم يعلم أنه كان مسافرا، أو حاضرا، يأتي بثنائية مرددة بين الأربع، و رباعية مرددة بين الثلاث، و مغرب، و يتخير في المرددة في جميع الفروض بين الجهر و الاخفات.

(مسألة 726): إذا علم أن عليه اثنتين من الخمس، مرددتين في الخمس من يوم وجب عليه الإتيان بأربع صلوات، فيأتي بصبح، ثمّ رباعية مرددة بين الظهر، و العصر، ثمّ مغرب، ثمّ رباعية مرددة بين العصر و العشاء. و إن كان مسافرا، يكفيه ثلاث صلوات ثنائية، مرددة بين الصبح و الظهر، و العصر، و مغرب، ثمّ ثنائية مرددة بين الظهر و العصر، و العشاء، و إن لم يعلم أنه كان مسافرا، أو حاضرا، أتى بخمس صلوات، فيأتي بثنائية مرددة بين الصبح، و الظهر، و العصر، ثمّ رباعية مرددة بين الظهر، و العصر، ثمّ بمغرب، ثمّ بثنائية مرددة بين الظهر و العصر، و العشاء، ثمّ برباعية مرددة بين العصر، و العشاء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 206

(مسألة 727): إذا علم أن عليه ثلاثا من الخمس، وجب عليه الإتيان بالخمس، و إن كان الفوت في السفر، يكفيه أربع صلوات ثنائية، مرددة بين الصبح، و الظهر، و ثنائية أخرى، مرددة بين الظهر، و العصر، ثمّ مغرب، ثمّ ثنائية، مرددة بين العصر، و العشاء، و إذا علم بفوات أربع منها، أتى بالخمس تماما، إذا كان في الحضر، و قصرا إذا كان في السفر، و يعلم

حال بقية الفروض مما ذكرنا، و المدار في الجمع على حصول العلم بإتيان ما اشتغلت به الذمة و لو على وجه الترديد.

(مسألة 728): إذا شك في فوات فريضة، أو فرائض لم يجب القضاء، و إذا علم بالفوات و تردد بين الأقل و الأكثر جاز له الاقتصار على الأقل، و إن كان الأحوط استحبابا التكرار حتى يحصل العلم بالفراغ.

(مسألة 729): لا يجب الفور في القضاء، فيجوز التأخير ما لم يحصل التهاون في تفريغ الذمة.

(مسألة 730): لا يجب تقديم القضاء على الحاضرة، فيجوز الإتيان بالحاضرة لمن عليه القضاء و لو كان ليومه، بل يستحب ذلك إذا خاف فوت فضيلة الحاضرة، و إلا استحب تقديم الفائتة، و إن كان الأحوط تقديم الفائتة، خصوصا في فائتة ذلك اليوم، بل يستحب العدول إليها من الحاضرة إذا غفل و شرع فيها.

(مسألة 731): يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى.

(مسألة 732): يجوز الإتيان بالقضاء جماعة، سواء أ كان الإمام قاضيا- أيضا- أم مؤديا، بل يستحب ذلك، و لا يجب اتحاد صلاة الإمام و المأموم.

(مسألة 733): يجب لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 207

العذر، فيما إذا علم بارتفاع العذر بعد ذلك، و يجوز البدار، إذا علم بعدم ارتفاعه إلى آخر العمر، بل إذا احتمل بقاء العذر و عدم ارتفاعه أيضا، لكن إذا قضى و ارتفع العذر و جبت الإعادة، فيما إذا كان الخلل في الأركان، و لا تجب الإعادة إذا كان الخلل في غيرها.

(مسألة 734): إذا كان عليه فوائت و أراد أن يقضيها في دور واحد أذّن و أقام للأولى، و اقتصر على الاقامة في البواقي، و الظاهر أن السقوط رخصة.

(مسألة 735): يستحب تمرين الطفل

على أداء الفرائض، و النوافل و قضائها، بل على كل عبادة، و الأقوى مشرعية عباداته كصلاته و صومه و نحوها، فإذا بلغ في أثناء الوقت و قد صلى أجزأت.

(مسألة 736): يجب على الولي حفظ الطفل عن كل ما فيه خطر على نفسه، و عن كل ما علم من الشرع كراهة وجوده و لو من الصبي كالزنا، و اللواط، و شرب الخمر، و النميمة و نحوها، و في وجوب الحفظ عن أكل النجاسات، و المتنجسات، و شربها، إذا لم تكن مضرة، إشكال لا يترك الاحتياط فيما إذا خيف تعوّده على ذلك بحيث يتهاون بعد بلوغه في أكلها و شربها، و يجوز إلباسهم الحرير و الذهب.

(مسألة 737): يجب على ولي الميت و هو الولد الذكر الأكبر حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الفرائض اليومية و غيرها، لعذر من مرض و نحوه، و لا يبعد اختصاص وجوب القضاء بما إذا تمكن أبوه من قضائه و لم يقضه، و الأحوط استحبابا إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث بالابن، و الأحوط احتياطا لا يترك إلحاق ما فاته عمدا، أو أتى به فاسدا بما فاته من عذر، ما لم يستلزم الحرج و الاختلال في نظام معاش الولد، و الأولى إلحاق الأم بالأب.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 208

(مسألة 738): إذا كان الولي حال الموت صبيا، أو مجنونا وجب عليه القضاء إذا بلغ، أو عقل.

(مسألة 739): إذا تساوى الذكران في السن وجب عليهما على نحو التوزيع مع إمكانه كما إذا تعدد الفائت، و على نحو الوجوب الكفائي مع عدم إمكانه كما إذا اتحد أو كان وترا.

(مسألة 740): إذا اشتبه الأكبر بين شخصين، أو أشخاص فالأحوط

الأولى العمل على نحو الوجوب الكفائي.

(مسألة 741): لا يجب على الولي قضاء ما فات الميت مما وجب عليه أداؤه عن غيره باجارة، أو غيرها.

(مسألة 742): قيل يجب القضاء على الولي و لو كان ممنوعا عن الإرث بقتل، أو رق، أو كفر و لكن لا يبعد اختصاص الوجوب بغيره.

(مسألة 743): إذا مات الأكبر بعد موت أبيه، لا يجب القضاء على غيره، من اخوته الأكبر فالأكبر، و لا يجب إخراجه من تركته.

(مسألة 744): إذا تبرع شخص عن الميت سقط عن الولي و كذا إذا استأجره الولي، أو الوصي عن الميت بالاستئجار من ماله و قد عمل الأجير، أما إذا لم يعمل لم يسقط.

(مسألة 745): إذا شك في فوات شي ء من الميت لم يجب القضاء و إذا شك في مقداره جاز له الاقتصار على الأقل.

(مسألة 746): إذا لم يكن للميت ولي، أو فاته ما لا يجب على الولي قضاؤه، فالأقوى عدم وجوب القضاء عنه من صلب المال و إن كان القضاء أحوط استحبابا بالنسبة إلى غير القاصرين من الورثة.

(مسألة 747): المراد من الأكبر من لا يوجد أكبر منه سنا و إن وجد من هو أسبق منه بلوغا، أو أسبق انعقادا للنطفة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 209

(مسألة 748): لا يجب الفور في القضاء عن الميت ما لم يبلغ حد الإهمال.

(مسألة 749): إذا علم أن على الميت فوائت، و لكن لا يدري أنها فاتت لعذر من مرض، أو نحوه، أو لا لعذر، فالأحوط لزوما القضاء.

(مسألة 750): في أحكام الشك و السهو يراعي الولي تكليف نفسه اجتهادا، أو تقليدا، و كذا في أجزاء الصلاة و شرائطها.

(مسألة 751): إذا مات في أثناء الوقت بعد مضي مقدار الصلاة بحسب حاله قبل أن

يصلي، وجب على الولي قضاؤها على الأحوط الأولى.

المقصد الثامن صلاة الاستئجار

لا تجوز النيابة عن الأحياء في الواجبات و لو مع عجزهم عنها، إلا في الحج إذا كان مستطيعا و كان عاجزا عن المباشرة، فيجب أن يستنيب من يحج عنه، و تجوز النيابة عنهم في مثل الحج المندوب و زيارة قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و قبور الأئمة عليهم السّلام، بل تجوز النيابة في جميع المستحبات رجاء، كما تجوز النيابة عن الأموات في الواجبات و المستحبات، و يجوز إهداء ثواب العمل إلى الأحياء و الأموات في الواجبات و المستحبات، كما ورد في بعض الروايات، و حكي فعله عن بعض أجلاء أصحاب الأئمة عليهم السّلام بأن يطلب من اللّه سبحانه أن يعطي ثواب عمله لآخر حي أو ميت.

(مسألة 752): يجوز الاستئجار للصلاة و لسائر العبادات عن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 210

الأموات، و تفرغ ذمتهم بفعل الأجير، من دون فرق بين كون المستأجر وصيا، أو وليا، أو وارثا، أو أجنبيا.

(مسألة 753): يعتبر في الأجير العقل، و الإيمان، و البلوغ، و يعتبر أن يكون عارفا بأحكام القضاء على وجه يصح منه الفعل، و يجب أن ينوي بعمله الإتيان بما في ذمة الميت على وجه قربي، و الأولى أن يكتفي في قصد القربة بإتيان العمل امتثالا للأمر المتوجه إلى النائب نفسه بالنيابة الذي كان استحبابيا قبل الاجارة و صار وجوبيا بعدها، و لا يبعد حصول القربة بغير ذلك أيضا.

(مسألة 754): يجوز استئجار كل من الرجل و المرأة عن الرجل و المرأة، و في الجهر و الاخفات يراعى حال الأجير، فالرجل يجهر بالجهرية و إن كان نائبا عن المرأة، و المرأة لا جهر عليها و إن نابت عن الرجل.

(مسألة

755): لا يجوز استئجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام أو عن الطهارة الخبثية، أو ذي الجبيرة، أو المسلوس، أو المتيمم إلا إذا تعذر غيرهم، بل الأظهر عدم صحة تبرعهم عن غيرهم، و إن تجدد للأجير العجز انتظر زمان القدرة.

(مسألة 756): إذا حصل للأجير شك أو سهو يعمل بأحكامهما بمقتضى تقليده أو اجتهاده، و لا يجب عليه إعادة الصلاة، هذا مع إطلاق الإجارة و إلا لزم العمل على مقتضى الاجارة، فإذا استأجره على أن يعيد مع الشك أو السهو تعين ذلك، و كذا الحكم في سائر أحكام الصلاة، فمع إطلاق الاجارة يعمل الأجير على مقتضى اجتهاده أو تقليده، و مع تقييد الاجارة يعمل على ما يقتضيه التقييد.

(مسألة 757): إذا كانت الاجارة على نحو المباشرة لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل، و لا لغيره أن يتبرع عنه فيه، أما إذا كانت

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 211

مطلقة جاز له أن يستأجر غيره، و لكن لا يجوز أن يستأجره بأقل من الأجرة في إجارة نفسه إلا إذا أتى ببعض العمل، أو يستأجره بغير جنس الأجرة.

(مسألة 758): إذا عين المستأجر للأجير مدة معينة فلم يأت بالعمل كله أو بعضه فيها لم يجز الإتيان به بعدها إلا بإذن من المستأجر و إذا أتى به بعدها بدون إذنه لم يستحق الاجرة و إن برئت ذمة المنوب عنه بذلك.

(مسألة 759): إذا تبين بطلان الاجارة بعد العمل استحق الأجير أجرة المثل، و كذا إذا فسخت لغبن أو غيره.

(مسألة 760): إذا لم تعين كيفية العمل من حيث الاشتمال على المستحبات يجب الإتيان به على النحو المتعارف.

(مسألة 761): إذا نسي الأجير بعض المستحبات و كان مأخوذا في متعلق الاجارة نقص من الاجرة بنسبته

على إشكال و الأحوط المصالحة.

(مسألة 762): إذا تردد العمل المستأجر عليه بين الأقل و الأكثر جاز الاقتصار على الأقل، و إذا تردد بين متباينين وجب الاحتياط بالجمع.

(مسألة 763): يجب تعيين المنوب عنه و لو إجمالا، مثل أن ينوي من قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك.

(مسألة 764): إذا وقعت الاجارة على تفريغ ذمة الميت فتبرع عن الميت متبرع ففرغت ذمته انفسخت الاجارة إن لم يمض زمان يتمكن الأجير فيه من الإتيان بالعمل، و إلا كان على الأجير أجرة المثل على الأحوط، أما إذا كانت الاجارة على نفس العمل عنه فلا تنفسخ فيما إذا كان العمل مشروعا بعد فراغ ذمته، فيجب على الأجير العمل على طبق الاجارة.

(مسألة 765): يجوز الإتيان بصلاة الاستئجار جماعة إماما كان الأجير أو مأموما، لكن يعتبر في صحة الجماعة، إذا كان الإمام أجيرا العلم باشتغال ذمة المنوب عنه بالصلاة، فإذا كانت احتياطية كانت الجماعة باطلة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 212

(مسألة 766): إذا مات الأجير قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه و اشترطت المباشرة فإن لم يمض زمان يتمكن الأجير من الإتيان بالعمل فيه بطلت الاجارة، و وجب على الوارث رد الأجرة المسماة من تركته و إلا كان عليه أداء أجرة مثل العمل من تركته و إن كانت أكثر من الأجرة المسماة، و إن لم تشترط المباشرة وجب على الوارث الاستئجار من تركته، كما في سائر الديون المالية، و إذا لم تكن له تركة لم يجب على الوارث شي ء و يبقى الميت مشغول الذمة بالعمل أو بالمال.

(مسألة 767): يجب على من عليه واجب من الصلاة و الصيام أن يبادر إلى القضاء إذا ظهرت أمارات الموت بل إذا لم يطمئن بالتمكن من الامتثال

إذا لم يبادر فإن عجز وجب عليه الوصية به على الأحوط، و يخرج من ثلثه كسائر الوصايا، و إذا كان عليه دين مالي للناس و لو كان مثل الزكاة و الخمس ورد المظالم وجب عليه المبادرة إلى وفائه، و لا يجوز التأخير و إن علم ببقائه حيا. و إذا عجز عن الوفاء و كانت له تركة وجب عليه الوصية بها إلى ثقة مأمون ليؤديها بعد موته، و هذه تخرج من أصل المال و إن لم يوص بها.

(مسألة 768): إذا آجر نفسه لصلاة شهر مثلا و شك بعد ذلك في أن المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر و لم يمكن الاستعلام من المؤجر وجب الاحتياط بالجمع، و كذا لو آجر نفسه لصلاة و شك في أنها الصبح أو الظهر مثلا وجب الإتيان بهما.

(مسألة 769): إذا علم أن على الميت فوائت و لم يعلم أنه أتى بها قبل موته أو لا استؤجر عنه.

(مسألة 770): إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال في يوم معين إلى الغروب فأخر حتى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات و لم يصل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 213

عصر ذلك اليوم وجب الإتيان بصلاة العصر، و للمستأجر حينئذ فسخ الاجارة و المطالبة بالأجرة المسماة، و له أن لا يفسخها و يطالب بأجرة المثل، و إن زادت على الأجرة المسماة.

(مسألة 771): الأحوط اعتبار عدالة الأجير حال الاخبار بأنه أدى ما استؤجر عليه، و إن كان الظاهر كفاية كونه ثقة في تصديقه إذا أخبر بالتأدية.

المقصد التاسع الجماعة

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول [استحباب صلاة الجماعة]

تستحب الجماعة في جميع الفرائض غير صلاة الطواف، فإن الأحوط لزوما عدم الاكتفاء فيها بالإتيان بها جماعة مؤتما، و يتأكد الاستحباب في اليومية خصوصا في الأدائية، و خصوصا في الصبح و العشاءين و لها ثواب عظيم، و قد ورد في الحث عليها و الذم على تركها أخبار كثيرة، و مضامين عالية، لم يرد مثلها في أكثر المستحبات.

(مسألة 772): تجب الجماعة في الجمعة و العيدين مع اجتماع شرائط الوجوب و هي حينئذ شرط في صحتها، و لا تجب بالأصل في غير ذلك، نعم قد تجب بالعرض لنذر أو نحوه، أو لضيق الوقت عن إدراك ركعة إلا بالائتمام، أو لعدم تعلمه القراءة مع قدرته عليها أو لغير ذلك.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 214

(مسألة 773): لا تشرع الجماعة لشي ء من النوافل الأصلية و إن وجبت بالعارض لنذر أو نحوه، حتى صلاة الغدير على الأقوى، إلا في صلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب، و صلاة الاستسقاء.

(مسألة 774): يجوز اقتداء من يصلي إحدى الصلوات اليومية بمن يصلي الأخرى، و إن اختلفا بالجهر و الاخفات، و الأداء و القضاء، و القصر و التمام و كذا مصلي الآية بمصلي الآية و إن اختلفت الآيتان، و لا يجوز اقتداء مصلي اليومية بمصلي العيدين، أو الآيات، أو صلاة الأموات، بل صلاة الطواف على الأحوط وجوبا، و كذا الحكم في العكس، كما لا يجوز الاقتداء في صلاة الاحتياط و كذا في الصلوات الاحتياطية كما في موارد العلم الإجمالي بوجوب القصر أو الإتمام إلا إذا اتحدت الجهة الموجبة للاحتياط، كأن يعلم الشخصان إجمالا لجهة واحدة بوجوب القصر أو التمام فيصليان جماعة قصرا أو تماما.

(مسألة 775): أقل عدد تنعقد به الجماعة

في غير الجمعة و العيدين اثنان أحدهما الإمام و لو كان المأموم امرأة أو صبيا على الأقوى، و أما في الجمعة و العيدين فلا تنعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام.

(مسألة 776): تنعقد الجماعة بنية المأموم للائتمام و لو كان الإمام جاهلا بذلك غير ناو للإمامة فإذا لم ينو المأموم لم تنعقد، نعم في صلاة الجمعة و العيدين مع حصول شرط الوجوب لا بد من نية الإمام للإمامة بأن ينوي الصلاة التي يجعله المأموم فيها إماما، و كذا إذا كانت صلاة الإمام معادة جماعة.

(مسألة 777): لا يجوز الاقتداء بالمأموم لإمام آخر، و لا بشخصين و لو اقترنا في الأقوال و الأفعال، و لا بأحد شخصين على الترديد، و لا تنعقد الجماعة إن فعل ذلك، و يكفي التعيين الإجمالي مثل أن ينوي الائتمام بإمام

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 215

هذه الجماعة، أو بمن يسمع صوته، و إن تردد ذلك المعين بين شخصين.

(مسألة 778): إذا شك في أنه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم و أتم منفردا، إلا إذا علم أنه قام بنية الدخول في الجماعة و ظهرت عليه أحوال الائتمام من الانصات و نحوه، و احتمل أنه لم ينو الائتمام غفلة فإنه لا يبعد حينئذ جواز الاتمام جماعة.

(مسألة 779): إذا نوى الاقتداء بشخص على أنه زيد فبان عمروا فإن لم يكن عمرو عادلا بطلت جماعته، بل صلاته إذا وقع فيها ما يبطل الصلاة عمدا و سهوا، و إلا صحت، و إن كان عمرو عادلا صحت جماعته و صلاته.

(مسألة 780): إذا صلى اثنان و علم بعد الفراغ أن نية كل منهما كانت الإمامة للآخر صحت صلاتهما، و إذا علم أن نية كل منهما كانت الائتمام بالآخر استأنف

كل منهما الصلاة إذا كانت مخالفة لصلاة المنفرد و الأحوط كذلك لو كانت المخالفة بترك القراءة فقط.

(مسألة 781): لا يجوز نقل نية الائتمام من إمام إلى آخر اختيارا إلا أن يعرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته من موت، أو جنون، أو إغماء، أو حدث، أو تذكر حدث سابق على الصلاة، فيجوز للمأمومين تقديم إمام آخر و إتمام صلاتهم معه، و الأقوى اعتبار أن يكون الإمام الآخر منهم.

(مسألة 782): لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء.

(مسألة 783): يجوز العدول عن الائتمام إلى الانفراد اختيارا في جميع أحوال الصلاة على الأقوى، إذا لم يكن ذلك من نيته في أول الصلاة و إلا فصحة الجماعة لا تخلو من إشكال.

(مسألة 784): إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 216

الركوع لا يجب عليه القراءة، بل لو كان في أثناء القراءة يكفيه بعد نية الانفراد قراءة ما بقي منها و إن كان الأحوط استئنافها و كذا لو حدث للإمام حدث و قدّموا من المأمومين إماما فعليه أن يقرأ من موضع القطع و لو كان الحدث بعد القراءة و قبل الركوع يركع مع الإمام الثاني و لا يقرأ.

(مسألة 785): إذا نوى الانفراد صار منفردا و لا يجوز له الرجوع إلى الائتمام، و إذا تردد في الانفراد و عدمه ثمّ عزم على عدمه ففي جواز بقائه على الائتمام إشكال.

(مسألة 786): إذا شك في أنه عدل إلى الانفراد أو لا بنى على العدم.

(مسألة 787): لا يعتبر في الجماعة قصد القربة، لا بالنسبة إلى الإمام و لا بالنسبة إلى المأموم، فإذا كان قصد الإمام أو المأموم غرضا دنيويا مباحا مثل الفرار من الشك، أو تعب

القراءة، أو غير ذلك صحت و ترتبت عليها أحكام الجماعة و لكن لا يترتب عليها ثواب الجماعة.

(مسألة 788): إذا نوى الاقتداء سهوا أو جهلا بمنى يصلي صلاة لا اقتداء فيها، كما إذا كانت نافلة فإن تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد و صحت صلاته، و كذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ و لم يحصل منه ما يوجب بطلان صلاة المنفرد عمدا أو سهوا و إلا بطلت.

(مسألة 789): تدرك الجماعة بالدخول في الصلاة من أول قيام الإمام للركعة إلى منتهى ركوعه، فإذا دخل مع الإمام في حال قيامه قبل القراءة أو في أثنائها، أو بعدها قبل الركوع، أو في حال الركوع فقد أدرك الركعة، و لا يتوقف إدراكها على الاجتماع معه في الركوع، فإذا أدركه قبل الركوع وفاته الركوع معه فقد أدرك الركعة و وجبت عليه المتابعة في غيره، و يعتبر في إدراكه في الركوع أن يصل إلى حد الركوع قبل أن يرفع الإمام

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 217

رأسه و لو كان بعد فراغه من الذكر، بل لا يبعد تحقق الإدراك للركعة بوصوله إلى حد الركوع، و الإمام لم يخرج عن حده و إن كان هو مشغولا بالهوي و الإمام مشغولا بالرفع، لكنه لا يخلو من إشكال ضعيف.

(مسألة 790): إذا ركع بتخيل إدراك الإمام راكعا فتبين عدم إدراكه بطلت صلاته، و كذا إذا شك في ذلك.

(مسألة 791): الظاهر جواز الدخول في الركوع مع احتمال إدراك الإمام راكعا، فإن أدركه صحت الجماعة و الصلاة، و إلا بطلت الصلاة.

(مسألة 792): إذا نوى و كبر فرفع الإمام رأسه قبل أن يصل إلى الركوع تخير بين المضي منفردا و العدول إلى النافلة، ثمّ الرجوع

إلى الائتمام بعد إتمامها.

(مسألة 793): إذا أدرك الإمام و هو في التشهد الأخير يجوز له أن يكبر للإحرام و يجلس معه و يتشهد بنية القربة المطلقة على الأحوط وجوبا، فإذا سلم الإمام قام لصلاته من غير حاجة إلى استئناف التكبير و يحصل له بذلك فضل الجماعة و إن لم تحصل له ركعة، و كذا إذا أدركه في السجدة الثانية من الركعة الأخيرة، فإنه يكبر للإحرام و يسجد معه السجدة و يتشهد بنية القربة المطلقة على الأحوط وجوبا، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام فيكبر مرددا بين تكبيرة الإحرام و الذكر المطلق على الأحوط و يدرك بذلك فضل الجماعة و تصح صلاته.

(مسألة 794): إذا حضر المكان الذي فيه الجماعة فرأى الإمام راكعا و خاف أن الإمام يرفع رأسه إن التحق بالصف، كبّر للإحرام في مكانه و ركع، ثمّ مشى في ركوعه أو بعده، أو في سجوده، أو بين السجدتين أو بعدهما، أو حال القيام للثانية و التحق بالصف، سواء أ كان المشي إلى الامام أم إلى الخلف، أم إلى أحد الجانبين، بشرط أن لا ينحرف عن القبلة، و أن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 218

لا يكون مانع آخر غير البعد من حائل و غيره و إن كان الأحوط استحبابا انتفاء البعد المانع من الاقتداء أيضا، و يجب ترك الاشتغال بالقراءة و غيرها مما يعتبر فيه الطمأنينة حال المشي، و الأولى جر الرجلين حاله.

الفصل الثاني [ما يعتبر في انعقاد الجماعة]

يعتبر في انعقاد الجماعة أمور:

الأول: أن لا يكون بين الإمام و المأموم حائل، و كذا بين بعض المأمومين مع الآخر ممن يكون واسطة في الاتصال بالإمام، و لا فرق بين كون الحائل ستارا أو جدارا أو شجرة أو غير ذلك، و لو كان

شخص إنسان واقفا، نعم لا بأس باليسير كمقدار شبر و نحوه، هذا إذا كان المأموم رجلا، أما إذا كان امرأة فلا بأس بالحائل بينها و بين الإمام أو المأمومين إذا كان الإمام رجلا، أما إذا كان الإمام امرأة فالحكم كما في الرجل.

(مسألة 795): الأحوط استحبابا المنع في الحيلولة بمثل الزجاج و الشبابيك و الجدران المخرمة، و نحوها مما لا يمنع من الرؤية، و لا بأس بالنهر و الطريق إذا لم يكن فيهما البعد المانع كما سيأتي، و لا بالظلمة و الغبار.

الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علوا دفعيا كالأبنية و نحوها، بل تسريحيا قريبا من التسنيم كسفح الجبل و نحوه، نعم لا بأس بالتسريحي الذي يصدق معه كون الأرض منبسطة، كما لا بأس بالدفعي اليسير إذا كان دون الشبر، و لا بأس أيضا بعلو موقف المأموم من موقف الإمام بمقدار يصدق معه الاجتماع عرفا.

الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن بعض المأمومين بما لا يتخطى بأن لا يكون بين موقف الإمام و مسجد المأموم المقدار المذكور و كذا بين موقف المتقدم و مسجد المتأخر، و بين أهل الصف الواحد بعضهم مع

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 219

بعض، و الأفضل بل الأحوط عدم الفصل بين موقف السابق و مسجد اللاحق.

(مسألة 796): البعد المذكور إنما يقدح في اقتداء المأموم إذا كان البعد متحققا في تمام الجهات، فبعد المأموم من جهة لا يقدح في جماعته إذا كان متصلا بالمأمومين من جهة أخرى، فإذا كان الصف الثاني أطول من الأول فطرفه و إن كان بعيدا عن الصف الأول إلا أنه لا يقدح في صحة ائتمامه، لاتصاله بمن على يمينه أو على يساره

من أهل صفّه، و كذا إذا تباعد أهل الصف الثاني بعضهم عن بعض فإنه لا يقدح ذلك في صحة ائتمامهم لاتصال كل واحد منهم بأهل الصف المتقدم، نعم لا يأتي ذلك في أهل الصف الأول فإن البعيد منهم عن المأموم الذي هو في جهة الإمام لما لم يتصل من الجهة الأخرى بواحد من المأمومين تبطل جماعته.

الرابع: أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف، بل الأحوط وجوبا أن لا يساويه، و أن لا يتقدم عليه في مكان سجوده و ركوعه و جلوسه بل الأحوط وجوبا وقوف المأموم خلف الإمام إذا كان متعددا هذا في جماعة الرجال، و أما في جماعة النساء فالأحوط أن تقف الإمام في وسطهن و لا تتقدمهن.

(مسألة 797): الشروط المذكورة شروط في الابتداء و الاستدامة فإذا حدث الحائل أو البعد أو علو الإمام أو تقدم المأموم في الأثناء بطلت الجماعة، و إذا شك في حدوث واحد منها بعد العلم بعدمه بنى على العدم على الأحوط و مع عدم سبق العلم بالعدم لم يجز الدخول إلا مع إحراز العدم و كذا إذا حدث شك بعد الدخول غفلة، و إن شك في ذلك بعد الفراغ من الصلاة فإن علم بوقوع ما يبطل الفرادى أعادها، إن علم أنه قد دخل في الجماعة غفلة و إلا بنى على الصحة، و إن لم يعلم بوقوع ما يبطل الفرادى بنى على الصحة و الأحوط- استحبابا- الإعادة في الصورتين.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 220

(مسألة 798): لا تقدح حيلولة بعض المأمومين عن بعضهم و إن لم يدخلوا في الصلاة إذا كانوا متهيئين للصلاة.

(مسألة 799): إذا انفرد بعض المأمومين أو انتهت صلاته كما لو كانت صلاته قصرا فقد انفرد من

يتصل به إلا إذا عاد إلى الجماعة بلا فصل.

(مسألة 800): لا بأس بالحائل غير المستقر كمرور إنسان و نحوه، نعم إذا اتصلت المارة بطلت الجماعة.

(مسألة 801): إذا كان الحائل مما يتحقق معه المشاهدة حال الركوع لثقب في وسطه مثلا، أو حال القيام لثقب في أعلاه، أو حال الهوي إلى السجود لثقب في أسفله، فالأقوى، عدم انعقاد الجماعة، فلا يجوز الائتمام.

(مسألة 802): إذا دخل في الصلاة مع وجود الحائل و كان جاهلا به لعمى أو نحوه لم تصح الجماعة، فإن التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد و لو سهوا أتم منفردا و صحت صلاته، و كذلك تصح لو كان قد فعل ما لا ينافيها إلا عمدا كترك القراءة.

(مسألة 803): الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز الاقتداء معه.

(مسألة 804): لو تجدد البعد في الأثناء بطلت الجماعة و صار منفردا، فإذا لم يلتفت إلى ذلك و بقي على نية الاقتداء فإن أتى بما ينافي صلاة المنفرد من زيادة ركوع أو سجود مما تضر زيادته سهوا و عمدا بطلت صلاته، و إن لم يأت بذلك أو أتى بما لا ينافي إلا في صورة العمد صحت صلاته كما تقدم في (مسألة 802).

(مسألة 805): لا يضر الفصل بالصبي المميز إذا كان مأموما فيما إذا احتمل أن صلاته صحيحة عنده.

(مسألة 806): إذا كان الإمام في محراب داخل في جدار أو غيره

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 221

لا يجوز ائتمام من على يمينه و يساره لوجود الحائل، أما الصف الواقف خلفه فتصح صلاتهم جميعا و كذا الصفوف المتأخرة و كذا إذا انتهى المأمومون إلى باب فإنه تصح صلاة تمام الصف الواقف خلف الباب لاتصالهم بمن هو

يصلي في الباب، و إن كان الأحوط استحبابا الاقتصار في الصحة على من هو بحيال الباب دون من على يمينه و يساره من أهل صفّه.

الفصل الثالث [ما يشترط في إمام الجماعة]

يشترط في إمام الجماعة مضافا إلى الإيمان و العقل و طهارة المولد، أمور:

الأول: الرجولة إذا كان المأموم رجلا، فلا تصح إمامة المرأة إلا للمرأة، و في صحة إمامة الصبي لمثله إشكال، و لكن لا يبعد جوازها.

الثاني: العدالة، فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق، و لا بد من إحرازها بحسن الظاهر أو بغيره مما يثبت به سائر الموضوعات و يدخل فيه الوثوق الحاصل من أيّ سبب كان، نعم لا بأس بالاقتداء بمجهول الحال- في نفسه- إذا احتمل تحقق الشرائط فيه و لكن لا يجتزى بها.

الثالث: أن يكون الإمام صحيح القراءة، إذا كان الائتمام في الأوليين و كان المأموم صحيح القراءة، بل مطلقا على الأحوط لزوما، نعم لا بأس بالاقتداء بعد دخول الإمام في الركوع من الركعة الثانية.

الرابع: أن لا يكون أعرابيا- أي من سكان البوادي- و لا ممن جرى عليه الحد الشرعي على الأحوط.

(مسألة 807): لا بأس في أن يأتم الأفصح بالفصيح، و الفصيح بغيره، إذا كان يؤدي القدر الواجب.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 222

(مسألة 808): لا تجوز إمامة القاعد للقائم، و لا المضطجع للقاعد و تجوز إمامة القائم لهما، كما تجوز إمامة القاعد لمثله، و في جواز إمامة القاعد أو المضطجع للمضطجع إشكال، و تجوز إمامة المتيمم للمتوضئ و ذي الجبيرة لغيره، و المسلوس و المبطون و المستحاضة لغيرهم، و المضطر إلى الصلاة في النجاسة لغيره.

(مسألة 809): إذا تبين للمأموم بعد الفراغ من الصلاة أن الإمام فاقد لبعض شرائط صحة الصلاة أو الإمامة صحت صلاته، إذا لم يقع فيها ما

يبطل الفرادى و إلا أعادها، و إن تبين في الأثناء أتمها في الفرض الأول و أعادها في الثاني.

(مسألة 810): إذا اختلف المأموم و الإمام في أجزاء الصلاة و شرائطها اجتهادا أو تقليدا، فإن علم المأموم بطلان صلاة الإمام واقعا و لو بطريق معتبر لم يجز له الائتمام به، و إلا جاز و كذا إذا كان الاختلاف بينهما في الأمور الخارجية، بأن يعتقد الإمام طهارة ماء فتوضأ به و المأموم يعتقد نجاسته، أو يعتقد الإمام طهارة الثوب فيصلي به، و يعتقد المأموم نجاسته فإنه لا يجوز الائتمام في الفرض الأول، و يجوز في الفرض الثاني، و لا فرق فيما ذكرنا بين الابتداء و الاستدامة، و المدار على علم المأموم بصحة صلاة الإمام في حق الإمام، هذا في غير ما يتحمله الإمام عن المأموم، و أما فيما يتحمله كالقراءة ففيه تفصيل، فإن من يعتقد وجوب السورة- مثلا- فالأحوط أن لا يأتم قبل الركوع بمن لا يأتي بها لاعتقاده عدم وجوبها، نعم إذا ركع الإمام جاز الائتمام به.

الفصل الرابع في أحكام الجماعة:

(مسألة 811): لا يتحمل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 223

و أقوالها غير القراءة في الأوليين إذا ائتم به فيهما فتجزيه قراءته، و يجب عليه متابعته في القيام، و لا تجب عليه الطمأنينة حاله حتى في حال قراءة الإمام.

(مسألة 812): الظاهر عدم جواز القراءة للمأموم في أوليي الاخفاتية، إذا كانت القراءة بقصد الجزئية، و الأفضل له أن يشتغل بالذكر و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أما في الأوليين من الجهرية فإن سمع صوت الإمام و لو همهمة وجب عليه ترك القراءة، بل الأحوط الأولى الإنصات لقراءته، و إن لم

يسمع حتى الهمهمة جازت له القراءة بقصد القربة، و بقصد الجزئية و الأحوط استحبابا الأول، و إذا شك في أن ما يسمعه صوت الإمام أو غيره فالأقوى الجواز، و لا فرق في عدم السماع بين أسبابه من صمم أو بعد أو غيرهما.

(مسألة 813): إذا أدرك الإمام في الأخيرتين وجب عليه قراءة الحمد و السورة، و إن لزم من قراءة السورة فوات المتابعة في الركوع اقتصر على الحمد، و إن لزم ذلك في إتمام الحمد، فالأحوط- لزوما- الانفراد، بل الأحوط استحبابا له إذا لم يحرز التمكن من إتمام الفاتحة قبل ركوع الإمام عدم الدخول في الجماعة حتى يركع الإمام، و لا قراءة عليه.

(مسألة 814): يجب على المأموم الاخفات في القراءة سواء أ كانت واجبة- كما في المسبوق بركعة أو ركعتين- أم غير واجبة كما في غيره حيث تشرع له القراءة، و إن جهر نسيانا أو جهلا صحت صلاته، و إن كانت عمدا بطلت.

(مسألة 815): يجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال، بمعنى أن لا يتقدم عليه و لا يتأخر عنه تأخرا فاحشا، و الأحوط الأولى عدم المقارنة، و أما الأقوال فالظاهر عدم وجوبها فيها فيجوز التقدم فيها و المقارنة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 224

عدا تكبيرة الإحرام، و إن تقدم فيها كانت الصلاة فرادى، بل الأحوط وجوبا عدم المقارنة فيها، كما أنّ الأحوط المتابعة في الأقوال خصوصا مع السماع و في التسليم.

(مسألة 816): إذا ترك المتابعة عمدا لم يقدح ذلك في صلاته و لكن تبطل جماعته فيتمها فرادى، نعم إذا كان ركع قبل الإمام في حال قراءة الإمام بطلت صلاته، إذا لم يكن قرأ لنفسه، بل الحكم كذلك إذا ركع بعد قراءة الإمام على الأحوط

الأولى.

(مسألة 817): إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمدا انفرد في صلاته و لا يجوز له أن يتابع الإمام فيأتي بالركوع أو السجود ثانيا للمتابعة، و إذا انفرد اجتزأ بما وقع منه من الركوع و السجود و أتم، و إذا ركع أو سجد قبل الإمام سهوا فالأحوط له المتابعة بالعودة إلى الإمام بعد الإتيان بالذكر و لا يلزمه الذكر في الركوع أو السجود بعد ذلك مع الإمام، و إذا لم يتابع عمدا صحت صلاته، و بطلت جماعته على الأحوط.

(مسألة 818): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام عمدا، فإن كان قبل الذكر بطلت صلاته إن كان متعمدا في تركه، و إلا صحت صلاته و بطلت جماعته، و إن كان بعد الذكر صحت صلاته و أتمها منفردا، و لا يجوز له أن يرجع إلى الجماعة فيتابع الإمام بالركوع أو السجود ثانيا، و إن رفع رأسه من الركوع أو السجود سهوا رجع إليهما و إذا لم يرجع عمدا انفرد و بطلت جماعته، و إن لم يرجع سهوا صحت صلاته و جماعته و إن رجع و ركع للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حد الركوع بطلت صلاته.

(مسألة 819): إذا رفع رأسه من السجود فرأى الإمام ساجدا فتخيل أنه في الأولى فعاد إليها بقصد المتابعة فتبين أنها الثانية اجتزأ بها و إذا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 225

تخيل الثانية فسجد أخرى بقصد الثانية فتبين أنها الأولى حسبت للمتابعة.

(مسألة 820): إذا زاد الإمام سجدة أو تشهدا أو غيرهما مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهوا لم تجب على المأموم متابعته، و إن نقص شيئا لا يقدح نقصه سهوا، فعله المأموم.

(مسألة 821): يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع

و السجود أزيد من الإمام، و كذلك إذا ترك بعض الأذكار المستحبة، مثل تكبير الركوع و السجود أن يأتي بها، و إذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده لا يجوز للمأموم المقلد لمن يقول بوجوبها أو بالاحتياط الوجوبي أن يتركها، و كذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرة مع كون المأموم مقلدا لمن يوجب الثلاث لا يجوز له الاقتصار على المرة، و هكذا الحكم في غير ما ذكر.

(مسألة 822): إذا حضر المأموم الجماعة و لم يدر أن الإمام في الأوليين أو الأخيرتين جاز أن يقرأ الحمد و السورة بقصد القربة، فإن تبين كونه في الأخيرتين وقعت في محلها، و إن تبين كونه في الأوليين لا يضره.

(مسألة 823): إذا أدرك المأموم ثانية الإمام تحمل عنه القراءة فيها و كانت أولى صلاته و يتابعه في القنوت و كذلك في الجلوس للتشهد متجافيا على الأحوط وجوبا، و يستحب له التشهد فإذا كان في ثالثة الإمام تخلف عنه في القيام فيجلس للتشهد ثمّ يلحق الإمام، و كذا في كل واجب عليه دون الإمام، و الأفضل له أن يتابعه في الجلوس للتشهد إلى أن يسلم ثمّ يقوم إلى الرابعة، و يجوز له أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته، و ينفرد إذا لم يكن قصد الانفراد من أول صلاته.

(مسألة 824): يجوز لمن صلى منفردا أن يعيد صلاته جماعة إماما كان أم مأموما، و كذا إذا كان قد صلى جماعة إماما أو مأموما فإن له أن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 226

يعيدها في جماعة أخرى إماما، و يشكل صحة ذلك، فيما إذا صلى كل من الإمام و المأموم منفردا، و أراد إعادتها جماعة من

دون أن يكون في الجماعة من لم يؤد فريضته، و مع ذلك فلا بأس بالإعادة رجاء.

(مسألة 825): إذا ظهر بعد الإعادة أن الصلاة الأولى كانت باطلة اجتزأ بالمعادة.

(مسألة 826): لا تشرع الإعادة منفردا، إلا إذا احتمل وقوع خلل في الأولى، و إن كانت صحيحة ظاهرا.

(مسألة 827): إذا دخل الإمام في الصلاة باعتقاد دخول الوقت و المأموم لا يعتقد ذلك لا يجوز الدخول معه، و إذا دخل الوقت في أثناء صلاة الإمام فالأحوط لزوما أن لا يدخل معه.

(مسألة 828): إذا كان في نافلة فأقيمت الجماعة و خاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة و لو بعدم إدراك التكبير مع الإمام استحب له قطعها بل لا يبعد استحبابه بمجرد شروع المقيم في الإقامة، و إذا كان في فريضة عدل استحبابا إلى النافلة و أتمها ركعتين ثمّ دخل في الجماعة، هذا إذا لم يتجاوز محل العدول، و إذا خاف بعد العدول من إتمامها ركعتين فوت الجماعة جاز له قطعها و إن خاف ذلك قبل العدول لم يجز العدول بنية القطع بل يعدل بنية الإتمام، لكن إذا بدا له أن يقطع قطع.

(مسألة 829): إذا لم يحرز الإمام من نفسه العدالة فجواز ترتيبه آثار الجماعة لا يخلو من إشكال، بل الأقوى عدم الجواز، و في كونه آثما بذلك إشكال، و الأظهر العدم.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، منهاج الصالحين (للتبريزي)، 2 جلد، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

منهاج الصالحين (للتبريزي)؛ ج 1، ص: 226

(مسألة 830): إذا شك المأموم بعد السجدة الثانية من الإمام أنه سجد معه السجدتين أو واحدة يجب عليه الإتيان بأخرى إذا لم يتجاوز المحل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 227

(مسألة 831): إذا

رأى الإمام يصلي و لم يعلم أنها من اليومية أو من النوافل أو علم أنها يومية و لكن احتمل أنها احتياطا بالإعادة أو القضاء لا يصح الاقتداء به، و كذا إذا احتمل أنها من الفرائض التي لا يصبح اقتداء اليومية بها، و أما إن علم أنها من اليومية لكن لم يدر أنها أية صلاة من الخمس، أو أنها قضاء أو أداء، أو أنها قصر أو تمام فلا بأس بالاقتداء به فيها.

(مسألة 832): الصلاة إماما أفضل من الصلاة مأموما.

(مسألة 833): قد ذكروا أنه يستحب للإمام أن يقف محاذيا لوسط الصف الأول، و أن يصلي بصلاة أضعف المأمومين فلا يطيل إلا مع رغبة المأمومين بذلك، و أن يسمع من خلفه القراءة و الأذكار فيما لا يجب الاخفات فيه، و أن يطيل الركوع إذا أحس بداخل بمقدار مثلي ركوعه المعتاد، و أن لا يقوم من مقامه إذا أتم صلاته حتى يتم من خلفه صلاته.

(مسألة 834): الأحوط لزوما للمأموم أن يقف عن يمين الإمام متأخرا عنه قليلا إن كان رجلا واحدا، و يقف خلفه إن كان امراة، و إذا كان رجل و امرأة وقف الرجل خلف الإمام و المرأة خلفه، و إن كانوا أكثر اصطفوا خلفه و تقدم الرجال على النساء، و يستحب أن يقف أهل الفضل في الصف الأول، و أفضلهم في يمين الصف، و ميامن الصفوف أفضل من مياسرها، و الأقرب إلى الإمام أفضل، و في صلاة الأموات الصف الأخير أفضل، و يستحب تسوية الصفوف، و سد الفرج، و المحاذاة بين المناكب، و اتصال مساجد الصف اللاحق بمواقف السابق، و القيام عند قول المؤذن: «قد قامت الصلاة» قائلا: «اللهم أقمها و أدمها و اجعلني من خير صالحي

أهلها»، و أن يقول عند فراغ الإمام من الفاتحة: «الحمد للّه رب العالمين».

(مسألة 835): يكره للمأموم الوقوف في صف وحده إذا وجد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 228

موضعا في الصفوف، و التنفل بعد الشروع في الإقامة، و تشتد الكراهة عند قول المقيم: «قد قامت الصلاة» و التكلم بعدها إلا إذا كان لإقامة الجماعة كتقديم إمام و نحو ذلك، و إسماع الإمام ما يقوله من أذكار، و ائتمام الحاضر بالمسافر و العكس في الصلوات الرباعية، و الكراهة في مثل الأخير بمعنى قلة الثواب لا رجحان ترك الجماعة.

المقصد العاشر الخلل [الواقع في الصلاة]

اشارة

من أخل بشي ء من أجزاء الصلاة و شرائطها عمدا بطلت صلاته و لو كان بحرف أو حركة من القراءة أو الذكر، و كذا من زاد فيها جزءا عمدا قولا أو فعلا، من غير فرق في ذلك كله بين الركن و غيره، و لا بين كونه موافقا لأجزاء الصلاة أو مخالفا، و لا بين أن يكون ناويا ذلك في الابتداء أو في الأثناء.

(مسألة 836): لا تتحقق الزيادة في غير الركوع و السجود إلا بقصد الجزئية للصلاة، فإن فعل شيئا لا بقصدها مثل حركة اليد و حكّ الجسد و نحو ذلك مما يفعله المصلي لا بقصد الصلاة لم يقدح فيها، إلا أن يكون ماحيا لصورتها.

(مسألة 837): من زاد جزءا سهوا فإن كان ركوعا أو سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته و إلا لم تبطل.

(مسألة 838): من نقص جزءا سهوا فإن التفت قبل فوات محله تداركه و ما بعده، و إن كان بعد فوات محله فإن كان ركنا بطلت صلاته و إلا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 229

صحت، و عليه قضاؤه بعد الصلاة إذا كان المنسي سجدة واحدة و كذلك

إذا كان المنسي تشهدا على الأحوط كما سيأتي.

و يتحقق فوات محل الجزء المنسي بأمور:

الأول: الدخول في الركن اللاحق، كمن نسي قراءة الحمد أو السورة أو بعضا منهما، أو الترتيب بينهما، و التفت بعد الوصول إلى حد الركوع فإنه يمضي في صلاته، أما إذا التفت قبل الوصول إلى حد الركوع فإنه يرجع و يتدارك الجزء و ما بعده على الترتيب، و إن كان المنسي ركنا كمن نسي السجدتين حتى ركع بطلت صلاته، و إذا التفت قبل الوصول إلى حد الركوع تداركهما، إذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا أو بعضه أو الترتيب بينهما حتى ركع صحت صلاته و مضى، و إن ذكر قبل الوصول إلى حد الركوع تدارك المنسي و ما بعده على الترتيب، و تجب عليه في بعض هذه الفروض سجدتا السهو، كما سيأتي تفصيله.

الثاني: الخروج من الصلاة، فمن نسي السجدتين حتى سلم و أتى بما ينافي الصلاة عمدا أو سهوا بطلت صلاته، و إذا ذكر قبل الاتيان به رجع و أتى بهما و تشهد و سلم ثمّ سجد سجدتي السهو للسلام الزائد، و كذلك من نسي إحداهما أو التشهد أو بعضه حتى سلم و لم يأت بالمنافي فإنه يرجع و يتدارك المنسي و يتم صلاته و يسجد سجدتي السهو، و إذا ذكر ذلك بعد الاتيان بالمنافي صحت صلاته و مضى، و عليه قضاء المنسي و الاتيان بسجدتي السهو على ما يأتي.

الثالث: الخروج من الفعل الذي يجب فيه فعل ذلك المنسي، كمن نسي الذكر أو الطمأنينة في الركوع أو السجود حتى رفع رأسه فإنه يمضي، و كذا إذا نسي وضع بعض المساجد الستة في محله، نعم إذا نسي القيام حال القراءة أو التسبيح وجب أن يتداركهما

قائما إذا ذكر قبل الركوع.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 230

(مسألة 839): من نسي الانتصاب بعد الركوع حتى سجد أو هوى إلى السجود مضى في صلاته، و الأحوط- استحبابا- الرجوع إلى القيام ثمّ الهوي إلى السجود إذا كان التذكر قبل السجود، و إعادة الصلاة إذا كان التذكر بعده، و أما إذا كان التذكر بعد الدخول في السجدة الثانية مضى في صلاته و لا شي ء عليه، و إذا نسي الانتصاب بين السجدتين حتى جاء بالثانية مضى في صلاته، و إذا ذكره حال الهوي إليها رجع و تداركه و إذا سجد على المحل المرتفع أو المنخفض أو المأكول أو الملبوس أو النجس و ذكر بعد رفع الرأس من السجود فيمضي كمن نسى الذكر في السجود حتى رفع رأسه.

(مسألة 840): إذا نسي الركوع حتى سجد السجدتين أعاد الصلاة، و إن ذكر قبل الدخول في الثانية فلا يبعد الاجتزاء بتدارك الركوع و الاتمام و إن كان الأحوط- استحبابا- الاعادة أيضا.

(مسألة 841): إذا ترك سجدتين و شك في أنهما من ركعة أو ركعتين، فإن كان الالتفات إلى ذلك بعد الدخول في الركن لم يبعد الاجتزاء بقضاء سجدتين، و إن كان قبل الدخول في الركن، فإن احتمل أن كلتيهما من اللاحقة فلا يبعد الاجتزاء بتدارك السجدتين و الاتمام و إن علم أنهما إما من السابقة أو إحداهما منها و الأخرى من اللاحقة فلا يبعد الاجتزاء بتدارك سجدة و قضاء أخرى، و الأحوط استحبابا الاعادة في الصور الثلاث.

(مسألة 842): إذا علم أنه فاتته سجدتان من ركعتين- من كل ركعة سجدة- قضاهما و إن كانتا من الأوليين.

(مسألة 843): من نسي التسليم و ذكره قبل فعل المنافي تداركه و صحت صلاته، و إن كان

بعده صحت صلاته، و الأحوط استحبابا الاعادة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 231

(مسألة 844): إذا نسي ركعة من صلاته أو أكثر فذكر قبل التسليم قام و أتى بها، و كذا إذا ذكرها بعد التسليم قبل فعل المنافي، و إذا ذكرها بعده بطلت صلاته.

(مسألة 845): إذا فاتت الطمأنينة في القراءة أو في التسبيح، أو في التشهد سهوا مضى، و لكن لا يترك الاحتياط الاستحبابي بتدارك القراءة أو غيرها بنية القربة المطلقة، و إذا فاتت في ذكر الركوع أو السجود فذكر قبل أن يرفع رأسه أعاد الذكر على الأظهر.

(مسألة 846): إذا نسي الجهر و الاخفات و ذكر لم يلتفت و مضى سواء أ كان الذكر في أثناء القراءة، أم التسبيح، أم بعدهما، و الجهل بالحكم يلحق بالنسيان في ذلك.

فصل

في الشك [و أحكامه]:

(مسألة 847): من شك و لم يدر أنه صلى أم لا، فإن كان في الوقت صلى، و إن كان بعد خروج الوقت لم يلتفت، و الظن بفعل الصلاة حكمه حكم الشك في التفصيل المذكور، و إذا شك في بقاء الوقت بنى على بقائه، و حكم كثير الشك في الاتيان بالصلاة و عدمه حكم غيره فيجري فيه التفصيل المذكور من الاعادة في الوقت و عدمها بعد خروجه، و أما الوسواسي فيبني على الاتيان و إن كان في الوقت. و إذا شك في الظهرين في الوقت المختص بالعصر بنى على وقوع الظهر و أتى بالعصر، و إذا شك و قد بقي من الوقت مقدار أداء ركعة أتى بالصلاة، و إذا كان أقل لم يلتفت، و إذا شك في فعل الظهر و هو في العصر عدل بنيته إلى الظهر و أتمها ظهرا.

[الشك بعد تجاوز المحل]

(مسألة 848): إذا شك في جزء أو شرط للصلاة بعد الفراغ منها

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 232

لم يلتفت، و إذا شك في التسليم فإن كان شكه في صحته لم يلتفت و كذا إن كان شكه في وجوده و قد أتى بالمنافي حتى مع السهو، و أما إذا كان شكه قبل ذلك فاللازم هو التدارك و الاعتناء بالشك.

(مسألة 849): كثير الشك لا يعتني بشكه، سواء أ كان الشك في عدد الركعات، أم في الأفعال، أم في الشرائط، فيبني على وقوع المشكوك فيه إلا إذا كان وجوده مفسدا فيبني على عدمه، كما لو شك بين الأربع و الخمس، أو شك في أنه أتى بركوع أو ركوعين مثلا فإن البناء على وجود الأكثر مفسد فيبني على عدمه.

(مسألة 850): إذا كان كثير الشك في مورد خاص من فعل

أو زمان أو مكان اختص عدم الاعتناء به، و لا يتعدى إلى غيره.

(مسألة 851): المرجع في صدق كثرة الشك هو العرف، نعم إذا كان يشك في كل ثلاث صلوات متواليات مرة فهو كثير الشك، و يعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض من خوف أو غضب أو همّ أو نحو ذلك مما يوجب اغتشاش الحواس.

(مسألة 852): إذا لم يعتن بشكه ثمّ ظهر وجود الخلل جرى عليه حكم وجوده، فإن كان زيادة أو نقيصة مبطلة أعاد، و إن كان موجبا للتدارك تدارك، و إن كان مما يجب قضاؤه قضاه، و هكذا.

(مسألة 853): لا يجب عليه ضبط الصلاة بالحصى أو بالسبحة أو بالخاتم أو بغير ذلك.

(مسألة 854): لا يجوز لكثير الشك الاعتناء بشكه فإذا جاء بالمشكوك فيه بطلت و لكن لا بأس في القراءة و الذكر بتكرارهما بقصد القربة.

(مسألة 855): لو شك في أنه حصل له حالة كثرة الشك بنى على

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 233

العدم، كما أنه إذا صار كثير الشك ثمّ شك في زوال هذه الحالة بنى على بقائها.

(مسألة 856): إذا شك إمام الجماعة في عدد الركعات رجع إلى المأموم الحافظ، عادلا كان أو فاسقا، ذكرا أو أنثى، و كذلك إذا شك المأموم فإنه يرجع إلى الإمام الحافظ، و الظان منهما بمنزلة الحافظ فيرجع الشاك إليه، و إن اختلف المأمومون لم يرجع إلى بعضهم، و إذا كان بعضهم شاكا و بعضهم حافظا رجع الإمام إلى الحافظ، و في جواز رجوع الشاك منهم إليه إذا لم يحصل له الظن إشكال، ثمّ إنّ ما ذكر من جواز رجوع الإمام إلى المأموم و بالعكس لا إشكال فيه إذا كان الشك في الركعات

و أما في جواز رجوع أحدهما إلى الآخر في الشك في الأفعال- كالشك في عدد السجدتين مثلا- ففيه إشكال، نعم إذا كان رجوع كلّ من الإمام أو المأموم إلى الآخر موجبا لوثوق الراجع فلا بأس به.

(مسألة 857): يجوز في الشك في ركعات النافلة البناء على الأقل و البناء على الأكثر، إلا أن يكون الأكثر مفسدا فيبنى على الأقل.

(مسألة 858): من شك في فعل من أفعال الصلاة فريضة كانت أو نافلة، أدائية كانت الفريضة أم قضائية أم صلاة جمعة أم آيات، و قد دخل في الجزء الذي بعده مضى و لم يلتفت، كمن شك في تكبيرة الاحرام و هو في القراءة أو في الفاتحة و هو في السورة، أو في الآية السابقة و هو في اللاحقة، أو في أول الآية و هو في آخرها، أو في القراءة و هو في الركوع أو في الركوع و هو في السجود، أو شك في السجود و هو في التشهد أو في القيام لم يلتفت، و كذا إذا شك في التشهد و هو في القيام أو في التسليم، فإنه لا يلتفت إلى الشك في جميع هذه الفروض، و إذا كان الشك قبل أن يدخل في الجزء الذي بعده وجب الإتيان به، كمن شك في التكبير قبل أن يقرأ أو في القراءة قبل أن يركع، أو في الركوع قبل السجود، و إن كان

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 234

الشك حال الهوي إليه، أو في السجود أو في التشهد و هو جالس، أو حال النهوض إلى القيام، و كذلك إذا شك في التسليم و هو في التعقيب قبل أن يأتي بما ينافي الصلاة عمدا أو سهوا.

(مسألة 859): يعتبر في الجزء الذي

يدخل فيه أن يكون من الأجزاء الواجبة فإذا شك في القراءة و هو في القنوت لزمه الالتفات و التدارك.

(مسألة 860): إذا شك في صحة الواقع بعد الفراغ منه لا يلتفت و إن لم يدخل في الجزء الذي بعده، كما إذا شك بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام في صحتها فإنه لا يلتفت، و كذا إذا شك في صحة قراءة الكلمة أو الآية.

(مسألة 861): إذا أتى بالمشكوك في المحل ثمّ تبين أنه قد فعله أولا لم تبطل صلاته إلا إذا كان ركنا، و إذا لم يأت بالمشكوك بعد تجاوز المحل فتبين عدم الاتيان به فإن أمكن التدارك فعله، و إلا صحت صلاته إلا أن يكون ركنا.

(مسألة 862): إذا شك و هو في فعل في أنه هل شك في بعض الأفعال المتقدمة أو لا لم يلتفت، و كذا لو شك في أنه هل سها أم لا و قد جاز محل ذلك الشي ء الذي شك في أنه سها عنه أو لا، نعم لو شك في السهو و عدمه و هو في محل يتلافى فيه المشكوك فيه، أتى به على الأصح.

(مسألة 863): إذا شك المصلي في عدد الركعات فالأحوط له استحبابا التروي يسيرا فإن استقر الشك و كان في الثنائية أو الثلاثية أو الأوليين من الرباعية بطلت، و إن كان في غيرها و قد أحرز الأوليين بأن أتم الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية و إن لم يرفع رأسه فهنا صور:

منها: ما لا علاج للشك فيها فتبطل الصلاة فيها.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 235

[صور علاج الشك]

و منها: ما يمكن علاج الشك فيها و تصح الصلاة حينئذ و هي تسع صور:

الأولى منها: الشك بين الاثنتين و الثلاث بعد ذكر السجدة

الأخيرة فإنه يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة و يتم صلاته ثمّ يحتاط بركعة قائما على الأحوط وجوبا، و إن كانت وظيفته الجلوس في الصلاة احتاط بركعة جالسا.

الثانية: الشك بين الثلاث و الأربع في أي موضع كان، فيبني على الأربع و يتم صلاته، ثمّ يحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا و الأحوط استحبابا اختيار الركعتين جالسا، و إن كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعة جالسا.

الثالثة: الشك بين الاثنتين و الأربع بعد ذكر السجدة الأخيرة فيبني على الأربع و يتم صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام، و إن كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعتين من جلوس.

الرابعة: الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد ذكر السجدة الأخيرة فيبني على الأربع و يتم صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و الأقوى تأخير الركعتين من جلوس، و إن كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعتين من جلوس ثمّ بركعة جالسا.

الخامسة: الشك بين الأربع و الخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع و يتم صلاته ثمّ يسجد سجدتي السهو.

السادسة: الشك بين الأربع و الخمس حال القيام، فإنه يهدم و حكمه حكم الشك بين الثلاث و الأربع، فيتم صلاته ثمّ يحتاط، كما سبق في الصورة الثانية.

السابعة: الشك بين الثلاث و الخمس حال القيام، فإنه يهدم و حكمه حكم الشك بين الاثنتين و الأربع، فيتم صلاته و يحتاط كما سبق في الصورة الثالثة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 236

الثامنة: الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام، فإنه يهدم و حكمه حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيتم صلاته و يحتاط كما سبق في الصورة الرابعة.

التاسعة: الشك بين الخمس و الست حال القيام، فإنه

يهدم و حكمه حكم الشك بين الأربع و الخمس، و يتم صلاته و يسجد للسهو، و الأحوط في هذه الصور الأربع أن يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد أيضا.

(مسألة 864): إذا تردد بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث ثمّ ضم إليها ركعة و سلم و شك في أن بناءه على الثلاث كان من جهة الظن بالثلاث أو عملا بالشك، فعليه صلاة الاحتياط، و إذا بنى في الفرض المذكور على الاثنتين و شك بعد التسليم أنه كان من جهة الظن بالاثنتين أو خطأ منه و غفلة عن العمل بالشك صحت صلاته و لا شي ء عليه.

(مسألة 865): الظن بالركعات كاليقين، أما الظن بالأفعال فالظاهر أن حكمه حكم الشك فإذا ظن بفعل الجزء في المحل لزمه الاتيان به و إذا ظن بعدم الفعل بعد تجاوز المحل مضى و ليس له أن يرجع و يتداركه و الأحوط استحبابا إعادة الصلاة في الصورتين.

(مسألة 866): في الشكوك المعتبر فيها إكمال الذكر في السجدة الثانية كالشك بين الاثنتين و الثلاث، و الشك بين الاثنتين و الأربع و الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع: إذا شك مع ذلك في الاتيان بالسجدتين أو واحدة فإن كان شكه حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهد بطلت صلاته، لأنه محكوم بعدم الاتيان بهما أو بإحداهما فيكون شكه قبل إكمال الذكر، و إن كان بعد الدخول في القيام أو التشهد لم تبطل.

(مسألة 867): إذا تردد في أن الحاصل له شك أو ظن كما يتفق كثيرا لبعض الناس كان ذلك شكا، و كذا لو حصلت له حالة في أثناء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 237

الصلاة و بعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أنه

كان شكا أو ظنا يبني على أنه كان شكا إن كان فعلا شاكا، و ظنا إن كان فعلا ظانا، و يجري على ما يقتضيه ظنه أو شكه الفعلي، و كذا لو شك في شي ء ثمّ انقلب شكه إلى الظن، أو ظن به ثمّ انقلب ظنه إلى الشك، فإنه يلحظ الحالة الفعلية و يعمل عليها، فلو شك بين الثلاث و الأربع مثلا فبنى على الأربع، ثمّ انقلب شكه إلى الظن بالثلاث بنى عليه و أتى بالرابعة، و إذا ظن بالثلاث ثمّ تبدل ظنه إلى الشك بينها و بين الأربع بنى على الأربع ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط.

[صلاة الاحتياط]

(مسألة 868): صلاة الاحتياط واجبة لا يجوز أن يدعها و يعيد الصلاة على الأحوط، و لا تصح الاعادة إلا إذا أبطل الصلاة بفعل المنافي.

(مسألة 869): يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء و الشرائط فلا بد فيها من النية، و التكبير للاحرام، و قراءة الفاتحة اخفاتا حتى في البسملة على الأحوط الأولى، و الركوع و السجود و التشهد و التسليم و لا تجب فيها سورة، و إذا تخلل المنافي بينها و بين الصلاة بطلت الصلاة و لزم الاستئناف.

(مسألة 870): إذا تبين تمامية الصلاة قبل صلاة الاحتياط لم يحتج إليها، و إن كان في الأثناء جاز تركها و إتمامها نافلة ركعتين.

(مسألة 871): إذا تبين نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط أو في أثنائها جرى عليه حكم من سلم على النقص من وجوب ضم الناقص و الاتمام مع الإمكان و إلا فيحكم بالبطلان كما إذا شك بين الاثنتين و الأربع و تبين له بعد دخوله في ركوع الركعة الثانية من صلاة الاحتياط نقص الصلاة بركعة واحدة، و إذا تبين ذلك

بعد الفراغ منها أجزأت إذا تبين النقص الذي كان يحتمله أولا، أما إذا تبين غيره ففيه تفصيل: فإن النقص المتبين إذا كان أكثر من صلاة الاحتياط و أمكن تداركه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 238

لزم التدارك و صحت صلاته و في غير ذلك يحكم بالبطلان و لزوم إعادة أصل الصلاة، مثلا إذا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و أتى بركعة واحدة قائما للاحتياط، ثمّ تبين له قبل الاتيان بالمنافي أن النقص كان ركعتين فإنّ عليه حينئذ إتمام الصلاة بركعة أخرى و سجود السهو مرتين لزيادة السلام في أصل الصلاة و زيادته في صلاة الاحتياط.

(مسألة 872): يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة و النقيصة، و الشك في المحل، أو بعد تجاوزه أو بعد الفراغ و غير ذلك، و إذا شك في عدد ركعاتها لزم البناء على الأكثر إلا أن يكون مفسدا.

(مسألة 873): إذا شك في الاتيان بصلاة الاحتياط بنى على العدم إلا إذا كان بعد خروج الوقت، أو بعد الاتيان بما ينافي الصلاة عمدا و سهوا.

(مسألة 874): إذا نسي من صلاة الاحتياط ركنا و لم يتمكن من تداركه أعاد الصلاة، و كذلك إذا زاد ركوعا أو سجدتين في ركعة.

فصل في قضاء الأجزاء المنسية:

(مسألة 875): إذا نسي السجدة الواحدة و لم يذكر إلا بعد الدخول في الركوع وجب قضاؤها بعد الصلاة و بعد صلاة الاحتياط إذا كانت عليه، و كذا يقضي التشهد إذا نسيه و لم يذكره إلا بعد الركوع على الأحوط وجوبا، و يجري الحكم المزبور فيما إذا نسي سجدة واحدة و التشهد من الركعة الأخيرة و لم يذكر إلا بعد التسليم و الاتيان بما ينافي الصلاة

عمدا و سهوا، و أما إذا ذكره بعد التسليم و قبل الاتيان بالمنافي فاللازم تدارك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 239

المنسي و الاتيان بالتشهد و التسليم ثمّ الاتيان بسجدتي السهو للسلام الزائد على الأحوط وجوبا، و لا يقضي غير السجدة و التشهد من الأجزاء و يجب في القضاء ما يجب في المقضي من جزء و شرط كما يجب فيه نية البدلية، و لا يجوز الفصل بالمنافي بينه و بين الصلاة، و إذا فصل أعاد الصلاة، و الأولى أن يقضي الفائت قبل الاعادة.

(مسألة 876): إذا شك في فعله بنى على العدم، إلا أن يكون الشك بعد الاتيان بالمنافي عمدا و سهوا و إذا شك في موجبه بنى على العدم.

فصل في سجود السهو:

(مسألة 877): يجب سجود السهو للكلام ساهيا، و للسلام في غير محله، و للشك بين الأربع و الخمس كما تقدم، و لنسيان التشهد، و الأحوط وجوبا سجود السهو لنسيان السجدة و للقيام في موضع الجلوس، أو الجلوس في موضع القيام، كما أن الأحوط استحبابا سجود السهو لكل زيادة أو نقيصة.

(مسألة 878): يتعدد السجود بتعدد موجبه، و لا يتعدد بتعدد الكلام إلا مع تعدد السهو بأن يتذكر ثمّ يسهو، أما إذا تكلم كثيرا و كان ذلك عن سهو واحد وجب سجود واحد لا غير.

(مسألة 879): لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه و لا تعيين السبب.

(مسألة 880): يؤخر السجود عن صلاة الاحتياط، و كذا عن الأجزاء المقضية، و الأحوط عدم تأخيره عن الصلاة، و عدم الفصل بينهما بالمنافي، و إذا أخره عنها أو فصله بالمنافي لم تبطل صلاته و لم يسقط وجوبه بل لا تسقط فوريته أيضا على الأحوط، و إذا نسيه فذكر و هو في أثناء صلاة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 240

أخرى أتم صلاته و أتى به بعدها.

(مسألة 881): سجود السهو سجدتان متواليتان و تجب فيه نية القربة و لا يجب فيه تكبير، و يعتبر فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه و وضع سائر المساجد، و الأحوط استحبابا أن يكون واجدا لجميع ما يعتبر في سجود الصلاة من الطهارة و الاستقبال، و الستر و غير ذلك، و الأقوى وجوب الذكر في كل واحد منهما، و الأحوط في صورته:

«بسم اللّه و باللّه السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته» و يجب فيه التشهد بعد رفع الرأس من السجدة الثانية، ثمّ التسليم و الأحوط اختيار التشهد المتعارف.

(مسألة 882): إذا شك في موجبه لم يلتفت، و إذا شك في عدد الموجب بنى على الأقل، و إذا شك في اتيانه بعد العلم بوجوبه أتى به و إذا اعتقد تحقق الموجب- و بعد السلام شك فيه- لم يلتفت، كما أنه إذا شك في الموجب، و بعد ذلك علم به أتى به، و إذا شك في أنه سجد سجدة أو سجدتين بنى على الأقل، إلا إذا دخل في التشهد، و إذا شك بعد رفع الرأس في تحقق الذكر مضى، و إذا علم بعدمه أعاد السجدة و إذا زاد سجدة لم تقدح، على إشكال ضعيف.

(مسألة 883): تشترك النافلة مع الفريضة في أنه إذا شك في جزء منها في المحل لزم الاتيان به، و إذا شك بعد تجاوز المحل لا يعتني به، و في أنه إذا نسي جزءا لزم تداركه إذا ذكره قبل الدخول في ركن بعده، و تفترق عن الفريضة بأن الشك في ركعاتها يجوز فيه البناء على الأقل و الأكثر- كما تقدم-

و أنه لا سجود للسهو فيها، و أنه لا قضاء للجزء المنسي فيها- إذا كان يقضى في الفريضة- و أن زيادة الركن سهوا غير قادحة و من هنا يجب تدارك الجزء المنسي إذا ذكره بعد الدخول في ركن أيضا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 241

المقصد الحادي عشر صلاة المسافر و فيه فصول

الفصل الأول شرائط القصر

اشارة

تقصر الصلاة الرباعية بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط:

الأول: قصد قطع المسافة، و هي ثمانية فراسخ امتدادية ذهابا أو إيابا أو ملفقة من أربعة ذهابا و أربعة إيابا، سواء اتصل ذهابه بإيابه أم انفصل عنه بمبيت ليلة واحدة أو أكثر في الطريق أو في المقصد الذي هو رأس الأربعة، ما لم تحصل منه الاقامة القاطعة للسفر أو غيرها من القواطع الآتية.

(مسألة 884): الفرسخ ثلاثة أميال، و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، و هو من المرفق إلى طرف الأصابع، فتكون المسافة أربعا و أربعين كيلومترا تقريبا.

(مسألة 885): إذا نقصت المسافة عن ذلك و لو يسيرا بقي على التمام، و كذا إذا شك في بلوغها المقدار المذكور، أو ظن بذلك.

(مسألة 886): تثبت المسافة بالعلم، و بالبينة الشرعية، و لا يبعد ثبوتها بخبر العدل الواحد بل بإخبار مطلق الثقة و إن لم يكن عادلا، و إذا تعارضت البينتان أو الخبران تساقطتا و وجب التمام، و لا يجب الاختبار إذا لزم منه الحرج، بل مطلقا، و إذا شك العامي في مقدار المسافة- شرعا- وجب عليه إما الرجوع إلى المجتهد و العمل على فتواه، أو الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام، و إذا اقتصر على أحدهما و انكشف مطابقته للواقع أجزأه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 242

(مسألة 887): إذا اعتقد كون ما قصده مسافة فقصر فظهر عدمه أعاد، و أما إذا اعتقد عدم

كونه مسافة فأتم ثمّ ظهر كونه مسافة أعاد في الوقت دون خارجه.

(مسألة 888): إذا شك في كونه مسافة، أو اعتقد العدم و ظهر في أثناء السير كونه مسافة قصر، و إن لم يكن الباقي مسافة.

(مسألة 889): إذا كان للبلد طريقان، و الأبعد منهما مسافة دون الأقرب، فإن سلك الأبعد قصر، و إن سلك الأقرب أتم، و لا فرق في ذلك بين أن يكون سفره من بلده إلى بلد آخر أو من بلد آخر إلى بلده أو غيره.

(مسألة 890): لا يبعد كفاية التلفيق في تحقق المسافة فإذا كان الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة قصّر و كذا في جميع صور التلفيق إذا كان الذهاب و الاياب بمجموعهما ثمانية فراسخ و إن كان الأحوط الجمع بين القصر و التمام في جميع صور التلفيق إلا إذا كان الذهاب أربعة فما زاد و الاياب كذلك.

(مسألة 891): مبدأ حساب المسافة من سور البلد، و منتهى بيوته فيما لا سور له.

(مسألة 892): لا يعتبر توالي السير على النحو المتعارف، بل يكفي قصد السفر في المسافة المذكورة- و لو في أيام كثيرة- ما لم يخرج عن قصد السفر عرفا.

(مسألة 893): يجب القصر في المسافة المستديرة، و يكون الذهاب فيها إلى منتصف الدائرة و الاياب منه إلى البلد، و لا فرق بين ما إذا كانت الدائرة في أحد جوانب البلد، أو كانت مستديرة على البلد.

(مسألة 894): لا بد من تحقق القصد إلى المسافة في أول السير فإذا قصد ما دون المسافة و بعد بلوغه تجدد قصده إلى ما دونها أيضا، و هكذا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 243

وجب التمام و إن قطع مسافات، نعم إذا شرع في الاياب إلى البلد و كانت

المسافة ثمانية قصر، و إلا بقي على التمام، فطالب الضالة أو الغريم أو الآبق و نحوهم يتمون، إلا إذا حصل لهم في الأثناء قصد ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة على ما مر.

(مسألة 895): إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ ينتظر رفقة- إن تيسروا سافر معهم و إلا رجع- أتم، و كذا إذا كان سفره مشروطا بأمر آخر غير معلوم الحصول، نعم إذا كان مطمئنا بتيسر الرفقة أو بحصول ذلك الأمر قصر.

(مسألة 896): لا يعتبر في قصد السفر أن يكون مستقلا، فإذا كان تابعا لغيره كالزوجة و العبد و الخادم و الأسير وجب التقصير، إذا كان قاصدا تبعا لقصد المتبوع، و إذا شك في قصد المتبوع بقي على التمام و الأحوط- استحبابا- الاستخبار من المتبوع، و لكن لا يجب عليه الاخبار، و إذا علم في الأثناء قصد المتبوع، فإن كان الباقي مسافة و لو ملفقة قصر، و إلا بقي على التمام.

(مسألة 897): إذا كان التابع عازما على مفارقة المتبوع- قبل بلوغ المسافة- أو مترددا في ذلك بقي على التمام، و كذا إذا كان عازما على المفارقة، على تقدير حصول أمر محتمل الحصول- سواء أ كان له دخل في ارتفاع المقتضي للسفر أو شرطه مثل الطلاق أو العتق، أم كان مانعا عن السفر مع تحقق المقتضي له و شرطه- فإذا قصد المسافة و احتمل احتمالا عقلائيا حدوث مانع عن سفره أتم صلاته، و إن انكشف بعد ذلك عدم المانع.

(مسألة 898): الظاهر وجوب القصر في السفر غير الاختياري كما إذا ألقي في قطار أو سفينة بقصد إيصاله إلى نهاية مسافة، و هو يعلم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 244

ببلوغه المسافة.

الثاني: استمرار القصد، فإذا عدل- قبل بلوغه

الأربعة- إلى قصد الرجوع، أو تردد في ذلك وجب التمام، و الأحوط- لزوما- إعادة ما صلاه قصرا إذا كان العدول قبل خروج الوقت بل القضاء خارج الوقت و الامساك في بقية النهار، و إن كان قد أفطر قبل ذلك، و إذا كان العدول أو التردد بعد بلوغ الأربعة- و كان عازما على العود قبل إقامة العشرة بقي على القصر و استمر على الافطار.

(مسألة 899): يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر و إن عدل عن الشخص الخاص، كما إذا قصد السفر إلى مكان، و في الأثناء عدل إلى غيره، إذا كان ما مضى مع ما بقي إليه مسافة، فإنه يقصر على الأصح، و كذا إذا كان من أول الأمر قاصدا السفر إلى أحد البلدين، من دون تعيين أحدهما، إذا كان السفر إلى كل منهما يبلغ المسافة.

(مسألة 900): إذا تردد في الأثناء ثمّ عاد إلى الجزم فإما أن يكون قبل قطع شي ء من الطريق أو بعده، ففي الصورة الأولى لا يترك الاحتياط بالجمع، نعم إذا كان ما بقي مسافة و لو ملفقة قصر بعد شروعه في السير، و أما في الصورة الثانية فإن كان ما بقي مسافة و لو ملفقة يقصر بعد شروعه في السير جازما و إلا فيتم صلاته، و إذا كان تردده بعد بلوغ أربعة فراسخ و كان عازما على الرجوع قبل العشرة قصر.

الثالث: أن لا يكون ناويا في أول السفر إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة، أو يكون مترددا في ذلك، و إلا أتم من أول السفر، و كذا إذا كان ناويا المرور بوطنه أو مقره أو مترددا في ذلك، فإذا كان قاصدا السفر المستمر، لكن احتمل عروض ما يوجب تبدل قصده

على نحو يلزمه أن ينوي الإقامة عشرة، أو المرور بالوطن، أتم صلاته، و إن لم يعرض ما احتمل عروضه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 245

الرابع: أن يكون السفر مباحا، فإذا كان حراما لم يقصر سواء أ كان حراما لنفسه، كإباق العبد، أم لغايته، كالسفر لقتل النفس المحترمة، أم للسرقة أم للزنا، أم لإعانة الظالم، و نحو ذلك، و يلحق به ما إذا كانت الغاية من السفر ترك واجب، كما إذا كان مديونا و سافر مع مطالبة الدائن، و إمكان الأداء في الحضر دون السفر، فإنه يجب فيه التمام، إن كان السفر بقصد التوصل إلى ترك الواجب، أما إذا كان السفر مما يتفق وقوع الحرام أو ترك الواجب أثناءه، كالغيبة و شرب الخمر و ترك الصلاة و نحو ذلك، من دون أن يكون الحرام أو ترك الواجب غاية للسفر وجب فيه القصر.

(مسألة 901): إذا كان السفر مباحا، و لكن ركب دابة مغصوبة أو مضى في أرض مغصوبة، ففي وجوب التمام أو القصر وجهان، أظهرهما القصر. نعم إذا سافر على دابة مغصوبة بقصد الفرار بها عن المالك أتم.

(مسألة 902): إباحة السفر شرط في الابتداء و الاستدامة، فإذا كان ابتداء سفره مباحا- و في الأثناء قصد المعصية- أتم حينئذ، و أما ما صلاه قصرا سابقا فلا تجب إعادته إذا كان قد قطع مسافة، و إلا فالأحوط- وجوبا- الإعادة في الوقت و خارجه، و إذا رجع إلى قصد الطاعة، فإن كان ما بقي مسافة- و لو ملفقة- و شرع في السير قصر، و إلا أتم صلاته، نعم إذا شرع في الاياب- و كان مسافة- قصر على ما يأتي.

[سفر المعصية]

(مسألة 903): إذا كان ابتداء سفره معصية فعدل إلى المباح، فإن

كان الباقي مسافة- و لو ملفقة- قصر و إلا أتم.

(مسألة 904): الراجع من سفر المعصية يقصر إذا كان الرجوع مسافة و كان تائبا أو كان رجوعه مع الفصل بحيث لم يعدّ الرجوع عرفا جزءا من سفره الأول كما إذا لم يكن قاصدا لهذا الرجوع من الأول.

(مسألة 905): إذا سافر لغاية ملفقة من الطاعة و المعصية أتم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 246

صلاته، إلا إذا كانت المعصية تابعة غير صالحة للاستقلال في تحقق السفر فإنه يقصر.

(مسألة 906): إذا سافر للصيد- لهوا- كما يستعمله أبناء الدنيا أتم الصلاة في ذهابه، بل في إيابه أيضا إذا عدّ الرجوع جزءا من سفره الأول، أما إذا كان الصيد لقوته و قوت عياله قصر، و كذلك إذا كان للتجارة، على الأظهر، و لا فرق في ذلك بين صيد البر و البحر.

(مسألة 907): التابع للجائر، إذا كان مكرها، أو بقصد غرض صحيح، كدفع مظلمة عن نفسه أو غيره يقصر، و إلا فإن كان على وجه يعد من أتباعه و أعوانه في جوره يتم، و إن كان سفر الجائر مباحا فالتابع يتم و المتبوع يقصر.

(مسألة 908): إذا شك في كون السفر معصية أو لا، مع كون الشبهة موضوعية فالأصل الإباحة فيقصر، إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة، أو كان هناك أصل موضوعي يحرز به الحرمة فلا يقصر.

(مسألة 909): إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثمّ عدل في الأثناء إلى الطاعة، فإن كان العدول قبل الزوال وجب الافطار إذا كان الباقي مسافة و قد شرع فيه، و لا يفطر بمجرد العدول من دون الشروع في قطع الباقي مما هو مسافة، و إن كان العدول بعد الزوال، و كان في شهر

رمضان فالأحوط- وجوبا- أن يتمه، ثمّ يقضيه، و لو انعكس الأمر بأن كان سفره طاعة في الابتداء، و عدل إلى المعصية في الأثناء و كان العدول بعد المسافة فإن لم يأت بالمفطر و كان قبل الزوال فالأحوط- وجوبا- أن يصوم ثمّ يقضيه و إن كان قبل المسافة فعليه أن يتم صومه و إن كان بعد الزوال ثمّ يقضيه على الأحوط، نعم لو كان ذلك بعد فعل المفطر وجب عليه الإتمام و القضاء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 247

الخامس: أن لا يتخذ السفر عملا له، كالمكاري، و الملاح، و الساعي، و الراعي، و التاجر الذي يدور في تجارته، و غيرهم ممن عمله السفر إلى المسافة فما زاد، فإن هؤلاء يتمون الصلاة في سفرهم، و إن استعملوه لأنفسهم، كحمل المكاري متاعه أو أهله من مكان إلى آخر، و كما أن التاجر الذي يدور في تجارته يتم الصلاة، كذلك العامل الذي يدور في عمله كالنجار الذي يدور في الرساتيق لتعمير النواعير و الكرود، و البناء الذي يدور في الرساتيق و المزارع لتعمير الماكينات و إصلاحها، و النقار الذي يدور في القرى لنقر الرحى، و أمثالهم، من العمال الذين يدورون في البلاد و القرى و الرساتيق للاشتغال و الأعمال، مع صدق الدوران في حقهم، لكون مدة الاقامة للعمل قليلة، و مثلهم الحطاب و الجلاب الذي يجلب الخضر و الفواكه و الحبوب و نحوها إلى البلد، فإنهم يتمون الصلاة، و يلحق بمن عمله السفر أو يدور في عمله من كان عمله في مكان يسافر إليه في بعض أيامه سواء كانت متواصلة أو متفرقة بأن يسافر إليه في كل اسبوع يوما أو أكثر كمن كانت إقامته في مكان و تجارته أو

طبابته أو تدريسه أو دراسته في مكان آخر على إشكال في مثل الدراسة فلا يترك الاحتياط، و الحاصل أن العبرة في لزوم التمام بكون السفر بنفسه عملا أو كون عمله في السفر و كان السفر مقدمة له.

[من كان عمله السفر]

(مسألة 910): إذا اختص عمله بالسفر إلى ما دون المسافة قصر إن اتفق له السفر إلى المسافة، نعم إذا كان عمله السفر إلى مسافة معينة كالمكاري من النجف إلى كربلاء، فاتفق له كري دوابه إلى غيرها فإنه يتم حينئذ.

(مسألة 911): لا يعتبر في وجوب التمام تكرر السفر ثلاث مرات بل يكفي كون السفر عملا له و لو في المرة الأولى.

(مسألة 912): إذا سافر من عمله السفر سفرا ليس من عمله كما

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 248

إذا سافر المكاري للزيارة أو الحج وجب عليه القصر، و مثله ما إذا انكسرت سيارته أو سفينته فتركها عند من يصلحها و رجع إلى أهله فإنه يقصر في سفر الرجوع إذا لم يعدّ رجوعه من توابع عمله، و كذا لو غصبت دوابه أو مرضت فتركها و رجع إلى أهله، نعم إذا لم يتهيأ له المكاراة في رجوعه فرجع إلى أهله بدوابه أو بسيارته أو بسفينته خالية من دون مكاراة، فإنه يتم في رجوعه فالتمام يختص بالسفر الذي هو عمله، أو تابع لعمله.

(مسألة 913): إذا اتخذ السفر عملا له في شهور معينة من السنة أو فصل معيّن منها، كالذي يكري دوابه بين مكة و جدة في شهور الحج أو يجلب الخضر في فصل الصيف جرى عليه الحكم، و أتم الصلاة، في سفره في المدة المذكورة، أما في غيرها من الشهور فيقصر في سفره إذا اتفق له السفر.

(مسألة 914): الحملدارية الذين يسافرون إلى

مكة في أيام الحج في كل سنة، و يقيمون في بلادهم بقية أيام السنة يشكل جريان حكم من عمله السفر عليهم، فالأحوط لزوما لهم الجمع بين القصر و التمام، بل لا يبعد وجوب القصر عليهم، فيما إذا كان زمان سفرهم قليلا، كما هو الغالب في من يسافر جوا في عصرنا الحاضر.

(مسألة 915): الظاهر أنّ كون السفر عملا يتوقف على العزم على المزاولة له مرّة بعد أخرى، و المعيار أن يعدّ السفر المفروض عملا له و يكفي في ذلك أن يسافر يوما في الاسبوع كمن يسافر من النجف إلى بغداد لبيع الأجناس التجارية أو شرائها في الأسبوع مرّة و إذا كان يسافر في كلّ عشرة أيام يوما فالأحوط لزوما الجمع بين القصر و التمام.

(مسألة 916): إذا لم يتخذ السفر عملا و حرفة، و لكن كان له غرض في تكرار السفر بلا فترة- مثل أن يسافر كل يوم من البلد للتنزه أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 249

لعلاج مرض، أو لزيارة إمام، أو نحو ذلك، مما لا يكون فيه السفر عملا له، و لا مقدمة لعمله يجب فيه القصر.

(مسألة 917): إذا أقام المكاري في بلده عشرة أيام وجب عليه القصر في السفرة الأولى دون الثانية فضلا عن الثالثة، و كذا إذا أقام في غير بلده عشرة منوية، و أما غير المكاري ففي إلحاقه بالمكاري إشكال و إن كان الأظهر جواز اقتصاره على التمام.

السادس: أن لا يكون ممن بيته معه كأهل البوادي من العرب و العجم الذين لا مسكن لهم معين من الأرض، بل يتبعون العشب و الماء أينما كانا و معهم بيوتهم، فإن هؤلاء يتمون صلاتهم و تكون بيوتهم بمنزلة الوطن، نعم إذا سافر أحدهم من

بيته لمقصد آخر كحج أو زيارة أو لشراء ما يحتاج من قوت أو حيوان أو نحو ذلك قصر، و كذا إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب و الماء، أما إذا سافر لهذه الغاية و معه بيته أتم.

(مسألة 918): السائح في الأرض الذي لم يتخذ وطنا منها يتم و كذا إذا كان له وطن و خرج معرضا عنه و لم يتخذ وطنا آخر إذا لم يكن بانيا على اتخاذ الوطن، و إلا وجب عليه القصر.

[حد الترخص]

السابع: أن يصل إلى حد الترخيص، و هو المكان الذي يتوارى فيه المسافر عن أهل البيوت، و علامة ذلك أنه لا يرى أهل بلده، أو المكان الذي يخفى فيه صوت الأذان بحيث لا يسمع، و يكفي أحدهما مع الجهل بحصول الآخر بل مع العلم بعدم الآخر أيضا و إن كان الأحوط فيه الجمع بين القصر و التمام، و لا يلحق محل الاقامة و المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوما مترددا بالوطن، فيقصر فيهما المسافر صلاته بمجرد شروعه في السفر، و إن كان الأحوط فيهما- استحبابا- الجمع بين القصر و التمام فيما بين البلد و حدّ الترخّص.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 250

(مسألة 919): المدار في السماع على المتعارف من حيث أذن السامع، و الصوت المسموع و موانع السمع، و الخارج عن المتعارف يرجع إليه، و كذلك الحال في الرؤية.

(مسألة 920): كما لا يجوز التقصير فيما بين البلد إلى حدّ الترخّص في ابتداء السفر، كذلك لا يجوز التقصير عند الرجوع إلى البلد، فإنه إذا تجاوز حدّ الترخص إلى البلد وجب عليه التمام.

(مسألة 921): إذا شك في الوصول إلى الحد بنى على عدمه، فيبقى على التمام في الذهاب، و على القصر في

الاياب.

(مسألة 922): يعتبر كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر إذا كان البلد كبيرا، كما أنه يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان البلد غير خارج عن المتعارف في العلو.

(مسألة 923): إذا اعتقد الوصول إلى الحدّ فصلى قصرا، ثمّ بان أنه لم يصل بطلت و وجبت الاعادة قبل الوصول إليه تماما، و بعده قصرا فإن لم يعد وجب عليه القضاء، و كذا في العود إذا صلى تماما باعتقاد الوصول فبان عدمه وجبت الاعادة قبل الوصول إليه قصرا و بعده تماما فإن لم يعد مع انكشاف الخلاف في الوقت وجب القضاء.

الفصل الثاني [قواطع السفر]

اشارة

في قواطع السفر، و هي أمور:

[الوطن و المقر]

الأول: الوطن، و المراد به المكان الذي يتخذه الإنسان مقرا له على الدوام لو خلي و نفسه، بحيث إذا لم يعرض ما يقتضي الخروج منه لم يخرج، سواء أ كان مسقط رأسه أم استجدّه، و لا يعتبر فيه أن يكون له فيه ملك، و لا أن يكون قد أقام فيه ستة أشهر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 251

(مسألة 924): يجوز أن يكون للإنسان وطنان، بأن يكون له منزلان في مكانين كل واحد منهما على الوصف المتقدم، فيقيم في كل سنة بعضا منها في هذا، و بعضها الآخر في الآخر، و كذا يجوز أن يكون له أكثر من وطنين.

(مسألة 925): الأظهر أنه يكفي في ترتيب أحكام الوطن أن يقيم في بلد و نحوه بقصد التوطن فيه فإنه يصدق عند العارف بحاله أنه اتخذه وطنا.

(مسألة 926): ذهب المشهور إلى نحو آخر من الوطن يسمّى بالوطن الشرعي و يقصدون بذلك المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلا قد استوطنه ستة أشهر متصلة عن قصد و نية فيتم صلاته فيه إذا سافر إليه بعد إعراضه إلا أن يزول ملكه و لكن الأظهر عدم ثبوت الوطن الشرعي.

(مسألة 927): يكفي في صدق الوطن قصد التوطن و لو تبعا، كما في الزوجة و العبد و الأولاد.

(مسألة 928): إذا حدث له التردد في التوطن في المكان بعد ما اتخذه وطنا أصليا كان أو مستجدا، ففي بقاء الحكم إشكال، و الأظهر البقاء.

(مسألة 929): الظاهر أنه يشترط في صدق الوطن قصد التوطن فيه أبدا، فلو قصد الاقامة في مكان مدة طويلة و جعله مقرا له- كما هو ديدن المهاجرين إلى النجف الأشرف، أو غيره من المعاهد العلمية لطلب العلم قاصدين

الرجوع إلى أوطانهم بعد قضاء وطرهم- لم يكن ذلك المكان وطنا له، نعم هو بحكم الوطن يتم الصلاة فيه، فإذا رجع إليه من سفر الزيارة- مثلا- أتم و إن لم يعزم على الإقامة فيه عشرة أيام، كما أنه يعتبر في جواز القصر في السفر منه إلى بلد آخر أن تكون المسافة ثمانية فراسخ

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 252

امتدادية أو تلفيقية، فلو كانت أقل وجب التمام، و كما ينقطع السفر بالمرور بالوطن ينقطع بالمرور بالمقر.

تنبيه: قد يقال: إذا كان الإنسان وطنه النجف مثلا، و كان له محل عمل في الكوفة يخرج إليه وقت العمل كل يوم و يرجع ليلا، فإنه لا يصدق عليه عرفا- و هو في محله- أنه مسافر، فإذا خرج من النجف قاصدا محل العمل و بعد الظهر- مثلا- يذهب إلى بغداد يجب عليه التمام في ذلك المحل و بعد التعدي من حدّ الترخص منه يقصر، و إذا رجع من بغداد إلى النجف و وصل إلى محل عمله أتم، و كذلك الحكم لأهل الكاظمية إذا كان لهم محل عمل في بغداد و خرجوا منها إليه لعملهم ثمّ السفر إلى كربلاء مثلا، فإنهم يتمون فيه الصلاة ذهابا و إيابا، إذا مروا به. و لكن ما ذكر يختص بما إذا كان مقر العمل محلا لسكناه و إلا فلا أثر للمرور بمقرّ العمل إذا قصد المسافة من الأول، و كذا في الرجوع إذا رجع إلى مقر العمل لمجرد المرور به.

[الإقامة و أحكامها]

الثاني: العزم على الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه المدة المذكورة فيه و إن لم يكن باختياره، و الليالي المتوسطة داخلة بخلاف الأولى و الأخيرة، و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من

يوم آخر فإذا نوى الإقامة من زوال أول يوم إلى زوال اليوم الحادي عشر وجب التمام، و الظاهر أن مبدأ اليوم طلوع الشمس، فإذا نوى الاقامة من طلوع الشمس فيكفي في وجوب التمام نيتها إلى غروب اليوم العاشر.

(مسألة 930): يشترط وحدة محل الاقامة، فإذا قصد الإقامة عشرة أيام في النجف الأشرف و مسجد الكوفة مثلا بقي على القصر، نعم لا يشترط قصد عدم الخروج عن سور البلد، بل إذا قصد الخروج إلى ما يتعلق بالبلد من الأمكنة مثل بساتينه و مزارعه و مقبرته و مائه و نحو ذلك من الأمكنة التي يتعارف وصول أهل البلد إليها من جهة كونهم أهل ذلك البلد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 253

لم يقدح في صدق الإقامة فيها، نعم يشكل الخروج إلى حد الترخص، فضلا عما زاد عليه إلى ما دون المسافة، كما إذا قصد الإقامة في النجف الأشرف مع قصد الخروج إلى مسجد الكوفة أو السهلة، فالأحوط الجمع- حينئذ- مع الإمكان، و إن كان الأظهر جواز الاقتصار على التمام و عدم منافاة الخروج المذكور للإقامة، إذا كان زمان الخروج قليلا.

(مسألة 931): إذا قصد الاقامة إلى ورود المسافرين، أو انقضاء الحاجة أو نحو ذلك، وجب القصر و ان اتفق حصوله بعد عشرة أيام و إذا نوى الاقامة إلى يوم الجمعة الثانية- مثلا- و كان عشرة أيام كفى في صدق الإقامة و وجوب التمام، و كذا في كل مقام يكون فيه الزمان محدودا بحد معلوم، و إن لم يعلم أنه يبلغ عشرة أيام لتردد زمان النية بين سابق و لاحق، و أما إذا كان التردد لأجل الجهل بالآخر كما إذا نوى المسافر الاقامة من اليوم الواحد و العشرين إلى آخر

الشهر، و تردد الشهر بين الناقص و التام وجب فيه القصر، و إن انكشف كمال الشهر بعد ذلك.

(مسألة 932): تجوز الاقامة في البرية، و حينئذ يجب أن ينوي عدم الوصول إلى ما لا يعتاد الوصول إليه من الأمكنة البعيدة، إلا إذا كان زمان الخروج قليلا، كما تقدم.

(مسألة 933): إذا عدل المقيم عشرة أيام عن قصد الاقامة، فإن كان قد صلى فريضة تماما بقي على الاتمام إلى أن يسافر، و إلا رجع إلى القصر، سواء لم يصل أصلا أم صلى مثل الصبح و المغرب، أو شرع في الرباعية و لم يتمها و لو كان في ركوع الثالثة، و سواء أفعل ما لا يجوز فعله للمسافر من النوافل و الصوم، أو لم يفعل.

(مسألة 934): إذا صلى بعد نية الاقامة فريضة تماما نسيانا أو لشرف البقعة غافلا عن نيته كفى في البقاء على التمام، و لكن إذا فاتته

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 254

الصلاة بعد نية الاقامة فقضاها خارج الوقت تماما، ثمّ عدل عنها رجع إلى القصر.

(مسألة 935): إذا تمت مدة الاقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر، و إن لم يصل في مدة الاقامة فريضة تماما.

(مسألة 936): لا يشترط في تحقق الاقامة كونه مكلفا، فلو نوى الاقامة و هو غير بالغ ثمّ بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقية الأيام و قبل البلوغ أيضا يصلي تماما، و إذا نواها و هو مجنون و كان تحقق القصد منه ممكنا، أو نواها حال الافاقة ثمّ جنّ يصلي تماما بعد الافاقة في بقية العشرة، و كذا إذا كانت حائضا حال النية فإنها تصلي ما بقي بعد الطهر

من العشرة تماما، بل إذا كانت حائضا تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفرا.

(مسألة 937): إذا صلى تماما، ثمّ عدل لكن تبين بطلان صلاته رجع إلى القصر، و إذا صلى الظهر قصرا ثمّ نوى الإقامة فصلى العصر تماما ثمّ تبين له بطلان إحدى الصلاتين فإنه يرجع إلى القصر، و يرتفع حكم الاقامة، و إذا صلى بنية التمام، و بعد السلام شك في أنك سلم على الأربع أو الاثنتين أو الثلاث كفى في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة، و كذا يكفي في البقاء على حكم التمام، إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب، و قبل فعل المستحب منه، أو قبل الاتيان بسجود السهو، و لا يترك الاحتياط فيما إذا عدل بعد السلام و قبل قضاء السجدة المنسية.

(مسألة 938): إذا استقرت الاقامة و لو بالصلاة تماما، فبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة، فإن كان ناويا للإقامة في المقصد، أو في محل الاقامة، أو في غيرهما بقي على التمام، حتى يسافر من محل الاقامة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 255

الثانية، و إن كان ناويا الرجوع إلى محل الاقامة و السفر منه قبل العشرة أتم في الذهاب و المقصد، و أما في الاياب و محل الاقامة فالأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام فيهما إن كان جازما بعدم بقائه في محل الاقامة عشرة أيام و إلا تعين عليه التمام إلى أن يسافر من محل الاقامة.

(مسألة 939): إذا دخل في الصلاة بنية القصر، فنوى الاقامة في الأثناء أكملها تماما، و إذا نوى الاقامة فشرع في الصلاة بنية التمام فعدل في الأثناء، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمها قصرا، و

إن كان بعده بطلت.

(مسألة 940): إذا عدل عن نية الاقامة، و شك في أن عدوله كان بعد الصلاة تماما ليبقى على التمام أم لا بنى على عدمها فيرجع إلى القصر.

(مسألة 941): إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم، و عدل عند الزوال قبل أن يصلي تماما فالأحوط البقاء على صومه ثمّ القضاء و إن كان لا يبعد عدم وجوب القضاء، و أما الصلاة فيجب فيها القصر، كما سبق.

[الإقامة ثلاثين يوما مترددا]

الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما من دون عزم على الإقامة عشرة أيام، سواء عزم على إقامة تسعة أو أقل أم بقي مترددا فإنه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين، و بعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفرا جديدا.

(مسألة 942): المتردد في الأمكنة المتعددة يقصر، و إن بلغت المدة ثلاثين يوما.

(مسألة 943): إذا خرج المقيم المتردد إلى ما دون المسافة جرى عليه حكم المقيم عشرة أيام إذا خرج إليه، فيجري فيه ما ذكرناه فيه.

(مسألة 944): إذا تردد في مكان تسعة و عشرين يوما، ثمّ انتقل إلى مكان آخر، و أقام فيه- مترددا- تسعة و عشرين، و هكذا بقي على القصر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 256

في الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيام، أو يبقى في مكان واحد ثلاثين يوما مترددا.

(مسألة 945): يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر هنا، كما تقدم في الإقامة.

(مسألة 946): و الأظهر كفاية الشهر الهلالي في غير مورد التلفيق إذا كان ناقصا عن ثلاثين يوما و مع التلفيق يعتبر إكمال الثلاثين يوما.

الفصل الثالث في أحكام المسافر:

اشارة

(مسألة 947): تسقط النوافل النهارية في السفر، و في سقوط الوتيرة إشكال، و لا بأس بالاتيان بها برجاء المطلوبية، و يجب القصر في الفرائض الرباعية بالاقتصار على الأوليين منهما فيما عدا الأماكن الأربعة، كما سيأتي، و إذا صلاها تماما، فإن كان عالما بالحكم بطلت، و وجبت الاعادة أو القضاء، و إن كان جاهلا بالحكم من أصله- بأن لم يعلم وجوب القصر على المسافر- لم تجب الاعادة، فضلا عن القضاء، و إن كان عالما بأصل الحكم، و جاهلا ببعض الخصوصيات الموجبة للقصر، مثل انقطاع عملية السفر بإقامة عشرة في البلد، و مثل

أن العاصي في سفره يقصر إذا رجع إلى الطاعة و نحو ذلك، أو كان جاهلا بالموضوع، بأن لا يعلم أن ما قصده مسافة- مثلا- فأتم فتبين له أنه مسافة، أو كان ناسيا للسفر أو ناسيا أن حكم المسافر القصر فأتم، فإن علم أو تذكر في الوقت أعاد، و إن علم أو تذكر بعد خروج الوقت فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه.

(مسألة 948): الصوم كالصلاة فيما ذكر فيبطل في السفر مع العلم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 257

و يصح مع الجهل، سواء أ كان لجهل بأصل الحكم أم كان بالخصوصيات أم كان بالموضوع.

(مسألة 949): إذا قصّر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد، إلا في المقيم عشرة أيام إذا قصر جهلا بأن حكمه التمام، فإن الأظهر فيه الصحة.

(مسألة 950): إذا دخل الوقت و هو حاضر و تمكن من الصلاة تماما و لم يصلّ، ثمّ سافر حتى تجاوز حد الترخص و الوقت باق، صلى قصرا و إذا دخل عليه الوقت و هو مسافر و تمكن من الصلاة قصرا و لم يصل حتى وصل إلى وطنه، أو محل إقامته صلى تماما، فالمدار على زمان الأداء لا زمان حدوث الوجوب.

(مسألة 951): إذا فاتته الصلاة في الحضر قضى تماما و لو في السفر، و إذا فاتته في السفر قضى قصرا و لو في الحضر، و إذا كان في أول الوقت حاضرا و في آخره مسافرا أو بالعكس راعى في القضاء حال الفوات و هو آخر الوقت، فيقضي في الأول قصرا، و في العكس تماما.

[أماكن التخيير]

(مسألة 952): يتخير المسافر بين القصر و التمام في الأماكن الأربعة الشريفة، و هي المسجد الحرام، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و

مسجد الكوفة و حرم الحسين عليه السّلام، و التمام أفضل، و القصر أحوط، و الظاهر إلحاق تمام بلدتي مكة و المدينة القديمتين، بالمسجدين دون الكوفة و كربلاء، و في تحديد الحرم الشريف إشكال، و الظاهر جواز الاتمام في تمام الروضة المقدسة دون الرواق و الصحن.

(مسألة 953): لا فرق في ثبوت التخيير في الأماكن المذكورة بين أرضها و سطحها و المواضع المنخفضة فيها، كبيت الطشت في مسجد الكوفة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 258

(مسألة 954): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور، فلا يجوز للمسافر الذي حكمه القصر الصوم في الأماكن الأربعة.

(مسألة 955): التخيير المذكور استمراري، فإذا شرع في الصلاة بنية القصر يجوز له العدول في الأثناء إلى الاتمام، و بالعكس.

(مسألة 956): لا يجري التخيير المذكور في سائر المساجد و المشاهد الشريفة.

(مسألة 957): يستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة ثلاثين مرة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر».

(مسألة 958): يختص التخيير المذكور بالأداء و لا يجري في القضاء.

خاتمة في بعض الصلوات المستحبة:

[صلاة العيدين]

(منها): صلاة العيدين، و هي واجبة في زمان الحضور مع اجتماع الشرائط، و مستحبة في عصر الغيبة جماعة و فرادى، و لا يعتبر فيها العدد و لا تباعد الجماعتين، و لا غير ذلك من شرائط صلاة الجمعة، و كيفيتها:

ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد و سورة، و الأفضل أن يقرأ في الأولى «و الشمس» و في الثانية «الغاشية» أو في الأولى «الأعلى» و في الثانية «و الشمس» ثمّ يكبّر في الأولى خمس تكبيرات، و يقنت عقيب كل تكبيرة، و في الثانية بكبر بعد القراءة أربعا، و يقنت بعد كل واحدة على الأحوط في التكبيرات و القنوتات، و يجزي في القنوت

ما يجزي في قنوت سائر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 259

الصلوات، و الأفضل أن يدعو بالمأثور، فيقول في كل واحد منها: «اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوى و المغفرة، أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذخرا و مزيدا، أن تصلّي على محمد و آل محمد، كأفضل ما صليت على عبد من عبادك، و صلّ على ملائكتك و رسلك، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات، الأحياء منهم و الأموات، اللهم إنّي أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون، و أعوذ بك من شرّ ما استعاذ بك منه عبادك المخلصون»، و يأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، و لا يجب الحضور عندهما، و لا الاصغاء و يجوز تركهما في زمان الغيبة و إن كان الصلاة جماعة.

(مسألة 959): لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة غير القراءة.

(مسألة 960): إذا لم تجتمع شرائط وجوبها ففي جريان أحكام النافلة عليها إشكال، و الظاهر بطلانها بالشك في ركعاتها، و لزوم قضاء السجدة الواحدة إذا نسيت، و الأولى سجود السهو عند تحقق موجبه.

(مسألة 961): إذا شك في جزء منها و هو في المحل أتى به، و إن كان بعد تجاوز المحل مضى.

(مسألة 962): ليس في هذه الصلاة أذان و لا إقامة، بل يستحب أن يقول المؤذن: الصلاة- ثلاثا-.

(مسألة 963): وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، و الأظهر سقوط قضائها لو فاتت، نعم إن ثبت بعد الزوال أن اليوم يوم عيد الفطر تؤخّر الصلاة إلى الغد قبل الزوال، و يستحب الغسل قبلها، و الجهر

فيها بالقراءة، إماما كان أو منفردا، و رفع اليدين حال التكبيرات، و السجود على الأرض و الاصحار بها إلا في مكة المعظمة فإن الاتيان بها في المسجد الحرام

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 260

أفضل و أن يخرج إليها راجلا حافيا لابسا عمامة بيضاء مشمرا ثوبه إلى ساقه و أن يأكل قبل خروجه إلى الصلاة في الفطر، و بعد عوده في الأضحى مما يضحي به إن كان.

[صلاة ليلة الدفن]

و (منها): صلاة ليلة الدفن، و تسمى صلاة الوحشة، و هي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي و الأحوط قراءتها إلى: «هم فيها خالدون» و في الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات، و بعد السلام يقول: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلى قبر فلان» و يسمي الميت، و في رواية بعد الحمد في الأولى التوحيد مرتين، و بعد الحمد في الثانية سورة التكاثر عشرا، ثمّ الدعاء المذكور، و الجمع بين الكيفيتين أولى و أفضل.

(مسألة 964): لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة و إن كان الأولى ترك الاستئجار و دفع المال إلى المصلي، على نحو لا يؤذن له بالتصرف فيه، إلا إذا صلى.

(مسألة 965): إذا صلى و نسي آية الكرسي أو القدر أو بعضهما أو أتى بالقدر أقل من العدد الموظف فهي لا تجزي عن صلاة ليلة الدفن و لا يحل له المال المأذون له فيه بشرط كونه مصليا إذا لم تكن الصلاة تامة.

(مسألة 966): وقتها الليلة الأولى من الدفن فإذا لم يدفن الميت إلا بعد مرور مدة أخرت الصلاة إلى الليلة الأولى من الدفن، و يجوز الإتيان بها في جميع آنات الليل، و إن كان التعجيل أولى.

(مسألة 967): إذا أخذ المال

ليصلي فنسي الصلاة في ليلة الدفن لا يجوز له التصرف في المال إلا بمراجعة مالكه، فإن لم يعرفه و لم يمكن تعرفه جرى عليه حكم مجهول المالك، و إذا علم من القرائن أنه لو استأذن المالك لأذن له في التصرف في المال لم يكف ذلك في جواز التصرف فيه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 261

بمثل البيع و الهبة و نحوهما، و إن جاز بمثل أداء الدين و الأكل و الشرب و نحوهما.

[صلاة أول الشهر]

و (منها): صلاة أول يوم من كل شهر، و هي: ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة، و في الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرة ثمّ يتصدق بما تيسر، يشتري بذلك سلامة الشهر، و يستحب قراءة هذه الآيات الكريمة بعدها و هي: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا، وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً، مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، رَبِّ لٰا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ.

(مسألة 968): يجوز إتيان هذه الصلاة في تمام النهار.

[صلاة الغفيلة]

و (منها): صلاة الغفيلة، و هي: ركعتان بين المغرب و العشاء، يقرأ في الأولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ، سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ، وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و في الثانية بعد الحمد: وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ، وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا، وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ ثمّ يرفع يديه و يقول: «اللهم إني

أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا» و يذكر حاجته، ثمّ يقول: «اللهم أنت ولي نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد و آله عليه و عليهم السلام لما (و في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 262

نسخة إلا) قضيتها لي» ثمّ يسأل حاجته فإنها تقضى إن شاء اللّه تعالى، و قد ورد أنها تورث دار الكرامة و دار السلام و هي الجنة.

(مسألة 969): قيل بجواز الاتيان بركعتين من نافلة المغرب بصورة صلاة الغفيلة فيكون ذلك من تداخل المستحبين و لكن لا يخلو عن إشكال، نعم يجوز الاتيان بركعتين بنية الأعم من النافلة و الغفيلة بمعنى أن تكونا من نافلة المغرب إن لم تثبت الغفيلة.

و (منها): الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة، و هي ركعتان يقرأ في كل واحدة منهما بعد الحمد سبع سور، و الأولى الاتيان بها على هذا الترتيب: الفلق- أولا- ثمّ الناس، ثمّ التوحيد، ثمّ الكافرون، ثمّ النصر، ثمّ الأعلى، ثمّ القدر.

و لنكتف بهذا المقدار من الصلوات المستحبة طلبا للاختصار و الحمد للّه ربّنا و هو حسبنا و نعم الوكيل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 263

كتاب الصوم

اشارة

و فيه فصول

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 265

الفصل الأول في النية

(مسألة 970): يشترط في صحة الصوم النية على وجه القربة، لا بمعنى وقوعه عن النية كغيره من العبادات الفعلية، بل يكفي وقوعه للعجز عن المفطرات، أو لوجود الصارف النفساني عنها، إذا كان عازما على تركها لو لا ذلك، فلو نوى الصوم ليلا ثمّ غلبه النوم قبل الفجر أو نام اختيارا حتى دخل الليل صح صومه، و يكفي ذلك في سائر التروك العبادية أيضا و لا يلحق بالنوم السكر و الاغماء على الأحوط وجوبا.

(مسألة 971): لا يجب قصد الوجوب و الندب، و لا الأداء و القضاء و لا غير ذلك من صفات الأمر و المأمور به، بل يكفي القصد إلى المأمور به عن أمره، كما تقدم في كتاب الصلاة.

(مسألة 972): يكفي في القضاء عن غيره قصد امتثال الأمر المتوجه إليه بإتيان ما على عهدة الغير نظير أداء دين الغير كما أن فعله عن نفسه يتوقف على امتثال الأمر المتوجه إليه بالصوم عن نفسه، و يكفي في المقامين القصد الاجمالي.

(مسألة 973): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فإذا قصد الصوم عن المفطرات- إجمالا- كفى.

(مسألة 974): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره- على إشكال- فإن نوى غيره بطل، إلا أن يكون جاهلا به أو ناسيا له، فيجزي عن رمضان

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 266

- حينئذ- لا عن ما نواه.

(مسألة 975): يكفي في صحة صوم رمضان القصد إليه و لو إجمالا فإذا نوى الصوم المشروع في غد و كان من رمضان أجزأ عنه، أما إذا قصد صوم غد دون توصيفه بخصوص المشروع لم يجز، و كذا الحكم في سائر أنواع الصوم من النذر أو الكفارة أو

القضاء، فما لم يقصد المعين لا يصح، نعم إذا قصد ما في ذمته و كان واحدا أجزأ عنه، و يكفي في صحة الصوم المندوب المطلق نية صوم غد قربة إلى اللّه تعالى إذا لم يكن عليه صوم واجب، و لو كان غد من أيام البيض مثلا، فإن قصد الطبيعة الخاصة صح المندوب الخاص و إلا صح مندوبا مطلقا.

(مسألة 976): وقت النية في الواجب المعين- و لو بالعارض- إلى طلوع الفجر الصادق بحيث يحدث الصوم مقارنا له و في الواجب غير المعين يمتد وقتها إلى الزوال و إن تضيق وقته، فإذا أصبح ناويا للافطار و بدا له قبل الزوال أن يصوم واجبا فنوى الصوم أجزأه، و إن كان ذلك بعد الزوال لم يجز، و في المندوب يمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يمكن فيه تجديد النية.

(مسألة 977): يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر و الظاهر كفاية ذلك في غيره أيضا كصوم الكفارة و نحوها.

(مسألة 978): إذا لم ينو الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم أو الموضوع، أو للجهل بهما و لم يستعمل مفطرا ففي الاجتزاء بتجديد نيته إذا تذكر أو علم قبل الزوال إشكال، و الاحتياط بتجديد النية و القضاء لا يترك.

(مسألة 979): إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان، و إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية، و إن صامه بنية رمضان بطل، و أما إن صامه بنية الأمر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 267

الواقعي المتوجه إليه- إمّا الوجوبي أو الندبي- فالظاهر الصحة و إن صامه على أنه إن كان من شعبان كان ندبا، و

إن كان من رمضان كان وجوبا فالظاهر البطلان، و إذا أصبح فيه ناويا للافطار فتبين أنه من رمضان قبل تناول المفطر فإن كان قبل الزوال فالأحوط تجديد النية ثمّ القضاء، و إن كان بعده أمسك وجوبا و عليه قضاؤه.

(مسألة 980): تجب استدامة النية إلى آخر النهار، فإذا نوى القطع فعلا أو تردد بطل، و كذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى المفطر مع العلم بمفطريته، و إذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة، هذا في الواجب المعين، أما الواجب غير المعين فلا يقدح شي ء من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال.

(مسألة 981): لا يصح العدول من صوم إلى صوم إذا فات وقت نية المعدول إليه و إلا صحّ، على إشكال إلا إذا كان المنوي أولا محكوما بالبطلان كما إذا قصد التطوع من عليه قضاء شهر رمضان فعدل إلى نية القضاء قبل الزوال فيصح قضاء.

الفصل الثاني المفطرات

اشارة

و هي أمور:

(الأول، و الثاني): الأكل و الشرب مطلقا، و لو كانا قليلين، أو غير معتادين.

(الثالث): الجماع قبلا أو دبرا، فاعلا أو مفعولا، حيا و ميتا، حتى البهيمة على الأحوط وجوبا، و لو قصد الجماع و شك في الدخول أو بلوغ

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 268

مقدار الحشفة بطل صومه، و لكن لم تجب الكفارة عليه. و لا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ- مثلا- فدخل في أحد الفرجين من غير قصد.

(الرابع): الكذب على اللّه تعالى، أو على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو على الأئمة عليهم السّلام، بل الأحوط إلحاق سائر الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام بهم، من غير فرق بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي، و إذا قصد

الصدق فكان كذبا فلا بأس، و إن قصد الكذب فكان صدقا كان من قصد المفطر، و قد تقدم البطلان به مع العلم بمفطريته.

(مسألة 982): إذا تكلم بالكذب غير موجه خطابه إلى أحد، أو موجها له إلى من لا يفهم ففي بطلان صومه إشكال، و الاحتياط لا يترك.

(الخامس): رمس تمام الرأس في الماء، من دون فرق بين الدفعة و التدريج، و لا يقدح رمس أجزائه على التعاقب و إن استغرقه، و كذا إذا ارتمس و قد أدخل رأسه في زجاجة و نحوها كما يصنعه الغواصون.

(مسألة 983): في إلحاق المضاف بالماء إشكال، و الأظهر عدم الالحاق.

(مسألة 984): إذا ارتمس الصائم عمدا ناويا للاغتسال فإن كان ناسيا لصومه صح صومه و غسله، و أما إذا كان ذاكرا فإن كان في شهر رمضان بطل غسله و صومه و كذلك الحكم في قضاء شهر رمضان بعد الزوال على الأحوط، و أما في الواجب المعين غير شهر رمضان فيبطل صومه بنية الارتماس و الظاهر صحة غسله إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، و أما في غير ذلك من الصوم الواجب أو المستحب فلا ينبغي الإشكال في صحة غسله و إن بطل صومه.

(السادس): إيصال الغبار الغليظ منه و غير الغليظ إلى جوفه عمدا على الأحوط، نعم ما يتعسر التحرز عنه فلا بأس به، و الأحوط إلحاق الدخان بالغبار.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 269

(السابع): تعمد البقاء على الجناية حتى يطلع الفجر، و الأظهر اختصاص ذلك بشهر رمضان و قضائه، أما غيرهما من الصوم الواجب أو المندوب فلا يقدح فيه ذلك.

(مسألة 985): الأقوى عدم البطلان بالاصباح جنبا لا عن عمد في صوم رمضان و غيره من الصوم الواجب المعين، إلا قضاء رمضان، فإنه

إن علم بجنابته في الليل فلا يصح منه صوم قضاء رمضان و إن تضيّق وقته و إن علم بها بعد طلوع الفجر فيصح حتى مع سعة الوقت.

(مسألة 986): لا يبطل الصوم- واجبا أو مندوبا، معينا أو غيره- بالاحتلام في أثناء النهار، كما لا يبطل البقاء على حدث مس الميت- عمدا- حتى يطلع الفجر.

(مسألة 987): إذا أجنب- عمدا ليلا- في وقت لا يسع الغسل و لا التيمم ملتفتا إلى ذلك فهو من تعمد البقاء على الجنابة، نعم إذا تمكن من التيمم وجب عليه التيمم و الصوم، و الأحوط، استحبابا قضاؤه و إن ترك التيمم وجب عليه القضاء و الكفارة.

(مسألة 988): إذا نسي غسل الجنابة- ليلا- حتى مضى يوم أو أيام من شهر رمضان بطل صومه، و عليه القضاء، دون غيره من الواجب المعين و غيره، و إن كان أحوط استحبابا، و الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض و النفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة، و إن كان الالحاق أحوط استحبابا.

(مسألة 989): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض و نحوه وجب عليه التيمم قبل الفجر، فإن تركه بطل صومه، و إن تيمم وجب عليه أن يبقى مستيقظا إلى أن يطلع الفجر، على الأحوط.

(مسألة 990): إذا ظن سعة الوقت للغسل فاجنب، فبان الخلاف فلا شي ء عليه مع مراعاة نظره إلى الفجر، أما بدونها فالأحوط القضاء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 270

(مسألة 991): حدث الحيض و النفاس كالجنابة في أن تعمد البقاء عليهما مبطل للصوم في رمضان دون غيره، و إذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل و لا التيمم أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر صح صومها.

(مسألة 992): المستحاضة الكثيرة يشترط في صحة صومها الغسل لصلاة

الصبح، و كذا للظهرين و لليلة الماضية، على الأحوط، فإذا تركت أحدها بطل صومها، و لا يجب تقديم غسل الصبح على الفجر، بل لا يجزي لصلاة الصبح إلا مع وصلها به، و إذا اغتسلت لصلاة الليل لم تجتزئ به للصبح، و لو مع عدم الفصل المعتد به، على الأحوط.

(مسألة 993): إذا أجنب في شهر رمضان- ليلا- و نام حتى أصبح فإن نام ناويا لترك الغسل، أو مترددا فيه لحقه حكم تعمد البقاء على الجنابة، و إن نام ناويا للغسل، فإن كان في النومة الأولى صح صومه و إن كان في النومة الثانية- بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ أفاق و نام ثانيا حتى أصبح- وجب عليه القضاء، دون الكفارة، على الأقوى، و إذا كان بعد النومة الثالثة، فالأحوط- استحبابا- الكفارة أيضا و كذلك في النومين الأولين إذا لم يكن معتاد الانتباه. و إذا نام عن ذهول و غفلة فالأظهر وجوب القضاء مطلقا و الأحوط الأولى الكفارة أيضا في الثالث.

(مسألة 994): يجوز لناوي الغسل النوم الأول و الثاني مع احتمال الاستيقاظ و كونه معتاد الانتباه، و الأحوط- استحبابا- تركه إذا لم يكن معتاد الانتباه، و أما النوم الثالث فالأولى تركه مطلقا.

(مسألة 995): إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلى الغسل منه، و يجوز له الاستبراء بالبول و إن علم ببقاء شي ء من المني في المجرى، و لكن لو اغتسل قبل الاستبراء بالبول فالأحوط تأخيره إلى ما بعد المغرب.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 271

(مسألة 996): لا يعدّ النوم الذي احتلم فيه ليلا من النوم الأول بل إذا أفاق ثمّ نام كان نومه بعد الافاقة هو النوم الأول.

(مسألة 997): الظاهر إلحاق النوم الرابع و

الخامس بالثالث.

(مسألة 998): الأقوى عدم إلحاق الحائض و النفساء بالجنب، فيصح الصوم مع عدم التواني في الغسل و إن كان البقاء على الحدث في النوم الثاني أو الثالث.

(الثامن): إنزال المني بفعل ما يؤدي إلى نزوله مع احتمال ذلك و عدم الوثوق بعدم نزوله، و أما إذا كان واثقا بالعدم فنزل اتفاقا، أو سبقه المني بلا فعل شي ء لم يبطل صومه.

(التاسع): الاحتقان بالمائع، و لا بأس بالجامد، كما لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق الحلق مما لا يسمى أكلا أو شربا، كما إذا صب دواء في جرحه أو اذنه أو في احليله أو عينه فوصل إلى جوفه و كذا إذا طعن برمح أو سكين فوصل إلى جوفه و غير ذلك، نعم إذا فرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى المعدة من غير طريق الحلق، فلا يبعد صدق الأكل و الشرب حينئذ فيفطر به، كما هو كذلك إذا كان بنحو الاستنشاق من طريق الأنف، و أما إذا وصل إلى غير المعدة من الجوف ففيه إشكال و الأحوط وجوبا الترك كما في المصل المغذي المتعارف في زماننا، و أما إدخال الدواء بالإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوهما من الأعضاء فلا بأس به، و كذا تقطير الدواء في العين أو الاذن.

(مسألة 999): لا يجوز ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس من الخلط إذا وصل إلى فضاء الفم، على الأحوط، أما إذا لم يصل إلى فضاء الفم فلا بأس بهما.

(مسألة 1000): لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم و إن كان

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 272

كثيرا و كان اجتماعه باختياره كتذكر الحامض مثلا.

(العاشر): تعمد القي ء و إن كان لضرورة من علاج مرض

و نحوه، و لا بأس بما كان بلا اختيار.

(مسألة 1001): إذا خرج بالتجشؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا، و إذا وصل إلى فضاء الفم فابتلعه- اختيارا- بطل صومه و عليه الكفارة، على الأحوط.

(مسألة 1002): إذا ابتلع في الليل ما يجب قيئه في النهار بطل صومه إذا أراد القي ء نهارا، و إلا فلا يبطل صومه على الأظهر من غير فرق في ذلك بين الواجب المعين و غير المعين، كما أنه لا فرق بين ما إذا انحصر إخراج ما ابتلعه بالقي ء و عدم الانحصار به.

(مسألة 1003): ليس من المفطرات مص الخاتم، و مضغ الطعام للصبي، و ذوق المرق و نحوها مما لا يتعدّى الحلق، أو تعدّى من غير قصد، أو نسيانا للصوم، أما ما يتعدى- عمدا- فمبطل و إن قلّ، و منه ما يستعمل في بعض البلاد المسمى عندهم بالنسوار- على ما قيل- و كذا لا بأس بمضغ العلك و إن وجد له طعما في ريقه، ما لم يكن لتفتت أجزائه، و لا بمصّ لسان الزوج و الزوجة، و الأحوط الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن عليه رطوبة.

[ما يكره للصائم]

(مسألة 1004): يكره للصائم ملامسة النساء و تقبيلها و ملاعبتها إذا كان واثقا من نفسه بعدم الإنزال، و إن قصد الإنزال كان من قصد المفطر، و يكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق كالصبر و المسك، و كذا دخول الحمام إذا خشي الضعف، و إخراج الدم المضعف، و السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، و شم كل نبت طيب الريح، و بلّ الثوب على الجسد، و جلوس المرأة في الماء، و الحقنة بالجامد، و قلع الضرس بل

منهاج الصالحين (للتبريزي)،

ج 1، ص: 273

مطلق إدماء الفم، و السواك بالعود الطلب، و المضمضة عبثا، و إنشاد الشعر إلا في مراثي الأئمة عليهم السّلام و مدائحهم. و في الخبر: «إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، و غضوا أبصاركم و لا تنازعوا، و لا تحاسدوا و لا تغتابوا، و لا تماروا، و لا تكذبوا، و لا تباشروا تكاشروا، و لا تخالفوا، و لا تغصبوا، و لا تسابوا، و لا تشاتموا، و لا تنابزوا، و لا تجادلوا، و لا تباذوا، و لا تظلموا، و لا تسافهوا، و لا تزاجروا، و لا تغفلوا عن ذكر اللّه تعالى» الحديث طويل.

تتميم:

المفطرات المذكورة إنّما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد، و لا فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به، و الظاهر عدم الفرق في الجاهل بين القاصر و المقصر، بل الظاهر فساد الصوم بارتكاب المفطر حتى مع الاعتقاد بأنه حلال و ليس بمفطر، نعم إذا وقعت على غير وجه العمد كما إذا اعتقد أن المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء، أو أخبر عن اللّه ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه لم يبطل صومه. و كذلك لا يبطل الصوم إذا كان ناسيا للصوم فاستعمل المفطر، أو دخل في جوفه شي ء قهرا بدون اختياره.

(مسألة 1005): إذا أفطر مكرها بطل صومه، و كذا إذا كان لتقية سواء كانت التقية في ترك الصوم، كما إذا أفطر في عيدهم تقية، أم كانت في أداء الصوم، كالافطار قبل الغروب، و الارتماس في نهار الصوم فإنه يجب الافطار- حينئذ- و لكن يجب القضاء.

(مسألة 1006): إذا غلب على الصائم العطش و خاف الضرر من الصبر عليه، أو كان حرجا جاز أن يشرب بمقدار الضرورة، و يفسد بذلك صومه،

و يجب عليه الامساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان على الأظهر، و أما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 274

الفصل الثالث كفارة الصوم

اشارة

تجب الكفارة بتعمد شي ء من المفطرات إذا كان الصوم مما تجب فيه الكفارة كشهر رمضان و قضائه بعد الزوال، و الصوم المنذور المعين و الظاهر اختصاص وجوب الكفارة بمن كان عالما بكون ما يرتكبه مفطرا. و أما إذا كان جاهلا به فلا تجب الكفارة، حتى إذا كان مقصرا و لم يكن معذورا لجهله، نعم إذا كان عالما بحرمة ما يرتكبه، كالكذب على اللّه سبحانه وجبت الكفارة أيضا، و إن كان جاهلا بمفطريته.

(مسألة 1007): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة، و صوم شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مدّ و هو يساوي ثلاثة أربعا الكيلو تقريبا، و كفارة إفطار قضاء شهر رمضان- بعد الزوال- إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مدّ، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام، و كفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين، و هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، لكل واحد مد، أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

(مسألة 1008): تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين، لا في يوم واحد إلا في الجماع و الاستمناء، فإنها تتكرر بتكررهما على الأحوط و من عجز عن الخصال الثلاث فالأحوط أن يتصدق بما يطيق و يضمّ إليه الاستغفار و يلزم التكفير عند التمكن، على الأحوط وجوبا.

(مسألة 1009): يجب في الافطار على الحرام كفارة الجمع بين الخصال الثلاث المقدمة، على الأحوط.

(مسألة 1010): إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 275

رمضان فالأحوط

أن عليه كفارتين و تعزيرتين، خمسين سوطا، فيتحمل عنها الكفارة و التعزير، و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة، و لا تلحق بها الأمة، كما لا تلحق بالزوج الزوجة إذا أكرهت زوجها على ذلك.

(مسألة 1011): إذا علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم، و تردد بين ما يوجب القضاء فقط، أو يوجب الكفارة معه لم تجب عليه، و إذا علم أنه أفطر أياما و لم يدر عددها اقتصر في الكفارة على القدر المعلوم و إذا شك في أنه أفطر بالمحلل أو المحرم كفاه إحدى الخصال، و إذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه و قد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة، و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا.

(مسألة 1012): إذا أفطر عمدا ثمّ سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة.

(مسألة 1013): إذا كان الزوج مفطرا لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمل عنها الكفارة، و إن كان آثما بذلك، و لا تجب الكفارة عليها.

(مسألة 1014): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوما كانت أو غيره، و في جوازه عن الحي إشكال. نعم لا يبعد الجواز في غير الصوم إذا كان التبرع باستدعاء من عليه الكفارة أو اذنه.

(مسألة 1015): وجوب الكفارة موسع، و لكن لا يجوز التأخير إلى حد يعد توانيا و تسامحا في أداء الواجب.

(مسألة 1016): مصرف كفارة الاطعام الفقراء إمّا بإشباعهم، و إما بالتسليم إليهم، كل واحد مدّ، و الأحوط مدان، و يجزي مطلق الطعام من التمر و الحنطة و الدقيق و الأرز و الماش و غيرها مما يسمى طعاما، نعم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 276

الأحوط في

كفارة اليمين الاقتصار على الحنطة و دقيقها و خبزها.

(مسألة 1017): لا يجزي في الكفارة إشباع شخص واحد مرتين أو أكثر، أو إعطاؤه مدين أو أكثر، بل لا بد من ستين نفسا.

(مسألة 1018): إذا كان للفقير عيال فقراء جاز إعطاؤه بعددهم إذا كان وليا عليهم، أو وكيلا عنهم في القبض، فإذا قبض شيئا من ذلك كان ملكا لهم، و لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم إذا كانوا كبارا، و إن كانوا صغارا صرفه في مصالحهم كسائر أموالهم.

(مسألة 1019): زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلا لنفقتها على النحو المتعارف لا تكون فقيرة، و لا يجوز إعطاؤها من الكفارة إلا إذا كانت محتاجة إلى نفقة غير لازمة للزوج من وفاء دين و نحوه.

(مسألة 1020): تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين، و لا تتوقف البراءة على أكله الطعام، فيجوز له بيعه عليه و على غيره.

(مسألة 1021): تجزي حقة النجف- التي هي ثلاث حقق إسلامبول و ثلث- عن ستة أمداد.

(مسألة 1022): في التكفير بنحو التمليك يعطى الصغير و الكبير سواء، كل واحد مد.

[موارد القضاء دون الكفارة]

(مسألة 1023): يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

(الأول): نوم الجنب حتى يصبح على تفصيل قد مر.

(الثاني): إذا أبطل صومه بالاخلال بالنية من دون استعمال المفطر.

(الثالث): إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أكثر.

(الرابع): من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة و لا حجة على طلوعه، أما إذا قامت حجة على طلوعه وجب القضاء و الكفارة و إذا كان مع المراعاة بأن ينظر إلى الافق و لم ير الفجر فلا قضاء سواء اعتقد بقاء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 277

الليل أم شك فيه، و أما المراعاة بغير النظر فلا أثر لها فيجب القضاء مع انكشاف أن التناول

قد وقع بعد الطلوع. هذا إذا كان صوم رمضان، و أما غيره من الواجب المعين أو غير المعين أو المندوب فالأقوى فيه البطلان مطلقا.

(الخامس): الافطار قبل دخول الليل، لظلمة ظن منها دخوله و لم يكن في السماء غيم، بل الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب الكفارة، نعم إذا كان غيم فلا قضاء و لا كفارة، و أما العلة التي تكون في السماء غير الغيم ففي إلحاقها بالغيم في ذلك إشكال، و الأحوط وجوبا عدمه.

(مسألة 1024): إذا شك في دخول الليل لم يجز له الافطار، و إذا أفطر أثم و كان عليه القضاء و الكفارة، إلا أن يتبين أنه كان بعد دخول الليل، و كذا الحكم إذا قامت حجة على عدم دخوله فأفطر، أما إذا قامت حجة على دخوله أو قطع بدخوله أو اطمأن به فأفطر فلا إثم و لا كفارة، نعم يجب عليه القضاء إذا تبين عدم دخوله، و إذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ظاهرا، و إذا تبين الخطأ بعد استعمال المفطر فقد تقدم حكمه.

(السادس): إدخال الماء إلى الفم بمضمضة و غيرها، فيسبق و يدخل الجوف، فإنه يوجب القضاء دون الكفارة و إن نسي فابتلعه فلا قضاء، و كذا إذا كان في مضمضة وضوء الفريضة، و التعدي إلى النافلة مشكل.

(مسألة 1025): الظاهر عموم الحكم المذكور لرمضان و غيره.

(السابع): سبق المني بالملاعبة و نحوها، إذا لم يكن قاصدا، و لا من عادته، فإنه يجب فيه القضاء دون الكفارة، هذا إذا كان يحتمل ذلك احتمالا معتدا به، و أما إذا كان واثقا من نفسه بعدم الخروج فسبقه المني اتفاقا، فالظاهر عدم وجوب القضاء أيضا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 278

الفصل الرابع شرائط صحة الصوم

اشارة

و هي أمور:

الإيمان،

و العقل، و الخلو من الحيض و النفاس، فلا يصح من غير المؤمن و لا من المجنون و لا من الحائض و النفساء، فإذا أسلم أو عقل أثناء النهار لم يجب عليه الامساك بقية النهار، و كذا إذا طهرت الحائض و النفساء، نعم إذا استبصر المخالف أثناء النهار- و لو بعد الزوال- أتم صومه و أجزأه و إذا حدث الكفر أو الخلاف أو الجنون أو الحيض أو النفاس- قبل الغروب- بطل الصوم.

و منها: عدم الاصباح جنبا، أو على حدث الحيض أو النفاس كما تقدم.

و منها: أن لا يكون مسافرا يوجب قصر الصلاة، مع العلم بالحكم في الصوم الواجب، إلا في ثلاثة مواضع:

(أحدها): الثلاثة أياما، و هي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتع لمن عجز عنه.

(ثانيها): صوم الثمانية عشر يوما، التي هي بدل البدنة كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب.

(ثالثها): الصوم المنذور إيقاعه في السفر أو الأعم منه و من الحضر.

(مسألة 1026): الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر إلا ثلاثة أيام للحاجة في المدينة و الأحوط أن يكون ذلك في الأربعاء و الخميس و الجمعة، و لا بأس بذلك في غيرها بقصد الرجاء.

(مسألة 1027): يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 279

الموضوع، و إن علم في الأثناء بطل، و لا يصح من الناسي.

[مواضع جواز الصوم للمسافر]

(مسألة 1028): يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام، كناوي الاقامة و المسافر سفر معصية و نحوهما.

(مسألة 1029): لا يصح الصوم من المريض، و منه الأرمد، إذا كان يتضرر به لإيجابه شدته، أو طول برئه، أو شدة ألمه، كل ذلك بالمقدار المعتد به، و لا فرق بين حصول اليقين بذلك و الظن و الاحتمال

الموجب لصدق الخوف، و كذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث المرض، فضلا عما إذا علم ذلك، أما المريض الذي لا يتضرر من الصوم فيجب عليه و يصح منه.

(مسألة 1030): لا يكفي الضعف في جواز الافطار، و لو كان مفرطا إلا أن يكون حرجا فيجوز الافطار، و يجب القضاء بعد ذلك، و كذا إذا أدى الضعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش، مع عدم التمكن من غيره، أو كان العامل بحيث لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش و الأحوط فيهم الاقتصار في الأكل و الشرب على مقدار الضرورة و الامساك عن الزائد.

(مسألة 1031): إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف ففي صحة صومه إشكال و إن لم يكن الضرر بحد الحرام و إذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل، إلا إذا كان قد تمشى منه قصد القربة، فإنه لا يبعد الحكم بالصحة، إذا بان عدم الضرر بعد ذلك.

(مسألة 1032): قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو خوفه وجب لأجله الافطار، و كذلك إذا كان حاذقا و ثقة إذا لم يكن المكلف مطمئنا بخطئه، و لا يجوز الافطار بقوله في غير هاتين الصورتين و إذا قال الطبيب لا ضرر في الصوم و كان المكلف خائفا لم يجب عليه الصوم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 280

(مسألة 1033): إذا برئ المريض قبل الزوال و لم يتناول المفطر و جدّد النية لم يصح صومه، و إن لم يكن عاصيا بإمساكه، و الأحوط- استحبابا- أن يمسك بقية النهار.

(مسألة 1034): يصح الصوم من الصبي كغيره من العبادات.

(مسألة 1035): لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب من قضاء شهر رمضان أو غيره، و إذا نسي أن عليه

صوما واجبا فصام تطوعا فذكر بعد الفراغ صح صومه، و الظاهر جواز التطوع لمن عليه صوم واجب استيجاري، كما أنه يجوز إيجار نفسه للصوم عن غيره، إذا كان عليه صوم واجب.

(مسألة 1036): يشترط في وجوب الصوم البلوغ و العقل و الحضر و عدم الاغماء و عدم المرض و الخلو من الحيض و النفاس.

(مسألة 1037): لو صام الصبي تطوعا و بلغ في الأثناء- و لو بعد الزوال- لم بجب عليه الاتمام، و الأحوط استحبابا الإتمام.

(مسألة 1038): إذا سافر قبل الزوال، و كان ناويا للسفر من الليل وجب عليه الافطار، و إلا فالأحوط الاتمام و القضاء و إن كان لا يبعد عدم الحاجة إلى القضاء، و إن كان السفر بعده وجب إتمام الصيام، و إذا كان مسافرا فدخل بلده أو بلدا نوى فيه الاقامة، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر وجب عليه الصيام، و إن كان بعد الزوال، أو تناول المفطر في السفر بقي على الافطار، نعم يستحب له الامساك إلى الغروب.

(مسألة 1039): الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال و بعده، و كذا في الرجوع منه هو البلد لأحد الترخص، نعم لا يجوز الافطار للمسافر إلا بعد الوصول إلى حد الترخص فلو أفطر- قبله- عالما بالحكم وجبت الكفارة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 281

(مسألة 1040): يجوز السفر في شهر رمضان- اختيارا- و لو للفرار من الصوم، و لكنه مكروه، إلا في حج أو عمرة، أو غزو في سبيل اللّه، أو مال يخاف تلفه، أو إنسان يخاف هلاكه، أو يكون بعد مضي ثلاث و عشرين ليلة، و إذا كان على المكلف صوم واجب معين جاز له السفر و إن فات الواجب، و إن

كان في السفر لم تجب عليه الاقامة لأدائه.

(مسألة 1041): يجوز للمسافر التملي من الطعام و الشراب، و كذا الجماع في النهار على كراهة في الجميع، و الأحوط- استحبابا- الترك و لا سيما في الجماع.

الفصل الخامس ترخيص الإفطار

وردت الرخص في إفطار شهر رمضان لأشخاص: منهم الشيخ و الشيخة و ذو العطاش، إذا تعذر عليهم الصوم، و كذلك إذا كان حرجا و مشقة و لكن يجب عليهم حينئذ الفدية عن كل يوم بمدّ من الطعام، و الأفضل كونها من الحنطة، بل كونها مدين، بل هو أحوط استحبابا، و الظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ و الشيخة، إذا تمكنا من القضاء، و الأحوط- وجوبا- لذي العطاش القضاء مع التمكن، و منهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها، و المرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد، و عليهما القضاء بعد ذلك. كما أن عليهما الفدية- أيضا- فيما إذا كان الضرر على الحمل أو الولد، و لا يجزي الاشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها. ثمّ أن الترخيص في هذه الموارد ليس بمعنى تخيير المكلف بين الصيام و الافطار، بل بمعنى عدم وجوب الصيام فيها و إن كان اللازم عليهم الافطار، هذا في غير الشيخ و الشيخة،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 282

و أمّا فيهما فالأظهر صحّة صومهما مع عدم الضرر.

(مسألة 1042): لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها، و أن يكون لغيرها، و الأقوى الاقتصار على صورة عدم التمكن من إرضاع غيرها للولد.

الفصل السادس ثبوت الهلال

يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر، أو غيرهما، و بالاطمئنان الحاصل من الشياع أو غيره، أو بمضي ثلاثين يوما من هلال شعبان فيثبت هلال شهر رمضان، أو ثلاثين يوما من شهر رمضان فيثبت هلال شوال، و بشهادة عدلين و لا يبعد ثبوته بحكم الحاكم إذا لم يعلم خطأه و لا خطأ مستنده، و لا يثبت بشهادة النساء، و لا

بشهادة العدل الواحد و لو مع اليمين، و لا بقول المنجمين، و لا بغيبوبته بعد الشفق ليدل على أنه لليلة السابقة، و لا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية، و لا يبعد ثبوته برؤيته قبل الزوال، فيكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق، و كذا بتطوق الهلال، فيدل على أنه لليلة السابقة.

(مسألة 1043): لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم، بل كل من علم بشهادتها عول عليها.

(مسألة 1044): إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الأفق، بحيث إذا رؤي في أحدهما رؤي في الآخر، بل الظاهر كفاية الرؤية في بلد ما في الثبوت لغيره من البلاد المشتركة معه في الليل و إن كان أول الليل في أحدهما آخره في الآخر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 283

بيان ذلك أن «1» البلدان الواقعة على سطح الأرض تنقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما تتفق مشارقه و مغاربه، أو تتقارب.

ثانيهما: ما تختلف مشارقه و مغاربه اختلافا كبيرا.

أما القسم الأول: فقد اتفق علماء الإمامية على أن روية الهلال في بعض هذه البلاد كافية لثبوته في غيرها، فإن عدم رؤيته فيه إنما يستند- لا محالة- إلى مانع يمنع من ذلك، كالجبال، أو الغابات، أو الغيوم، أو ما شاكل ذلك.

و أما القسم الثاني (ذات الآفاق المختلفة): فلم يقع التعرض لحكمه في كتب علمائنا المتقدمين، نعم حكي القول باعتبار اتحاد الافق عن الشيخ الطوسي في (المبسوط)، فاذن: المسألة مسكوت عنها في كلمات أكثر المتقدمين، و إنما صارت معركة للآراء بين علمائنا المتأخرين: المعروف بينهم القول باعتبار اتحاد الأفق، و لكن قد خالفهم فيه جماعة من العلماء و المحققين فاختاروا القول بعدم اعتبار الاتحاد و قالوا بكفاية الرؤية في بلد واحد

لثبوته في غيره من البلاد و لو مع اختلاف الأفق بينها.

فقد نقل العلامة في (التذكرة) هذا القول عن بعض علمائنا و اختاره صريحا في (المنتهى) و احتمله الشهيد الأول في (الدروس) و اختاره- صريحا- المحدث الكاشاني في (الوافي) و صاحب الحدائق في حدائقه، و مال إليه صاحب الجواهر في جواهره و النراقي في (المستند)، و السيد أبو تراب الخونساري في شرح (نجاة العباد) و السيد الحكيم في مستمسكه في الجملة.

و هذا القول- أي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر مع

______________________________

(1) نقل من رسالة «المسائل المنتخبة» للإمام الخوئي، و هي مطبوعة في آخرها تحت عنوان:

«تفاصيل ثبوت الهلال».

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 284

اشتراكهما في كون ليلة واحدة ليلة لهما معا و إن كان أول ليلة لأحدهما آخر ليلة للآخر، و لو مع اختلاف افقهما- هو الأظهر، و يدلنا على ذلك أمران:

(الأول): أن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر و اتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية، و في نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس، و في هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أية بقعة من بقاع الأرض، و بعد خروجه عن حالة المحاق و التمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري، و يبدأ شهر قمري جديد.

و من الواضح، أن خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها و مغاربها، لا لبقعة دون أخرى، و إن كان القمر مرئيا في بعضها دون الآخر، و ذلك لمانع خارجي كشعاع الشمس، أو حيلولة بقاع الأرض أو ما شاكل ذلك، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة أنه ليس لخروجه منه

أفراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع، و هذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها.

و على ضوء هذا البيان فقد اتضح أن قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس و غروبها قياس مع الفارق، و ذلك لأن الأرض بمقتضى كرويتها يكون- بطبيعة الحال- لكل بقعة منها مشرق خاص و مغرب كذلك، فلا يمكن أن يكون للأرض كلها مشرق واحد و لا مغرب كذلك و هذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية- أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس- فإنه لعدم ارتباطه ببقاع الأرض و عدم صلته بها لا يمكن أن يتعدد بتعددها.

و نتيجة ذلك: أن رؤية الهلال في بلد ما أمارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته و أنه بداية لشهر قمري جديد لأهل الأرض جميعا لا لخصوص البلد الذي يرى فيه و ما

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 285

يتفق معه في الأفق.

و من هنا يظهر: أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأفق مبني على تخيل أن ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض كارتباط طلوع الشمس و غروبها بها، إلا أنه لا صلة- كما عرفت- لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون أخرى فإن حاله مع وجود الكرة الأرضية و عدمها سواء.

(الثاني): النصوص الدالة على ذلك، و نذكر جملة منها:

1- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال فيمن صام تسعة و عشرين قال: «إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما».

فإن هذه الصحيحة بإطلاقها تدلنا- بوضوح- على أن

الشهر إذا كان ثلاثين يوما في مصر كان كذلك في بقية الأمصار بدون فرق بين كون هذه الأمصار متفقة في آفاقها أو مختلفة إذ لو كان المراد من كلمة مصر فيها المصر المعهود المتفق مع بلد السائل في الأفق لكان على الإمام عليه السّلام أن يبين ذلك، فعدم بيانه مع كونه عليه السّلام في مقام البيان كاشف عن الاطلاق.

2- صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال: «لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، و قال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه».

الشاهد في هذه الصحيحة جملتان: (الأولى) قوله عليه السّلام «لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة» (الخ) فإنه يدل- بوضوح- على أن رأس الشهر القمري واحد بالاضافة إلى جميع أهل الصلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها و لا يتعدد بتعددها، (الثانية) قوله عليه السّلام:

«لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي أهل الأمصار» فإنه كسابقه واضح الدلالة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 286

على أن الشهر القمري لا يختلف باختلاف الأمصار في آفاقها فيكون واحدا بالاضافة إلى جميع أهل البقاع و الأمصار، و إن شئت فقل: إن هذه الجملة تدل على أن رؤية الهلال في مصر كافية لثبوته في بقية الأمصار من دون فرق في ذلك بين اتفاقها معه في الآفاق أو اختلافها فيها فيكون مردّه إلى أن الحكم المترتب على ثبوت الهلال- أي خروج القمر عن المحاق- حكم تمام أهل الأرض لا لبقعة خاصة.

3- صحيحة اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السّلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: «و لا تصمه إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه».

فهذه الصحيحة ظاهرة الدلالة بإطلاقها على أن رؤية الهلال في بلد تكفي لثبوته في سائر البلدان بدون فرق بين كونها متحدة معه في الأفق أو مختلفة و إلا فلا بد من التقييد بمقتضى ورودها في مقام البيان.

4- صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: «لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» فهذه الصحيحة كسابقتها في الدلالة على ما ذكرناه.

و قد يستشهد لذلك بما ورد في عدة روايات في كيفية صلاة عيدي الأضحى و الفطر و ما يقال فيها من التكبير من قوله عليه السّلام في جملة تلك التكبيرات: «أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا».

فإنّ الظاهر أن المشار إليه في قوله عليه السّلام في هذا اليوم هو يوم معين خاص جعله اللّه تعالى عيدا للمسلمين لا أنه كل يوم ينطبق عليه أنه يوم فطر أو أضحى على اختلاف الأمصار في رؤية الهلال باختلاف آفاقها، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أنه تعالى جعل هذا اليوم عيدا للمسلمين كلهم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 287

لا لخصوص أهل بلد تقام فيه صلاة العيد.

فالنتيجة على ضوئهما أن يوم العيد يوم واحد لجميع أهل البقاع و الأمصار على اختلافها في الآفاق و المطالع.

و يستدل أيضا على ما ذكر بالآية الكريمة الظاهرة في أن ليلة القدر ليلة واحدة شخصية لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم

ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة و هذه الليلة الواحدة هي ليلة القدر و هي خير من ألف شهر و فيها يفرق كل أمر حكيم.

و من المعلوم أن تفريق كل أمر حكيم فيها لا يخص بقعة معينة من بقاع الأرض بل يعم أهل البقاع أجمع، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى قد ورد في عدة من الروايات أن في ليلة القدر يكتب المنايا و البلايا و الأرزاق و فيها يفرق كل أمر حكيم، و من الواضح أن كتابة الأرزاق و البلايا و المنايا في هذه الليلة إنما تكون لجميع أهل العالم لا لأهل بقعة خاصة. فالنتيجة على ضوئهما أن ليلة القدر ليلة واحدة لأهل الأرض جميعا، لا أن لكلّ بقعة ليلة خاصة. و لكن في كون ما ذكر شاهدا و دليلا عليه تأمّل.

و لم يرد في الروايات حتى في رواية ضعيفة ما يدل على اعتبار اتحاد الافق في هذه المسألة و إنما ذهب المشهور إلى ذلك، لا لأجل الروايات بل من جهة ما ذكرناه من قياس هذه المسألة بمسألة طلوع الشمس و غروبها و قد عرفت أنه قياس مع الفارق.

الفصل السابع أحكام قضاء شهر رمضان

(مسألة 1045): لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا، أو الجنون أو الإغماء أو الكفر الأصلي، و يجب قضاء ما فات في غير ذلك من ارتداد أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 288

حيض، أو نفاس، أو نوم، أو سكر، أو مرض، أو خلاف للحق، نعم إذا صام المخالف على وفق مذهبه لم يجب عليه القضاء.

(مسألة 1046): إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء، و إذا شك في عدد الفائت بنى على الأقل.

(مسألة 1047): لا يجب الفور في القضاء،

و إن كان الأحوط- استحبابا- عدم تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني، و إن فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين، و لا الترتيب، نعم إذا عيّن يتعيّن، و إذا كان عليه قضاء من رمضان سابق و من لاحق لم يجب التعيين و لا يجب الترتيب، فيجوز قضاء اللاحق قبل السابق، و يجوز العكس إلا أنه إذا تضيق وقت اللاحق بمجي ء رمضان الثالث فالأحوط قضاء اللاحق، و إن نوى السابق حينئذ صح صومه، و وجبت عليه الفدية.

(مسألة 1048): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة و النذر، فله تقديم أيهما شاء.

(مسألة 1049): إذا فاتته أيام من شهر رمضان بمرض، و مات قبل أن يبرأ لم يجب القضاء عنه، و كذا إذا فات بحيض أو نفاس ماتت فيه أو بعد ما طهرت قبل مضي زمان يمكن القضاء فيه.

(مسألة 1050): إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه بمرض، و استمر به المرض إلى رمضان الثاني سقط قضاؤه، و تصدق عن كل يوم بمد و لا يجزي القضاء عن التصدق، أما إذا فاته بعذر غير المرض وجب القضاء و تجب الفدية أيضا على الأحوط، و كذا إذا كان سبب الفوت المرض و كان العذر في التأخير السفر، و كذا العكس.

(مسألة 1051): إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه لعذر أو عمد و أخّر القضاء إلى رمضان الثاني، مع تمكنه منه، عازما على التأخير أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 289

متسامحا و متهاونا وجب القضاء و الفدية معا، و إن كان عازما على القضاء- قبل مجي ء رمضان الثاني- فاتفق طرو العذر وجب القضاء، بل الفدية أيضا، على الأحوط، إن لم يكن أقوى،

و لا فرق بين المرض و غيره من الأعذار، و يجب إذا كان الافطار عمدا- مضافا إلى الفدية- كفارة الافطار.

(مسألة 1052): إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرة للأول و مرة للثاني، و هكذا إن استمر إلى أربعة رمضانات، فتجب مرة ثالثة للثالث، و هكذا و لا تتكرر الكفارة للشهر الواحد.

(مسألة 1053): يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد و من شهور إلى شخص واحد.

(مسألة 1054): لا تجب فدية العبد على سيده، و لا فدية الزوجة على زوجها، و لا فدية العيال على المعيل، و لا فدية واجب النفقة على المنفق.

(مسألة 1055): لا تجزي القيمة في الفدية، بل لا بد من دفع العين و هو الطعام، و كذا الحكم في الكفارات.

(مسألة 1056): يجوز الافطار في الصوم المندوب إلى الغروب، و لا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال، إذا كان القضاء عن نفسه بل تقدم أن عليه الكفارة، أما قبل الزوال فيجوز، و أما الواجب الموسع غير قضاء شهر رمضان فالظاهر جواز الافطار فيه مطلقا، و إن كان الأحوط ترك الافطار بعد الزوال.

(مسألة 1057): لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه في الحرمة و الكفارة و إن كان الأحوط- استحبابا- الالحاق.

(مسألة 1058): يجب على ولي الميت- و هو الولد الذكر الأكبر-

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 290

حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه قضاؤه و الأحوط- استحبابا- إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث- على الترتيب في الأرث- بالابن، و الأقوى عدمه، و في إلحاق ما فاته عمدا أو أتى به فاسدا بما فات عن عذر إشكال و الأحوط الإلحاق إذا لم يستلزم الحرج و

الاختلال في نظام معاش الولد، بل الأحوط إلحاق الأم بالأب و إن كان الأقوى خلافه، و إن فاته ما لا يجب عليه قضاؤه كما لو مات في مرضه لم يجب القضاء، و قد تقدم في كتاب الصلاة بعض المسائل المتعلقة بالمقام، لأن المقامين من باب واحد.

(مسألة 1059): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع و كفارة التخيير، و يكفي في حصوله صوم الشهر الأول، و يوم من الشهر الثاني متتابعا.

(مسألة 1060): كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه بنى على ما مضى عند ارتفاعه، و إن كان العذر بفعل المكلف إذا كان مضطرا إليه، أما إذا لم يكن عن اضطرار وجب الاستئناف، و من العذر ما إذا نسي النية إلى ما بعد الزوال، أو نسي فنوى صوما آخر و لم يتذكر إلا بعد الزوال، و منه ما إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس، فإن تخلله في الأثناء لا يضر في التتابع بل يحسب من الكفارة أيضا إذا تعلق النذر بصوم يوم الخميس على الاطلاق، و لا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال.

(مسألة 1061): إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه الحكم المذكور، إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها.

(مسألة 1062): إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنه لا يسلم بتخلل عيد أو نحوه، إلا في كفارة القتل في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 291

الأشهر الحرم فإنه يجب على القاتل صوم شهرين من الأشهر الحرم، و لا يضره تخلل العيد على الأظهر، نعم إذا لم يعلم فلا بأس إذا كان غافلا، فاتفق ذلك، أما إذا كان شاكا فالظاهر البطلان، و

يستثنى من ذلك الثلاثة بدل الهدي، إذا شرع فيها يوم التروية و عرفة، فإن له أن يأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل، أو بعد أيام التشريق، لمن كان بمنى، أما إذا شرع يوم عرفة وجب الاستئناف.

(مسألة 1063): إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة لم يجب التتابع، إلا مع اشتراط التتابع، أو الانصراف إليه على وجه يرجع إلى التقييد.

(مسألة 1064): إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط الأولى التتابع في قضائه.

[الصوم المستحب]

(مسألة 1065): الصوم من المستحبات المؤكدة، و قد ورد أنه جنة من النار، و زكاة الأبدان، و به يدخل العبد الجنة، و أن نوم الصائم عبادة و نفسه و صمته تسبيح، و عمله متقبل، و دعاءه مستجاب، و خلوق فمه عند اللّه تعالى أطيب من رائحة المسك، و تدعو له الملائكة حتى يفطر و له فرحتان فرحة عند الافطار، و فرحة حين يلقى اللّه تعالى. و أفراده كثيرة و المؤكد منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، و الأفضل في كيفيتها أول خميس من الشهر، و آخر خميس منه، و أول أربعاء من العشر الأواسط و يوم الغدير، فإنه يعدل مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات و يوم مولد النبي صلى اللّه عليه و آله و يوم بعثته، و يوم دحو الأرض، هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، و يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال، و يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة و تمام رجب، و تمام شعبان و بعض كل منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل، و يوم النوروز،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 292

و أول يوم محرم

و ثالثه و سابعه، و كل خميس و كل جمعة إذا لم يصادفا عيدا.

(مسألة 1066): يكره الصوم في موارد: منها الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء، و الصوم فيه مع الشك في الهلال، بحيث يحتمل كونه عيد أضحى، و صوم الضيف نافلة بدون اذن مضيفه، و الولد من غير إذن والده.

(مسألة 1067): يحرم (يعني لا يشرع) صوم العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا كان أو لا، و يوم الشك على أنه من شهر رمضان، و نذر المعصية بأن ينذر الصوم على تقدير فعل الحرام شكرا، أما زجرا فلا بأس به، و صوم الوصال. و لا بأس بتأخير الافطار و لو إلى الليلة الثانية إذا لم يكن عن نية الصوم، و الأحوط اجتنابه، كما أن الأحوط عدم صوم الزوجة و المملوك- تطوعا- بدون اذن الزوج و السيد و إن كان الأقوى الجواز في الزوجة إذا لم يمنع عن حقه، و لا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه. و الحمد للّه رب العالمين.

الخاتمة في الاعتكاف و أحكامه

اشارة

و هو اللبث في المسجد، و الأحوط أن يكون بقصد فعل العبادة فيه من صلاة و دعاء و غيرهما، و إن كان الأقوى عدم اعتباره، و يصح في كل وقت يصح فيه الصوم، و الأفضل شهر رمضان، و أفضله العشر الأواخر.

(مسألة 1068): يشترط في صحته مضافا إلى العقل و الإيمان أمور:

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 293

(الأول): نية القربة، كما في غيره من العبادات، و تجب مقارنتها لأوله بمعنى وجوب إيقاعه من أوله إلى آخره عن النية، و قد يستشكل في الاكتفاء بتبييت النية، إذا قصد الشروع فيه في أول اليوم، لكن الأظهر جواز الاكتفاء بتبييت النية

كالصوم و ذلك لأنّ المعتبر في العبادة وقوعه من أوله إلى آخره بقصد التقرب و لو كان قصد الامتثال سابقا على المنوي إذا لم ينو خلافه، نعم لو قصد الشروع في الاعتكاف وقت النية في أول الليل كفى بلا إشكال.

(مسألة 1069): لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر كأن يعدل المعتكف عن النيابة عن ميّت إلى النيابة عن ميّت آخر، و كالعدول عن الاعتكاف نيابة عن غيره إلى الاعتكاف عن نفسه و بالعكس، و أما العدول من قصد الوجوب إلى قصد الاستحباب فلا بأس فإن الوجوب و الندب في الاعتكاف مصحّح لقصد القربة و لا يوجبان تعدّده فيجوز إتيان الاعتكاف الواجب بالنذر بقصد الندب في نفسه أو يأتي بعض أيامه بقصد الوجوب و بعضه الآخر بقصد الندب.

(الثاني): الصوم، فلا يصح بدونه فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر أو غيره لم يصح منه الاعتكاف.

(الثالث): العدد، فلا يصح أقل من ثلاثة أيام، و يصح الأزيد منها و إن كان يوما أو بعضه، أو ليلة أو بعضها، و يدخل فيه الليلتان المتوسطتان دون الأولى و الرابعة، و إن جاز إدخالهما بالنية، فلو نذره كان أقل ما يمتثل به ثلاثة، و لو نذره أقل لم ينعقد إلا أن لم يقيد الأقل بعدم الزيادة فصح نذره حينئذ و يجب عليه ضم الباقي و إكماله ثلاثة أيام و كذا لو نذره ثلاثة معينة، فاتفق أن الثالث عيد لم ينعقد، و لو نذر اعتكاف خمسة فإن نواها بشرط لا، من جهة الزيادة و النقصان بطل، و إن نواها بشرط لا، من جهة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 294

الزيادة و لا بشرط من جهة النقصان وجب عليه اعتكاف ثلاثة

أيام و إن نواها بشرط لا، من جهة النقيصة، و لا بشرط من جهة الزيادة ضم إليها السادس أفرد اليومين أو ضمهما إلى الثلاثة.

(الرابع): أن يكون في أحد المساجد الأربعة مسجد الحرام، و مسجد المدينة، و مسجد الكوفة، و مسجد البصرة، أو في المسجد الجامع في البلد و هو ما يصلّي فيه الجماعة من عامة أهل البلد فلا يكفي غيره كمسجد المحلة و السوق، و الأحوط استحبابا- مع الامكان- الاقتصار على الأربعة.

(مسألة 1070): لو اعتكف في مسجد معين فاتفق مانع من البقاء فيه بطل، و لم يجز اللبث في مسجد آخر، و عليه قضاؤه على الأحوط- إن كان واجبا- في مسجد آخر، أو في ذلك المسجد بعد ارتفاع المانع.

(مسألة 1071): سطح المسجد و سردابه و محرابه منه ما لم يعلم خروجها و كذا ملحقاته إذا جعلت جزءا منه كما لو وسّع فيه.

(مسألة 1072): إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده.

(الخامس): إذن من يعتبر إذنه في جوازه، كالسيد بالنسبة إلى مملوكه و الزوج بالنسبة إلى زوجته، إذا كان منافيا لحقه بل مطلقا على الأحوط، و الوالدين بالنسبة إلى ولدهما إذا كان موجبا لإيذائهما شفقة عليه.

(السادس): استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به فيه، فإذا خرج لغير الأسباب المسوغة للخروج بطل، من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل، و لا يبعد البطلان في الخروج نسيانا أيضا، بخلاف ما إذا خرج عن اضطرار أو إكراه أو لحاجة لا بد له منها من بول أو غائط أو غسل جنابة،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 295

أو استحاضة، أو مس ميت، و إن كان السبب باختياره. و يجوز الخروج للجنائز لتشييعها، و الصلاة عليها، و دفنها، و

تغسيلها، و تكفينها، و لعيادة المريض، أما تشييع المؤمن و إقامة الشهادة و تحملها و غير ذلك من الأمور الراجحة ففي جوازها إشكال، و الأظهر الجواز فيما إذا عدّ من الضرورات عرفا و الأحوط- استحبابا- مراعاة أقرب الطرق و لا تجوز زيادة المكث عن قدر الحاجة، و أما التشاغل على وجه تنمحي به صورة الاعتكاف فهو مبطل، و إن كان عن إكراه أو اضطرار، و الأحوط وجوبا ترك الجلوس في الخارج، و لو اضطر إليه اجتنب الظلال مع الإمكان.

(مسألة 1073): إذا أمكنه أن يغتسل في المسجد فالظاهر عدم جواز الخروج لأجله، إذا كان الحدث لا يمنع من المكث في المسجد كمس الميت.

فصل [في أنواع الاعتكاف]

الاعتكاف في نفسه مندوب، و يجب بالعارض من نذر و شبهه، فإن كان واجبا معينا فلا إشكال في وجوبه- قبل الشروع- فضلا عما بعده و إن كان واجبا مطلقا أو مندوبا فالأقوى عدم وجوبه بالشروع، و إن كان في الأول أحوط استحبابا، نعم يجب بعد مضي يومين منه فيتعين اليوم الثالث، إلا إذا اشترط حال النية الرجوع لعارض، فاتفق حصوله بعد يومين، فله الرجوع عنه- حينئذ- إن شاء، و لا عبرة بالشرط إذا لم يكن مقارنا للنية، سواء أ كان قبلها أم بعد الشروع فيه.

(مسألة 1074): الظاهر أنه يجوز اشتراط الرجوع متى شاء، و إن لم يكن عارض.

(مسألة 1075): إذا شرط الرجوع حال النية، ثمّ بعد ذلك أسقط

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 296

شرطه، فالظاهر عدم سقوط حكمه.

(مسألة 1076): إذا نذر الاعتكاف، و شرط في نذره الرجوع فيه ففي جواز الرجوع إذا لم يشترطه في نية الاعتكاف إشكال، و الأظهر جوازه إذا كان اعتكافه بعنوان الوفاء بالنذر.

(مسألة 1077): إذا جلس في المسجد

على فراش مغصوب لم يقدح ذلك في الاعتكاف، و إن سبق شخص إلى مكان من المسجد فأزاله المعتكف من مكانه، و جلس فيه ففي البطلان تأمل.

فصل في أحكام الاعتكاف

(مسألة 1078): لا بد للمعتكف من ترك أمور:

(منها): مباشرة النساء بالجماع، و الأحوط استحبابا إلحاق اللمس و التقبيل بشهوة به، و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة.

و (منها): الاستمناء على الأحوط وجوبا.

و (منها): شم الطيب و الريحان مع التلذذ بل مع عدم التلذذ على الأحوط و لا أثر له إذا كان فاقدا لحاسة الشم.

و (منها): البيع و الشراء مباشرة إذا لم يدخل في عنوان التجارة و إلا فلا يجوز مطلقا على الأحوط، و لا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات، حتى الخياطة و النساجة و نحوهما، و إن كان الأحوط- استحبابا- الاجتناب، و إذا اضطر إلى البيع و الشراء لأجل الأكل أو الشرب. مما تمس حاجة المعتكف به و لم يمكن التوكيل و لا النقل بغيرهما فعله.

و (منها): المماراة في أمر ديني أو دنيوي بداعي إثبات الغلبة و إظهار

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 297

الفضيلة، لا بداعي إظهار الحق و ردّ الخصم عن الخطأ، فإنه من أفضل العبادات، و المدار على القصد.

(مسألة 1079): الأحوط- استحبابا- للمعتكف الاجتناب عما يحرم على المحرم، و إن كان الأقوى خلافه، و لا سيما في لبس المخيط و إزالة الشعر، و أكل الصيد، و عقد النكاح، فإن جميعها جائز له.

(مسألة 1080): الظاهر أن محرمات الاعتكاف غير مفسدة له كمحرمات الاحرام غير المفسدة للاحرام. نعم الجماع مفسد للاعتكاف من دون فرق بين وقوعه ليلا أو نهارا و في حرمتها تكليفا إذا لم يكن واجبا معينا و لو لأجل انقضاء يومين منه إشكال،

و إن كان أحوط وجوبا.

(مسألة 1081): إذا صدر منه أحد المحرمات المذكورة- سهوا- ففي عدم قدحه إشكال، و لا سيما في الجماع.

(مسألة 1082): إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات، فإن كان واجبا معينا وجب قضاؤه- على الأحوط- و إن كان غير معين وجب استئنافه و كذا يجب القضاء- على الأحوط- إذا كان مندوبا، و كان الافساد بعد يومين، أما إذا كان قبلهما فلا شي ء عليه، و لا يجب الفور في القضاء.

(مسألة 1083): إذا باع أو اشترى في أيام الاعتكاف لم يبطل بيعه أو شراؤه، و إن ارتكب حراما على ما تقدّم.

(مسألة 1084): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلا وجبت الكفارة، و الأقوى عدم وجوبها في غير الجماع، و إن كان أحوط استحبابا، و كفارته ككفارة صوم شهر رمضان و إن كان الأحوط أن تكون كفارته مثل كفارة الظهار، و إذا كان الاعتكاف في شهر رمضان و أفسده بالجماع نهارا وجبت كفارتان، إحداهما لإفطار شهر رمضان و الأخرى لإفساد الاعتكاف، و كذا إذا كان في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و إن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 298

كان الاعتكاف المذكور منذورا وجبت كفارة ثالثة لمخالفة النذر، و إذا كان الجماع لامرأته الصائمة في شهر رمضان و قد أكرهها وجبت كفارة رابعة عنها على الأحوط.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 299

كتاب الزكاة

اشاره

و فيه مقاصد

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 301

و هي أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، و وجوبها من ضروريات الدين و منكرها مع العلم بها كافر، بل في جملة من الأخبار إن مانع الزكاة كافر.

المقصد الأول شرائط وجوب الزكاة

(الأول): البلوغ.

(الثاني): العقل.

(الثالث): الحرية.

فلا تجب في مال من كان صبيا أو مجنونا أو عبدا في زمان التعلق أو في أثناء الحول إذا كان مما يعتبر فيه الحول، بل لا بد من استئناف الحول من حين البلوغ و العقل و الحرية.

(مسألة 1085): لا فرق في الجنون المانع عن الزكاة بين الإطباقي و الأدواري.

(الرابع): الملك.

في زمان التعلق، أو في تمام الحول كما تقدم، فلا زكاة على المال الموهوب و المقروض قبل قبضه، و المال الموصى به قبل وفاة الموصي.

(الخامس): التمكن من التصرف.

و اعتباره على نحو ما سبق، و المراد به القدرة على التصرف فيه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 302

بالاتلاف و نحوه، فلا زكاة في المسروق، و المجحود، و المدفون في مكان منسي و المرهون و الموقوف، و الغائب الذي لم يصل إليه و لا إلى وكيله و لا في الدين و إن تمكن من استيفائه، و أما المنذور التصدق به فلا يبعد ثبوت الزكاة فيه.

(مسألة 1086): لا تجب الزكاة في نماء الوقف، إذا كان مجعولا على نحو المصرف، و تجب إذا كان مجعولا على نحو الملك، من دون فرق بين العام و الخاص، فإذا جعل بستانه وقفا على أن يصرف نمائها على ذريته، أو على علماء البلد لم تجب الزكاة فيه، و إذا جعلها وقفا على أن يكون نماؤها ملكا للأشخاص، كالوقف على الذرية- مثلا- و كانت حصة كل واحد تبلغ النصاب وجبت الزكاة على كل واحد منهم،

و إذا جعلها وقفا- على أن يكون نماؤها ملكا للعنوان- كالوقف على الفقراء أو العلماء- لم تجب الزكاة و إن بلغت حصة من يصل إليه النماء مقدار النصاب.

(مسألة 1087): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أكثر اعتبر في وجوب الزكاة على بعضهم بلوغ حصته النصاب، و لا يكفي في الوجوب بلوغ المجموع النصاب.

(مسألة 1088): قيل إن ثبوت الخيار المشروط برد مثل الثمن مانع من التمكن من التصرف، بخلاف سائر الخيارات، و لكنه لا يبعد ثبوت الزكاة فيه كالمنذور التصدّق به.

(مسألة 1089): الإغماء و السكر حال التعلق أو في أثناء الحول لا يمنعان عن وجوب الزكاة.

(مسألة 1090): إذا عرض عدم التمكن من التصرف، بعد تعلق الزكاة، أو مضى الحول متمكنا فقد استقر الوجوب، فيجب الأداء، إذا تمكن بعد ذلك، فإن كان مقصرا كان ضامنا، و إلا فلا.

(مسألة 1091): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه، لا على المقرض فلو اقترض نصابا من الأعيان الزكوية، و بقي عنده سنة وجبت عليه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 303

الزكاة، و إن كان قد اشترط في عقد القرض على المقرض أن يؤدي الزكاة عنه. نعم إذا أدّى المقرض عنه صح، و سقطت الزكاة عن المقترض و يصح مع عدم الشرط أن يتبرع المقرض عنه بأداء الزكاة كما يصح تبرع الأجنبي، و الأحوط وجوبا في الأجنبي أن يكون التبرع باستئذانه ممن عليه الزكاة أو بطلب منه و لا ينبغي ترك الاحتياط في المقرض أيضا.

(مسألة 1092): يستحب لولي الصبي و المجنون إخراج زكاة مال التجارة إذا اتّجر بمالهما لهما.

(مسألة 1093): إذا علم البلوغ و التعلق و لم يعلم السابق منهما لم تجب الزكاة، سواء علم تاريخ التعلق و جهل تاريخ

البلوغ، أم علم تاريخ البلوغ و جهل تاريخ التعلق، أم جهل التاريخان، و كذا الحكم في المجنون إذا كان جنونه سابقا و طرأ العقل، أما إذا كان عقله سابقا و طرأ الجنون وجبت الزكاة، سواء علم تاريخ التعلق و جهل تاريخ الجنون أو علم تاريخ الجنون و جهل تاريخ التعلق أو جهل التاريخان معا.

(مسألة 1094): إذا استطاع بتمام النصاب أخرج الزكاة، إذا كان تعلقها قبل تعلق الحج، و لم يجب الحج، و إن كان بعده وجب الحج و يجب عليه- حينئذ- حفظ استطاعته، و لو بتبديل المال بغيره، نعم إذا لم يبدّل حتى مضى عليه الحول وجبت الزكاة أيضا.

المقصد الثاني ما تجب فيه الزكاة

اشارة

تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و الغلات الأربع: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و في النقدين: الذهب

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 304

و الفضة، و لا تجب فيما عدا ذلك، نعم تستحب في غيرها، من الحبوب التي تنبت في الأرض كالسمسم، و الأرز، و الدخن، و الحمص، و العدس، و الماش، و الذرة، و غيرها، و لا تستحب في الخضروات مثل البقل، و القثاء و البطيخ و الخيار و نحوها، و تستحب أيضا في مال التجارة، و في الخيل الإناث، دون الذكور و دون الحمير، و البغال.

و الكلام في التسعة الأول يقع في مباحث:

المبحث الأول [شرائط وجوب زكاة الأنعام]

الأنعام الثلاثة و شرائط وجوبها- مضافا إلى الشرائط العامة المتقدمة- أربعة:

الشرط الأول؛ النصاب:

في الإبل اثني عشر نصابا، الأول: خمس، و فيها: شاة، ثمّ عشر و فيها: شاتان، ثمّ خمس عشرة و فيها: ثلاث شياه، ثمّ عشرون و فيها:

أربع شياه، ثمّ خمس و عشرون و فيها: خمس شياه، ثمّ ست و عشرون فيها بنت مخاض، و هي الداخلة في السنة الثانية، ثمّ ست و ثلاثون و فيها: بنت لبون، و هي الداخلة في السنة الثالثة، ثمّ ست و أربعون و فيها: حقة، و هي الداخلة في السنة الرابعة، ثمّ إحدى و ستون و فيها: جذعة، و هي الداخلة في السنة الخامسة، ثمّ ست و سبعون و فيها: بنتا لبون، ثمّ إحدى و تسعون، و فيها: حقتان، ثمّ مائة و إحدى و عشرون فصاعدا و فيها: في كل خمسين حقة، و في كل أربعين: بنت لبون، فإن كان العدد مطابقا للأربعين- بحيث إذا حسب بالأربعين لم تكن زيادة و لا نقيصة- عمل على الأربعين كالمائة

و الستين، و إذا كان مطابقا للخمسين- بالمعنى المتقدم- عمل على خمسين، كالمائة و الخمسين، و إن كان مطابقا لكل منهما- كالمائتين- تخير المالك بين

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 305

العد بالأربعين و الخمسين، و إن كان مطابقا لهما- معا- كالمائتين و الستين عمل عليهما معا، فيحسب خمسينين و أربع أربعينات، و على هذا لا عفو إلا فيما دون العشرة.

(مسألة 1095): إذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون و إذا لم يكن عنده تخير في شراء أيهما شاء.

(مسألة 1096): في البقر نصابان، الأول ثلاثون، و فيها: تبيع و لا تجزى التبيعة على الأحوط، و هو ما دخل في السنة الثانية، ثمّ أربعون، و فيها: مسنة و هي الداخلة في السنة الثالثة، و فيما زاد على هذا الحساب، و يتعين العد بالمطابق الذي لا عفو فيه، فإن طابق الثلاثين- لا غير- كالستين عدّ بها، و إن طابق الأربعين- لا غير- كالثمانين عدّ بها، و إن طابقهما- كالسبعين- عدّ بهما معا، و إن طابق كلا منهما- كالمائة و العشرين- يتخير بين العدّ بالثلاثين و الأربعين، و ما بين الأربعين و الستين عفو، و كذا ما دون الثلاثين، و ما زاد على النصاب من الآحاد إلى التسعة.

(مسألة 1097): في الغنم خمسة نصب، أربعون، و فيها: شاة، ثمّ مائة و إحدى و عشرون، و فيها: شاتان، ثمّ مائتان و واحدة، و فيها:

ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة و واحد، و فيها: أربع شياه، ثمّ أربعمائة، ففي كل مائة: شاة بالغا ما بلغ، و لا شي ء فيما نقص عن النصاب الأول و لا فيما بين نصابين.

(مسألة 1098): الجاموس و البقر جنس واحد، و لا فرق في الإبل بين

العراب و البخاتي، و لا في الغنم بين المعز و الضأن، و لا بين الذكر و الأنثى في الجميع.

(مسألة 1099): المال المشترك- إذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب- وجبت الزكاة على كل منهم، و إن بلغ نصيب بعضهم النصاب

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 306

دون بعض وجبت على من بلغ نصيبه دون شريكه، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب لم تجب الزكاة، و إن بلغ المجموع النصاب.

(مسألة 1100): إذا كان مال المالك الواحد متفرقا بعضه عن بعض فإن كان المجموع يبلغ النصاب وجبت فيه الزكاة، و لا يلاحظ كل واحد على حدة.

(مسألة 1101): الأحوط وجوبا في الشاة التي تجب في نصب الإبل و الغنم أن تكمل لها سنة، و تدخل في الثانية، إن كانت من الضأن، أو تكمل لها سنتان و تدخل في الثالثة، إن كانت من المعز، و يتخير المالك بين دفعها من النصاب و غيره، و لو كانت من بلد آخر، كما يجوز دفع القيمة من النقدين، و ما بحكمهما من الأثمان، كالأوراق النقدية و إن كان دفع العين أفضل و أحوط.

(مسألة 1102): المدار على القيمة وقت الدفع لا وقت الوجوب و لا يبعد كون الاعتبار بقيمة بلد الدفع حيث يجوز فيه دفع الشاة من ذلك البلد كما تقدم، فيدفع القيمة بنية كونها بدلا عن تلك الشاة.

(مسألة 1103): إذا كان مالكا للنصاب لا أزيد- كأربعين شاة مثلا- فحال عليه أحوال فإن أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه- حينئذ- عن النصاب، و لو أخرجها منه أو لم يخرج أصلا لم تجب إلا زكاة سنة واحدة لنقصانه- حينئذ- عنه، و لو كان عنده أزيد من النصاب- كأن كان

عنده خمسون شاة- و حال عليه أحوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين، إلى أن ينقص عن النصاب.

(مسألة 1104): إذا كان جميع النصاب من الإناث يجزي دفع الذكر عن الأنثى، و بالعكس، و إذا كان كله من الضأن يجزي دفع المعز عن الضأن، و بالعكس، و كذا الحال في البقر و الجاموس و الإبل العراب و البخاتي.

(مسألة 1105): لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 307

و الشاب و الهرم، في العد من النصاب، نعم إذا كانت كلها صحيحة لا يجوز دفع المريض، و كذا إذا كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب و إذا كانت كلها شابة لا يجوز دفع الهرم، و كذا إذا كان النصاب ملفقا من الصنفين على الأحوط، إن لم يكن أقوى، نعم إذا كانت كلها مريضة أو هرمة أو معيبة جاز الاخراج منها.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، منهاج الصالحين (للتبريزي)، 2 جلد، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

منهاج الصالحين (للتبريزي)؛ ج 1، ص: 307

الشرط الثاني؛ السوم طول الحول:

فإذا كانت معلوفة، و لو في بعض الحول لم تجب الزكاة فيها، نعم في انقطاع السوم بعلف اليوم و اليومين و الثلاثة إشكال، و الأحوط إن لم يكن أقوى عدم الانقطاع.

(مسألة 1106): لا فرق في منع العلف من وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار و الاضطرار، و أن تكون من مال المالك و غيره بإذنه أو لا، كما أن الظاهر أنه لا فرق في السوم بين أن يكون من نبت مملوك أو مباح فإن رعاها في الحشيش و الدغل الذي ينبت في الأرض

المملوكة في أيام الربيع أو عند نضوب الماء وجبت فيها الزكاة، نعم إذا كان المرعى مزروعا ففي صدق السوم إشكال، و الأظهر عدم الصدق، و إذا جزّ العلف المباح فأطعمها إياه كانت معلوفة، و لم تجب الزكاة فيها.

الشرط الثالث؛ أن لا تكون عوامل:

و لو في بعض الحول، و إلا لم تجب الزكاة فيها، و في قدح العمل- يوما أو يومين أو ثلاثة- إشكال، و الأحوط- إن لم يكن أقوى- عدم القدح، كما تقدم في السوم.

الشرط الرابع؛ أن يمضي عليها حول جامعة للشرائط:

و يكفي فيه الدخول في الشهر الثاني عشر، و الأقوى استقرار الوجوب بذلك، فلا يضر فقد بعض الشرائط قبل تمامه، نعم الشهر الثاني عشر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 308

محسوب من الحول الأول، و ابتداء الحول الثاني بعد إتمامه.

(مسألة 1107): إذا اختل بعض الشروط في أثناء الأحد عشر بطل الحول، كما إذا نقصت عن النصاب أو لم يتمكن من التصرف فيها أو بدلها بجنسها، أو بغير جنسها و لو كان زكويا، و لا فرق بين أن يكون التبديل بقصد الفرار من الزكاة، و عدمه.

(مسألة 1108): إذا حصل لمالك النصاب- في أثناء الحول- ملك جديد بنتاج، أو شراء، أو نحوهما، فإما أن يكون الجديد بمقدار العفو كما إذا كان عنده أربعون من الغنم، و في أثناء الحول ولدت أربعين فلا شي ء عليه، إلا ما وجب في الأول، و هو شاة في الفرض، و إمّا أن يكون نصابا مستقلا، كما إذا كان عنده خمس من الإبل، فولدت في أثناء الحول خمسا أخرى، كان لكل منهما حول بانفراده، و وجب عليه فريضة كل منهما عند انتهاء حوله، و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا كان نصابا مستقلا،

و مكملا للنصاب اللاحق كما إذا كان عنده عشرون من الإبل و في أثناء حولها ولدت ستة، و أما إذا لم يكن نصابا مستقلا، و لكن كان مكملا للنصاب اللاحق، كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر، و في أثناء الحول ولدت إحدى عشرة وجب عند انتهاء حول الأول استئناف حول جديد لهما معا.

(مسألة 1109): ابتداء حول السخال من حين النتاج، إذا كانت أمها سائمة، و كذا إذا كانت معلوفة- على الأحوط- إن لم يكن أقوى.

المبحث الثاني زكاة النقدين

[شرائط وجوب زكاة النقدين]

(مسألة 1110): يشترط في زكاة النقدين- مضافا إلى الشرائط العامة- أمور:

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 309

(الأول): النصاب، و هو في الذهب عشرون دينارا، و فيه نصف دينار، و الدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، و لا زكاة فيما دون العشرين و لا فيما زاد عليها حتى يبلغ أربعة دنانير، و هي ثلاثة مثاقيل صيرفية و فيها أيضا ربع عشرها، و هكذا كلما زاد أربعة دنانير وجب ربع عشرها أما الفضة فنصابها مائتا درهم، و فيها خمسة دراهم، ثمّ أربعون درهما و فيها درهم واحد، و هكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم، و ما دون المائتين عفو، و كذا ما بين المائتين و الأربعين، و وزن عشرة دراهم خمسة مثاقيل صيرفية و ربع، فالدرهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره، و الضابط في زكاة النقدين من الذهب و الفضة: ربع العشر، لكنه يزيد على القدر الواجب قليلا في بعض الصور.

(الثاني): أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة، بسكة الإسلام أو الكفر بكتابة و بغيرها، بقيت السكة أو مسحت بالعارض، أما الممسوح بالأصل فالأحوط وجوب الزكاة فيه إذا عومل به، و أما المسكوك الذي جرت المعاملة به ثمّ هجرت، فالأحوط الزكاة فيه،

و إن كان الأظهر العدم، و إذا اتخذ للزينة فإن كانت المعاملة به باقية وجبت فيه على الأحوط، و إلا فالأظهر عدم الوجوب، و لا تجب الزكاة في الحلي و السبائك و قطع الذهب و الفضة.

(الثالث): الحول، على نحو ما تقدم في الأنعام، كما تقدم أيضا حكم اختلال بعض الشرائط و غير ذلك، و المقامان من باب واحد.

(مسألة 1111): لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد و الردي ء و لا يجوز الاعطاء من الردي ء، إذا كان تمام النصاب من الجيد.

(مسألة 1112): تجب الزكاة في الدراهم و الدنانير المغشوشة و إن لم يبلغ خالصهما النصاب، و إذا كان الغش كثيرا بحيث لم يصدق الذهب أو الفضة على المغشوش، ففي وجوب الزكاة فيه إن بلغ خالصه النصاب إشكال.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 310

(مسألة 1113): إذا شكّ في بلوغ النصاب فالظاهر عدم وجوب الزكاة، و في وجوب الاختبار إشكال أظهره العدم، و الاختبار أحوط.

(مسألة 1114): إذا كان عنده أموال زكوية، من أجناس مختلفة اعتبر بلوغ النصاب في كل واحد منها، و لا يضم بعضها إلى بعض، فإذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مائة و تسعون درهما لم تجب الزكاة في أحدهما، و إذا كان من جنس واحد- كما إذا كان عنده ليرة ذهب عثمانية و ليرة ذهب انجليزية- ضم بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب، و كذا إذا كان عنده روبية انجليزية و قران إيراني.

المبحث الثالث زكاة الغلات الأربع

اشارة

(مسألة 1115): يشترط في وجوب الزكاة فيها أمران:

(الأول): بلوغ النصاب، و هو بوزن النجف- في زماننا هذا- ثمان و زنات و خمس حقق و نصف إلا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال، و الوزنة أربع و عشرون حقة، و

الحقة ثلاث حقق اسلامبول و ثلث، و بوزن الاسلامبول سبع و عشرون وزنة و عشر حقق و خمسة و ثلاثون مثقالا صيرفيا، و الوزنة أربع و عشرون حقة، و الحقة مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا و بوزن الكيلو يكون النصاب ثمانمائة و سبعة و أربعين كيلوا تقريبا.

(الثاني): الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أ كان بالزرع، أم بالشراء، أم بالإرث، أم بغيرها من أسباب الملك.

(مسألة 1116): المشهور أن وقت تعلق الزكاة عند اشتداد الحب في الحنطة و الشعير، و عند الاحمرار و الاصفرار في ثمر النخيل، و عند

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 311

انعقاده حصرما في ثمر الكرم، لكن الظاهر أن وقته إذا صدق أنه حنطة أو شعير أو تمر أو عنب.

(مسألة 1117): المدار في قدر النصاب هو اليابس من المذكورات فإذا بلغ النصاب و هو عنب، و لكنه إذا صار زبيبا نقص عنه لم تجب الزكاة.

[أحكام زكاة الغلات]

(مسألة 1118): وقت وجوب الاخراج حين تصفية الغلة، و اجتذاذ التمر، و اقتطاف الزبيب على النحو المتعارف، فإذا أخّر المالك الدفع عنه- بغير عذر- ضمن مع وجود المستحق، و لا يجوز للساعي المطالبة قبله، نعم يجوز الاخراج قبل ذلك بعد تعلق الوجوب، و يجب على الساعي القبول.

(مسألة 1119): لا تتكرر الزكاة في الغلات بتكرر السنين، فإذا أعطى زكاة الحنطة ثمّ بقيت العين عنده سنين لم يجب فيها زكاة و هكذا غيرها.

(مسألة 1120): المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات، العشر إذا سقي سيحا، أو بماء السماء، أو بمص عروقه من الأرض، و نصف العشر إذا سقي بالدلاء و الماكينة، و الناعور، و نحو ذلك من العلاجات، و إذا سقي بالأمرين فإن كان أحدهما الغالب بحيث ينسب السقي إليه

و لا يعتد بالآخر، فالعمل على الغالب، و إن كانا بحيث يصدق الاشتراك عرفا و إن كان السقي بأحدهما أكثر من الآخر، يوزع الواجب فيعطي من نصف العشر، و من نصفه الآخر نصف العشر، و إذا شك في صدق الاشتراك و الغلبة كفى الأقل، و الأحوط- استحبابا- الأكثر.

(مسألة 1121): المدار في التفصيل المتقدم على الثمر، لا على الشجر، فإذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء، فلما أثمر صار يسقى بالنزيز أو السيح عند زيادة الماء وجب فيه العشر، و لو كان بالعكس وجب فيه نصف العشر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 312

(مسألة 1122): الأمطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه، إلا إذا كثرت بحيث يستغني عن الدوالي، فيجب حينئذ العشر، أو كانت بحيث توجب صدق الاشتراك في السقي، فيجب التوزيع.

(مسألة 1123): إذا أخرج شخص الماء بالدوالي عبثا، أو لغرض فسقى به آخر زرعه فالأحوط وجوب العشر، و كذا إذا أخرجه هو عبثا أو لغرض آخر ثمّ بدا له فسقى به زرعه، و أما إذا أخرجه لزرع فبدا له فسقى به زرعا آخر، أو زاد فسقى به غيره فالظاهر وجوب نصف العشر.

(مسألة 1124): ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة- و هو الحصة من نفس الزرع- لا يجب إخراج زكاته.

(مسألة 1125): المشهور استثناء المؤن التي يحتاج إليه الزرع و الثمر من أجرة الفلاح، و الحارث، و الساقي، و العوامل التي استأجرها للزرع و أجرة الأرض و لو غصبا، و نحو ذلك مما يحتاج إليه الزرع، أو الثمر، و منها ما يأخذه السلطان من النقد المضروب على الزرع المسمى بالخراج، و لكن الأحوط- في الجميع- عدم الاستثناء، نعم المؤن التي تتعلق بالزرع أو الثمر بعد

تعلق الزكاة يمكن احتسابها على الزكاة بالنسبة مع الاذن من الحاكم الشرعي.

(مسألة 1126): يضم النخل بعض إلى بعض، و إن كانت في أمكنة متباعدة و تفاوتت في الإدراك، بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد، و إن كان بينهما شهر أو أكثر، و كذا الحكم في الزروع المتباعدة فيلحظ النصاب في المجموع، فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة، و إن لم يبلغه كل واحد منها، و أما إذا كان نخل يثمر في العام مرتين ففي الضم فيه إشكال و إن كان الضم أحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 313

(مسألة 1127): يجوز دفع القيمة عن الزكاة من النقدين، و ما بحكمهما من الأثمان، كالأوراق النقدية.

(مسألة 1128): إذا مات المالك بعد تعلق الوجوب وجب على الوارث إخراج الزكاة، أما لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كل واحد النصاب وجبت على كل واحد منهم زكاة نصيبه، و إن بلغ نصيب بعضهم دون نصيب الآخر وجبت على من بلغ نصيبه دون الآخر، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم تجب على واحد منهم، و كذا الحكم، فيما إذا كان الانتقال بغير الارث كالشراء أو الهبة.

(مسألة 1129): إذا اختلفت أنواع الغلة الواحدة يجوز دفع الجيد عن الأجود و الردي ء عن الردي ء، و في جواز دفع الردي ء عن الجيد إشكال و الأحوط- وجوبا- العدم.

(مسألة 1130): الأقوى أن الزكاة حق متعلق بالعين لا على وجه الاشاعة في العين و لا على نحو الكلي في المعين في نفس العين، و لا على نحو حق الرهانة و لا على نحو حق الجناية، بل على نحو الشركة في المالية في الغلات، و على نحو الكلي في المعين بلحاظ المالية في

غيرها، ففي غير الغلات يجوز للمالك التصرف في المال المتعلق به الزكاة في غير مقدارها مشاعا أو غير مشاع، نعم لا يجوز له التصرف في مقدار النصاب، و أما في الغلات فلا يجوز للمالك التصرف لا في مقدار النصاب و لا في بعضه المعين إلا بعد عزل الزكاة، فإذا باع تمام النصاب في الغلات أو في غيرها أو باع بعضه المعين في الغلات قبل العزل لم يصح البيع في حصة الزكاة إلى أن يدفعها البائع فيصح بلا حاجة إلى اجازة الحاكم أو يدفعها المشتري فيصح أيضا و يرجع بها على البائع و إن أجاز الحاكم البيع قبل دفع البائع أو المشتري صح البيع و كان الثمن زكاة فيرجع الحاكم به إلى المشتري إن لم يدفعه إلى البائع و إلا فله الرجوع إلى أيهما شاء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 314

(مسألة 1131): لا يجوز التأخير في دفع الزكاة، من دون عذر، فإن أخره لطلب المستحق فتلف المال قبل الوصول إليه- لم يضمن، و إن أخّره- مع العلم بوجود المستحق- ضمن، نعم يجوز للمالك عزل الزكاة من العين أو من مال آخر، مع عدم المستحق، بل مع وجوده على الأقوى فيتعين المعزول زكاة، و يكون أمانة في يده لا يضمنه إلا مع التفريط، أو مع التأخير مع وجود المستحق، من دون غرض صحيح. و في ثبوت الضمان معه- كما إذا أخره لانتظار من يريده اعطاءه أو للايصال إلى المستحق تدريجا في ضمن شهر أو شهرين أو ثلاثة- إشكال، و نماء الزكاة تابع لها في المصرف، و لا يجوز للمالك إبدالها بعد العزل.

(مسألة 1132): إذا باع الزرع أو الثمر، و شك في أن البيع كان بعد تعلق الزكاة

حتى تكون عليه، أو قبله حتى تكون على المشتري لم يجب عليه شي ء، حتى إذا علم زمان التعلق و شك في زمان البيع على الأظهر.

و إن كان الشاك هو المشتري، فإن علم بأداء البائع للزكاة على تقدير كون البيع بعد التعلق لم يجب عليه إخراجها، و كذا إذا احتمل أدائه فإن معه لا يعلم الزكاة في المبيع كما هو مقتضى أصالة الصحة في فعل البائع لإحراز ولايته على بيع تمام النصاب و لو بإخراجها من غيره أو بالقيمة و إلا وجب عليه إخراج الزكاة.

(مسألة 1133): يجوز للحاكم الشرعي و وكيله خرص ثمر النخل و الكرم على المالك، و فائدته جواز الاعتماد عليه، بلا حاجة إلى الكيل و الوزن، و كذا جواز تصرّف المالك في العين الزكوي كيف يشاء، و الظاهر جواز الخرص للمالك، إما لكونه بنفسه من أهل الخبرة، أو لرجوعه إليهم، و يجوز للمالك التصرف في العين الزكوي كيف يشاء إذا كان الخرص الموجب للضمان من الحاكم الشرعي أو وكيله.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 315

المقصد الثالث أصناف المستحقين و أوصافهم

اشارة

و فيه مبحثان

المبحث الأول أصنافهم

و هم ثمانية:

(الأول): الفقير.

(الثاني): المسكين.

و كلاهما من لا يملك مئونة سنته اللائقة بحاله له و لعياله، و الثاني أسوأ حالا من الأول، و الغني بخلافهما فإنه من يملك قوت سنته فعلا- نقدا أو جنسا- و يتحقق ذلك بأن يكون له مال يقوم ربحه بمئونته و مئونة عياله، أو قوة: بأن يكون له حرفة أو صنعة يحصل منها مقدار المؤنة و إذا كان قادرا على الاكتساب و تركه تكاسلا، فالظاهر عدم جواز أخذه، نعم إذا خرج وقت التكسب جاز له الأخذ.

(مسألة 1134): إذا كان له رأس مال لا يكفي ربحه لمئونة السنة جاز له أخذ الزكاة، و كذا إذا كان صاحب صنعة تكفي آلاتها لمئونته، أو صاحب ضيعة أو دار أو خان أو نحوها تقوم قيمتها بمئونته، و لكن لا يكفيه الحاصل منها فإن له ابقاؤها و أخذ المؤنة من الزكاة.

(مسألة 1135): دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله، و لو لكونه من أهل الشرف لا تمنع من أخذ الزكاة، و كذا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 316

ما يحتاج إليه من الثياب، و الألبسة الصيفية، الشتوية، و الكتب العلمية، و أثاث البيت من الظروف، و الفرش، و الأواني، و سائر ما يحتاج إليه. نعم إذا كان عنده من المذكورات أكثر من مقدار الحاجة و ما هو المتعارف عند أوساط الناس و كانت كافية لمئونته لم يجز له الأخذ، و إذا كان له دار تندفع حاجته بأقل منها قيمة، و كان التفاوت بينهما يكفيه لمئونته لا يبعد أن يجوز له أخذ الزكاة فالدار المزبورة لا تكون مانعة عن جواز الأخذ.

(مسألة 1136): إذا كان قادرا على التكسب، لكنه ينافي

شأنه جاز له الأخذ، و كذا إذا كان قادرا على الصنعة، لكنه كان فاقدا لآلاتها.

(مسألة 1137): إذا كان قادرا على تعلم صنعة أو حرفة لم يجز له أخذ الزكاة، إلا إذا خرج وقت التعلم فيجوز، و لا يكفي في صدق الغنى القدرة على التعلم في الوقت اللاحق، إذا كان الوقت بعيدا، بل إذا كان الوقت قريبا- مثل يوم أو يومين أو نحو ذلك- جاز له الأخذ ما لم يتعلم.

(مسألة 1138): طالب العلم الذي لا يملك فعلا ما يكفيه يجوز له أخذ الزكاة إذا كان طلب العلم واجبا عليه، و إلّا فإن كان قادرا على الاكتساب، و كان يليق بشأنه لم يجز له أخذ الزكاة، و أما إن لم يكن قادرا على الاكتساب لفقد رأس المال، أو غيره من المعدات للكسب، أو كان لا يليق بشأنه كما هو الغالب في هذا الزمان جاز له الأخذ، هذا بالنسبة إلى سهم الفقراء، و أما من سهم سبيل اللّه تعالى فيجوز له الأخذ منه إذا كان يترتب على اشتغاله مصلحة محبوبة للّه تعالى، و إن لم يكن المشتغل ناويا للقربة، نعم إذا كان ناويا للحرام كالرئاسة المحرّمة لم يجز له الأخذ.

(مسألة 1139): المدعي للفقر إن علم صدقه أو كذبه عوامل به و إن جهل ذلك جاز إعطاؤه إلا إذا علم غناه سابقا، فلا بد في جواز الاعطاء- حينئذ- من الوثوق بفقره.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 317

(مسألة 1140): إذا كان له دين على الفقير جاز احتسابه من الزكاة حيا كان أم ميتا، نعم يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه و إلا لم يجز، إلا إذا تلف المال على نحو لا يكون مضمونا، و إذا امتنع

الورثة من الوفاء ففي جواز الاحتساب إشكال، و إن كان أظهر، و كذا إذا غصب التركة غاصب لا يمكن أخذها منه، أو أتلفها متلف لا يمكن استيفاء بدلها منه.

(مسألة 1141): لا يجب إعلام الفقير بأن المدفوع إليه زكاة، بل يجوز الاعطاء على نحو يتخيل الفقير أنه هدية، و يجوز صرفها في مصلحة الفقير كما إذا قدّم إليه تمر الصدقة فأكله.

(مسألة 1142): إذا دفع الزكاة- باعتقاد الفقر- فبان كون المدفوع إليه غنيا فإن كانت متعينة بالعزل وجب عليه استرجاعها و صرفها في مصرفها إذا كانت عينها باقية، و إن كانت تالفة فإن كان الدفع اعتمادا على حجة فليس عليه ضمانها و إلا ضمنها، و يجوز له أن يرجع إلى القابض، إذا كان يعلم أن ما قبضه زكاة، و إن لم يعلم بحرمتها على الغني، و إلا فليس للدافع الرجوع إليه، و كذا الحكم إذا تبين كون المدفوع إليه ليس مصرفا للزكاة من غير جهة الغنى، مثل أن يكون ممن تجب نفقته، أو هاشميا إذا كان الدافع غير هاشمي أو غير ذلك.

(الثالث): العاملون عليها.

و هم المنصوبون لأخذ الزكاة و ضبطها و حسابها و إيصالها إلى الإمام أو نائبه، أو إلى مستحقها.

(الرابع): المؤلفة قلوبهم.

و هم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم، و يثبتوا على دينهم، أو الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد مع الكفار.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 318

(الخامس): الرقاب.

و هم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة مطلقة أو مشروطة فيعطون من الزكاة ليؤدوا ما عليهم من المال، و العبيد الذين هم تحت الشدة، فيشترون و يعتقون، بل مطلق عتق العبد إذا لم

يوجد المستحق للزكاة بل مطلقا على الأظهر.

(السادس): الغارمون.

و هم: الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها، و إن كانوا مالكين قوت سنتهم، بشرط أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية، و لو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمدين فيكون له ثمّ يأخذه وفاء عما عليه من الدين، و لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها، و لو بدون اطلاع الغارم، و لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته.

(السابع): سبيل اللّه تعالى.

و هو جميع سبل الخير كبناء القناطر، و المدارس و المساجد، و إصلاح ذات البين، و رفع الفساد، و نحوها من الجهات العامة، و في جواز دفع هذا السهم في كل طاعة، مع عدم تمكن المدفوع إليه من فعلها بدونه أو مع تمكنه إذا لم يكن مقدما عليه إلا به، إشكال بل منع.

(الثامن): ابن السبيل.

الذي نفدت نفقته، بحيث لا يقدر على الذهاب إلى بلده، فيدفع له ما يكفيه لذلك، بشرط أن لا يكون سفره في معصية، بل عدم تمكنه من الاستدانة، أو بيع ماله الذي هو في بلده، على الأحوط وجوبا.

(مسألة 1143): إذا اعتقد وجوب الزكاة فأعطاها، ثمّ بان العدم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 319

جاز له استرجاعها، و إن كانت تالفة استرجع البدل، إذا كان الفقير عالما بالحال، و إلا لم يجز الاسترجاع.

(مسألة 1144): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا انعقد نذره فإن سها فأعطاها فقيرا آخر أجزأ، و لا يجوز استردادها، و

إن كانت العين باقية، و إذا أعطاها غيره- متعمدا- فالظاهر الإجزاء و لا يجوز استرجاعها أيضا، و لكن كان آثما بمخالفة نذره، و وجبت عليه الكفارة.

المبحث الثاني

في أوصاف المستحقين

و هي أمور:

(الأول): الإيمان.

فلا تعطى الكافر، و كذا المخالف من سهم الفقراء، و تعطى أطفال المؤمنين و مجانينهم، فإن كان بنحو التمليك وجب قبول وليهم، و إن كان بنحو الصرف- مباشرة أو بتوسط أمين- فلا يحتاج إلى قبول الولي و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 1145): إذا أعطى المخالف زكاته أهل نحلته، ثمّ استبصر أعادها، و إن كان قد أعطاها المؤمن أجزأ.

(الثاني): أن لا يكون من أهل المعاصي.

بحيث يصرف الزكاة في المعاصي، و يكون الدفع إليه إعانة على الإثم، و الأحوط عدم إعطاء الزكاة لتارك الصلاة، أو شارب الخمر، أو المتجاهر بالفسق.

(الثالث): أن لا يكون ممن تجب نفقته على المعطي.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 320

كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو الاناث و الزوجة الدائمة- إذا لم تسقط نفقتها- و المملوك، فلا يجوز إعطاؤهم منها للانفاق، و يجوز إعطاؤهم منها لحاجة لا تجب عليه، كما إذا كان للوالد أو للولد زوجة أو مملوك، أو كان عليه دين يجب وفاؤه، أو عمل يجب أداؤه باجارة و كان موقوفا على المال، و أما إعطاؤهم للتوسعة زائدا على الأمور اللازمة فالأحوط- إن لم يكن أقوى- عدم جوازه، إذا كان عنده ما يوسع به عليهم.

(مسألة 1146): يجوز لمن وجبت نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادرا على الانفاق، أو لم يكن باذلا بل و كذا إذا كان باذلا مع المنة غير القابلة للتحمل عادة، و الأقوى عدم وجوب الانفاق عليه،

مع بذل الزكاة، و لا يجوز للزوجة أن تأخذ من الزكاة، مع بذل الزوج للنفقة، بل مع إمكان إجباره، إذا كان ممتنعا.

(مسألة 1147): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، سواء كان الدافع الزوج أم غيره، و كذا الدائمة إذا سقطت نفقتها بالشرط و نحوه، أما إذا كان بالنشوز ففيه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 1148): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج، و لو كان للانفاق عليها.

(مسألة 1149): إذا عال بأحد تبرعا جاز للمعيل و لغيره دفع الزكاة إليه، من غير فرق بين القريب و الأجنبي.

(مسألة 1150): يجوز لمن وجب الانفاق عليه أن يعطي زكاته لمن تجب عليه نفقته، إذا كان عاجزا عن الانفاق عليه، و إن كان الأحوط- استحبابا- الترك.

(الرابع): أن لا يكون هاشميا.

إذا كانت الزكاة من غير هاشمي، و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 321

سائر السهام، حتى سهم العاملين، و سبيل اللّه، نعم لا بأس بتصرفهم في الأوقاف العامة إذا كانت من الزكاة، مثل المساجد، و منازل الزوار و المدارس، و الكتب و نحوها.

(مسألة 1151): يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي من دون فرق بين السهام أيضا، كما يجوز له أخذ زكاة غير الهاشمي، مع الاضطرار و في تحديد الاضطرار إشكال، و قد ذكر جماعة من العلماء أن المسوغ عدم التمكن من الخمس بمقدار الكفاية، و هو أيضا مشكل، و الأحوط تحديده بعدم كفاية الخمس، و سائر الوجوه يوما فيوما، مع الإمكان.

(مسألة 1152): الهاشمي هو المنتسب- شرعا- إلى هاشم بالأب دون الأم، و أما إذا كان منتسبا إليه بالزنا فيشكل إعطاؤه من زكاة غير الهاشمي، و كذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.

(مسألة 1153): المحرم

من صدقات غير الهاشمي على الهاشمي هو زكاة المال و زكاة الفطرة. أما الصدقات المندوبة فليست محرمة، بل كذا الصدقات الواجبة كالكفارات، ورد المظالم، و مجهول المالك، و اللقطة، و منذور الصدقة، و الموصى به للفقراء.

(مسألة 1154): يثبت كونه هاشميا بالعلم، بل الاطمينان، و بالبينة، و الشياع بأن اشتهر كونه هاشميا بين قوم يحسب هذا من أهل قريتهم أو محلّتهم من زمان آبائهم، و لا يكفي مجرد الدعوى و في براءة ذمة المالك غير الهاشمي- إذا دفع الزكاة إليه حينئذ- إشكال و الأظهر عدم البراءة.

فصل في بقية أحكام الزكاة

(مسألة 1155): لا يجب البسط على الأصناف الثمانية على

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 322

الأقوى و لا على أفراد صنف واحد، و لا مراعاة أقل الجمع فيجوز إعطاؤها لشخص واحد من صنف واحد.

(مسألة 1156): يجوز نقل الزكاة من بلد إلى غيره، لكن إذا كان المستحق موجودا في البلد كانت مئونة النقل عليه، و إن تلفت بالنقل يضمن و لا ضمان مع التلف بغير تفريط، إذا لم يكن في البلد مستحق، كما لا ضمان إذا وكله الفقيه في قبضها عنه، فقبضها ثمّ نقلها بأمره، و أجرة النقل حينئذ على الزكاة.

(مسألة 1157): إذا كان له مال في غير بلد الزكاة جاز دفعه زكاة عما عليه في بلده، و لو مع وجود المستحق فيه، و كذا إذا كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه عليه من الزكاة، إذا كان فقيرا و لا إشكال في شي ء من ذلك.

(مسألة 1158): إذا قبض الحاكم الشرعي الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت ذمة المالك، و إن تلفت بعد ذلك بتفريط أو بدونه، أو دفعها إلى غير المستحق.

(مسألة 1159): لا يجوز تقديم الزكاة قبل

تعلق الوجوب، نعم يجوز أن يعطي الفقير قرضا قبل وقت الوجوب، فإذا جاء الوقت احتسبه زكاة بشرط بقائه على صفة الاستحقاق كما يجوز له أن لا يحتسبه زكاة بل يدفعها إلى غيره، و يبقى ما في ذمة الفقير قرضا، و إذا أعطاه قرضا فزاد عند المقترض زيادة متصلة أو منفصلة فهي له لا للمالك و كذلك النقص عليه إذا نقص.

(مسألة 1160): إذا أتلف الزكاة المعزولة أو النصاب متلف، فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان فالضمان يكون على المتلف دون المالك و إن كان مع التأخير الموجب للضمان فكلاهما ضامن، و للحاكم

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 323

الرجوع على أيهما شاء، فإن رجع على المالك رجع هو على المتلف، و إن رجع على المتلف لم يرجع هو على المالك.

(مسألة 1161): دفع الزكاة من العبادات، فلا يصح إلا مع نية القربة و التعيين و غيرهما مما يعتبر في صحة العبادة، و إن دفعها بلا نية القربة بطل الدفع و بقيت على ملك المالك، و تجوز النية ما دامت العين موجودة فإن تلفت بلا ضمان القابض وجب الدفع ثانيا، و إن تلفت مع الضمان أمكن احتساب ما في الذمة زكاة، و يجوز ابقاؤه دينا له و الدفع إلى ذلك الفقير.

(مسألة 1162): يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز التوكيل في الايصال إلى الفقير، فينوي المالك حين الدفع إلى الوكيل و الأحوط استمرارها إلى حين الدفع إلى الفقير.

(مسألة 1163): يجوز للفقير أن يوكل شخصا في أن يقبض عنه الزكاة من شخص أو مطلقا، و تبرأ ذمة المالك بالدفع إلى الوكيل، و إن تلفت في يده.

(مسألة 1164): الأقوى عدم وجوب دفع الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في

زمن الغيبة، و إن كان أحوط و أفضل، نعم إذا طلبها على وجه الإيجاب، بأن كان هناك ما يقتضي وجوب صرفها فيه وجب على مقلديه الدفع إليه، بل على غيرهم أيضا، على الأحوط، إذا كان طلبه على نحو الحكم دون الفتوى، و إلا لم يجب إلا على مقلديه.

(مسألة 1165): تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة، إذا أدركته الوفاة، و كذا الخمس، و سائر الحقوق الواجبة، و إذا كان الوارث مستحقا جاز للوصي احتسابها عليه، و إن كان واجب النفقة على الميت حال حياته.

(مسألة 1166): الأحوط عدم نقصان ما يعطى الفقير من الزكاة عما يجب في النصاب الأول من الفضة في الفضة، و هو خمسة دراهم،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 324

و عما يجب في النصاب الأول من الذهب في الذهب، و هو نصف دينار، و إن كان الأقوى الجواز.

(مسألة 1167): يستحب لمن يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، سواء كان الآخذ الفقيه أو العامل أم الفقير، بل الأحوط- استحبابا- في الفقيه الذي يأخذه بالولاية.

(مسألة 1168): يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب كما أنه يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على غيرهم، و من لا يسأل على من يسأل، و صرف صدقة المواشي على أهل التجمل، و هذه مرجحات قد يزاحمها مرجحات أهم و أرجح.

(مسألة 1169): يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة، نعم إذا أراد الفقير بيعه بعد تقويمه فالمالك أحق به و لا كراهة، كما لا كراهة في إبقائه على ملكه إذا ملكه بسبب قهري، من ميراث و غيره.

المقصد الرابع زكاة الفطرة

اشارة

و يشترط في وجوبها التكليف، و الحرية في غير المكاتب، و أما فيه فالأحوط عدم الاشتراط، و يشترط فيه الغنى فلا تجب

على الصبي و المملوك و المجنون، و الفقير الذي لا يملك قوت سنة فعلا أو قوة، كما تقدم في زكاة الأموال، و في اشتراط الوجوب بعدم الاغماء إشكال، و الأحوط عدم الاشتراط. و المشهور أنه يعتبر اجتماع الشرائط آنا ما قبل الغروب ليلة العيد إلى أن يتحقق الغروب، فإذا فقد بعضها قبل الغروب بلحظة، أو مقارنا للغروب لم تجب و كذا إذا كانت مفقودة فاجتمعت بعد الغروب لكن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 325

الأحوط وجوبا إخراجها فيما إذا تحققت الشرائط مقارنة للغروب بل بعده في الليل أيضا.

(مسألة 1170): يستحب للفقير إخراجها أيضا، و إذا لم يكن عنده إلا صاع تصدق به على بعض عياله، ثمّ هو على آخر يديرونها بينهم و الأحوط عند انتهاء الدور التصدق على الأجنبي، كما أن الأحوط إذا كان فيهم صغير أو مجنون أن يأخذه الولي لنفسه و يؤدي عنه.

(مسألة 1171): إذا أسلم الكافر بعد الهلال لم تجب الزكاة عليه و لا تسقط عن المخالف إذا استبصر، و تجب فيها النية على النهج المعتبر في العبادات.

(مسألة 1172): يجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه و عن كل من يعول به، واجب النفقة كان أم غيره، قريبا أم بعيدا مسلما أم كافرا صغيرا أم كبيرا، بل الظاهر الاكتفاء بكونه منضما إلى عياله و لو في وقت يسير، كالضيف إذا نزل عليه قبل الهلال و بقي عنده ليلة العيد و إن لم يأكل عنده، و كذلك فيما إذا نزل بعده على الأحوط، أما إذا دعا شخصا إلى الافطار ليلة العيد لم يكن من العيال، و لم تجب فطرته على من دعاه.

(مسألة 1173): إذا بذل لغيره ما لا يكفيه في نفقته

لم يكف ذلك في صدق كونه عياله، فيعتبر في العيال نوع من التابعية.

(مسألة 1174): من وجبت فطرته على غيره سقطت عنه، و إن كان الأحوط- استحبابا- عدم السقوط إذا لم يخرجها من وجبت عليه غفلة أو نسيانا و نحو ذلك مما يسقط معه التكليف واقعا، و إذا كان المعيل فقيرا وجبت على العيال، إذا اجتمعت شرائط الوجوب.

(مسألة 1175): إذا ولد له ولد بعد الغروب، لم تجب عليه فطرته

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 326

و أما إذا ولد له قبل الغروب، أو ملك مملوكا أو تزوج امرأة، فإن كانوا عيالا وجبت عليه فطرتهم، و إلا فعلى من عال بهم، و إذا لم يعل بهم أحد وجبت فطرة الزوجة على نفسها إذا جمعت الشرائط و لم تجب على المولود و المملوك.

(مسألة 1176): إذا كان شخص عيالا لاثنين وجبت فطرته عليهما على نحو التوزيع، و مع فقر أحدهما تسقط عنه، و الأظهر عدم سقوط حصة الآخر، و مع فقرهما تسقط عنهما، فتجب على العيال إن جمع الشرائط.

(مسألة 1177): الضابط في جنس الفطرة أن يكون قوتا في الجملة كالحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الذرة، و الأقط، و اللبن و نحوها. و الأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى إذا كانت من القوت الغالب، و الأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب، و الأحوط أن يكون صحيحا، و يجزي دفع القيمة من النقدين و ما بحكمهما من الأثمان، و المدار قيمة وقت الأداء لا الوجوب، و بلد الاخراج لا بلد المكلف.

[الواجب دفعه من الفطرة]

(مسألة 1178): المقدار الواجب صاع و هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و ربع مثقال، و بحسب حقة النجف يكون نصف حقة و نصف و قية

و واحدا و ثلاثين مثقالا إلا مقدار حمصتين، و إن دفع ثلثي حقة زاد مقدار مثاقيل، و بحسب حقة الاسلامبول حقتان و ثلاثة أرباع الوقية و مثقالان إلا ربع مثقال، و بحسب المن الشاهي و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا نصف منّ إلا خمسة و عشرين مثقالا و ثلاثة أرباع المثقال و مقدار الصاع بحسب الكيلو ثلاث كيلوات تقريبا. و لا يجزي ما دون الصاع من الجيد و إن كانت قيمته تساوي قيمة صاع من غير الجيد، كما لا يجزي الصاع الملفق من جنسين، و لا يشترط اتحاد ما يخرجه عن نفسه، مع ما يخرجه عن عياله، و لا اتحاد ما يخرجه عن بعضهم، مع ما يخرجه عن البعض الآخر.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 327

فصل [وقت إخراج زكاة الفطرة]

وقت إخراجها طلوع الفجر من يوم العيد، و الأحوط إخراجها أو عزلها قبل صلاة العيد، و إن لم يصلها امتد الوقت إلى الزوال، و إذا عزلها جاز له التأخير في الدفع إذا كان التأخير لغرض عقلائي، كما مر في زكاة الأموال، فإن لم يدفع و لم يعزل حتى زالت الشمس فالأحوط- استحبابا- الاتيان بها بقصد القربة المطلقة.

(مسألة 1179): الظاهر جواز تقديمها في شهر رمضان، و إن كان الأحوط التقديم بعنوان القرض.

(مسألة 1180): يجوز عزلها في مال مخصوص من تلك الأجناس أو من النقود بقيمتها، و الظاهر عدم جواز عزلها في ماله على نحو الاشاعة و كذا عزلها في المال المشترك بينه و بين غيره على نحو الاشاعة، على الأحوط وجوبا.

(مسألة 1181): إذا عزلها تعينت، فلا يجوز تبديلها، و إن أخر دفعها ضمنها إذا تلفت مع إمكانا لدفع إلى المستحق على ما مر في زكاة المال.

(مسألة 1182): يجوز

نقلها إلى غير بلد التكليف، مع عدم المستحق، أما مع وجوده فالأحوط وجوبا تركه، و إذا سافر عن بلد التكليف إلى غيره جاز دفعها في البلد الآخر.

فصل [مصرف زكاة الفطرة]

مصرفها مصرف الزكاة من الأصناف الثمانية على الشرائط المتقدمة.

(مسألة 1183): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، و تحل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 328

فطرة الهاشمي على الهاشمي و غيره، و العبرة على المعيل دون العيال، فلو كان العيال هاشميا دون المعيل لم تحل فطرته على الهاشمي، و إذا كان المعيل هاشميا و العيال غير هاشمي حلت فطرته على الهاشمي.

(مسألة 1184): يجوز إعطاؤها إلى المستضعف من أهل الخلاف عند عدم القدرة على المؤمن.

(مسألة 1185): يجوز للمالك دفعها إلى الفقراء بنفسه و الأحوط و الأفضل دفعها إلى الفقيه.

(مسألة 1186): الأحوط- استحبابا- أن لا يدفع للفقير أقل من صاع إلا إذا اجتمع جماعة لا تسعهم، و يجوز أن يعطى الواحد أصواعا.

(مسألة 1187): يستحب تقديم الأرحام، ثمّ الجيران، و ينبغي الترجيح بالعلم، و الدين، و الفضل.

و اللّه سبحانه أعلم و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 329

كتاب الخمس

اشارة

و فيه مبحثان

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 331

المبحث الأول فيما يجب فيه

اشارة

و هي أمور:

(الأول): الغنائم.

المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم، يجب فيه الخمس، إذا كان القتال باذن الإمام عليه السّلام، بل الحكم كذلك إذا لم يكن باذنه، سواء كان القتال بنحو الغزو للدعاء إلى الإسلام أم لغيره، أو كان دفاعا لهم عند هجومهم على المسلمين.

(مسألة 1188): ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة، أو سرقة، أو ربا، أو دعوى باطلة، فليس فيه خمس الغنيمة، بل خمس الفائدة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

[وجوب الخمس في الغنائم]

(مسألة 1189): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين دينارا على الأصح، نعم يعتبر أن لا تكون غصبا من مسلم، أو غيره ممن هو محترم المال، و إلا وجب ردها على مالكها، أما إذا كان في أيديهم مال للحربي بطريق الغصب، أو الأمانة، أو نحوهما جرى عليه حكم مالهم.

(مسألة 1190): يجوز أخذ مال الناصب أينما وجد، و الأحوط- وجوبا- وجوب الخمس فيه من باب الغنيمة، لا من باب الفائدة.

[وجوب الخمس في المعدن]

(الثاني): المعدن.

كالذهب، و الفضة، و الرصاص، و النحاس، و العقيق، و الفيروزج،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 332

و الياقوت، و الكحل، و الملح، و القير، و النفط، و الكبريت، و نحوها.

و الأحوط إلحاق مثل الجص و النورة، و حجر الرحى، و طين الغسل و نحوها مما يصدق عليه اسم الأرض، و كان له خصوصية في الانتفاع به، و إن كان الأظهر وجوب الخمس فيها من جهة الفائدة، و لا فرق في المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة.

(مسألة 1191): يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، و هو قيمة عشرين دينارا (ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب المسكوك) سواء أ كان المعدن ذهبا، أم فضة، أو غيرهما، و الأحوط- إن لم يكن أقوى- كفاية بلوغ المقدار المذكور، و لو قبل استثناء مئونة الاخراج و التصفية فإذا بلغ ذلك أخرج الخمس من الباقي بعد استثناء المؤنة.

(مسألة 1192): يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الاخراج عرفا، فإذا أخرج دفعات لم يكف بلوغ المجموع النصاب، نعم إن أعرض في الأثناء ثمّ رجع، على نحو لم يتعدد الاخراج عرفا كفى بلوغ المجموع النصاب.

(مسألة 1193): إذا اشترك جماعة كفى بلوغ مجموع الحصص النصاب على الأحوط و أن كان

لا يبعد اعتبار بلوغ حصته كل واحد.

(مسألة 1194): المعدن في الأرض المملوكة، إذا كان من توابعها ملك لمالكها و إن أخرجه غيره بدون إذنه فهو لمالك الأرض، و عليه الخمس، و إذا كان في الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك المسلمين ملكه المخرج، إذا أخرجه بإذن ولي المسلمين، على الأحوط وجوبا، و فيه الخمس و ما كان في الأرض الموات حال الفتح يملكه المخرج و فيه الخمس.

(مسألة 1195): إذا شك في بلوغ النصاب فالأحوط- استحبابا- الاختبار مع الامكان، و مع عدمه لا يجب عليه شي ء، و كذا إذا اختبره فلم يتبين له شي ء. نعم إذا علم إجمالا أو اطمأن كذلك بوقوعه في مخالفة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 333

الواقع في بعض الدفعات يجب عليه الاحتياط.

[وجوب الخمس في الكنز]

(الثالث): الكنز.

و هو المال المذخور في موضع، أرضا كان، أم جدارا، أم غيرهما فإنه لواجده، و عليه الخمس، هذا فيما إذا كان المال المدّخر ذهبا أو فضة مسكوكين، و كذا في غيرهما على الأحوط لو لم يكن أظهر. و يعتبر في جواز تملك الكنز أن لا يعلم أنه لمسلم سواء وجده في دار الحرب أم في دار الإسلام، مواتا كان حال الفتح أم عامرة، أم في خربة باد أهلها، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن، و يشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ النصاب، و هو أقل نصابي الذهب و الفضة مالية في وجوب الزكاة، و لا فرق بين الاخراج دفعة و دفعات و يجري هنا أيضا استثناء المؤنة، و حكم بلوغ النصاب قبل استثنائها و حكم اشتراك جماعة فيه إذا بلغ المجموع النصاب، كما تقدم في المعدن، و إن علم أنه لمسلم، فإن كان موجودا و عرفه

دفعه إليه، و إن جهله وجب عليه التعريف على الأحوط، فإن لم يعرف المالك أو كان المال مما لا يمكن تعريفه تصدق به عنه على الأحوط وجوبا، و إذا كان المسلم قديما فالأظهر أن الواجد يملكه، و فيه الخمس، و الأحوط- استحبابا- إجراء حكم ميراث من لا وراث له عليه.

(مسألة 1196): إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة له، فإن ملكها بالاحياء كان الكنز له، و عليه الخمس، إلا أن يعلم أنه لمسلم موجود أو قديم، فتجري عليه الأحكام المتقدمة، و إن ملكها بالشراء و نحوه فالأحوط أن يعرفه المالك السابق واحدا أم متعددا، فإن عرفه دفعه إليه و إلا عرفه السابق، مع العلم بوجوده في ملكه، و هكذا فإن لم يعرفه الجميع فهو لواجده، إذا لم يعلم أيضا أنه لمسلم موجود أو قديم، و إلا جرت عليه الأحكام المتقدمة، و كذا إذا وجده في ملك غيره، إذا كان تحت يده باجارة و نحوها، فإنه يعرفه المالك، فإن عرفه دفعه إليه، و إلا فالأحوط- وجوبا-

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 334

أن يعرفه السابق، مع العلم بوجوده في ملكه، و هكذا فإن لم يعرفه الجميع فهو لواجده، إلا أن يعلم أنه لمسلم موجود أو قديم فيجري عليه ما تقدم.

(مسألة 1197): إذا اشترى دابة فوجد في جوفها مالا عرّفه البائع فإن لم يعرفه كان له، و كذا الحكم في الحيوان غير الدابة، مما كان تحت يد البائع، و أما إذا اشترى سمكة و وجد في جوفها مالا، فهو له من دون تعريف، و لا يجب في جميع ذلك الخمس بعنوان الكنز، بل يجري عليه حكم الفائدة و الربح.

[وجوب الخمس في الغوص]

(الرابع): ما أخرج من البحر بالغوص.

من الجوهر و غيره، لا

مثل السمك و نحوه من الحيوان.

(مسألة 1198): الأحوط وجوب الخمس فيه و إن لم تبلغ قيمته دينارا.

(مسألة 1199): إذا أخرج بآلة من دون غوص فالأحوط- وجوبا- جريان حكم الغوص عليه.

(مسألة 1200): الظاهر أن الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص.

(مسألة 1201): لا إشكال في وجوب الخمس في العنبر إن أخرج بالغوص، و إن أخذ من وجه الماء أو الساحل، فالأظهر دخوله في أرباح المكاسب.

[وجوب الخمس في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم]

(الخامس): الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

فإنه يجب فيها الخمس على الأقوى، و لا فرق بين الأرض الخالية و أرض الزرع، و أرض الدار، و غيرها، و لا يختص الحكم بصورة وقوع البيع على الأرض، بل إذا وقع على مثل الدار أو الحمام، أو الدكان وجب الخمس في الأرض، كما أنه لا يختص الحكم بالشراء بل يجري في سائر

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 335

المعاوضات أو الانتقال المجاني.

(مسألة 1202): إذا اشترى الأرض ثمّ أسلم لم يسقط الخمس، و كذا إذا باعها من مسلم، فإذا اشتراها منه- ثانيا- وجب خمس آخر، فإن كان الخمس الأول دفعه من العين كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس الباقية، و إن كان دفعه من غير العين كان الخمس الثاني خمس تمام العين على الأحوط، نعم إذا كان المشتري من الشيعة جاز له التصرف فيها، من دون إخراج الخمس.

(مسألة 1203): يتعلق الخمس برقبة الأرض المشتراة، و يتخير الذمي بين دفع خمس العين و دفع قيمته، فلو دفع أحدهما وجب القبول، و إذا كانت الأرض مشغولة بشجرة أو بناء، فإن اشتراها على أن تبقى مشغولة بما فيها بأجرة أو مجانا قوم خمسها كذلك، و إن اشتراها على أن يقلع ما فيها قوم أيضا

كذلك.

(مسألة 1204): إذا اشترى الذمي الأرض، و شرط على المسلم البائع أن يكون الخمس عليه، أو أن لا يكون فيها الخمس بطل الشرط و إن اشترط أن يدفع الخمس عنه صح الشرط، و لكن لا يسقط الخمس إلا بالدفع.

[حكم المال المختلط بالحرام]

(السادس): المال المخلوط بالحرام.

إذا لم يتميز، و لم يعرف مقداره، و لا صاحبه فإنه يحل بإخراج خمسه، و الأحوط صرفه بقصد الأعم من المظالم و الخمس، فإن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدق به عنه سواء كان الحرام بمقدار الخمس، أم كان أقل منه، أم كان أكثر منه و الأحوط- وجوبا- أن يكون باذن الحاكم الشرعي و إن علم المالك و جهل المقدار تراضيا بالصلح، و إن لم يرض المالك بالصلح جاز الاقتصار على دفع الأقل إليه إن رضي بالتعيين و إلا تعين الرجوع إلى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 336

الحاكم الشرعي في حسم الدعوى، و حينئذ إن رضي بالتعيين فهو، و إلا أجبره الحاكم عليه، و إن علم المالك و المقدار وجب دفعه إليه، و يكون التعيين بالتراضي بينهما.

(مسألة 1205): إذا علم قدر المال الحرام و لم يعلم صاحبه بعينه بل علمه في عدد محصور، فالأحوط التخلص من الجميع باسترضائهم، فإن لم يمكن ففي المسألة وجوه، أقربها العمل بالقرعة في تعيين المالك، و كذا الحكم إذا لم يعلم قدر المال، و علم صاحبه في عدد محصور.

(مسألة 1206): إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس فإن علم جنسه و مقداره فإن عرف صاحبه رده إليه، و إن لم يعرفه، فإن كان في عدد محصور، فالأحوط- وجوبا- استرضاء الجميع، و إن لم يمكن عمل بالقرعة، و إن كان في عدد غير محصور تصدق

به عنه، و الأحوط- وجوبا- أن يكون بإذن الحاكم الشرعي، و إن علم جنسه و جهل مقداره جاز له في إبراء ذمته الاقتصار على الأقل، فإن عرف المالك رده إليه و إلا فإن كان في عدد محصور، فالأحوط- وجوبا- استرضاء الجميع فإن لم يمكن رجع إلى القرعة، و إلا تصدق به على المالك، و الأحوط- وجوبا- أن يكون بإذن الحاكم، و إن لم يعرف جنسه و كان قيميا فالحكم كما لو عرف جنسه، و إن لم يعرف جنسه و كان مثليا، فإن أمكن المصالحة مع المالك تعين ذلك، و إلا فلا يبعد العمل بالقرعة بين الأجناس.

(مسألة 1207): إذا تبين المالك بعد دفع الخمس فالظاهر عدم الضمان له.

(مسألة 1208): إذا علم بعد دفع الخمس أن الحرام أكثر من الخمس فالأحوط دفع الزائد أيضا، و إذا علم أنه انقص لم يجز له استرداد الزائد على مقدار الحرام على الأحوط.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 337

(مسألة 1209): إذا كان الحرام المختلط من الخمس، أو الزكاة أو الوقف العام، أو الخاص لا يحل المال المختلط به بإخراج الخمس، بل يجري عليه حكم معلوم المالك، فيراجع ولي الخمس أو الزكاة، أو الوقف على أحد الوجوه السابقة.

(مسألة 1210): إذا كان الحلال الذي اختلط به الحرام قد تعلق به الخمس، قيل وجب عليه بعد إخراج خمس التحليل خمس الباقي فإذا كان عنده خمسة و سبعون دينارا وجب تخميسه ثمّ تخميس الباقي فيبقى له من مجموع المال ثمانية و أربعون دينارا، و لكن الظاهر كفاية استثناء خمس المال الحلال المتيقن أولا، ثمّ تخميس الباقي فإذا فرضنا في المثال أن خمسين دينارا من المال المخلوط حلال جزما، و قد تعلق به الخمس و مقدار

الحرام مردد بين أن يكون أقل من الخمس أو أكثر منه، فيجزيه أن يستثني عشرة دنانير خمس الخمسين، ثمّ يخمس الباقي فيبقى له اثنان و خمسون دينارا.

هذا فيما إذا أخرج خمس المال الحلال المتيقن من مال آخر لا من نفس المال المختلط و إلا تعين تخميس التحليل أولا ثمّ تخميس الباقي.

(مسألة 1211): إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه بالاتلاف، فالأظهر حينئذ اشتغال ذمته بنفس المال الحرام و يجري عليه ما ذكرناه في مسألة 1206، و إن تردد بين الأقل و الأكثر جاز له الاقتصار على الأقل و الأحوط دفع الأكثر.

[ما يفضل عن المؤنة]

(السابع): ما يفضل عن مئونة سنته.

له و لعياله من فوائد الصناعات و الزراعات، و التجارات، و الاجارات، و حيازة المباحات، بل الأحوط الأقوى تعلقه بكل فائدة مملوكة له كالمال الموصى به، و نماء الوقف الخاص أو العام و الميراث الذي لا يحتسب، و الصدقة لو اتخذ شي ء منها كسبا كالسائل بالصدقات، و الظاهر عدم وجوبه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 338

في المهر، و في عوض الخلع، و في الجائزة إذا عدّت عرفا شيئا يسيرا.

(مسألة 1212): الأحوط- إن لم يكن أقوى- إخراج خمس ما زاد عن مئونته مما ملكه بالخمس، أو الزكاة، أو الكفارات، أو رد المظالم أو نحوها.

(مسألة 1213): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها، و قد أداه فنمت، و زادت زيادة منفصلة، كالولد، و الثمر، و اللبن، و الصوف، و نحوها، مما كان منفصلا، أو بحكم المنفصل- عرفا- فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة، بل الظاهر وجوبه في الزيادة المتصلة أيضا، كنمو الشجر و سمن الشاة إذا كانت للزيادة مالية عرفا و أما إذا

ارتفعت قيمتها السوقية- بلا زيادة عينية- فإن كان الأصل قد اشتراه و أعده للتجارة وجب الخمس في الارتفاع المذكور، و إن لم يكن قد اشتراه لم يجب الخمس في الارتفاع، و إذا باعه بالسعر الزائد لم يجب الخمس في الزائد من الثمن، كما إذا ورث من أبيه بستانا قيمته مائة دينار فزادت قيمته، و باعه بمائتي دينار لم يجب الخمس في المائة الزائدة و إن كان قد اشتراه بمائة دينار، و لم يعده للتجارة فزادت قيمته، و بلغت مائتي دينار لم يجب الخمس في زيادة القيمة، نعم إذا باعه بالمائتين وجب الخمس في المائة الزائدة، و تكون من أرباح سنة البيع.

[أقسام ما زادت قيمته]

فأقسام ما زاد قيمته ثلاثة:

(الأول): ما يجب فيه الخمس في الزيادة، و إن لم يبعه، و هو ما اشتراه للتجارة.

(الثاني): ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، و إن باعه بالزيادة و هو ما ملكه بالارث و نحوه، مما لم يتعلق به الخمس بما له من المالية، و إن أعده للتجارة. و من قبيل ذلك ما ملكه بالهبة أو الحيازة فيما إذا لم يكن متعلقا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 339

للخمس من الأول أو كان متعلقا للخمس و قد أداه سواء كان الأداء من نفس المال أو من مال آخر من النقود فإنه حينئذ أداء الخمس لا عوضه.

(الثالث): ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، إلا إذا باعه، و هو ما ملكه بالشراء، أو نحو ذلك، بقصد الاقتناء أو المؤنة لا التجارة.

(مسألة 1214): الذين يملكون الغنم يجب عليهم- في آخر السنة- إخراج خمس الباقي، بعد مئونتهم من نماء الغنم من الصوف، و السمن، و اللبن، و السخال المتولدة منها، و إذا بيع شي ء

من ذلك في أثناء السنة و بقي شي ء من ثمنه وجب إخراج خمسه أيضا، و كذلك الحكم في سائر الحيوانات، فإنه يجب تخميس ما يتولد منها، إذا كان باقيا في آخر السنة بنفسه أو ثمنه.

(مسألة 1215): إذا عمر بستانا و غرس فيه نخلا و شجرا للانتفاع بثمره لم يجب إخراج خمسه، إذا صرف عليه مالا لم يتعلق به الخمس كالموروث، أو مالا قد أخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو مالا فيه الخمس، كأرباح السنة السابقة و لم يخرج خمسه، نعم يجب عليه إخراج خمس المال نفسه، و أما إذا صرف عليه من ربح السنة- قبل تمام السنة- وجب إخراج خمس نفس تعمير البستان، بعد استثناء مئونة السنة، و وجب أيضا الخمس في نمائه المنفصل، أو ما بحكمه من الثمر، و السعف، و الأغصان اليابسة المعدة للقطع، بل في نمائه المتصل أيضا على ما عرفت، و كذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديدا في السنة الثانية، و إن كان أصله من الشجر المخمس ثمنه، مثل: (التال) الذي ينبت فيقلعه و يغرسه، و كذا إذا نبت جديدا لا بفعله، كالفسيل و غيره، إذا كان له مالية، و بالجملة كل ما يحدث جديدا من الأموال التي تدخل في ملكه يجب إخراج خمسه في آخر سنته، بعد استثناء مئونة سنته، و لا يجب الخمس في ارتفاع القيمة في هذه الصورة، نعم إذا باعه بأكثر مما صرفه عليه من ثمن الفسيل، و أجرة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 340

الفلاح، و غير ذلك وجب الخمس في الزائد، و يكون الزائد من أرباح سنة البيع، و أما إذا كان تعميره بقصد التجارة بنفس البستان وجب الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في

آخر السنة، و إن لم يبعه كما عرفت.

(مسألة 1216): إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها في أثناء السنة، و لم يبعها غفلة، أو طلبا للزيادة، أو لغرض آخر ثمّ رجعت قيمتها في رأس السنة إلى رأس مالها فليس عليه خمس تلك الزيادة بل إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة، و لم يبعها من دون عذر و بعدها نقصت قيمتها لم يضمن النقص، نعم يجب عليه أداء الخمس من الباقي بالنسبة.

[استثناء المؤنة من الأرباح]

(مسألة 1217): المؤنة المستثناة من الأرباح، و التي لا يجب فيها الخمس فيها أمران مئونة تحصيل الربح، و مئونة سنته، و المراد من مئونة التحصيل كل مال يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على الربح، كأجرة الحمال، و الدلال، و الكاتب، و الحارس، و الدكان، و كذا في ضرائب السلطان إذا أخذت قبل أداء الخمس، و غير ذلك فإن جميع هذه الأمور تخرج من الربح، ثمّ يخمس الباقي، و من هذا القبيل ما ينقص من ماله في سبيل الحصول على الربح كالمصانع، و السيارات، و آلات الصناعة، و الخياطة، و الزراعة، و غير ذلك فإن ما يرد على هذه من النقص باستعمالها أثناء السنة يتدارك من الربح، مثلا إذا اشترى سيارة بألفي دينار و آجرها سنة بأربعمائة دينار، و كانت قيمة السيارة نهاية السنة من جهة الاستعمال ألفا و ثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلا في المائتين، و المائتان الباقيتان من المؤنة. و المراد من مئونة السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يصرفه في سنته، في معاش نفسه و عياله على النحو اللائق بحاله، أم في صدقاته و زياراته، و هداياه و جوائزه المناسبة له، أم في ضيافة أضيافه، أم وفاء بالحقوق

اللازمة له بنذر أو كفارة، أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ، أو فيما يحتاج إليه من دابة و جارية، و كتب و أثاث، أو في تزويج أولاده و ختانهم و غير ذلك، فالمئونة كل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 341

مصرف متعارف له سواء أ كان الصرف فيه، على نحو الوجوب، أم الاستحباب أم الاباحة، أم الكراهة، نعم لا بد في المؤنة المستثناة من الصرف فعلا فإذا قتر على نفسه لم يحسب له، كما أنه إذا تبرع متبرع له بنفقته أو بعضها لا يستثنى له مقدار التبرع من أرباحه بل يحسب ذلك من الربح الذي لم يصرف في المؤنة، و أيضا لا بد أن يكون الصرف على النحو المتعارف، فإذا زاد عليه وجب خمس التفاوت، و إذا كان المصرف سفها و تبذيرا لا يستثنى المقدار المصروف، بل يجب فيه الخمس، و الأحوط التخميس فيما إذا كان المصرف راجحا شرعا، و كان غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد، و الانفاق على الضيوف ممن هو قليل الربح.

[المراد من رأس السنة]

(مسألة 1218): رأس سنة المؤنة وقت ظهور الربح أو الشروع في الاكتساب، و إن لكل ربح سنة تخصه، و من الجائز أن يجعل الإنسان لنفسه رأس سنة فيحسب مجموع وارداته في آخر السنة، و إن كانت من أنواع مختلفة، كالتجارة، و الاجارة، و الزراعة، و غيرها، و يخمس ما زاد على مئونته، كما يجوز له أن يجعل لكل نوع بخصوصه رأس سنة، فيخمس ما زاد عن مئونته في آخر تلك السنة.

[اتخاذ رأس المال من الأرباح]

(مسألة 1219): إن من كان بحاجة إلى رأس مال، لإعاشة نفسه و عياله فحصل على مال لا يزيد على مئونة سنته، بحيث لو صرفه فيها لم يزد عليها، فالظاهر أنه من المؤنة، فيجوز اتخاذه رأس مال، و الاتجار به لإعاشة نفسه و عائلته من أرباحها، فإن زاد الربح على المؤنة خمّس الزائد و إن لم يزد عليها لم يجب عليه شي ء، و إن كان قد حصل على ما يزيد على مئونة سنته جاز له أن يتخذ مقدار مئونته من ذلك المال رأس مال له، يتجر به لإعاشة نفسه و عائلته، و لا يجب الخمس في ذلك المقدار حينئذ، و إنما يجب في الباقي، و فيما يزيد على مئونته من أرباح ذلك المال. نعم لو توقف تحصيل مئونة السنة على التجارة بمجموع المال الزائد على مئونة سنته ففي وجوب

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 342

خمس الزائد مع اشتغاله بالتجارة و ضرورته عليها كما هو الفرض تأمل و لكنه أحوط.

و أما من لم يكن بحاجة إلى اتخاذ رأس مال للتجارة، لإعاشة نفسه و عياله كمن كان عنده رأس مال بمقدار الكفاية، أو لم يكن محتاجا في إعاشته و عائلته إلى التجارة لم يجز له أن

يتخذ من أرباحه رأس مال للتجارة من دون تخميس، بل يجب عليه إخراج خمسه أولا ثمّ اتخاذه رأس مال له، و في حكم رأس المال ما يحتاجه الصانع من آلات الصناعة، و الزارع من آلات الزراعة فقد يجب إخراج خمس ثمنها و قد لا يجب، فإن وجب إخراج خمس ثمنها و نقصت آخر السنة تلاحظ القيمة آخر السنة.

(مسألة 1220): كل ما يصرفه الإنسان في سبيل حصول الربح يستثنى من الأرباح كما مر، و لا يفرق في ذلك بين حصول الربح في سنة الصرف و حصوله فيما بعد، فكما لو صرف مالا في سبيل إخراج معدن استثنى ذلك من المخرج و لو كان الاخراج بعد مضي سنة أو أكثر فكذلك لو صرف مالا في سبيل حصول الربح، و من ذلك النقص الوارد على المصانع، و السيارات، و آلات الصنائع و غير ذلك مما يستعمل في سبيل تحصيل الربح.

(مسألة 1221): لا فرق في مئونة السنة بين ما يصرف عينه، مثل المأكول و المشروب، و ما ينتفع به- مع بقاء عينه- مثل الدار، و الفرش و الأواني و نحوها من الآلات المحتاج إليها، فيجوز استثناؤها إذا اشتراها من الربح، و إن بقيت للسنين الآتية، نعم إذا كان عنده شي ء منها قبل الاكتساب، لا يجوز استثناء قيمته، بل حاله حال من لم يكن محتاجا إليها.

(مسألة 1222): يجوز إخراج المؤنة من الربح، و إن كان له مال غير مال التجارة فلا يجب إخراجها من ذلك المال، و لا التوزيع عليهما.

(مسألة 1223): إذا زاد ما اشتراه للمئونة من الحنطة، و الشعير،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 343

و السمن، و السكر، و غيرها وجب عليه إخراج خمسه، أما المؤن التي يحتاج إليها-

مع بقاء عينها- إذا استغنى عنها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، سواء كان الاستغناء عنها بعد السنة، كما في حليّ النساء الذي يستغنى عنه في عصر الشيب، أم كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، بلا فرق بين ما كانت مما يتعارف إعدادها للسنين الآتية، كالثياب الصيفية و الشتائية عند انتهاء الصيف أو الشتاء في أثناء السنة، و ما لم تكن كذلك.

(مسألة 1224): إذا كانت الأعيان المصروفة في مئونة السنة قد اشتراها من ماله المخمس فزادت قيمتها- حين الاستهلاك في أثناء السنة- لم يجز له استثناء قيمة زمان الاستهلاك، بل يستثنى قيمة الشراء.

(مسألة 1225): ما يدخره من المؤن، كالحنطة و الدهن و نحو ذلك إذا بقي منه شي ء إلى السنة الثانية- و كان أصله مخمسا- لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته، كما أنه لو نقصت قيمته لا يجبر النقص من الربح.

(مسألة 1226): إذا اشترى بعين الربح في سنته شيئا، فتبين الاستغناء عنه وجب إخراج خمسه، و الأحوط- استحبابا- مع نزول قيمته عن رأس المال مراعاة رأس المال، و كذا إذا اشتراه عالما بعدم الاحتياج إليه كبعض الفرش الزائدة، و الجواهر المدخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة، و البساتين و الدور التي يقصد الاستفادة بنمائهما، فإنه لا يراعي في الخمس رأس مالها، بل قيمتها و إن كانت أقل منه، و كذا إذا اشترى الأعيان المذكورة بالذمة، ثمّ وفى من الربح لم يلزمه إلا خمس قيمة العين آخر السنة، و إن كان الأحوط- استحبابا- في الجميع ملاحظة الثمن.

[مصارف الحج من المؤنة]

(مسألة 1227): من جملة المؤن مصارف الحج واجبا كان أو مستحبا و إذا استطاع في أثناء السنة من الربح و لم يحج- و لو عصيانا- وجب خمس ذلك المقدار

من الربح و لم يستثن له، و إذا حصلت الاستطاعة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 344

من أرباح سنين متعددة وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراج الخمس وجب الحج و إلا فلا، أما الربح المتمم للاستطاعة في سنة الحج فلا خمس فيه، نعم إذا لم يحج- و لو عصيانا- وجب إخراج خمسه.

(مسألة 1228): إذا حصل لديه أرباح تدريجية فاشترى في السنة الأولى عرصة لبناء دار، و في الثانية خشبا و حديدا، و في الثالثة آجرا مثلا، و هكذا لا يكون ما اشتراه من المؤن المستثناة لتلك السنة، لأنه مئونة للسنين الآتية التي يحصل فيها السكنى، فعليه خمس تلك الأعيان.

(مسألة 1229): إذا آجر نفسه سنين كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الاجارة من أرباحها، و ما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية من أرباح تلك السنين، و أما إذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع، و وجب فيه الخمس بعد المؤنة، و بعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد على البستان، من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدة الباقية بعد انتهاء السنة، مثلا: إذا كان له بستان يسوي ألف دينار، فباع ثمرته عشر سنين بأربعمائة دينار، و صرف منها في مئونته مائة دينار فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار لم يجب الخمس في تمامه، بل لا بد من استثناء مقدار يجبر به النقص الوارد على البستان، من جهة كونه مسلوب المنفعة تسع سنين، فإذا فرضنا أنه لا يسوي كذلك بأزيد من ثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلا في مائة دينار فقط، و بذلك يظهر الحال فيما إذا آجر داره- مثلا- سنين متعددة.

(مسألة

1230): إذا دفع من السهمين أو أحدهما، ثمّ بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها، فإن كان ما دفعه من أرباح هذه السنة حسب المدفوع من الأرباح و وجب إخراج خمس الجميع و لو بوضع

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 345

مقدار خمس ربح السنة الماضية من رأس ماله الموجود في أول سنته.

[أداء الدين من المؤنة]

(مسألة 1231): أداء الدين من المؤنة سواء أ كانت الاستدانة في سنة الربح أم فيما قبلها، تمكن من أدائه قبل ذلك أم لا، نعم إذا لم يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس، من دون استثناء مقدار وفاء الدين إلا أن يكون الدين لمئونة السنة و بعد ظهور الربح أو الشروع في الاكتساب، فاستثناء مقداره من ربحه لا يخلو من وجه، و لا فرق فيما ذكرنا بين الدين العرفي و الشرعي، كالخمس، و الزكاة، و النذر، و الكفارات، و كذا في مثل أروش الجنايات و قيم المتلفات و شروط المعاملات فإنه إن أداها من الربح في سنة الربح لم يجب الخمس فيه، و إن كان حدوثها في السنة السابقة، و إلا وجب الخمس، و إن كان عاصيا بعدم أدائها.

(مسألة 1232): إذا اشترى ما ليس من المؤنة بالذمة، أو استدان شيئا لإضافته إلى رأس ماله و نحو ذلك، مما يكون بدل دينه موجودا، و لم يكن من المؤنة لم يجز له أداء دينه من أرباح سنته، بل يجب عليه التخميس و أداء الدين من المال المخمس أو من مال آخر لم يتعلق به الخمس.

[جبر الخسارة من الربح]

(مسألة 1233): إذا اتجر برأس ماله- مرارا متعددة في السنة- فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت، و ربح في آخر، فإن كان الخسران بعد الربح أو مقارنا له يجبر الخسران بالربح، فإن تساوى الخسران و الربح فلا خمس، و إن زاد الربح وجب الخمس في الزيادة، و إن زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه و صار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة. و أما إذا كان الربح بعد الخسران فالأظهر الجبر فيما كان شراء

ما خسر في بيعه بعد شراء ما ربح في بيعه أو مقارنا له و إلا فالأحوط عدم الجبر، و يجري الحكم المذكور فيما إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة، كما إذا اشترى ببعضه حنطة، و ببعضه سمنا، فخسر في أحدهما و ربح في

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 346

الآخر، و كذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال، أو صرفه في نفقاته، بل إذا أنفق من ماله غير مال التجارة في مئونته بعد حصول الربح جاز له أن يجبر ذلك من ربحه، و ليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها، و إنما عليه خمس الزائد لا غير، و كذلك حال أهل المواشي، فإنه إذا باع بعضها لمئونته، أو مات بعضها أو سرق فإنه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل له قبل ذلك، ففي آخر السنة يجبر النقص الوارد على الأمهات بقيمة السخال المتولدة، فإنه يضم السخال إلى أرباحه في تلك السنة، من الصوف و السمن و اللبن و غير ذلك، فيجبر النقص، و يخمس ما زاد على الجبر، فإذا لم يحصل الجبر إلا بقيمة جميع السخال- مع أرباحه الأخرى- لم يكن عليه خمس في تلك السنة.

(مسألة 1234): إذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة و الزراعة فربح في أحدهما و خسر في الآخر، ففي جبر الخسارة بالربح إشكال و لا يبعد ذلك و إن كان الأحوط عدم الجبر.

(مسألة 1235): إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب، و لا من مئونته ففي الجبر- حينئذ- إشكال، و الأظهر عدم الجبر.

(مسألة 1236): إذا انهدمت دار سكناه، أو تلف بعض أمواله- مما هو من مئونته- كأثاث بيته أو لباسه أو سيارته التي يحتاج إليها و

نحو ذلك، ففي الجبر من الربح إشكال، و الأظهر عدم الجبر، نعم يجوز له تعمير داره و شراء مثل ما تلف من المؤن أثناء سنة الربح، و يكون ذلك من الصرف في المؤنة المستثناة من الخمس.

(مسألة 1237): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما، فاستقاله البائع فأقاله، لم يسقط الخمس إلا إذا كان من شأنه أن يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا رد مثل الثمن.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 347

(مسألة 1238): إذا أتلف المالك أو غيره المال ضمن المتلف الخمس و رجع عليه الحاكم و كذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاء لدين أو هبة، أو عوضا لمعاملة، فإنه ضامن للخمس، و يرجع الحاكم عليه، و لا يجوز الرجوع على من انتقل إليه المال إذا كان مؤمنا، و إذا كان ربحه حبا فبذره فصار زرعا وجب خمس الحب لا خمس الزرع، و إذا كان بيضا فصار دجاجا وجب عليه خمس البيض لا خمس الدجاج، و إذا كان ربحه أغصانا فغرسها فصارت شجرا وجب عليه خمس الشجر، لا خمس الغصن، فالتحول إذا كان من قبيل التولد وجب خمس الأول، و إذا كان من قبيل النمو وجب خمس الثاني.

(مسألة 1239): إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثمّ انكشف أن ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه لم يجز له احتساب الزائد مما يجب عليه في السنة التالية، نعم يجوز له أن يرجع به على الفقير، مع بقاء عينه، و كذا مع تلفها إذا كان عالما بالحال.

(مسألة 1240): إذا جاء رأس الحول، و كان ناتج بعض الزرع حاصلا دون بعض فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته، و يخمس بعد إخراج

المؤن، و ما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة. نعم إذا كان له أصل موجود له قيمة أخرج خمسه في آخر السنة و الفرع يكون من أرباح السنة اللاحقة، مثلا في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل، و بعضه قصيل لا سنبل له وجب إخراج خمس الجميع، و إذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها، لا من أرباح السنة السابقة.

(مسألة 1241): إذا كان الغوص و إخراج المعدن مكسبا كفاه إخراج خمسهما، و لا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب.

(مسألة 1242): المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس إذا عال

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 348

بها الزوج و كذا إذا لم يعل بها الزوج و زادت فوائدها على مئونتها، بل و كذا الحكم إذا لم تكسب، و كانت لها فوائد من زوجها أو غيره، فإنه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمس الزائد كغيرها من الرجال، و بالجملة يجب على كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه و غيرها، قليلا كان أم كثيرا، و يخرج خمسه، كاسبا كان أم غير كاسب.

[اشتراط الخمس بالتكليف]

(مسألة 1243): الظاهر اشتراط البلوغ و العقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به الخمس من أرباح المكاسب و الكنز، و الغوص، و المعدن، و الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، فلا يجب الخمس في مال الصبي و المجنون على الولي، و لا عليهما بعد البلوغ و الافاقة. غير الحلال المختلط بالحرام فإنه يجب على الولي إخراج الخمس و إن لم يخرج فيجب عليهما الاخراج بعد البلوغ و الافاقة.

(مسألة 1244): إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤنة،

فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عينا أو قيمة فإن المال حينئذ بنفسه من الأرباح، و أما إذا اشترى شيئا بعد انتهاء سنته و وجوب الخمس في ثمنه، فإن كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضا عينا أو قيمة، و أما إذا كان الشراء في الذمة، كما هو الغالب، و كان الوفاء به من الربح غير المخمس فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به، و لا يجب الخمس في ارتفاع قيمته ما لم يبعه، و إذا علم أنه أدى الثمن من ربح لم يخمسه، و لكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب الخمس في ارتفاع القيمة أيضا، أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا بمقدار الثمن فقط، فالأحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي.

[حكم من لا يحاسب نفسه]

(مسألة 1245): إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 349

و قد ربح فيها و استفاد أموالا، و اشترى منها أعيانا و أثاثا، و عمر ديارا ثمّ التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس، من هذه الفوائد فالواجب عليه إخراج الخمس، من كل ما اشتراه أو عمره أو غرسه، مما لم يكن معدودا من المؤنة، مثل الدار التي لم يتخذها دار سكنى و الأثاث الذي لا يحتاج إليه أمثاله، و كذا الحيوان و الفرس و غيرها على تفصيل مرّ في المسألة السابقة أما ما يكون معدودا من المؤنة مثل دار السكنى و الفراش و الأواني اللازمة له و نحوها، فإن كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد اشتراه فيها لم يجب إخراج الخمس منه، و إن كان قد اشتراه من ربح السنة السابقة، بأن كان لم يربح في

سنة الشراء، أو كان ربحه لا يزيد على مصارفه اليومية وجب عليه إخراج خمسه، على التفصيل المتقدم و إن كان ربحه يزيد على مصارفه اليومية، لكن الزيادة أقل من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه إخراج خمس مقدار التفاوت، مثلا إذا عمر دارا لسكناه بألف دينار و كان ربحه في سنة التعمير يزيد على مصارفه اليومية بمقدار مائتي دينار وجب إخراج خمس ثمانمائة دينار، و كذا إذا اشترى أثاثا بمائة دينار، و كان قد ربح زائدا على مصارفه اليومية عشرة دنانير في تلك السنة، و الأثاث الذي اشتراه محتاج إليه وجب تخميس تسعين دينارا و إذا لم يعلم أن الأعيان التي اشتراها، و كان يحتاج إليها يساوي ثمنها ربحه في سنة الشراء أو أقل منه، أو أنه لم يربح في سنة الشراء زائدا على مصارفه اليومية فالأحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي، و إذا علم أنه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه و أنه كان يصرف من أرباح سنته السابقة وجب إخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة.

(مسألة 1246): قد عرفت أن رأس السنة أول ظهور الربح أو الشروع في الاكتساب لكن إذا أراد المكلف تغيير رأس سنته أمكنه ذلك بدفع خمس ما ربحه أثناء السنة و استئناف رأس سنة للأرباح الآتية، و يجوز جعل

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 350

السنة عربية و رومية، و فارسية، و غيرها.

(مسألة 1247): يجب على كل مكلف- في آخر السنة- أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه عن مئونته، مما ادخره في بيته لذلك، من الأرز، و الدقيق، و الحنطة، و الشعير، و السكر، و الشاي، و النفط، و الحطب، و الفحم، و السمن، و الحلوى،

و غير ذلك من أمتعة البيت، مما أعد للمئونة فيخرج خمس ما زاد من ذلك. نعم إذا كان عليه دين استدانه لمئونة السنة و كان مساويا للزائد لم يجب الخمس في الزائد، و كذا إذا كان أكثر، أما إذا كان الدين أقل أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير، و إذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية، فوفى الدين في أثنائها قيل صارت معدودة من أرباح السنة الثانية، فلا يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على مئونة تلك السنة، و كذا الحكم إذا اشترى أعيانا لغير المؤنة- كبستان- و كان عليه دين للمئونة يساويها لم يجب إخراج خمسها، فإذا وفى الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها، و وجب إخراج خمسها آخر السنة، و إذا اشترى بستانا- مثلا- بثمن في الذمة مؤجلا فجاء رأس السنة لم يجب إخراج خمس البستان، فإذا وفى تمام الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية و وجب إخراج خمسها، فإذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة، و وجب إخراج خمس النصف، فإذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعها من أرباح تلك السنة، و هكذا كلما وفى جزءا من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة و لكنه إنّما يصح في الصورة الأخيرة و أما في غير الصورة الأخيرة و كذلك فيما إذا استقرض مالا و اشترى به البستان ثمّ وفى الدين من أرباح السنين اللاحقة فالأظهر فيها عدم وجوب الخمس في نفس الأعيان و البستان، و إنما يجب تخميس ما يؤديه وفاء لدينه. هذا إذا كان ذاك الشي ء موجودا، أما إذا تلف فلا خمس

فيما يؤديه لوفاء الدين، و كذا إذا ربح في سنة مائة دينار

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 351

- مثلا- فلم يدفع خمسها العشرين دينارا حتى جاء السنة الثانية، فدفع من أرباحها عشرين دينارا وجب عليه خمس العشرين دينارا التي هي الخمس، مع بقائها، لا مع تلفها، و إذا فرض أنه اشترى دارا للسكنى فسكنها، ثمّ وفى في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار، و كذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصة من الدار، و يجري هذا الحكم في كل ما اشترى من المؤن بالدين.

(مسألة 1248): إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية- مثلا- في وجه من وجوه البر وجب عليه الوفاء بنذره فإن صرف المنذور في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة لم يجب عليه تخميس ما صرفه، و إن لم يصرفه حتى انتهت السنة وجب عليه إخراج خمسه كما يجب عليه إخراج خمس النصف الآخر من أرباحه، بعد إكمال مئونته.

(مسألة 1249): إذا كان رأس ماله مائة دينار مثلا فاستأجر دكانا بعشرة دنانير، و اشترى آلات للدكان بعشرة، و في آخر السنة وجد ماله بلغ مائة كان عليه خمس الآلات فقط، و لا يجب إخراج خمس أجرة الدكان، لأنها من مئونة التجارة، و كذا أجرة الحارس، و الحمال، و الضرائب، التي يدفعها إلى السلطان على ما تقدم، و السرقفلية، فإن هذه المؤن مستثناة من الربح، و الخمس إنما يجب فيما زاد عليها، كما عرفت، نعم إذا كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقا في أخذها من غيره وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة، و إخراج خمسه، فربما تزيد قيمته على

مقدار ما دفعه من السرقفلية، و ربما تنقص، و ربما تساوي.

(مسألة 1250): إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثمّ دفعه تدريجا من ربح السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن، بل يجب فيه الخمس، و كذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة فإن وفاءه من أرباح

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 352

السنة الثانية لا يكون من المؤن، بل يجب فيه الخمس إذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين موجودة، و إذا كان عوضا عن خمس عين أو أعيان تالفة فوفاؤه يحسب من المؤن، و لا خمس فيه.

(مسألة 1251): إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها دينا في ذمة الناس، فإن أمكن استيفاؤه وجب دفع خمسه، و إن لم يمكن تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه أخرج خمسه و كان من أرباح السنة السابقة، لا من أرباح سنة الاستيفاء، و بين أن يقدر مالية الديون فعلا فيدفع خمسها، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء على الأحوط.

(مسألة 1252): يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله و إن جاز تأخير الدفع إلى آخر السنة- احتياطا- للمئونة، فإذا أتلفه ضمن الخمس، و كذا إذا أسرف في صرفه، أو وهبه، أو اشترى أو باع على نحو المحاباة، إذا كانت الهبة، أو الشراء، أو البيع غير لائقة بشأنه و إذا علم أنه ليس عليه مئونة في باقي السنة، فالأحوط- استحبابا- أن يبادر إلى دفع الخمس، و لا يؤخره إلى نهاية السنة.

(مسألة 1253): إذا مات المكتسب- أثناء السنة بعد حصول الربح- فالمستثنى هو المؤنة إلى حين الموت، لا تمام السنة.

(مسألة 1254): إذا علم الوارث

أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أداؤه على الأحوط، و إذا علم أنه أتلف مالا له قد تعلق به الخمس وجب إخراج خمسه من تركته، كغيره من الديون.

(مسألة 1255): إذا اعتقد أنه ربح، فدفع الخمس فتبين عدمه، انكشف أنه لم يكن خمس في ماله، فيرجع به على المعطى له مع بقاء عينه، و كذا مع تلفها إذا كان عالما بالحال، و أما إذا ربح في أول السنة فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مئونة زائدة، فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مئونة لم تكن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 353

محتسبة، لم يجز له الرجوع إلى المعطى له، مع تلف عينه بل مع بقائها على الأحوط استحبابا.

(مسألة 1256): الخمس بجميع أقسامه و إن كان يتعلق بالعين، إلا أن المالك يتخير بين دفع العين و دفع قيمتها، و لا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه بل الأحوط- وجوبا- عدم التصرف في بعضها أيضا، و إن كان مقدار الخمس باقيا في البقية و إذا ضمنه في ذمته بإذن الحاكم الشرعي صح، و يسقط الحق من العين، فيجوز التصرف فيها.

(مسألة 1257): لا بأس بالشركة مع من لا يخمس، إما لاعتقاده لتقصير أو قصور بعدم وجوبه، أو لعصيانه و عدم مبالاته بأمر الدين، و لا يلحقه و زر من قبل شريكه. و يجزيه أن يخرج خمسه من حصته في الربح.

(مسألة 1258): يحرم الاتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس، لكنه إذا اتجر بها عصيانا أو لغير ذلك فالظاهر صحة المعاملة، إذا كان طرفها مؤمنا و ينتقل الخمس إلى البدل، كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة، و ينتقل الخمس إلى ذمة الواهب، و

على الجملة كل ما ينتقل إلى المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجانا يملكه فيجوز له التصرف فيه، و قد أحل الائمة- سلام اللّه عليهم- ذلك لشيعتهم تفضلا منهم عليهم، و كذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء، فيما إذا أباحوها لهم، من دون تمليك، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن و الوزر على مانع الخمس، إذا كان مقصرا.

المبحث الثاني مستحق الخمس و مصرفه

اشارة

(مسألة 1259): يقسم الخمس في زماننا- زمان الغيبة- نصفين

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 354

نصف لإمام العصر الحجة المنتظر- عجل اللّه تعالى فرجه و جعل أرواحنا فداه- و نصف لبني هاشم: أيتامهم، و مساكينهم، و أبناء سبيلهم، و يشترط في هذه الأصناف جميعا الإيمان، كما يعتبر الفقر في الأيتام، و يكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، و لو كان غنيا في بلده إذا لم يتمكن من السفر بقرض و نحوه على ما عرفت في الزكاة. و الأحوط وجوبا اعتبار أن لا يكون سفره معصية، و لا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده، و الأظهر عدم اعتبار العدالة في جميعهم.

(مسألة 1260): الأحوط- إن لم يكن أقوى- أن لا يعطى الفقير أكثر من مئونة سنته، و يجوز البسط و الاقتصار على إعطاء صنف واحد، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من صنف.

(مسألة 1261): المراد من بني هاشم من انتسب إليه بالأب، أما إذا كان بالأم فلا يحل له الخمس و تحل له الزكاة، و لا فرق في الهاشمي بين العلوي و العقيلي و العباسي و إن كان الأولى تقديم العلوي بل الفاطمي.

(مسألة 1262): لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة، و يكفي في الثبوت الشياع و الاشتهار في بلده

كما يكفي كل ما يوجب الوثوق و الاطمئنان به.

(مسألة 1263): لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على المعطي على الأحوط. نعم إذا كانت عليه نفقة غير لازمة للمعطي جاز ذلك.

(مسألة 1264): يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور و الأحوط استحبابا الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق.

[النصف الراجع للإمام]

(مسألة 1265): النصف الراجع للإمام عليه و على آبائه أفضل الصلاة و السلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى الفقيه المأمون العارف بمصارفه

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 355

إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه، و مصرفه ما يوثق برضاه عليه السّلام بصرفه فيه، كدفع ضرورات المؤمنين من السادات زادهم اللّه تعالى شرفا و غيرهم، و الأحوط استحبابا نية التصدق به عنه عليه السّلام و اللازم مراعاة الأهم فالأهم، و من أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قل فيه المرشدون و المسترشدون إقامة دعائم الدين و رفع أعلامه، و ترويج الشرع المقدس، و نشر قواعده و أحكامه و مئونة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين، و إرشاد الضالين، و نصح المؤمنين و وعظهم، و إصلاح ذات بينهم، و نحو ذلك مما يرجع إلى إصلاح دينهم و تكميل نفوسهم، و علو درجاتهم عند ربهم تعالى شأنه و تقدست أسماؤه، و الأحوط لزوما مراجعة المرجع الأعلم أو المحتمل الأعلمية المطلع على الجهات العامة.

(مسألة 1266): يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلا و تسامحا في أداء الخمس و يجوز دفعه في البلد إلى وكيل الفقير و إن كان هو في البلد الآخر كما يجوز دفعه إلى

وكيل الحاكم الشرعي، و كذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثمّ ينقله إليه.

(مسألة 1267): إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك فاللازم عدم التساهل و التسامح في أداء الخمس و الأحوط تحري أقرب الأزمنة في الدفع، سواء أ كان بلد المالك، أم المال أم غيرهما.

(مسألة 1268): في صحة عزل الخمس بحيث يتعين في مال مخصوص إشكال، و عليه فإذا نقله إلى بلد لعدم وجود المستحق فتلف بلا تفريط يشكل فراغ ذمة المالك، نعم إذا قبضه وكالة عن المستحق أو عن الحاكم فرغت ذمته، و لو نقله بإذن موكله فتلف من غير تفريط لم يضمن.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 356

(مسألة 1269): إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي جواز احتسابه عليه من الخمس إشكال، فالأحوط وجوبا الاستئذان من الحاكم الشرعي في الاحتساب المذكور، نعم إذا كان له دين من النقود في ذمّة المستحق لسهم السادة فلا يبعد جواز الاحتساب.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 357

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 359

من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، قال اللّه تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، و فسق شبابكم، و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر فقيل له: و يكون ذلك يا رسول اللّه؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: نعم. فقال: «كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، و نهيتم عن المعروف، فقيل له: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يكون ذلك؟ فقال: نعم، و شر

من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا؟».

و قد ورد عنهم عليهم السّلام أن بالأمر بالمعروف تقام الفرائض و تأمن المذاهب، و تحل المكاسب، و تمنع المظالم، و تعمر الأرض و ينتصف للمظلوم من الظالم، و لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، و نهوا عن المنكر، و تعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلط بعضهم على بعض، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء.

(مسألة 1270): يجب الأمر بالمعروف الواجب، و النهي عن المنكر وجوبا كفائيا، إن قام به واحد سقط عن غيره، إلا إذا احتمل الغير أنه لا يأتمر و لا ينتهي بمن قام بهما و أنه لو أمر أو نهى احتمل تأثير أمره و نهيه في ائتماره و انتهائه، و إذا لم يقم به واحد أثم الجميع و استحقوا العقاب.

(مسألة 1271): إذا كان المعروف مستحبا كان الأمر به مستحبا، فإذا

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 360

أمر به كان مستحقا للثواب، و إن لم يأمر به لم يكن عليه إثم و لا عقاب.

[شروط الأمر بالمعروف]

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف الواجب، و النهي عن المنكر أمور:

الأول: معرفة المعروف و المنكر و لو إجمالا، فلا يجبان على الجاهل بالمعروف و المنكر.

الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر، و انتهاء المنهي عن المنكر بالنهي، فإذا لم يحتمل ذلك، و علم أن الشخص الفاعل لا يبالي بأمره أو نهيه، و لا يكترث بهما لا يجب عليه شي ء.

الثالث: أن يكون الفاعل مصرّا على ترك المعروف، و ارتكاب المنكر فإذا كانت امارة على الاقلاع، و ترك الاصرار لم يجب شي ء، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك، فمن

ترك واجبا، أو فعل حراما و لم يعلم أنه مصر على ترك الواجب، أو فعل الحرام ثانيا، أو أنه منصرف عن ذلك أو نادم عليه لم يجب عليه شي ء، هذا بالنسبة إلى من ترك المعروف، أو ارتكب المنكر خارجا. و أما من يريد ترك المعروف، أو ارتكاب المنكر فيجب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر، و إن لم يكن قاصدا إلا المخالفة مرة واحدة.

الرابع: أن يكون المعروف و المنكر منجزا في حق الفاعل، فإن كان معذورا في فعله المنكر، أو تركه المعروف، لاعتقاد أن ما فعله مباح و ليس بحرام، أو أن ما تركه ليس بواجب، و كان معذورا في ذلك للاشتباه في الموضوع، أو الحكم اجتهادا، أو تقليدا لم يجب شي ء. نعم قد يجب إرشاد الجاهل بالموضوع في موارد يحرز اهتمام الشارع فيها بحيث لا ترخيص للجاهل في الارتكاب بل يجب عليه الاحتياط و إن كان الغافل فيها معذورا و هذا غير داخل في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ضرر في النفس، أو في العرض، أو في المال، على الآمر، أو على غيره من المسلمين،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 361

فإذا لزم الضرر عليه، أو على غيره من المسلمين لم يجب شي ء و الظاهر أنه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر و الظن به و الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف، هذا فيما إذا لم يحرز تأثير الأمر أو النهي و أما إذا أحرز ذلك فلا بد من رعاية الأهمية، فقد يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر أيضا، فضلا عن الظن به أو احتماله.

(مسألة 1272): لا

يختص وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء و غيرهم، و العدول و الفساق، و السلطان و الرعية، و الأغنياء و الفقراء، إن قام به واحد سقط الوجوب عن غيره إلا في بعض الموارد على ما تقدم، و إن لم يقم به أحد أثم الجميع، و استحقوا العقاب.

[مراتب الإنكار]

للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مراتب:

الأولى: الإنكار باللسان و القول بأن يعظه و ينصحه و يذكر له ما أعدّ اللّه سبحانه للعاصين من العقاب الأليم و العذاب في الجحيم أو يذكر له ما أعدّه اللّه تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم و الفوز في جنات النعيم.

الثانية: الإنكار بالقلب بمعنى إظهار كراهة المنكر أو ترك المعروف إمّا بإظهار الانزعاج من الفاعل أو الاعراض و الصدّ عنه أو ترك الكلام معه أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل على كراهة ما وقع منه.

الثالثة: الانكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية، و لكل واحدة من هذه المراتب مراتب أخف و أشد، و المشهور الترتيب بين هذه المراتب مع تقديم المرتبة الثانية على الأولى، فإن كان إظهار الانكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه، و إلا أنكر باللسان، فإن لم يكف ذلك أنكره بيده، و لكن الظاهر تقديم الانكار باللسان على الانكار القلبي كما تقدم، و قد يلزم الجمع بينهما. و أما القسم الثالث فهو مترتب على عدم تأثير

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 362

الأولين، بل الأحوط في هذا القسم بجميع مراتبه الاستيذان من الحاكم الشرعي و إلا ففي كونه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إشكال.

(مسألة 1273): إذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع

الفاعل ففي جواز الانتقال إلى الجرح و القتل وجهان، بل قولان أقواهما العدم، و كذا إذا توقف على كسر عضو من يد أو رجل أو غيرهما، أو إعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو نحوهما، فإن الأقوى عدم جواز ذلك، و إذا أدى الضرب إلى ذلك- خطأ أو عمدا- فالأقوى الضمان.

فتجري عليه أحكام الجناية العمدية، إن كان عمدا، و الخطائية إن كان خطأ. نعم يجوز للإمام و الحاكم الشرعي ذلك إذا كان يترتب على معصية الفاعل مفسدة أهم من جرحه أو قتله، و حينئذ لا ضمان عليه.

(مسألة 1274): يتأكد وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة إلى أهله، فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات، كالصلاة و أجزائها و شرائطها، بأن لا يأتوا بها على وجهها، لعدم صحة القراءة و الاذكار الواجبة، أو لا يتوضئوا وضوءا صحيحا أو لا يطهروا أبدانهم و لباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدم، حتى يأتوا بها على وجهها، و كذا الحال في بقية الواجبات، و كذا إذا رأى منهم التهاون في المحرمات كالغيبة و النميمة، و العدوان من بعضهم على بعض، أو على غيرهم، أو غير ذلك من المحرمات، فإنه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتى ينتهوا عن المعصية و تجري المرتبة الثالثة هنا بلا حاجة إلى الاستيذان من الحاكم الشرعي.

(مسألة 1275): إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق، و علم أنه غير مصر عليها فلا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إن لم يتب، نعم إذا كان جاهلا بلزوم التوبة و كونها مكفّرة للذنب وجب الارشاد.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 363

فائدة:

قال بعض الأكابر (قدس سره):

إن من أعظم أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أعلاها و أتقنها و أشدها، خصوصا بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه و مندوبه، و ينزع رداء المنكر محرمه و مكروهه، و يستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، و ينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف، و نزعهم المنكر خصوصا إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة و المرهبة فإن لكل مقام مقالا، و لكل داء دواء، و طب النفوس و العقول أشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة، و حينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ختام و فيه مطلبان:

المطلب الأول: في ذكر أمور هي من المعروف:

منها: الاعتصام باللّه تعالى، قال اللّه تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أوحى اللّه عز و جل إلى داود ما اعتصم بي عبد من عبادي، دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته، ثمّ تكيده السماوات و الأرض و من فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن».

و منها: التوكل على اللّه سبحانه، الرءوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه و القادر على قضاء حوائجهم. و إذا لم يتوكل عليه تعالى فعلى من يتوكل أعلى نفسه، أم على غيره مع عجزه و جهله؟ قال اللّه تعالى: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الغنى و العز يجولان، فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا».

و منها: حسن الظن باللّه تعالى، قال أمير المؤمنين عليه السّلام فيما قال:

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 364

«و الذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن باللّه إلا كان اللّه عند ظن عبده المؤمن، لأن اللّه كريم بيده

الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن، ثمّ يخلف ظنه و رجاءه، فأحسنوا باللّه الظن و ارغبوا إليه».

و منها: الصبر عند البلاء، و الصبر عن محارم اللّه، قال اللّه تعالى:

إِنَّمٰا يُوَفَّى الصّٰابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث: «فاصبر فإنّ في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم أن النصر مع الصبر، و أن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا»، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا يعدم الصبر الظفر و إن طال به الزمان»، و قال عليه السّلام: «الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، و أحسن من ذلك الصبر عمّا حرم اللّه تعالى عليك».

و منها: العفة، قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما عبادة أفضل عند اللّه من عفة بطن و فرج»، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّما شيعة جعفر عليه السّلام من عف بطنه و فرجه، و اشتد جهاده، و عمل لخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر» عليه السّلام.

و منها: الحلم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ما أعزّ اللّه بجهل قط، و لا أذل بحلم قط»، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل»، و قال الرضا عليه السّلام: «لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما».

و منها: التواضع، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من تواضع للّه رفعه اللّه، و من تكبر خفضه اللّه، و من اقتصد في معيشته رزقه اللّه، و من بذّر حرمه اللّه، و من أكثر ذكر الموت أحبّه اللّه تعالى».

و

منها: إنصاف الناس، و لو من النفس، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، و مواساة الأخ في اللّه تعالى على كل حال».

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 365

و منها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«طوبى لمن شغله خوف اللّه عز و جل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين» و قال صلّى اللّه عليه و آله: «إن أسرع الخير ثوابا البر، و إن أسرع الشر عقابا البغي، و كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، و أن يعير الناس بما لا يستطيع تركه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».

و منها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

«من أصلح سريرته أصلح اللّه تعالى علانيته، و من عمل لدينه كفاه اللّه دنياه، و من أحسن فيما بينه و بين اللّه أصلح اللّه ما بينه و بين الناس».

و منها: الزهد في الدنيا و ترك الرغبة فيها، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من زهد في الدنيا أثبت اللّه الحكمة في قلبه، و أطلق بها لسانه، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها، و أخرجه منها سالما إلى دار السلام»، و قال رجل قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني لا ألقاك إلا في السنين فاوصني بشي ء حتى آخذ به؟ فقال عليه السّلام: أوصيك بتقوى اللّه، و الورع و الاجتهاد، و إياك أن تطمع إلى من فوقك، و كفى بما قال اللّه عز و جل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ

أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا و قال تعالى: فَلٰا تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَ لٰا أَوْلٰادُهُمْ فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنما كان قوته من الشعير، و حلواه من التمر و وقوده من السعف إذا وجده، و إذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط».

المطلب الثاني: في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر:

منها: الغضب. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل»، و قال أبو عبد اللّه: «الغضب مفتاح كل شر» و قال

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 366

أبو جعفر عليه السّلام: «إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قومه و هو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، و أيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت».

و منها: الحسد، قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم لأصحابه:

«إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم، و هو الحسد ليس بحالق الشعر، و لكنه حالق الدين، و ينجي فيه أن يكف الإنسان يده، و يخزن لسانه، و لا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن».

و منها: الظلم، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده»، و قال عليه السّلام: «ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال

المظلوم».

و منها: كون الإنسان ممن يتقى شره، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «شر الناس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم»، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «و من خاف الناس لسانه فهو في النار». و قال عليه السّلام: «إن أبغض خلق اللّه عبد اتقى الناس لسانه»، و لنكتف بهذا المقدار.

و الحمد للّه أولا و آخرا، و هو حسبنا و نعم الوكيل ...

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 367

كتاب الجهاد و فيه فصول

اشارة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 369

[تعريف الجهاد]

الجهاد مأخوذ من الجهد- بالفتح- بمعنى التعب و المشقّة أو من الجهد- بالضم- بمعنى الطاقة، و المراد به هنا القتال لإعلاء كلمة الإسلام و إقامة شعائر الإيمان.

الفصل الأول فيمن يجب قتاله، و هم طوائف ثلاث

الطائفة الأولى: الكفّار المشركون غير أهل الكتاب، فإنه يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد و الإسلام، فإن قبلوا و إلا وجب قتالهم و جهادهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا و تطهّر الأرض من لوث وجودهم.

و لا خلاف في ذلك بين المسلمين قاطبة، و يدلّ على ذلك غير واحد من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: فَلْيُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ «1» و قوله تعالى: وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ «2» و قوله تعالى: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتٰالِ «3» و قوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ «4» و قوله تعالى:

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 74.

(2) سورة الأنفال: الآية 39.

(3) سورة الأنفال: الآية 65.

(4) سورة التوبة، الآية 5.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 370

وَ قٰاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمٰا يُقٰاتِلُونَكُمْ كَافَّةً «1» و غيرها من الآيات.

و الروايات المأثورة في الحثّ على الجهاد- و أنه ممّا بني عليه السلام و من أهم الواجبات الإلهية- كثيرة، و القدر المتيقّن من مواردها هو الجهاد مع المشركين «2».

الطائفة الثانية: أهل الكتاب من الكفّار، و هم اليهود و النصارى، و يلحق بهم المجوس و الصابئة، فإنه يجب مقاتلتهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و يدل عليه الكتاب و السنّة.

قال اللّه تعالى: قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ

وَ هُمْ صٰاغِرُونَ «3» و الروايات الواردة في اختصاص أهل الكتاب بجواز أخذ الجزية منهم كثيرة و سيجي ء البحث عنه.

الطائفة الثالثة: البغاة، و هم طائفتان:

إحداهما: الباغية على الإمام عليه السّلام، فإنه يجب على المؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر اللّه و إطاعة الإمام عليه السّلام، و لا خلاف في ذلك بين المسلمين و سيجي ء البحث عن ذلك.

و الأخرى: الطائفة الباغية على الطائفة الأخرى من المسلمين، فإنه يجب على سائر المسلمين أن يقوموا بالإصلاح بينهما، فإن ظلّت الباغية على بغيها قاتلوها حتى تفي ء إلى أمر اللّه. قال اللّه تعالى: وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ «4».

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 36.

(2) الوسائل: ج 11، باب 1 من أبواب جهاد العدو و غيره.

(3) سورة التوبة: الآية 29.

(4) سورة الحجرات: الآية 9.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 371

الفصل الثاني في الشرائط

اشارة

يشترط في وجوب الجهاد أمور:

الأول: التكليف، فلا يجب على المجنون و لا على الصبيّ.

الثاني: الذكورة، فلا يجب على المرأة اتفاقا، و تدلّ عليه- مضافا إلى سيرة النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله- معتبرة الأصبغ، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

«كتب اللّه الجهاد على الرجال و النساء، فجهاد الرجل أن يبذل ماله و نفسه حتى يقتل في سبيل اللّه، و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها» «1».

الثالث: الحرّية على المشهور، و دليله غير ظاهر، و الإجماع المدّعى على ذلك غير ثابت.

نعم، إنّ هنا روايتين: إحداهما رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ معنا مماليك لنا و قد تمتعوا، علينا أن نذبح عنهم؟

قال: فقال: «إنّ المملوك لا

حجّ له و لا عمرة و لا شي ء» «2».

و الأخرى رواية آدم بن علي، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «ليس على المملوك حجّ و لا جهاد» الحديث «3» و لا يمكن الاستدلال بشي ء منهما على اعتبار الحرّية.

أما الرواية الأولى فهي ضعيفة سندا و دلالة.

أمّا سندا، فلأنّ الموجود في التهذيب و إن كان هو رواية الشيخ بسنده عن العباس عن سعد بن سعد، إلا أن الظاهر وقوع التحريف فيه،

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 4 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 8، باب 15 من وجوب الحج، الحديث 3 و 4.

(3) الوسائل: ج 8، باب 15 من وجوب الحج، الحديث 3 و 4.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 372

و الصحيح: عبّاد، عن سعد بن سعد، و هو عباد بن سليمان، حيث إنه راو لكتاب سعد بن سعد و قد أكثر الرواية عنه، و طريق الشيخ إلى عبّاد مجهول، فالنتيجة أن الرواية ضعيفة سندا.

و أما دلالة، فلأنّه لا يمكن الأخذ بإطلاقها لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن لدى العرف.

هذا مضافا إلى أنه لا يبعد أن يكون المراد من الشي ء في نفسه ما هو راجع إلى الحج.

و أما الرواية الثانية فهي و إن كانت تامّة دلالة، إلا أنها ضعيفة سندا، فإنّ آدم ابن علي لم يرد فيه توثيق و لا مدح.

الرابع: القدرة، فلا يجب على الأعمى و الأعرج و المقعد و الشيخ الهمّ و الزمن و المريض و الفقير الذي يعجز عن نفقة الطريق و العيال و السلاح و نحو ذلك، و يدلّ عليه قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَ لٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ «1» و قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَ لٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَ لٰا

عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ «2».

(مسألة 1): الجهاد واجب كفائي، فلا يتعين على أحد من المسلمين إلا أن يعينه الإمام عليه السّلام لمصلحة تدعو إلى ذلك، أو فيما لم يكن من به الكفاية موجودا إلا بضمّه، كما أنه يتعين بالنذر و شبهه.

(مسألة 2): إن الجهاد مع الكفار من أحد أركان الدين الإسلامي و قد تقوّى الإسلام و انتشر أمره في العالم بالجهاد مع الدعوة إلى التوحيد في ظلّ راية النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله، و من هنا قد اهتم القرآن الكريم به في ضمن نصوصه التشريعية، حيث قد ورد في الآيات الكثيرة وجوب القتال و الجهاد

______________________________

(1) سورة الفتح: الآية 17.

(2) سورة التوبة: الآية 91.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 373

على المسلمين مع الكفار المشركين حتى يسلموا أو يقتلوا، و مع أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و من الطبيعي أن تخصيص هذا الحكم بزمان موقّت و هو زمان الحضور لا ينسجم مع اهتمام القرآن و أمره به من دون توقيت في ضمن نصوصه الكثيرة، ثمّ إن الكلام يقع في مقامين:

المقام الأول: هل يعتبر إذن الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاص في مشروعية أصل الجهاد في الشريعة المقدسة؟ فيه وجهان:

المشهور بين الأصحاب هو الوجه الأول، و قد استدل عليه بوجهين:

- الوجه الأول: دعوى الإجماع على ذلك.

و فيه: إن الإجماع لم يثبت، إذ لم يتعرض جماعة من الأصحاب للمسألة، و لذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله:

و يشترط في وجوب الجهاد وجود الإمام عليه السّلام أو من نصبه على المشهور بين الأصحاب، و لعلّ مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة مع معارضتها بعموم الآيات، ففي

الحكم به إشكال «1».

ثمّ على تقدير ثبوته فهو لا يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه السّلام، لاحتمال أن يكون مدركه الروايات الآتية فلا يكون تعبديا.

نعم، الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن ولي الأمر، النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السّلام بعده.

- الوجه الثاني: الروايات التي استدلّ بها على اعتبار إذن الإمام عليه السّلام في مشروعية الجهاد، و العمدة منها روايتان:

الأولى: رواية سويد القلاء، عن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________

(1) كفاية الأحكام: ص 74.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 374

قلت له: إنّي رأيت في المنام أني قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير، فقلت لي: نعم هو كذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هو كذلك، هو كذلك» «1».

و فيه: إنّ هذه الرواية مضافا إلى إمكان المناقشة في سندها على أساس أنه لا يمكن لنا إثبات أن المراد من (بشير) الواقع في سندها هو بشير الدهّان، و رواية سويد القلاء عن بشير الدهان في مورد لا تدلّ على أن المراد من بشير هنا هو بشير الدهّان، مع أن المسمّى ب (بشير) متعدد في هذه الطبقة و لا يكون منحصرا ب (بشير) الدهّان.

نعم، روى في الكافي هذه الرواية مرسلا عن بشير الدهّان «2» و هي لا تكون حجة من جهة الإرسال و قابلة للمناقشة دلالة، فإن الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع هو حرمة القتال بأمر غير الإمام المفترض طاعته و بمتابعته فيه، و لا تدلّ على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون من ذوي الآراء و الخبرة فيه مصلحة عامة للإسلام و إعلاء كلمة التوحيد

بدون إذن الإمام عليه السّلام كزماننا هذا.

الثانية: رواية عبد اللّه بن مغيرة، قال محمد بن عبد اللّه للرضا عليه السّلام و أنا أسمع: حدّثني أبي، عن أهل بيته، عن آبائه أنه قال له بعضهم: إن في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين، و عدوا يقال له الديلم، فهل من جهاد؟ أو هل من رباط؟ فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه. فأعاد عليه الحديث، فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته و ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بدرا، و إن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات اللّه عليه، الحديث «3».

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 11، باب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(3) الوسائل: ج 11، باب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 375

و لكن الظاهر أنها في مقام بيان الحكم الموقّت لا الحكم الدائم بمعنى أنه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص، و يشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد مع أنه لا شبهة في عدم توقّفه على إذن الإمام عليه السّلام و ثبوته في زمان الغيبة، و مما يؤكد ذلك أنه يجوز أخذ الجزية في زمن الغيبة من أهل الكتاب إذا قبلوا ذلك، مع أن أخذ الجزية إنما هو في مقابل ترك القتال معهم، فلو لم يكن القتال معهم في هذا العصر مشروعا لم يجز أخذ الجزية منهم أيضا.

و قد تحصّل من ذلك أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة

و ثبوته في كافة الأعصار لدى توفّر شرائطه، و هو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة للإسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد و العدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة أن يخسروا في المعركة، فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد و المقاتلة معهم.

و أما ما ورد في عدة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحكّام و خلفاء الجور قبل قيام قائمنا صلوات اللّه عليه فهو أجنبي عن مسألتنا هذه و هي الجهاد مع الكفار رأسا، و لا يرتبط بها نهائيا.

المقام الثاني: أنّا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة.

و هذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي، و هو أن على الفقيه أن يشاور في هذا الأمر المهم أهل الخبرة و البصيرة من المسلمين حتى يطمئن بأنّ لدى المسلمين من العدّة و العدد ما يكفي للغلبة على الكفار الحربيين، و بما أن عملية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة إلى قائد و آمر يرى المسلمين نفوذ أمره عليهم، فلا محالة يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط، فإنه يتصدّى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 376

لتنفيذ هذا الأمر المهم من باب الحسبة على أساس أنّ تصدي غيره لذلك يوجب الهرج و المرج و يؤدي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب و كامل.

(مسألة 3): إذا كان الجهاد واجبا على شخص عينا على أساس عدم وجود من به الكفاية، لم يكن الدين الثابت على ذمته مانعا عن وجوب الخروج إليه،

بلا فرق بين كون الدّين حالّا أو مؤجلا، و بلا فرق بين إذن الغريم فيه و عدم إذنه، نعم لو تمكن- و الحالة هذه- من التحفظ على حق الغريم بإيصاء أو نحوه وجب ذلك.

و أما إذا كان من به الكفاية موجودا لم يجب عليه الخروج إلى الجهاد مطلقا و إن كان دينه مؤجّلا أو كان حالا و لكن لم يكن موسرا، بل لا يجوز إذا كان موجبا لتوفيت حق الغير.

(مسألة 4): إذا منع الأبوان ولدهما عن الخروج إلى الجهاد فإن كان عينيا وجب عليه الخروج و لا أثر لمنعهما، و إن لم يكن عينيا- لوجود من به الكفاية- لم يجز له الخروج إليه إذا كان موجبا لإيذائهما لا مطلقا.

و في اعتبار كون الأبوين حرّين إشكال بل منع لعدم الدليل عليه.

(مسألة 5): إذا طرأ العذر على المقاتل المسلم أثناء الحرب فإن كان مما يعتبر عدمه في وجوب الجهاد شرعا كالعمى و المرض و نحوهما سقط الوجوب عنه، و أما إذا كان العذر مما لا يعتبر عدمه فيه، و إنما كان اعتباره لأجل المزاحمة مع واجب آخر كمنع الأبوين أو مطالبة الغريم أو نحو ذلك فالظاهر عدم السقوط، و ذلك لأن الخروج إلى الجهاد و إن لم يكن واجبا عليه إلا أنه إذا خرج و دخل فيه لم يجز تركه و الفرار عنه، لأنه يدخل في الفرار من الزحف و الدبر عنه و هو محرّم.

(مسألة 6): إذا بذل للمعسر ما يحتاج إليه في الحرب، فإن كان من به الكفاية موجودا لم يجب عليه القبول مجانا فضلا عما إذا كان بنحو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 377

الإجارة، و إن لم يكن موجودا وجب عليه القبول، بل الظاهر

وجوب الإجارة عليه على أساس أن المعتبر في وجوب الجهاد على المكلف هو التمكن، و الفرض أنه متمكن و لو بالإجارة.

(مسألة 7): الأظهر أنه لا يجب، عينا و لا كفاية، على العاجز عن الجهاد بنفسه لمرض أو نحوه أن يجهّز غيره مكانه، حيث إن ذلك بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه، نعم لا شبهة في استحباب ذلك شرعا على أساس أن ذلك سبيل من سبل اللّه. هذا فيما إذا لم يكن الجهاد الواجب متوقفا على إقامة غيره مكانه، و إلا وجب عليه ذلك جزما.

(مسألة 8): الجهاد مع الكفار يقوم على أساس أمرين:

الأول: الجهاد بالنفس.

الثاني: الجهاد بالمال.

و يترتب على ذلك وجوب الجهاد بالنفس و المال معا على من تمكن من ذلك كفاية إن كان من به الكفاية موجودا، و عينا إن لم يكن موجودا، و بالنفس فقط على من تمكّن من الجهاد بها كفاية أو عينا، و بالمال فقط على من تمكن من الجهاد به كذلك. و تدلّ على ذلك عدة من الآيات:

منها قوله تعالى: انْفِرُوا خِفٰافاً وَ ثِقٰالًا وَ جٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1».

و منها قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلٰافَ رَسُولِ اللّٰهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ «2».

و منها قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ تِجٰارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ بِأَمْوٰالِكُمْ

______________________________

(1) سورة التوبة: الآية 41.

(2) سورة التوبة: الآية 81.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 378

وَ أَنْفُسِكُمْ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1».

و تدل على ذلك ايضا معتبرة الأصبغ المتقدمة في الشرط الثاني من شرائط وجوب الجهاد.

ثمّ

إنّ كثيرا من الأصحاب لم يتعرضوا لهذه المسألة، و لا يبعد أن يكون ذلك لوضوح الحكم، فلا يصغى إلى ما قيل من عدم وجدان قائل بوجوب الجهاد بالنفس و المال معا على شخص واحد.

حرمة الجهاد في الأشهر الحرم

(مسألة 9): يحرم القتال في الأشهر الحرم- و هي رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و محرّم- بالكتاب و السنة، نعم إذا بدأ الكفار في القتال في تلك الأشهر جاز قتالهم فيها على أساس أنه دفع في الحقيقة، و لا شبهة في جوازه فيها، و كذا يجوز قتالهم في تلك الأشهر قصاصا، و ذلك كما إذا كان الكفار بادئين في القتال في شهر من تلك الأشهر جاز للمسلمين أن يبدءوا فيه في شهر آخر من هذه الأشهر في هذه السنة أو في السنة القادمة، و يدل على ذلك قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «2».

(مسألة 10): المشهور أن من لا يرى للأشهر الحرم حرمة جاز قتالهم في تلك الأشهر ابتداء و لكن دليله غير ظاهر عندنا.

(مسألة 11): يجوز قتال الطائفة الباغية في الأشهر الحرم، و هم الذين قاتلوا الطائفة الأخرى و لم يقبلوا الإصلاح و ظلّوا على بغيهم على تلك الطائفة و قتالهم، فإن الآية الدالة على حرمة القتال في الأشهر الحرم

______________________________

(1) سورة الصف: الآيتان 10- 11.

(2) سورة البقرة: الآية 194.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 379

تنصرف عن القتال المذكور حيث إنه لدفع البغي و ليس من القتال الابتدائي كي يكون مشمولا للآية.

(مسألة 12): يحرم قتال الكفار في الحرم إلا أن يبدأ الكفار بالقتال فيه فعندئذ يجوز قتالهم فيه، و يدل عليه قوله تعالى: وَ لٰا تُقٰاتِلُوهُمْ

عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ حَتّٰى يُقٰاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قٰاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ «1».

(مسألة 13): لا يجوز البدء بقتال الكفار إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام، فإذا قام المسلمون بدعوتهم إليه و لم يقبلوا وجب قتالهم.

و أما إذا بدءوا بالقتال قبل الدعوة و قتلوهم، فإنهم و إن كانوا آثمين إلا أنه لا ضمان عليهم، على أساس أنه لا حرمة لهم نفسا و لا مالا.

نعم، لو كانوا مسبوقين بالدعوة أو عارفين بها لم يجب عليهم دعوتهم مرة ثانية، بل يجوز البدء بالقتال معهم، حيث إن احتمال الموضوعية في وجوب الدعوة غير محتمل.

(مسألة 14): إذا كان الكفار المحاربون على ضعف من المسلمين، بأن يكون واحد منهم في مقابل اثنين من هؤلاء الكفار وجب عليهم أن يقاتلوهم، و ذلك لقوله تعالى: يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتٰالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صٰابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ- إلى قوله سبحانه- الْآنَ خَفَّفَ اللّٰهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صٰابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ مَعَ الصّٰابِرِينَ «2» فإنه يدل على أن كل فرد من المسلمين في مقابل اثنين منهم و يدل عليه موثقة مسعدة بن صدقة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن اللّه عز و جل فرض على المؤمن- إلى أن قال- ثمّ حوّلهم عن حالهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 191.

(2) سورة الأنفال: الآيتان 65- 66.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 380

أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من اللّه عز و جل فنسخ الرجلان العشرة» «1».

نعم، إذا حصل العلم بالشهادة لفرد من المسلمين المقاتلين إذا ظلّ على القتال مع الاثنين منهم، جاز

له الفرار إذا لم تترتّب فائدة عامة على شهادته، لانصراف الآية المزبورة عن هذا الفرض.

و أما إذا كان الكفار أكثر من الضعف فلا يجب عليهم الثبات في القتال معهم إلا إذا كانوا مطمئنين بالغلبة عليهم، و إذا ظنوا بالغلبة لم يجب عليهم الثبات أو البدء في القتال معهم، و لكن لا شبهة في مشروعية الجهاد في هذا الفرض في الشريعة المقدسة، و ذلك لإطلاق الآيات المتضمنة لترغيب المسلمين فيه.

و أما إذا ظنّوا بغلبة الكفار عليهم، فهل الجهاد مشروع في هذا الفرض؟ قيل بعدم المشروعية و وجوب الانصراف، و قيل بالمشروعية و مرغوبية الجهاد، و الظاهر هو الثاني لإطلاق الآيات.

(مسألة 15): لا يجوز الفرار من الزحف إلا لتحرّف في القتال أو تحيّز إلى فئة و إن ظنوا بالشهادة في ساحة المعركة و ذلك لإطلاق الآية الكريمة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلٰا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبٰارَ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «2».

(مسألة 16): يجوز قتال الكفار المحاربين بكلّ وسيلة ممكنة من الوسائل و الأدوات الحربية في كل عصر حسب متطلبات ذلك العصر، و لا يختص الجهاد معهم بالأدوات القتالية المخصوصة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 27 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2) سورة الأنفال: الآيتان 15- 16.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 381

(مسألة 17): قد استثني من الكفار الشيخ الفاني و المرأة و الصبيان، فإنه لا يجوز قتلهم، و كذا الأسارى من المسلمين الذين أسروا بيد الكفار، نعم لو تترّس الأعداء بهم جاز قتلهم إذا كانت المقاتلة معهم أو الغلبة عليهم متوقّفة عليه.

و هل تجب الدية على

قتل المسلم من هؤلاء الأسارى و كذا الكفارة؟

الظاهر عدم الوجوب، أما الدية فمضافا إلى عدم الخلاف فيه تدل عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن» «1» و ذلك فإنّ المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع هو أن كلما كان القتل بأمر إلهي فلا شي ء فيه من القصاص و الدية، و القتيل بالقصاص من صغريات تلك الكبرى، و تؤيد ذلك رواية حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه عن مدينة من مدائن الحرب، هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا و منهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأسارى من المسلمين و التجار؟ فقال: «يفعل ذلك بهم، و لا يمسك عنهم لهؤلاء، و لا دية عليهم للمسلمين و لا كفارة» الحديث «2».

و أما الكفارة فهل تجب أو لا؟ فيه وجهان: المشهور بين الأصحاب وجوبها، و قد يستدل على الوجوب بقوله تعالى: فَإِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ «3».

بدعوى أن الآية تدل على الوجوب في المقام: بالأولوية، و فيه أنه لا أولوية، فإن القتل في مورد الآية قتل خطئي و لا يكون بمأمور به، و القتل في المقام يكون مأمورا به، على أنه لو تم الاستدلال بالآية في المقام فظاهرها

______________________________

(1) الوسائل: ج 19، باب 24 من قصاص النفس، الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 11، باب 16 من جهاد العدو، الحديث 2.

(3) سورة النساء: الآية 92.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 382

هو وجوب الكفارة على القاتل كما نص على ذلك غير واحد من الأصحاب و هو على خلاف مصلحة الجهاد، فإنه يوجب التخاذل

فيه كما صرح به الشهيد الثاني (قدس سره) فالصحيح هو عدم وجوب الكفارة في المقام المؤيد برواية حفص المتقدمة.

(مسألة 18): المشهور كراهة طلب المبارز في الحرب بغير إذن الإمام عليه السّلام، و قيل: يحرم و فيه إشكال، و الأظهر جواز طلبه إذا كان أصل الجهاد مشروعا.

(مسألة 19): إذا طلب الكافر مبارزا من المسلمين و لم يشترط عدم الإعانة بغيره جاز إعانته، و المشهور على أنه لا يجوز ذلك إذا اشترط عدم الإعانة بغيره، حيث إنه نحو أمان من قبل غيره فلا يجوز نقضه، و لكنه محل إشكال بل منع.

(مسألة 20): لا يجوز القتال مع الكفار بعد الأمان و العهد، حيث إنه نقض لهما و هو غير جائز.

و يدل عليه غير واحدة من الروايات، منها صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم صلّى اللّه عليه و آله بين يديه ثمّ يقول- إلى أن قال- و أيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام اللّه، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، و إن أبى فأبلغوه مأمنه و استعينوا باللّه» «1».

و منها معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: ما معنى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله (يسعى بذمتهم أدناهم)؟ قال: «لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 15 من جهاد العدو، ذيل الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 383

صاحبكم و أناظره، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به» «1».

نعم، تجوز الخدعة

في الحرب ليتمكّنوا بها من الغلبة عليهم، و تدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السّلام كان يقول:

«سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول يوم الخندق: (الحرب خدعة) و يقول: تكلّموا بما أردتم» «2».

(مسألة 21): لا يجوز الغلول من الكفار بعد الأمان، فإنه خيانة، و قد ورد في صحيحة جميل المتقدمة آنفا، و في معتبرة مسعدة بن صدقة نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الغلول «3» و كذا لا تجوز السرقة من الغنيمة على أساس أنها ملك عام لجميع المقاتلين.

(مسألة 22): لا يجوز التمثيل بالمقتولين من الكفار، لورود النهي عنه في صحيحة جميل و معتبرة مسعدة المتقدمتين آنفا، و كذا لا يجوز إلقاء السمّ في بلاد المشركين لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يلقى السم في بلاد المشركين» «4».

نعم، إذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك كما إذا توقف الجهاد أو الفتح عليه جاز و أما إلقاؤه في جبهة القتال فقط من جهة قتل المحاربين من الكفار فلا بأس به.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 20 من جهاد العدو، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 11، باب 53 من جهاد العدو، الحديث 1.

(3) الوسائل: ج 11، باب 15 من جهاد العدو، الحديث 3.

(4) الوسائل: ج 11، باب 16 من جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 384

الفصل الثالث في أحكام الأسارى

اشارة

(مسألة 23): إذا كان المسلمون قد أسروا من الكفار المحاربين في أثناء الحرب، فإن كانوا إناثا لم يجز قتلهنّ كما مرّ. نعم، يملكوهنّ بالسبي

و الاستيلاء عليهنّ، و كذلك الحال في الذراري غير البالغين، و الشيوخ و غيرهم ممن لا يقتل، و تدل على ذلك- مضافا إلى السيرة القطعية الجارية في تقسيم غنائم الحرب بين المقاتلين المسلمين- الروايات المتعددة الدالة على جواز الاسترقاق حتى في حال غير الحرب، منها معتبرة رفاعة النخاس، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إن الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان، فيعمدون على الغلمان فيخصونهم ثمّ يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم و نحن نعلم أنهم قد سرقوا و إنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال: «لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الإسلام» «1».

و أما إذا كانوا ذكورا بالغين فيتعين قتلهم إلا إذا أسلموا، فإنّ القتل حينئذ يسقط عنهم.

و هل عليهم بعد الإسلام منّ أو فداء أو الاسترقاق؟ الظاهر هو العدم، حيث إن كل ذلك بحاجة إلى دليل، و لا دليل عليه.

و أما إذا كان الأسر بعد الإثخان و الغلبة عليهم فلا يجوز قتل الأسير منهم و إن كانوا ذكورا، و حينئذ كان الحكم الثابت عليهم أحد أمور: إما المنّ أو الفداء أو الاسترقاق.

و هل تسقط عنهم هذه الأحكام الثالثة إذا اختاروا الإسلام؟ الظاهر

______________________________

(1) الوسائل: ج 13، باب 1 و 2 و 3 من أبواب بيع الحيوان.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 385

عدم سقوطها بذلك، و يدلّ عليه قوله تعالى: فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا «1» بضميمة معتبرة طلحة بن زيد الآتية الواردة في هذا الموضوع.

و من الغريب أن الشيخ الطوسي (قدس سره) في تفسيره

(التبيان) نسب إلى الأصحاب أنهم رووا تخيير الإمام عليه السّلام في الأسير إذا انفضت الحرب بين القتل و بين المنّ و الفداء و الاسترقاق، و تبعه في ذلك الشيخ الطبرسي (قدس سره) في تفسيره، مع أن الشيخ (قدس سره) قد صرح هو في كتابه (المبسوط) بعدم جواز قتله في هذه الصورة.

وجه الغرابة- مضافا إلى دعوى الإجماع في كلمات غير واحد على عدم جواز القتل في هذا الفرض- أنه مخالف لظاهر الآية المشار إليها، و لنصّ معتبرة طلحة بن زيد، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كان أبي يقول: إن للحرب حكمين:

إذا كانت الحرب قائمة و لم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام عليه السّلام فيه بالخيار، إن شاء ضرب عنقه، و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم، ثمّ يتركه يتشحط في دمه حتى يموت و هو قوله اللّه عز و جل: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ- إلى أن قال-:

و الحكم الآخر إذا وضعت الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا و أثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، و إن شاء فاداهم أنفسهم و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا» «2».

______________________________

(1) سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله: الآية 4.

(2) الوسائل: ج 11، باب 23 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 386

(مسألة 24): من لم يتمكّن في دار الحرب أو في غيرها من أداء وظائفه الدينية وجبت المهاجرة عليه إلا من لا يتمكن منها كالمستضعفين من

الرجال و النساء و الولدان لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلٰائِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قٰالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لٰا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولٰئِكَ عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَفُوًّا غَفُوراً «1».

(المرابطة)

و هي الإرصاد لحفظ الحدود و ثغور بلاد المسلمين من هجمة الكفار.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، منهاج الصالحين (للتبريزي)، 2 جلد، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

منهاج الصالحين (للتبريزي)؛ ج 1، ص: 386

(مسألة 25): تجب المرابطة لدى وقوع البلاد الإسلامية في معرض الخطر من قبل الكفار، و أما إذا لم تكن في معرض ذلك فلا تجب و إن كانت في نفسها أمرا مرغوبا فيه في الشريعة المقدسة.

(مسألة 26): إذا نذر شخص الخروج للمرابطة فإن كانت لحفظ بيضة الإسلام و حدود بلاده وجب عليه الوفاء به، و إن لم تكن لذلك و كانت غير مشروعة لم يجب الوفاء به.

و كذا الحال فيما إذا نذر أن يصرف مالا للمرابطين، و من ذلك يظهر حال الإجارة على المرابطة.

(الأمان)

(مسألة 27): يجوز جعل الأمان للكافر الحربي على نفسه أو ماله أو عرضه برجاء أن يقبل الإسلام، فإن قبل فهو، و إلا رد إلى مأمنه،

______________________________

(1) سورة النساء: الآيتان 97- 98.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 387

و لا فرق في ذلك بين أن يكون من قبل وليّ الأمر أو من قبل آحاد سائر المسلمين، و يدل عليه قوله تعالى: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ «1» و كذا صحيحة جميل و معتبرة السكوني المتقدّمتين في المسألة 20.

و هل يعتبر أن يكون الأمان بعد المطالبة فلا يصح ابتداء؟ فيه وجهان:

لا يبعد دعوى عدم اعتبار المطالبة في نفوذه، و الآية الكريمة و إن كان لها ظهور في اعتبار المطالبة في نفوذه بقطع النظر عما في ذيلها و هو قوله تعالى: حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ إلا أنه مع ملاحظته لا ظهور لها

في ذلك، حيث إن الذيل قرينة على أن الغرض من إجارة الكافر المحارب هو أن يسمع كلام اللّه، فإن احتمل سماعه جازت اجارته و كانت نافذة و إن لم تكن مسبوقة بالطلب، ثمّ إنّ المعروف بين الأصحاب أن حق الأمان الثابت لآحاد من المسلمين محدود إلى عشرة رءوس من الكفار و ما دونهم، فلا يحق لهم أن يعطوا الأمان لأكثر من هذا العدد. و لكن لا دليل على هذا التحديد، فالظاهر أن لواحد من المسلمين أن يعطي الأمان لأكثر من العدد المزبور لأجل المناظرة في طلب الحق، و قد ورد في معتبرة مسعدة بن صدقة أنه يجوز لواحد من المسلمين إعطاء الأمان لحصن من حصونهم «2».

(مسألة 28): لو طلب الكفار الأمان من آحاد المسلمين، و هم لم يقبلوه، و لكنهم ظنوا أنهم قبلوا ذلك، فنزلوا عليهم، كانوا آمنين فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوهم أو يسترقّوهم، بل يردّونهم إلى مأمنهم، و قد دلت على ذلك معتبرة محمد بن الحكيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا: لا، فظنوا أنهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين» «3».

______________________________

(1) سورة التوبة: الآية 6.

(2) الوسائل: ج 11، باب 20 من جهاد العدو، الحديث 2.

(3) الوسائل: ج 11، باب 20، من جهاد العدو، الحديث 4.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 388

و كذا الحال إذا دخل المشرك دار الإسلام بتخيّل الأمان بجهة من الجهات.

(مسألة 29): لا يكون أمان المجنون و المكره و السكران و ما شاكلهم نافذا، و أما أمان الصبي المراهق فهل يكون نافذا، فيه وجهان: الظاهر عدم نفوذه، لا لأجل عدم صدق المؤمن و المسلم عليه، حيث لا شبهة في صدق ذلك،

بل لأجل ما ورد في الصحيحة من عدم نفوذ أمر الغلام ما لم يحتلم «1».

(مسألة 30): لا يعتبر في صحة عقد الأمان من قبل آحاد المسلمين الحرية بل يصح من العبد أيضا إذ مضافا إلى ما في معتبرة مسعدة «2» من التصريح بصحة عقد الأمان من العبد أنه لا خصوصية للحر فيه على أساس أن الحق المزبور الثابت له إنما هو بعنوان أنه مسلم، و من هنا لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة أيضا.

(مسألة 31): لا يعتبر في صحة عقد الأمان صيغة خاصة، بل يتحقق بكل ما دل عليه من لفظ أو غيره.

(مسألة 32): وقت الأمان إنما هو قبل الاستيلاء على الكفار المحاربين و أسرهم، و أما بعد الأسر فلا موضوع له.

(مسألة 33): إذا كان أحد من المسلمين أقر بالأمان لمشرك، فإن كان الإقرار في وقت يكون أمانه في ذلك الوقت نافذا صح، لأن إقراره به في الوقت المزبور أمان له و إن لم يصدر أمان منه قبل ذلك، و عليه فلا حاجة فيه إلى التمسك بقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به.

(مسألة 34): لو ادّعى الحربي الأمان من غير من جاء به لم تسمع،

______________________________

(1) الوسائل: ج 13، باب 2 من أحكام الحجر، الحديث 5.

(2) الوسائل: ج 11، باب 20 من جهاد العدو، الحديث 2.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 389

و إن أقر ذلك الغير بالأمان له، على أساس أنّ الإقرار بالأمان إنما يسمع إذا كان في وقت كان الأمان منه في ذلك الوقت نافذا كما إذا كان قبل الاستيلاء و الأسر، و إمّا إذا كان في وقت لا يكون الأمان منه في ذلك الوقت نافذا فلا يكون مسموعا كما إذا كان بعد

الأسر و الاستيلاء عليه، و في المقام بما أنّ إقرار ذلك الغير بالأمان له بعد الأسر فلا يكون مسموعا.

نعم، لو ادّعى الحربي على من جاء به أنه عالم بالحال فحينئذ إن اعترف الجائي بذلك ثبت الأمان له و إن أنكره قبل قوله، و لا يبعد توجّه اليمين عليه على أساس أنّ إنكاره يوجب تضييع حقّه.

و أما إذا ادعى الحربي الأمان على من جاء به فإن أقرّ بذلك فهو مسموع، حيث أنه تحت يده و استيلائه، و يترتب على إقراره به وجوب حفظه عليه، و إن أنكر ذلك قدّم قوله مع اليمين على الأظهر كما عرفت.

(مسألة 35): لو ادّعى الحربي على الذي جاء به الأمان له، و لكن حال مانع من الموانع كالموت أو الإغماء أو نحو ذلك بين دعوى الحربي ذلك و بين جوابا لمسلم، لم تسمع ما لم تثبت دعواه بالبينة أو نحوه، و حينئذ يكون حكمه حكم الأسير، و قال المحقق في الشرائع: إنه يرد إلى مأمنه ثمّ هو حرب، و وجهه غير ظاهر «1».

(الغنائم)

(مسألة 36): إن ما استولى عليه المسلمون المقاتلون من الكفار بالجهاد المسلّح يكون على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ما يكون منقولا كالذهب و الفضة و الفرش و الأواني و الحيوانات و ما شاكل ذلك.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: ص 139.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 390

النوع الثاني: ما يسبى كالأطفال و النساء.

النوع الثالث: ما لا يكون منقولا كالأراضي و العقارات.

أما النوع الأول: فيخرج منه الخمس و صفايا الأموال و قطائع الملوك إذا كانت، ثمّ يقسم الباقي بين المقاتلين على تفصيل يأتي في ضمن الأبحاث الآتية.

نعم، لولي الأمر حقّ التصرف فيه كيفما يشاء حسب ما يرى فيه من المصلحة قبل التقسيم فإنّ

ذاك مقتضى ولايته المطلقة على تلك الأموال، و يؤكده قول زرارة في الصحيح: «الإمام يجري و ينقل و يعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا، و إن شاء قسّم ذلك بينهم» «1».

و يؤيد ذلك مرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح في حديث قال: «و للإمام صفو المال- إلى أن قال- و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك» الحديث «2».

و أما رواية حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل؟ فقال له: «أن ينفل قبل القتال، و أما بعد القتال و الغنيمة فلا يجوز ذلك، لأنّ الغنيمة قد أحرزت» «3» فلا يمكن الأخذ بها لضعف الرواية سندا.

(مسألة 37): لا يجوز للمقاتلين الذين استولوا عليه أن يتصرفوا فيه قبل القسمة وضعا و لا تكليفا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 1، باب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 6، باب 1 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام، الحديث 4.

(3) الوسائل: ج 11، باب 38 من جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 391

نعم، يجوز التصرف فيما جرت السيرة بين المسلمين على التصرف فيه أثناء الحرب كالمأكولات و المشروبات و علف الدواب و ما شاكل ذلك بمقدار ما عليه السيرة عليه دون الزائد.

(مسألة 38): إذا كان المأخوذ من الكفار مما لا يصح تملكه شرعا كالخمر و الخنزير و كتب الضلال أو ما شابه ذلك لم يدخل في الغنيمة جزما، و لا يصح تقسيمه بين المقاتلين، بل لا بد من

إعدامه و إفنائه. نعم، يجوز أخذ الخمر للتخليل و يكون للآخذ.

(مسألة 39): الأشياء التي كانت في بلاد الكفار و لم تكن مملوكة لأحد كالمباحات الأصلية مثل الصيود و الأحجار الكريمة و نحو ذلك لا تدخل في الغنيمة، بل تظلّ على إباحتها فيجوز لكل واحد من المسلمين تملّكها بالحيازة. نعم، إذا كان عليها أثر الملك دخلت في الغنيمة.

(مسألة 40): إذا وجد شي ء في دار الحرب كالخيمة و السلاح و نحوهما، و دار أمره بين أن يكون للمسلمين أو من الغنيمة، ففي مثل ذلك المرجع هو القرعة، حيث إنه ليس لنا طريق آخر لتعيين ذلك غيرها، فحينئذ إن أصابت القرعة على كونه من الغنيمة دخل في الغنائم و تجري عليه أحكامها، و إن أصابت على كونه للمسلمين فحكمه حكم المال المجهول مالكه.

و أما النوع الثاني و هو ما يسبى كالأطفال و النساء، فإنه بعد السبي و الاسترقاق يدخل في الغنائم المنقول، و يكون حكمه حكمها، و أما حكمه قبل السبي و الاسترقاق فقد تقدم.

(مسألة 41): إذا كان في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين، فذهب جماعة إلى أنه ينعتق عليه بمقدار نصيبه منه، و هذا القول مبني على أساس أن الغانم يملك الغنيمة بمجرد الاغتنام و الاستيلاء، و هو لا يخلو عن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 392

إشكال بل منع، فالأقوى عدم الانعتاق، لعدم الدليل على أنه يملك بمجرد الاغتنام، بل يظهر من قول زرارة في الصحيحة المتقدمة آنفا عدم الملك بمجرد ذلك.

و أما النوع الثالث و هو ما لا ينقل كالأراضي أو العقارات، فإن كانت الأرض مفتوحة عنوة و كانت محياة حال الفتح من قبل الناس، فهي ملك لعامة المسلمين بلا خلاف بين الأصحاب، و

تدل عليه صحيحة الحلبي الآتية و غيرها، و إن كانت مواتا أو كانت محياة طبيعية و لا رب لها، فهي من الأنفال.

(الأرض المفتوحة عنوة و شرائطها و أحكامها)

(مسألة 42): المشهور بين الأصحاب في كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا عاما للأمة باعتبار كون الفتح بإذن الإمام عليه السّلام، و إلا فتدخل في نطاق ملكية الإمام عليه السّلام لا ملكية المسلمين، و لكن اعتباره في ذلك لا يخلو عن إشكال بل منع، فإن ما دل على اعتبار إذن الإمام عليه السّلام كصحيحة معاوية بن وهب و رواية العباس الوراق «1» مورده الغنائم المنقولة التي تقسّم على المقاتلين مع الإذن، و تكون للإمام عليه السّلام بدونه، على أن رواية العباس ضعيفة.

(مسألة 43): الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك عام للمسلمين أمرها بيد ولي الأمر في تقبيلها بالذي يرى، و وضع الخراج عليها حسب ما يراه فيه من المصلحة كمّا و كيفا.

(مسألة 44): لا يجوز بيع رقبتها و لا شراؤها على أساس ما عرفت من أنها ملك عام للأمة. نعم، يجوز شراء الحق المتعلق بها من صاحبه،

______________________________

(1) الوسائل: ج 6، باب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4 و 16.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 393

و قد دلت على كلا الحكمين- مضافا إلى أنهما على القاعدة- عدّة من الروايات، منها صحيحة الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد» فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: «لا يصلح إلا أن تشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها» قلت: فإن أخذها منه؟ قال: «يردّ عليه رأس ماله، و له

ما أكل من غلّتها بما عمل» «1».

و لذلك لا يصح وقفها و لا هبتها و غير ذلك من التصرفات المتوقفة على الملك إلا إذا كان بإذن ولي الأمر.

(مسألة 45): يصرف ولي الأمر الخراج المأخوذ من الأراضي في مصالح المسلمين العامة كسدّ الثغور للوطن الإسلامي و بناء القناطر و ما شاكل ذلك.

(مسألة 46): يملك المحيي الأرض بعملية الإحياء سواء كانت الأرض مواتا بالأصالة أم كانت محياة ثمّ عرض عليها الموت لإطلاق النصوص الدالة على تملك المحيي الأرض بالإحياء، منها صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2» فإذا ماتت الأرض المفتوحة عنوة و قام فرد بإحيائها ملكها على أساس أن ملكية الأرض المزبورة للأمة متقومة بالحياة فلا إطلاق لما دلّ على ملكيتها لهم لحال ما إذا ماتت و خربت.

و على تقدير الاطلاق فلا يمكن أن يعارض ما دل على أن كل أرض خربة للإمام عليه السّلام «3» حيث إن دلالته عليها بالاطلاق و مقدمات الحكمة،

______________________________

(1) الوسائل: ج 12، باب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 4.

(2) الوسائل: ج 17، باب 1 من إحياء الموات، الحديث 1.

(3) الوسائل: ج 6، باب 1 من أبواب الأنفال.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 394

و هو لا يمكن أن يعارض ما دل عليها بالعموم وضعا، عليه فتدخل الأرض التي عرض عليها الموت في عموم ما دل على أن من أحيا أرضا مواتا فهي له.

ثمّ إنه إذا افترض أن الأرض التي هي بيد شخص فعلا كانت محياة حال الفتح، و شك في بقائها على هذه الحالة، فاستصحاب بقائها حية و إن كان جاريا

في نفسه إلا أنه لا يمكن أن يعارض قاعدة اليد التي تجري في المقام و تحكم بأنها ملك للمتصرف فيها فعلا، على أساس أن احتمال خروجها عن ملك المسلمين بالشراء أو نحوه أو عروض الموت عليها و قيام هذا الشخص بإحيائها موجود و هو يحقق موضوع قاعدة اليد فتكون محكمة في المقام، و مقتضاها كون الأرض المزبورة ملكا له فعلا.

ثمّ إن اقسام أرض الموات و أحكامها و شرائطها مذكورة في كتاب إحياء الموات من المنهاج.

(أرض الصلح)

(مسألة 47): أرض الصلح تابعة في كيفية الملكية لمقتضى عقد الصلح و بنوده، فإن كان مقتضاه صيرورتها ملكا عاما للمسلمين كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة، و تجري عليها ما تجري على الأرض من الأحكام و الآثار.

و إن كان مقتضاه صيرورتها ملكا للإمام عليه السّلام كان حكمها حكم الأرض التي لا رب لها من هذه الجهة.

و إن كان مقتضاه بقاؤها في ملك أصحابها ظلّت في ملكهم كما كانت، غاية الأمر أن وليّ الأمر يضع عليها الطسق و الخراج من النصف أو الثلث أو أكثر أو أقل.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 395

(الأرض التي أسلم أهلها بالدعوة)

(مسألة 48): الأرض التي أسلم عليها أهلها تركت في أيديهم إذا كانت عامرة، و عليهم الزكاة من حاصلها، العشر أو نصف العشر، و أما إذا لم تكن عامرة فيأخذها الإمام عليه السّلام و يقبلها لمن يعمرها و تكون للمسلمين، و تدل على ذلك صحيحة البزنطي، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام و ما سار به أهل بيته، فقال: «العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا، تركت أرض في يده، و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمر» الحديث «1».

(قسمة الغنائم المنقولة)

(مسألة 49): يخرج من هذه الغنائم قبل تقسيمها بين المقاتلين ما جعله الإمام عليه السّلام جعلا لفرد على حسب ما يراه من المصلحة، و يستحق ذاك الفرد الجعل بنفس الفعل الذي كان الجعل بإزائه، و هو في الكمّ و الكيف يتبع العقد الواقع عليه، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الفرد المزبور (المجعول له) مسلما أو كافرا، و كذا لا فرق بين كونه من ذوي السهام أو لا، فإنّ الأمر بيد الإمام عليه السّلام و هو يتصرف فيها حسب ما يرى فيه من المصلحة، يؤكد ذلك- مضافا إلى هذا- قول زرارة في الصحيحة المتقدمة في المسألة الحادية و الأربعين، و يدخل فيه السلب أيضا.

(مسألة 50): و يخرج منها أيضا قبل القسمة ما تكون الغنيمة بحاجة إليها في بقائها من المؤن كأجرة النقل و الحفظ و الرعي و ما شاكل ذلك.

(مسألة 51): المرأة التي حضرت ساحة القتال و المعركة لتداوي المجروحين أو ما شابه ذلك بإذن الإمام عليه السّلام لا تشرك مع الرجال المقاتلين في

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 72

من جهاد العدو، الحديث 2.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 396

السهام من الغنائم المأخوذة من الكفار بالقهر و الغلبة.

نعم، يعطي الإمام عليه السّلام منها لها مقدار ما يرى فيه مصلحة، و تدل على ذلك معتبرة سماعة عن أحدهما عليه السّلام، قال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى و لم يقسم لهنّ من الفي ء شيئا لكنه نفلهن» «1».

و أما العبيد و الكفار الذين يشتركون في القتال بإذن الإمام عليه السّلام فالمشهور بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع، أنه لا سهم لهم في الغنائم، و لكن دليله غير ظاهر.

(مسألة 52): يخرج من الغنائم قبل القسمة- كما مر- صفو المال أيضا و قطائع الملوك و الجارية الفارهة و السيف القاطع و ما شاكل ذلك على أساس أنها ملك طلق للإمام عليه السّلام بمقتضى عدّة من الروايات، منها معتبرة داود بن فرقد، قال، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قطائع الملوك كلها للإمام عليه السّلام، و ليس للناس فيها شي ء».

و منها معتبرة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن صفو المال؟ قال: «الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفارة و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال» «2».

(مسألة 53): يخرج من الغنائم خمسها أيضا قبل تقسيمها بين المسلمين المقاتلين، و لا يجوز تقسيم الخمس بينهم، حيث إن اللّه تعالى قد جعل له موارد خاصة و مصارف مخصوصة، قال عز من قائل: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «3» و الروايات الدالة على ذلك كثيرة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب

41 من جهاد العدو، الحديث 6.

(2) الوسائل: ج 6، باب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 6 و 15.

(3) سورة الأنفال: الآية 41.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 397

(مسألة 54): تقسم الغنائم بعد إخراج المذكورات على المقاتلين و من حضر ساحة القتال و لو لم يقاتل، فإنه لا يعتبر في تقسيم الغنيمة على جيش المسلمين دخول الجميع في القتال مع الكفار، فلو قاتل بعض منهم و غنم، و كان الآخر حاضرا في ساحة القتال و المعركة و متهيّئا للقتال معهم إذا اقتضى الأمر ذلك، كانت الغنيمة مشتركة بين الجميع، و لا اختصاص بها للمقاتلين فقط، و هذا بخلاف ما إذا أرسل فرقة إلى جهة و فرقة أخرى إلى جهة أخرى، فلا تشارك إحداهما الأخرى في الغنيمة.

و في حكم المقاتلين الطفل إذا ولد في أرض الحرب، و تدل عليه معتبرة مسعدة ابن صدقة، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه أن عليا عليه السّلام قال:

«إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء اللّه عليهم» «1».

و المشهور أنه تشترك مع المقاتلين في الغنائم فئة حضروا أرض الحرب للقتال و قد وضعت الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا بغلبة المسلمين على الكفار و أخذهم الغنائم منهم قبل خروجهم إلى دار الإسلام، فإنّ الغنيمة حينئذ تقسّم بين الجميع رغم عدم اشتراك تلك الفئة معهم في القتال، و مدركهم في ذلك رواية حفص بن غياث، قال: كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسائل من السيرة، فسألته و كتبت بها إليه، فكان فيما سألت: اخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثمّ لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام، و لم يلقوا عدوا حتى خرجوا

إلى دار الإسلام، هل يشاركونهم فيها؟ قال: «نعم» «2».

و لكن بما أن الرواية ضعيفة باعتبار أن القاسم بن محمد الواقع في سندها مردد بين الثقة و غيرها فالحكم لا يخلو عن إشكال بل منع، و قد

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 41 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

(2) الوسائل: ج 11، باب 37 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 398

يستدل على ذلك بمعتبرة طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام، في الرجل يأتي القوم و قد غنموا و لم يكن ممن شهد القتال قال: فقال:

«هؤلاء المحرومون، فأمر أن يقسم لهم» «1».

بتقريب أن المراد المحرومون من ثواب القتال لا أنهم محرومون من الغنيمة، و فيه:

أولا: أنه لا يمكن أن تكون كلمة (هؤلاء) إشارة إلى الرجل الذي يأتي القوم بعد أخذهم الغنيمة من الكفار.

و ثانيا: أن تحريمهم من الثواب لا يدل على أنّ لهم نصيبا في الغنيمة، فإن ضمير (لهم) في قوله عليه السّلام (فأمر أن يقسم لهم) ظاهر في رجوعه إلى القوم، و كيف كان فالرواية مجملة، فلا دلالة لها على المقصود أصلا.

ثمّ إنه بناء على الاشتراك إذا حضروا دار الحرب قبل القسمة، فهل هم مشتركون فيها معهم أيضا إذا حضروها بعدها؟ المشهور عدم الاشتراك، و هو الظاهر، لانصراف الرواية عن هذه الصورة و ظهورها بمناسبة الحكم و الموضوع في حضورهم دار الحرب قبل القسمة.

(مسألة 55): المشهور بين الأصحاب أنه يعطى من الغنيمة للراجل سهم، و للفارس سهمان، بل ادّعي عدم الخلاف في المسألة، و اعتمدوا في ذلك على رواية حفص بن غياث، و لكن قد عرفت آنفا أن الرواية ضعيفة فلا يمكن الاعتماد عليها، فحينئذ إن

ثبت الإجماع في المسألة فهو المدرك و إلا فما نسب إلى ابن جنيد من أنه يعطى للراجل سهم و للفارس ثلاثة أسهم هو القوي، و ذلك لإطلاق معتبرة إسحاق ابن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السّلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهما «2»

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 37 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 11، باب 42 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 399

و صحيحة مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجعل للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهما» «1» و عدم المقيّد لهما.

و عليه فلا فرق في ذلك بين أن يكون المقاتل صاحب فرس واحد أو أكثر فما عن المشهور من أن لصاحب فرس واحد سهمين و للأكثر ثلاثة أسهم فلا يمكن إتمامه بدليل، و لا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون المقاتلة مع الكفار في البر أو البحر.

(مسألة 56): لا يملك الكافر الحربي أموال المسلمين بالاستغنام، فلو أخذها المسلم منه سرقة أو هبة أو شراء أو نحو ذلك فلا إشكال في لزوم عودها إلى أصحابها من دون غرامة شي ء، و إن كان الآخذ جاهلا بالحال حيث إن الحكم- مضافا إلى أنه على القاعدة- قد دلّ عليه قوله عليه السّلام في صحيحة هشام: «المسلم أحقّ بماله أينما وجده» «2».

و أما إذا أخذ تلك الأموال منه بالجهاد و القوة، فإن كان الأخذ قبل القسمة رجعت إلى أربابها أيضا بلا إشكال و لا خلاف.

و أما إذا كان بعد القسمة، فنسب إلى العلّامة في النهاية أنها تدخل في الغنيمة و

لكنّ المشهور بين الأصحاب أنها ترد إلى أربابها و هو الصحيح، إذ يكفي في ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة هشام الآنفة الذكر المؤيدة بخبر طربال، و الدليل على الخلاف غير موجود في المسألة.

و أما صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل لقيه العدو و أصاب منه مالا أو متاعا، ثمّ إن المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: «إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه،

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 38 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 11، باب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 400

و إن كانوا أصابوه بعد ما حازوا فهو في ء للمسلمين، فهو أحق بالشفعة» «1» فهي يظاهرها، و هو التفصيل بين ما قبل الحيازة و ما بعدها، فعلى الأول ترد إلى أربابها، و على الثاني تدخل في الغنيمة مقطوعة البطلان، فإنه لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الرد قبل القسمة فلا تدخل في الغنيمة بالحيازة، و حمل الحيازة على القسمة بحاجة إلى قرينة و هي غير موجودة.

و عليه فالقسمة باطلة، فمع وجود الغانمين تقسّم ثانيا عليهم بعد إخراج أموال المسلمين، و مع تفرّقهم يرجع من وقعت تلك الأموال في حصته إلى الإمام عليه السّلام.

الدفاع

(مسألة 57): يجب على كل مسلم الدفاع عن الدين الإسلامي إذا كان في معرض الخطر، و لا يعتبر فيه إذن الإمام عليه السّلام بلا إشكال و لا خلاف في المسألة.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون في زمن الحضور أو الغيبة، و إذا قتل فيه جرى عليه حكم الشهيد في ساحة الجهاد مع الكفار، على أساس أنه قتل

في سبيل اللّه الذي قد جعل في صحيحة أبان موضوعا للحكم المزبور، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه و لا يغسّل إلا أن يدركه المسلمون و به رمق ثمّ يموت» الحديث، و قريب منها صحيحته الثانية «2».

(مسألة 58): تجري على الأموال المأخوذة من الكفار في الدفاع عن بيضة الإسلام أحكام الغنيمة، فإن كانت منقولة تقسّم بين المقاتلين بعد

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 2، باب 14 من أبواب غسل الميت، الحديث 7 و 9.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 401

إخراج الخمس، و إن كانت غير منقولة فهي ملك للأمّة على تفصيل تقدّم، و تدل على ذلك إطلاقات الأدلة من الآية و الرواية.

فما عليه المحقق القمي (قدس سره) من عدم جريان أحكام الغنيمة عليها و أنها لآخذها خاصة بدون حق الآخرين فيها لا يمكن المساعدة عليه.

قتال أهل البغي

و هم الخوارج على الإمام المعصوم عليه السّلام الواجب إطاعته شرعا، فإنه لا إشكال في وجوب مقاتلتهم إذا أمر الإمام عليه السّلام بها، و لا يجوز لأحد المخالفة، و لا يجوز الفرار لأنه كالفرار عن الزحف في حرب المشركين، و الحاصل أنه تجب مقاتلتهم حتى يفيئوا أو يقتلوا.

و تجري على من قتل فيها أحكام الشهيد لأنه قتل في سبيل اللّه.

(مسألة 59): المشهور- بل ادّعي عليه الإجماع- أنه لا يجوز قتل أسرائهم، و لا الإجهاز على جريحهم، و لا يتبع مدبرهم إذا لم تبق منهم فئة يرجعون إليها، و أما إذا كانت لهم فئة كذلك فيقتل أسراؤهم و يجهز على جريحهم، و يتبع مدبرهم، و لكن إتمام ذلك بالدليل مشكل، فإنّ رواية

حفص بن غياث التي هي نص في هذا التفصيل ضعيفة سندا كما مر، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطائفتين من المؤمنين، إحداهما باغية و الأخرى عادلة، فهزمت العادلة الباغية، قال عليه السّلام: «ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، و لا يقتلوا أسيرا، و لا يجهزوا على جريح، و هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم يكن فئة يرجعون إليها» الحديث «1».

و عليه فلا يمكن الاعتماد عليها.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 24 من جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 402

و أما معتبرة أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السّلام: إن عليا عليه السّلام سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أهل الشرك! قال: فغضب ثمّ جلس ثمّ قال: «سار و اللّه فيهم بسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الفتح، إن عليا كتب إلى مالك و هو على مقدّمته في يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل، و لا يقتل مدبرا، و لا يجهز على جريح، و من أغلق بابه فهو آمن» الحديث «1». فهي قضية في واقعة، فلا يستفاد منها الحكم الكلي كما يظهر من روايته الأخرى، قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السّلام: بما سار علي بن أبي طالب عليه السّلام؟ فقال: «إنّ أبا اليقظان كان رجلا حادا فقال:

يا أمير المؤمنين: بم تسير في هؤلاء غدا؟ فقال: بالمنّ كما سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أهل مكة» «2» فحينئذ إن تمّ الإجماع في المسألة فهو، و إلا فالأمر كما ذكرناه، فإذن القضية في كل واقعة راجعة إلى الإمام عليه السّلام

نفيا و إثباتا حسب ما يراه من المصلحة.

(مسألة 60): لا تسبى ذراري البغاة و إن كانوا متولدين بعد البغي، و لا تملك نساؤهم و كذا لا يجوز أخذ أموالهم التي لم يحوها العسكر كالسلاح و الدواب و نحوهما.

و هل يجوز أخذ ما حواه العسكر من الأموال المنقولة؟ فيه قولان: عن جماعة القول الأول، و عن جماعة أخرى القول الثاني، بل نسب ذلك إلى المشهور، و هذا القول هو الصحيح، و يدل على كلا الحكمين عدّة من الروايات، منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لو لا أن عليا عليه السّلام سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي و الغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما» ثمّ قال: «و اللّه لسيرته كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشمس» «3».

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 24 من جهاد العدو، الحديث 2.

(2) التهذيب: ج 6، ص 154، الحديث 272.

(3) الوسائل: ج 11، باب 25 من جهاد العدو، الحديث 8.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 403

(مسألة 61): يجوز قتل سابّ النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله أو أحد الأئمة الأطهار عليهم السّلام لكل من سمع ذلك، و كذا الحال في سابّ فاطمة الزهراء عليها السّلام، على تفصيل ذكرناه في مباني تكلمة المنهاج.

أحكام أهل الذمة

(مسألة 62): تؤخذ الجزية من أهل الكتاب و بذلك يرتفع عنهم القتال و الاستعباد، و يقرّون على دينهم، و يسمح لهم بالسكنى في دار الإسلام آمنين على أنفسهم و أموالهم، و هم اليهود و النصارى و المجوس بلا إشكال و لا خلاف، بل الصابئة أيضا على الأظهر، لأنهم من أهل الكتاب على ما تدل عليه الآية الكريمة و هي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ

الَّذِينَ هٰادُوا وَ النَّصٰارىٰ وَ الصّٰابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صٰالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ «1».

و الجزية توضع عليهم من قبل النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السّلام حسب ما يراه فيه من المصلحة كمّا و كيفا، و لا تقبل من غيرهم كسائر الكفار بلا خلاف، فإنّ عليهم أن يقبلوا الدعوة الإسلامية أو يقتلوا، و تدلّ عليه غير واحدة من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ «2»، و منها قوله تعالى: قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ «3»، و غيرهما من الآيات، و بعموم هذه الآيات يرفع اليد عن إطلاق معتبرة مسعدة بن صدقة الدالة بإطلاقها على عدم اختصاص أخذ الجزية بأهل الكتاب، فقد روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إن النبي صلّى اللّه عليه و آله إذا بعث أميرا له على سريّة أمره بتقوى اللّه عز و جل في خاصة

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 62.

(2) سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله: الآية 4.

(3) سورة الأنفال: الآية 39.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 404

نفسه ثمّ في أصحابه العامة- إلى أن قال:- و إذا لقيتم عدوا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منه و كفّوا عنه، و ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم، و ادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فإن فعلوا فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم- إلى أن قال- فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد و هم صاغرون» الحديث «1».

(مسألة 63): الظاهر أنه لا فرق في

مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب بين أن يكون في زمن الحضور أو في زمن الغيبة لإطلاق الأدلة و عدم الدليل على التقييد، و وضعها عليهم في هذا الزمان إنما هو بيد الحاكم الشرعي كمّا و كيفا حسب ما تقتضيه المصلحة العامة للأمة الإسلامية.

(مسألة 64): إذا التزم أهل الكتاب بشرائط الذمة يعاملون معاملة المسلمين في ترتيب أحكامهم عليهم كحقن دمائهم و أموالهم و أعراضهم، و إذا أخلّوا بها خرجوا عن الذمة على تفصيل يأتي في المسائل القادمة.

(مسألة 65): إذا ادّعى الكفّار أنهم من أهل الكتاب و لم تكن قرينة على الخلاف سمعت في ترتيب أحكام أهل الذمة عليهم و عدم الحاجة فيه إلى إقامة البينة على ذلك. نعم، إذا علم بعد ذلك خلافها كشف عن بطلان عقد الذمة.

(مسألة 66): الأقوى أن الجزية لا تؤخذ من الصبيان و المجانين و النساء، و ذلك لمعتبرة حفص بن غياث التي تدل على كبرى كلّية، و هي أن أي فرد لم يكن قتله في الجهاد جائزا لم توضع عليه الجزية، فقد سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النساء كيف سقطت الجزية عنهنّ و رفعت عنهن؟ قال:

فقال: «لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 15 من جهاد العدو، حديث 3.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 405

- إلى أن قال- و لو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها، فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها- إلى أن قال- و كذلك المقعد من أهل الذمة و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» «1».

و تدل

على ذلك في خصوص المجانين معتبرة طلحة بن زيد الآتية.

و أما المملوك سواء كان مملوكا لمسلم أم كان لذمي فالمشهور أنه لا تؤخذ الجزية منه، و قد علل ذلك في بعض الكلمات بأنه داخل في الكبرى المشار إليها آنفا، و هي أن من لم يجز قتله لم توضع عليه الجزية، و لكن الأظهر أنّ الجزية توضع عليه، و ذلك لمعتبرة أبي الورد، فقد روى الشيخ الصدوق بسنده المعتبر عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟

قال: «نعم، إنما هو مالكه يفتديه إذا أخذ يؤدّي عنه» «2»، و روى قريبا منه بإسناده عن أبي الورد نفسه «3» إلا أن في بعض النسخ في الرواية الثانية (أبا الدرداء) بدل (أبي الورد) و الظاهر أنه من غلط النسّاخ.

و نسب هذا القول إلى الصدوق في المقنع و إلى العلامة في التحرير.

و أما الشيخ الهمّ و المقعد و الأعمى فالمشهور بين الأصحاب أنه تؤخذ الجزية منهم لعموم أدلة الجزية و ضعف رواية حفص، و لكنّ الأقوى عدم جواز أخذها منهم، فإنّ رواية حفص و إن كانت ضعيفة في بعض طرقها إلا أنها معتبرة في بعض طرقها الأخر و هو طريق الشيخ الصدوق إليه، و عليه فلا مانع من الاعتماد عليها في الحكم المزبور.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 18 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2) الفقيه: ج 3، باب نوادر العتق، الحديث 9.

(3) الوسائل: ج 11، باب 49 من جهاد العدو، الحديث 6.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 406

(مسألة 67): إذا حاصر المسلمون حصنا من حصون أهل الكتاب فقتل الرجال منهم و بقيت النساء،

فعندئذ إن تمكّن المسلمون من فتح الحصن فهو، و إن لم يتمكنوا منه فلهم أن يتوسلوا إلى فتحه بأية وسيلة ممكنة، و لو كانت تلك الوسيلة بالصلح معهن إذا رأى ولي الأمر مصلحة فيه، و بعد عقد الصلح لا يجوز سبيهنّ لعموم الوفاء بالعقد، فما قيل من جواز إظهار عقد الصلح معهنّ صورة و بعد العقد المزبور يجوز سبيهنّ فلا دليل عليه، بل هو غير جائز، لأنه داخل في الغدر.

و أما إذا فتحه المسلمون بأيديهم فيكون أمرهنّ بيد ولي الأمر، فإن رأى مصلحة في إعطاء الأمان لهنّ و أعطاه لم يجز حينئذ استرقاقهنّ، و إن رأى مصلحة في الاسترقاق و الاستعباد تعيّن ذلك.

(مسألة 68): إذا كان الذمي عبدا فاعتق و حينئذ إن قبل الجزية ظل في دار الإسلام، و إن لم يقبل منع من الإقامة فيها و أجبر على الخروج إلى مأمنه، و لا يجوز قتله و لا استعباده على أساس أنه دخل دار الإسلام آمنا.

(مسألة 69): تقدم عدم وجوب الجزية على المجنون مطبقا، و أما إذا كان أدواريا فهل تجب عليه أو لا؟ أو فيه تفصيل؟ وجوه، و عن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (قدس سره) اختيار التفصيل بدعوى أنه يعمل في هذا الفرض بالأغلب، فإن كانت الافاقة أكثر و أغلب من عدمها وجبت الجزية عليه، و إن كان العكس فبالعكس.

و لكن هذا التفصيل بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه، فالعبرة حينئذ إنما هي بالصدق العرفي، فإن كان لدى العرف معتوها لم تجب الجزية عليه و إلا وجبت. ففي معتبرة طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه، و لا من المغلوب عليه عقله» «1».

______________________________

(1) الوسائل:

ج 11، باب 18 من جهاد العدو، الحديث 3.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 407

نعم، لو أفاق حولا كاملا وجبت الجزية عليه في هذا الحول على كل حال.

(مسألة 70): إذا بلغ صبيان أهل الذمة عرض عليهم الإسلام، فإن قبلوا فهو، و إلا وضعت الجزية عليهم، و إن امتنعوا منها أيضا ردّوا إلى مأمنهم و لا يجوز قتلهم و لا استعبادهم باعتبار أنهم دخلوا في دار الإسلام آمنين.

(مسألة 71): المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا هو أنه لا حدّ للجزية، بل أمرها إلى الإمام عليه السّلام كمّا و كيفا حسب ما يراه فيه من المصلحة، و يدل على ذلك- مضافا إلى عدم تحديدها في الروايات- ما في صحيحة زرارة: أن أمر الجزية إلى الإمام عليه السّلام، يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق «1».

(مسألة 72): إذا وضع ولي الأمر الجزية على رءوسهم لم يجز وضعها على أراضيهم، حيث إن المشروع في الشريعة المقدسة وضع جزية واحدة حسب إمكاناتهم و طاقاتهم المالية التي بها حقنت دماؤهم و أموالهم، فإذا وضعت على رءوسهم انتفى موضوع وضعها على الأراضي و بالعكس.

و صحيحتا محمد بن مسلم ناظرتان إلى هذه الصورة فقد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس- إلى أن قال- و ليس للإمام أكثر من الجزية إن شاء الإمام وضع على رءوسهم و ليس على أموالهم شي ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء، الحديث.

و قال: سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دماءهم و أموالهم؟ قال: «الخراج، و إن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم، و إن أخذ

من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم» «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 68 من جهاد العدو، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 11، باب 68 من جهاد العدو، الحديث 2، 3.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 408

و أما إذا وضع ولي الأمر قسطا من الجزية على الرءوس و قسطا منها على الأراضي فلا مانع منه، على أساس أن أمر وضع الجزية بيد ولي الأمر من حيث الكم و الكيف، و الصحيحتان المزبورتان لا تشملان هذه الصورة فإنهما ناظرتان إلى أن وضع الجزية كملا إذا كان على الرءوس انتفى موضوع وضعها على الأراضي و بالعكس، و أما تبعيض تلك الجزية ابتداء عليهما معا فلا مانع منه.

(مسألة 73): لولي الأمر أن يشترط عليهم- زائدا على الجزية- ضيافة المارة عليهم من العساكر أو غيرهم من المسلمين حسب ما يراه فيه مصلحة، من حيث الكم و الكيف، على قدر طاقاتهم و إمكاناتهم المالية، و ما قيل من أنه لا بد من تعيين نوع الضيافة كما و كيفا بحسب القوت و الادام و نوع علف الدواب و عدد الأيام فلا دليل عليه، بل هو راجع إلى ولي الأمر.

(مسألة 74): ظاهر فتوى الأصحاب في كلماتهم أن الجزية تؤخذ سنة بعد سنة و تتكرر بتكرر الحول و لكن إثبات ذلك بالنصوص مشكل جدا، فالصحيح أن أمرها بيد الإمام عليه السّلام، و له أن يضع الجزية في كل سنة و له أن يضعها في أكثر من سنة مرة واحدة حسب ما فيه من المصلحة.

(مسألة 75): إذا أسلم الذمي قبل تمامية الحول أو بعد تماميته و قبل الأداء سقطت عنه بسقوط موضوعها، فإن موضوعها حسب ما في الآية الكريمة و غيرها هو الكافر، فإذا أصبح مسلما و

لو بعدا لحول سقطت الجزية عنه و لا تجب عليه تأديتها، و لا فرق في ذلك بين أن يكون هو الداعي لقبوله الإسلام أو يكون الداعي له أمرا آخر.

(مسألة 76): المشهور بين الأصحاب أنه لو مات الذمي و هو ذمي بعد الحول لم تسقط الجزية عنه و أخذت من تركته كالدّين، و لكن ذلك مبني

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 409

على أن يكون جعل الجزية من قبيل الوضع كجعل الزكاة و الخمس على الأموال، و لازم ذلك هو أن الذمي لو مات في أثناء الحول مثلا لأخذت الجزية من تركته بالنسبة، و هذا و إن كان مذكورا في كلام بعضهم إلا أنه غير منصوص عليه في كلمات المشهور، و من هنا لا يبعد أن يقال إنها ليست كالدّين الثابت على ذمته حتى تخرج من تركته بعد موته مطلقا، بل المستفاد من الدليل هو أن الواجب عليه إنّما هو الإعطاء عن يد و هو صاغر، فإذا مات انتفى بانتفاء موضوعه، و بذلك يظهر حال ما إذا مات في أثناء الحول، بل هو أولى بالسقوط.

(مسألة 77): يجوز أخذ الجزية من ثمن الخمور و الخنازير و الميتة من الذمي حيث أنّ وزره عليه لا على غيره، و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم؟ قال: «عليهم الجزية في أموالهم، تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو خمر، فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال، يأخذونه في جزيتهم» «1».

(مسألة 78): لا تتداخل جزية سنين متعددة إذا اجتمعت على الذمي بل عليه

أن يعطي الجميع إلا إذا رأى ولي الأمر مصلحة في عدم الأخذ.

(شرائط الذمة)

(مسألة 79): من شرائط الذمة أن يقبل أهل الكتاب إعطاء الجزية لولي الأمر على الكيفية المذكورة، فإنه مضافا إلى التسالم بين الأصحاب يدل عليه الكتاب و السنة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 70 من جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 410

و منها: أن لا يرتكبوا ما ينافي الأمان، كالعزم على حرب المسلمين و إمداد المشركين في الحرب و ما شاكل ذلك، و هذا الشرط ليس من الشروط الخارجية بل هو داخل في مفهوم الذمة فلا يحتاج إثباته إلى دليل آخر.

(مسألة 80): المشهور بين الأصحاب أن التجاهر بالمنكرات كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و الربا و النكاح بالأخوات و بنات الأخ و بنات الأخت و غيرها من المحرمات كالزنا و اللواط و نحوهما يوجب نقض عقد الذمة.

و من هذا القبيل عدم إحداث الكنائس و البيع و ضرب الناقوس و ما شاكل ذلك إذا كان يوجب إعلان أديانهم و ترويجها بين المسلمين.

هذا فيما إذا اشترط عدم التجاهر بتلك المحرمات و المنكرات في ضمن عقد الذمة واضح.

و أما إذا لم يشترط عدم التجاهر بها في ضمن العقد المزبور فهل التجاهر بها يوجب النقض؟ فيه وجهان، فعن العلّامة في التذكرة و التحرير و المنتهى الوجه الثاني، و لكنّ الأظهر هو الوجه الأول، و ذلك لصحيحة زرارة، فقد روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا، و لا يأكلوا لحم الخنزير، و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ و لا بنات الأخت، فمن فعل ذلك منهم برئت

منه ذمة اللّه و ذمة رسوله صلّى اللّه عليه و آله» قال: «و ليست لهم اليوم ذمة» «1».

فإن مقتضى ذيل الصحيحة و هو قوله عليه السّلام: «ليست لهم اليوم ذمة» هو أن التجاهر بها يوجب نقض الذمة و انتهاءها و أنها لا تنسجم معه، و بما أن أهل الكتاب كانوا في زمان الخلفاء متجاهرين بالمنكرات المزبورة فلأجل ذلك نفى عنهم الذمة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 48 من جهاد العدو، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 411

و أما غير ذلك كارتفاع جدرانهم على جدران المسلمين و عدم تميزهم في اللباس و الشعر و الركوب و الكنى و الألقاب و نحو ذلك مما لا ينافي مصلحة عامة للإسلام أو المسلمين فلا دليل على أنه يوجب نقض الذمة.

نعم لولي الأمر اشتراط ذلك في ضمن العقد إذا رأى فيه مصلحة.

(مسألة 81): يشترط على أهل الذمة أن لا يربّوا أولادهم على الاعتناق بأديانهم- كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو نحوها- بأن يمنعوا من الحضور في مجالس المسلمين و مراكز تبليغاتهم و الاختلاط مع أولادهم، بل عليهم تخلية سبيلهم في اختيار الطريقة، و بطبيعة الحال أنهم يختارون الطريقة الموافقة للفطرة و هي الطريقة الإسلامية، و قد دلت على ذلك صحيحة فضيل بن عثمان الأعور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه اللذان يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه، و إنما أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذمة و قبل الجزية عن رءوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهوّدوا أولادهم و لا ينصّروا، و أما أولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم» «1».

(مسألة 82): إذا أخلّ أهل الكتاب بشرائط الذمة بعد

قبولها خرجوا منها، و عندئذ هل على ولي الأمر ردهم إلى مأمنهم أو له قتلهم أو استرقاقهم؟ فيه قولان: الأقوى هو الثاني حيث إنه لا أمان لهم بعد خروجهم عن الذمة، و يدل على ذلك قوله عليه السّلام في ذيل صحيحة زرارة المتقدمة آنفا:

«فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة اللّه و ذمة رسوله صلّى اللّه عليه و آله» فإن ظاهر البراءة هو أنه لا أمان له، و من الظاهر أن لزوم الرد إلى مأمنه نوع أمان له.

فإذن، على ولي الأمر أن يدعوهم إلى الاعتناق بالإسلام فإن قبلوا فهو، و إلا فالوظيفة التخيير بين قتلهم و سبي نسائهم و ذراريهم، و بين استرقاقهم أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 11، باب 48 من جهاد العدو، الحديث 3.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 412

(مسألة 83): إذا أسلم الذمي بعد إخلاله بشرط من شرائط الذمة سقط عنه القتل و الاسترقاق و نحوهما مما هو ثابت حال كفره، نعم لا يسقط عنه القود و الحد و نحوهما مما ثبت على ذمته، حيث لا يختص ثبوته بكونه كافرا، و كذا لا ترتفع رقّيته بالإسلام إذا أسلم بعد الاسترقاق.

(مسألة 84): يكره الابتداء بالسلام على الذمي، و هو مقتضى الجمع بين صحيحة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا تبدءوا أهل الكتاب بالتسليم، و إذا سلّموا عليكم فقولوا:

و عليكم» «1»، و صحيحة ابن الحجّاج، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام:

أ رأيت إن احتجت إلى طبيب و هو نصراني أسلّم عليه و أدعو له؟ قال:

«نعم، إنه لا ينفعه دعاؤك» «2»، فإنّ مورد الصحيحة الثانية و إن كان فرض الحاجة إلا أن الحاجة إنما هي في المراجعة

إلى الطبيب النصراني لا في السلام عليه، إذ يمكن التحية له بغير لفظ السلام مما هو متعارف عنده، على أن التعليل في ذيل الصحيحة شاهد على أنه لا مانع منه مطلقا حيث أن الدعاء لا يفيده.

و أما إذا ابتدأ الذمي بالسلام على المسلم فالأحوط وجوب الرد عليه بصيغة عليك أو عليكم أو بصيغة «سلام» فقط.

(مسألة 85): لا يجوز لأهل الذمة إحداث الكنائس و البيع و الصوامع و بيوت النيران في بلاد الإسلام، و إذا أحدثوها خرجوا عن الذمة فلا أمان لهم بعد ذلك.

هذا إذا اشترط عدم إحداثها في ضمن العقد، و أما إذا لم يشترط لم يخرجوا منها، و لكن لولي الأمر هدمها إذا رأى فيه مصلحة ملزمة.

______________________________

(1) الوسائل: ج 8، باب 49 من أحكام العشرة، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 8، باب 53 من أحكام العشرة، الحديث 1.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 413

و أما إذا كانت هذه الأمور موجودة قبل الفتح فحينئذ إن كان إبقاؤها منافيا لمظاهر الإسلام و شوكته فعلى ولي الأمر هدمها و إزالتها، و إلا فلا مانع من إقرارهم عليها، كما أن عليهم هدمها إذا اشترط في ضمن العقد.

(مسألة 86): المشهور أنه لا يجوز للذمي أن يعلو بما استجدّه من المساكن على المسلمين، و عن المسالك أنه موضع وفاق بين المسلمين، و لكن دليله غير ظاهر فإن تم الإجماع فهو، و إلا فالأمر راجع إلى ولي الأمر.

نعم، إذا كان في ذلك مذلة للمسلمين و عزّة للذمي لم يجز.

(مسألة 87): المعروف بين الأصحاب عدم جواز دخول الكفار أجمع في المساجد كلها، و لكن إتمام ذلك بالدليل مشكل، إلا إذا أوجب دخولهم الهتك فيها أو تلوّثها بالنجاسة.

نعم، لا يجوز دخول المشركين خاصة في

المسجد الحرام جزما.

(مسألة 88): المشهور بين الفقهاء أن على المسلمين أن يخرجوا الكفار من الحجاز و لا يسكنوهم فيه و لكنّ إتمامه بالدليل مشكل.

(المهادنة)

(مسألة 89): يجوز المهادنة مع الكفار المحاربين إذا اقتضتها المصلحة للإسلام أو المسلمين، و لا فرق في ذلك بين أن تكون مع العوض أو بدونه، بل لا بأس بها مع إعطاء ولي الأمر العوض لهم إذا كانت فيه مصلحة عامة.

نعم إذا كان المسلمون في مكان القوة و الكفار في مكان الضعف بحيث يعلم الغلبة عليهم لم تجز المهادنة.

(مسألة 90): عقد الهدنة بيد ولي الأمر حسب ما يراه فيه من المصلحة، و على هذا فبطبيعة الحال يكون مدّته من حيث القلة و الكثرة بيده

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 414

حسب ما تقتضيه المصلحة العامة.

و لا فرق في ذلك بين أن تكون مدته أربعة أشهر أو أقلّ أو أكثر، بل يجوز جعلها أكثر من سنة إذا كانت فيه مصلحة، و أما ما هو المشهور بين الفقهاء من أنه لا يجوز جعل المدة أكثر من سنة فلا يمكن إتمامه بدليل.

(مسألة 91): يجوز لولي الأمر أن يشترط مع الكفار في ضمن العقد أمرا سائغا و مشروعا كإرجاع أسارى المسلمين و ما شاكل ذلك، و لا يجوز اشتراط أمر غير سائغ كإرجاع النساء المسلمات إلى دار الكفر و ما شابه ذلك.

(مسألة 92): إذا هاجرت النساء إلى دار الإسلام في زمان الهدنة و تحقق إسلامهنّ لم يجز إرجاعهنّ إلى دار الكفر بلا فرق بين أن يكون إسلامهن قبل الهجرة أو بعدها.

نعم، يجب إعطاء أزواجهن ما أنفقوا من المهور عليهنّ.

(مسألة 93): لو ارتدّت المرأة المسلمة بعد الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام لم ترجع إلى دار

الكفر و يجري عليها حكم المسلمة المرتدة في دار الإسلام ابتداء من الحبس و الضرب في أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.

(مسألة 94): إذا ماتت المرأة المسلمة المهاجرة بعد مطالبة زوجها المهر منها وجب ردّه إليه إن كان حيّا و إلى ورثته إن كان ميتا.

و أما إذا كانت المطالبة بعد موت الزوجة فالظاهر عدم وجوب رده إليه، لأن ظاهر الآية الكريمة هو أن ردّ المهر إنما هو عوض رد الزوجة بعد مطالبة الزوج إياها، و إذا ماتت انتفى الموضوع.

كما أنه لو طلّقها بائنا بعد الهجرة لم يستحق المطالبة، على أساس أن ظاهر الآية هو أنه لا يجوز إرجاع المرأة المزبورة بعد المطالبة و إنما يجب

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 415

إرجاع المهر إليه بدلا عن ردّها، فإذا طلقها بائنا فقد انقطعت علاقته عنها نهائيا فليس له حق المطالبة بإرجاعها حينئذ.

و هذا بخلاف ما إذا طلقها رجعيا حيث أن له حق المطالبة بإرجاعها في العدّة باعتبار أنها زوجة له، فإذا طالب فيها وجب ردّ مهرها إليه.

(مسألة 95): إذا أسلمت زوجة الكافر بانت منه، و وجبت عليها العدة إذا كانت مدخولا بها، فإذا أسلم الزوج و هي في العدة كان أحق بها، و تدل على ذلك عدة من الروايات، منها معتبرة السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السّلام أن امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها، قال عليّ عليه السّلام: «أ تسلم؟» قال: لا، ففرق بينهما، ثمّ قال: «إن أسلمت قبل انقضاء عدتها فهي امرأتك، و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب» «1».

و في حكمها ما إذا أسلمت في عدتها من الطلاق الرجعي، فإذا أسلم الزوج بعد إسلام

زوجته المهاجرة في عدتها من طلاقها طلاقا رجعيا كان أحق بها و وجب عليه رد مهرها إن كان قد أخذه.

و أما إذا أسلم بعد انقضاء العدة فليس له حق الرجوع بها فإنه- مضافا إلى أنه مقتضى القاعدة- تدل عليه ردّ معتبرة السكوني و غيرها.

(مسألة 96): إذا هاجر الرجال إلى دار الإسلام و أسلموا في زمان الهدنة لم يجز إرجاعهم إلى دار الكفر، لأن عقد الهدنة لا يقتضي أزيد من الأمان على أنفسهم و أعراضهم و أموالهم ما داموا على كفرهم في دار الإسلام ثمّ يرجعوهم إلى مأمنهم.

و أما إذا أسلموا فيصبحون محقوني الدم و المال بسبب اعتناقهم بالإسلام، و حينئذ خرجوا عن موضوع عقد الهدنة فلا يجوز إرجاعهم إلى

______________________________

(1) التهذيب: ج 7، ص 301، الحديث 1257.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 416

موطنهم بمقتضى العقد المذكور.

هذا إذا لم يشترط في ضمن العقد إعادة الرجال، و أما إذا اشترط ذلك في ضمن العقد فحينئذ إن كانوا متمكّنين بعد إعادتهم إلى موطنهم من إقامة شعائر الإسلام و العمل بوظائفهم الدينية بدون خوف فيجب الوفاء بالشرط المذكور و إلا فالشرط باطل.

(مسألة 97): إذا هاجرت نساء الحربيّين من دار الكفر إلى دار الإسلام و أسلمت لم يجب إرجاع مهورهن إلى أزواجهن، لاختصاص الآية الكريمة الدالة على هذا الحكم بنساء الكفّار المعاهدين بقرينة قوله تعالى:

وَ سْئَلُوا مٰا أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا مٰا أَنْفَقُوا «1» باعتبار أن السؤال لا يمكن عادة إلا من هؤلاء الكفار على أن الحكم على القاعدة.

و الحمد للّه أولا و آخرا.

______________________________

(1) سورة الممتحنة: الآية 10.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 417

مستحدثات المسائل

اشارة

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 419

المصارف و البنوك

اشارة

و هي ثلاثة أصناف:

(1) أهلي: و هو ما يتكوّن رأس ماله من شخص واحد أو أشخاص مشتركين.

(2) حكومي: و هو الذي تقوم الدولة بتمويله.

(3) مشترك: و تموّله الدولة و أفراد الشعب.

1- البنك الأهلي الإسلامي:

(مسألة 1): لا يجوز الاقتراض منه بشرط الفائض و الزيادة، لأنّه ربا محرّم و للتخلص من ذلك الطريق الآتي و هو:

أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10% أو 20% مثلا على أن يقرضه مبلغا معينا من النقد، أو يبيعه متاعا بأقلّ من قيمته السوقية، و يشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغا معينا لمدة معلومة يتفقان عليها. و عندئذ يجوز الاقتراض و لا ربا فيه. و مثل البيع الهبة بشرط القرض.

و لا يمكن التخلص من الربا ببيع مبلغ معيّن مع الضميمة بمبلغ أكثر، كأن يبيع مائة دينار بضميمة كبريت بمائة و عشرة دنانير لمدة شهرين مثلا، فإنّه قرض ربوي حقيقة، و إن كان بيعا صورة.

(مسألة 2): لا يجوز إقراض البنك بشرط الحصول على الفائض

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 420

المسمّى في عرف اليوم بالإيداع، بلا فرق بين الإيداع الثابت الذي له أمد خاص بمعنى أنّ البنك غير ملزم بوضعه تحت الطلب، و بين الإيداع المتحرّك المسمّى بالحساب الجاري أي أن البنك ملزم بوضعه تحت الطلب. نعم إذا لم يكن الإيداع بهذا الشرط فلا بأس به.

2- البنك الحكومي:

(مسألة 3): لا يجوز التصرف في المال المقبوض منه بدون إذن من الحاكم الشرعي أو وكيله.

(مسألة 4): لا يجوز الاقتراض منه بشرط الزيادة؛ لأنه غير قابل للاذن و الاجازة من الحاكم الشرعي بلا فرق بين كون الإقراض مع الرهن أو بدونه. نعم يجوز قبض المال منه بعنوان مجهول المالك لا القرض بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله، و لا يضرّه العلم بأنّ البنك يستوفي الزيادة منه قهرا، فلو طالبه البنك جاز له دفعها حيث لا يسعه التخلّف.

(مسألة 5): لا يجوز

إيداع المال فيه بعنوان التوفير بشرط الحصول على الربح و الفائدة لأنّه ربا، و يمكن التخلص منه بإيداع المال بدون شرط الزيادة، بمعنى أنّه يبني في نفسه على أنّ البنك لو لم يدفع له الفائدة لم يطالبها منه. فلو دفع البنك له فائدة جاز له أخذها بعنوان مجهول المالك بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله.

و من هنا يظهر حال البنك المشترك، فإنّ الأموال الموجودة فيه داخلة في مجهول المالك، و حكمه حكم البنك الحكومي.

هذا في البنوك الإسلامية، و أمّا البنوك غير الإسلامية- أهلية كانت أم غيرها- فلا مانع من قبض المال منها لا بقصد الاقتراض بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي، و أمّا الإيداع فيها فحكمه حكم الإيداع في البنوك الإسلامية.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 421

الاعتمادات

1- اعتماد الاستيراد:

و هو أن يريد استيراد بضاعة أجنبية لا بدّ له من فتح اعتماد لدى البنك و هو يتعهد له بتسديد الثمن إلى الجهة المصدرة بعد تمامية المعاملة بين المستورد و المصدّر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد و يسجل البضاعة باسمه و يرسل القوائم المحدّدة لنوعية البضاعة كمّا و كيفا حسب الشروط المتفق عليها، و عند ذلك يقوم المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ليقوم بدوره بتسلم مستندات البضاعة من الجهة المصدّرة.

2- اعتماد التصدير:

و هو أنّ من يريد تصدير بضاعة إلى الخارج أيضا لا بدّ له من فتح اعتماد لدى البنك ليقوم بدوره- بموجب تعهده- بتسليم البضاعة إلى الجهة المستوردة و قبض ثمنها وفق الأصول المتبعة عندهم، فالنتيجة أن القسمين لا يختلفان في الواقع، فالاعتماد سواء أ كان للاستيراد أو التصدير يقوم على أساس تعهد البنك بأداء الثمن و قبض البضاعة.

نعم هنا قسم آخر من الاعتماد و هو أن المستورد أو المصدّر يقوم بإرسال قوائم البضاعة كمّا و كيفا إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المقابلة، و البنك بدوره يعرض تلك القوائم على الجهة المقابلة، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها، ثمّ يقوم بدور الوسيط إلى أن يتم تسليم البضاعة و قبض الثمن.

(مسألة 6): لا بأس بفتح الاعتماد لدى البنك كما لا بأس بقيامه بذلك.

(مسألة 7): هل يجوز للبنك أخذ الفائدة من صاحب الاعتماد إزاء

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 422

قيامه بالعمل المذكور؟ الظاهر الجواز، و يمكن تفسيره من وجهة النظر الفقهية بأحد أمرين:

الأوّل: أنّ ذلك داخل في عقد الإجارة، نظرا إلى أنّ صاحب الاعتماد يستأجر البنك للقيام بهذا الدور لقاء أجرة معينة، مع

إجازة الحاكم الشرعي أو وكيله فيما إذا كان البنك غير أهلي، و كذا الحال في المسائل الآتية.

الثاني: أنه داخل في عقد الجعالة، و يمكن تفسيره بالبيع، حيث أن البنك يدفع ثمن البضاعة بالعملة الأجنبية إلى المصدّر، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الأجنبية في ذمة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه، و بما أن الثمن و المثمن يمتاز أحدهما عن الآخر فلا بأس به.

(مسألة 8): يأخذ البنك فائدة نسبية من فاتح الاعتماد إذا كان قيامه بتسديد الثمن من ماله الخاص لقاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلى مدة معلومة، فهل يجوز هذا؟ الظاهر جوازه. و ذلك لأنّ البنك في هذا الفرض لا يقوم بعملية إقراض لفاتح الاعتماد و لا يدخل الثمن في ملكه بعقد القرض ليكون ربا، بل يقوم بذلك بموجب طلب فاتح الاعتماد و أمره.

و عليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الاتلاف، لا ضمان قرض.

نعم لو قام البنك بعملية إقراض لفاتح الاعتماد بشرط الفائدة، و قد قبض المبلغ وكالة عنه، ثمّ دفعه إلى الجهة المقابلة لم يجز له أخذها. حتى إذا جعلها عوض عمل يعمله له، فإنّه من الشرط على المقترض. نعم إذا كان العمل قبل عملية القرض ليكون القرض شرطا في المعاملة على ذلك العمل فلا بأس بها. و كذلك الحال فيما إذا كان القائم بالعمل المذكور غير البنك كالتاجر إذا كان معتمدا لدى الجهة المقابلة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 423

خزن البضائع

قد يقوم البنك بخزن البضاعة على حساب المستورد كما إذا تم العقد بينه و بين المصدّر، و قام البنك بتسديد ثمنها له، فعند وصول البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد و إخباره بوصولها، فإن

تأخّر المستورد عن تسلمها في الموعد المقرّر، قام البنك بخزنها و حفظها على حساب المستورد إزاء أجر معين، و قد يقوم بحفظها على حساب المصدّر، كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد و اتفاق مسبق، فعندئذ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على تجار البلد فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدّر لقاء أجر معيّن.

(مسألة 9): في كلتا الحالتين يجوز للبنك أخذ الأجرة لقاء العمل المذكور إذا اشترط ذلك في ضمن عقد، و إن كان الشرط ضمنيا و ارتكازيا، أو ان قيامه بذلك بطلب منه، و إلا فلا يستحق شيئا.

و هنا حالة أخرى، و هي: أن البنك قد يقوم ببيع البضاعة عند تخلّف أصحابها عن تسلمها بعد إعلان البنك و إنذاره، و يقوم بذلك لاستيفاء حقه من ثمنها، فهل يجوز للبنك القيام ببيعها، و هل يجوز لآخر شراؤها؟

الظاهر الجواز، و ذلك لأنّ البنك- في هذه الحالة- يكون وكيلا من قبل أصحابها بمقتضى الشرط الضمني الموجود في أمثال هذه الموارد، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضا.

الكفالة عند البنوك

اشارة

يقوم البنك بكفالة و تعهد مالي من قبل المتعهد للمتعهد له من جهة حكومية أو غيرها حينما يتولى المتعهد مشروعا كتأسيس مدرسة أو مستشفى

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 424

أو ما شاكل ذلك للمتعهد له و قد تم الاتفاق بينهما على ذلك، و حينئذ قد يشترط المتعهد له على المتعهد مبلغا معينا من المال في حالة عدم إنجاز المشروع و إتمامه عوضا عن الخسائر التي قد تصيبه، و لكي يطمئن المتعهد له بذلك يطالبه بكفيل على هذا، و في هذه الحالة يرجع المتعهد و المقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتعهد البنك فيه للمتعهد له بالمبلغ المذكور عند

تخلفه (المتعهد) عن القيام بإنجاز مشروع لقاء أجر معيّن.

مسائل

الأولى: تصح هذه الكفالة بإيجاب من الكفيل بكلّ ما يدلّ على تعهده و التزامه من قول أو كتابة أو فعل، و بقبول من المتعهد له بكلّ ما يدلّ على رضاه بذلك. و لا فرق في صحة الكفالة بين أن يتعهد الكفيل للدائن بوفاء المدين دينه، و أن يتعهد لصاحب الحق بوفاء المقاول و المتعهد بشرطه.

الثانية: يجب على المتعهد الوفاء بالشرط المذكور إذا كان في ضمن عقد عند تخلفه عن القيام بإنجاز المشروع، و إذا امتنع عن الوفاء به رجع المتعهد له (صاحب الحق) إلى البنك للوفاء به، و بما أن تعهد البنك و ضمانه كان بطلب من المتعهد و المقاول فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهده، فيحق للبنك أن يرجع إليه و يطالبه به.

الثالثة: هل يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معينة من المقاول و المتعهد لإنجاز العمل لقاء كفالته و تعهده؟ الظاهر أنه لا بأس به، نظرا إلى أنّ كفالته عمل محترم فيجوز له ذلك.

ثمّ إن ذلك داخل- على الظاهر- في عقد الجعالة فتكون جعلا على القيام بالعمل المذكور و هو الكفالة و التعهد، و يمكن أن يكون على نحو الإجارة أيضا و لا يكون صلحا و لا عقدا مستقلا.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 425

بيع السهام

قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم و السندات التي تمتلكها، و يقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها و تصريفها لقاء عمولة معينة بعد الاتفاق بينه و بين الشركة.

(مسألة 10): تجوز هذه المعاملة مع البنك، فإنّها- في الحقيقة- لا تخلو من دخولها إما في الإجارة بمعنى أنّ الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور لقاء أجرة معينة، و إمّا في الجعالة على ذلك، و على كلا

التقديرين فالمعاملة صحيحة و يستحق البنك الأجرة لقاء قيامه بالعمل المذكور.

(مسألة 11): يصح بيع هذه الأسهم و السندات و كذا شراؤها فيما كان المبيع- و لو بالبيع الخياري- نفس سهام المال المشترك مع معلوميته، لا سهام منافعه المترقبة، و إلا فتدخل بيع سهام المنافع في القرض الربوي كما لا يخفى على المتأمل. نعم إذا كانت معاملات الشركة المساهمة ربوية فلا يجوز شراؤها بغرض الدخول في تلك المعاملات، فإنّه غير جائز و إن كان بنحو الشركة.

التحويل الداخلي و الخارجي

و هنا مسائل:

(الأولى):

أن يصدر البنك صكا لعميله بتسلم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك. و عندئذ يأخذ البنك منه عمولة معينة لقاء قيامه بهذا الدور، فيقع الكلام- حينئذ- في جواز أخذه هذه العمولة و يمكن تصحيحه بأنه حيث أن للبنك حق

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 426

لامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض فيجوز له أخذ عمولة لقاء تنازله عن هذا الحق و قبول وفاء دينه في ذلك المكان.

(الثانية):

أن يصدر البنك صكا لعميله بتسلم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج بعنوان إقراضه، نظرا لعدم وجود رصيد مالي له عنده.

و مرد ذلك إلى توكيل هذا الشخص بتسلم المبلغ بعنوان القرض، و عند ذلك يأخذ البنك منه عمولة معينة لقاء قيامه بهذا العمل فيقع الكلام في جواز أخذه هذه العمولة لقاء ذلك.

و يمكن تصحيحه بأن للبنك المحيل أن يأخذ العمولة لقاء تمكين المقترض من أخذ المبلغ عن البنك المحال عليه حيث إن هذا خدمة له فيجوز أخذ شي ء لقاء هذه الخدمة.

ثمّ إنّ التحويل إن كان بعملة أجنبية فيحدث للبنك حق، و هو أنّ المدين حيث اشتغلت ذمته بالعملة المذكورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة، فلو تنازل عن حقه هذا و قبل الوفاء بالعملة المحلية جاز له أخذ شي ء منه لقاء هذا التنازل كما أنّ له تبديلها بالعملة المحلية مع تلك الزيادة.

(الثالثة):

أن يدفع الشخص مبلغا معينا من المال إلى البنك في النجف الأشرف- مثلا- و يأخذ تحويلا بالمبلغ أو بما يعادله على البنك في الداخل- كبغداد مثلا- أو في الخارج كلبنان أو دمشق مثلا، و يأخذ البنك لقاء قيامه بعملية التحويل عمولة منه. و لا إشكال في صحة هذا التحويل و جوازه، و هل في أخذ العمولة عليه إشكال، الظاهر عدمه.

أوّلا: بتفسيره بالبيع بمعنى أن البنك يبيع مبلغا معينا من العملة الأجنبية بمبلغ من العملة المحلية و حينئذ فلا إشكال في أخذ العمولة.

ثانيا: أن الربا المحرّم في القرض إنما هو الزيادة التي يأخذها الدائن من المدين، و أمّا الزيادة التي يأخذها المدين من الدائن فهي غير محرّمة،

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 427

و لا يدخل مثل هذا القرض في القرض الربوي.

(الرابعة):

أن يقبض الشخص مبلغا معينا من البنك في النجف الأشرف مثلا، و يحوّله على بنك آخر في الداخل أو الخارج، و يأخذ البنك لقاء قبوله الحوالة عمولة معينة منه، فهل يجوز أخذه هذه العمولة؟ نعم يجوز بأحد طريقين:

الأول: أن ينزل هذا التحويل على البيع إذا كان بعملة أجنبية بمعنى أن البنك يشتري من المحول مبلغا من العملة الأجنبية و الزيادة بمبلغ من العملة المحلية، و عندئذ لا بأس بأخذ العمولة.

الثاني: أن يكون أخذها لقاء تنازل البنك عن حقه، حيث إنه يحق له الامتناع عن قبول ما ألزمه المدين من تعيين التسديد في بلد غير بلد القرض، فعندئذ لا بأس به.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من أقسام الحوالة و تخريجها الفقهي يجري بعينه في الحوالة على الأشخاص كمن يدفع مبلغا من المال لشخص ليحوّله بنفس المبلغ أو بما يعادله على شخص آخر في بلده أو بلد آخر،

و يأخذ بإزاء ذلك عمولة معينة. أو يأخذ من شخص و يحوله على شخص آخر و يأخذ المحول له لقاء ذلك عمولة معينة.

(مسألة 12): لا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون الحوالة على المدين أو على البري ء، و الأول كما إذا كان للمحول عند المحول عليه رصيد مالي، و الثاني ما لم يكن كذلك.

جوائز البنك

قد يقوم البنك بعملية القرعة بين عملائه بغرض الترغيب على وضع أموالهم لديه، و يدفع لمن أصابته القرعة مبلغا من المال بعنوان الجائزة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 428

(مسألة 13): هل يجوز للبنك القيام بهذه العملية؟ فيه تفصيل، فإن كان قيامه بها لا باشتراط عملائه، بل بقصد تشويقهم و ترغيبهم على تكثير رصيدهم لديه و ترغيب الآخرين على فتح الحساب عنده جاز ذلك، كما يجوز عندئذ لمن أصابته القرعة أن يقبض الجائزة بعنوان مجهول المالك بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله إن كان البنك حكوميا أو مشتركا. و إلا جاز بلا حاجة إلى إذن الحاكم، و أمّا إن كان بعنوان الوفاء بشرطهم في ضمن عقد كعقد القرض أو نحوه فلا يجوز، كما لا يجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلك الشرط و يجوز بدونه. و إذا كان البنك أهليا و دفع الجائزة بعنوان الوفاء بالشرط لم يجز أخذها و إن لم يكن من ناحية المقرض في نفسه شرط.

تحصيل الكمبيالات

من الخدمات التي يقوم بها البنك تحصيل قيمة الكمبيالة لحساب عميله، بأنّه قبل تاريخ استحقاقها يخطر المدين (موقّع الكمبيالة) و يشرح في إخطاره قيمتها و رقمها و تاريخ استحقاقها ليكون على علم و يتهيأ للدفع، و بعد التحصيل يقيد القيمة في حساب العميل، أو يدفعها إليه نقدا، و يأخذ منه عمولة لقاء هذه الخدمة، و من هذا القبيل قيام البنك بتحصيل قيمة الصك لحامله من بلده أو من بلد آخر، كما إذا لم يرغب الحامل تسلم القيمة بنفسه من الجهة المحال عليها، فيأخذ البنك منه عمولة لقاء قيامه بهذا العمل.

(مسألة 14): تجوز هذه الخدمة و أخذ العمولة لقاءها شرعا بشرط أن يقتصر البنك على تحصيل قيمة الكمبيالة

فقط. و أما إذا قام بتحصيل فوائدها الربوية، فإنّه غير جائز، و يمكن تفسير العمولة من الوجهة الفقهية بأنها جعالة من الدائن للبنك على تحصيل دينه.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 429

(مسألة 15): إذا كان لموقّع الكمبيالة رصيد مالي لدى البنك فتارة يشير فيها بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق ليقوم البنك بخصم قيمتها من حسابه الجاري و قيدها في حساب المستفيد (الدائن) أو دفعها له نقدا، فمرد ذلك إلى أن الموقّع أحال دائنه على البنك، و بما أن البنك مدين له، فالحوالة نافذة من دون حاجة إلى قبوله، و عليه فلا يجوز للبنك أخذ عمولة لقاء قيامه بتسديد دينه بالدفع نقدا، و لا يبعد أخذ العمولة إذا طلب المستفيد قيده في حسابه.

و أخرى يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك غير محولة عليه، و يطلب من البنك تحصيل قيمتها، فعندئذ يجوز للبنك أخذ عمولة لقاء قيامه بهذا العمل كما عرفت.

و هنا حالة ثالثة و هي ما إذا كانت الكمبيالة محولة على البنك و لكنه لم يكن مدينا لموقّعها، فحينئذ يجوز للبنك أخذ عمولة لقاء قبوله هذه الحوالة.

بيع العملات الأجنبية و شراؤها

من خدمات البنك القيام بعملية شراء العملات الأجنبية و بيعها لغرضين:

الأول: توفير القدر الكافي منها حسب حاجات الناس و متطلبات الوقت اليومية.

الثاني: الحصول على الربح منه.

(مسألة 16): يصح بيع العملات الأجنبية و شراؤها مع الزيادة، كما إذا باعها بأكثر من سعر الشراء أو بالتساوي، بلا فرق في ذلك بين كون البيع أو الشراء حالا أو مؤجلا، فإنّ البنك كما يقوم بعملية العقود الحالة يقوم بعملية العقود المؤجلة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 430

الحساب الجاري

كل من له رصيد لدى البنك (العميل) يحق له سحب أي مبلغ لا يزيد عن رصيده، نعم قد يسمح البنك له بسحب مبلغ معين بدون رصيد نظرا لثقته به، و يسمى ذلك بالسحب (على المكشوف) و يحسب البنك لهذا المبلغ فائدة.

(مسألة 17): هل يجوز للبنك أخذ تلك الفائدة؟ الظاهر بل المقطوع به عدم الجواز، لأنها فائدة على القرض. نعم بناء على ما ذكرناه في أول مسائل البنوك من طريق تصحيح أخذ مثل هذه الفائدة شرعا لا بأس به بعد التنزيل على ذلك الطريق.

الكمبيالات

تتحقق مالية الشي ء بأحد أمرين:

(الأول): أن تكون للشي ء منافع و خواص توجب رغبة العقلاء فيه و ذلك كالمأكولات و المشروبات و الملبوسات و ما شاكلها.

(الثاني): اعتبارها من قبل من بيده الاعتبار. كالحكومات التي تعتبر المالية فيما تصدره من الأوراق النقدية و الطوابع و أمثالها.

(مسألة 18): يمتاز البيع عن القرض من جهات:

(الأولى): أن البيع تمليك عين بعوض لا مجانا، و القرض تمليك للمال بالضمان في الذمة بالمثل إذا كان مثليا و بالقيمة إذا كان قيميا.

(الثانية): اعتبار وجود فارق بين العوض و المعوض في البيع، و بدونه لا يتحقق البيع، و عدم اعتبار ذلك في القرض. مثلا لو باع مائة بيضة بمائة و عشرة فلا بد من وجود مائز بين العوض و المعوض كأن تكون المائة من

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 431

الحجم الكبير في الذمة و عوضها من المتوسط، و إلا فهو قرض بصورة البيع و يكون محرما لتحقق الربا فيه.

(الثالثة): ان البيع يختلف عن القرض في الربا فكل زيادة في القرض إذا اشترطت تكون ربا و محرمة، دون البيع، فإن المحرم فيه لا يكون إلا في المكيل أو الموزون من العوضين

المتحدين جنسا، فلو اختلفا في الجنس أو لم يكونا من المكيل أو الموزون فالزيادة لا تكون ربا. مثلا لو أقرض مائة بيضة لمدة شهرين إزاء مائة و عشر كان ذلك ربا و محرما، دون ما إذا باعها بها إلى الأجل المذكور مع مراعاة وجود المائز بين العوضين.

(الرابعة): أن البيع الربوي باطل من أصله، إلّا إذا كانت الزيادة في أحد العوضين من شرط الفعل فيبطل الشرط دون البيع، بخلاف القرض الربوي فإنه باطل بحسب الزيادة فقط، و أما أصل القرض فهو صحيح.

(مسألة 19): الأوراق النقدية بما أنها ليست من المكيل أو الموزون.

فإنه يجوز للدائن أن يبيع دينه منها بأقل منه نقدا، كأن يبيع العشرة بتسعة أو المائة بتسعين مثلا و هكذا.

(مسألة 20): الكمبيالات المتداولة بين التجار في الأسواق لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية، بل هى مجرد وثيقة سند لإثبات أن المبلغ الذي تتضمنه دين في ذمة موقعها لمن كتبت باسمه، فالمشتري عند ما يدفع كمبيالة للبائع لم يدفع ثمن البضاعة، و لذا اذا ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال و لم تفرغ ذمة المشتري، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدية و تلفت عنده أو ضاعت.

(مسألة 21): الكمبيالات على نوعين:

(الأول): ما يعبر عن وجود قرض واقعي.

(الثاني): ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 432

(أما الأول): فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجل الثابت في ذمة المدين بأقل منه حالا، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية و تسعين دينارا نقدا. نعم لا يجوز على الأحوط لزوما بيعه مؤجلا، لأنه من بيع الدين بالدين، و بعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين (موقّع الكمبيالة)

بقيمتها عند الاستحقاق.

(و أما الثاني): فلا يجوز للدائن (الصوري) بيع ما تتضمنه الكمبيالة، لانتفاء الدين واقعا و عدم اشتغال ذمة الموقع للموقّع له (المستفيد) بل إنما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب و لذا سميت (كمبيالة مجاملة) و واضح أن عملية خصم قيمتها في الواقع إقراض من البنك للمستفيد، و تحويل المستفيد البنك الدائن على موقعها. و هذا من الحوالة على البري ء و على هذا الأساس فاقتطاع البنك شيئا من قيمة الكمبيالة لقاء المدة الباقية محرم لأنه ربا.

و يمكن التخلص من هذا الربا إما بتنزيل الخصم على البيع دون القرض، بيانه: أن يوكل موقع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمته بأقل منها مراعيا التمييز بين العوضين، كأن تكون قيمتها خمسين دينارا عراقيا و الثمن ألف تومان إيراني مثلا، و بعد هذه المعاملة تصبح ذمة موقع الكمبيالة مشغولا بخمسين دينارا عراقيا لقاء ألف تومان إيراني، و يوكل الموقع أيضا المستفيد في بيع الثمن و هو ألف تومان في ذمته بما يعادل المثمن و هو خمسون دينارا عراقيا، و بذلك تصبح ذمة المستفيد مدينة للموقع بمبلغ يساوي ما كانت ذمة الموقع مدينة به للبنك. و لكن هذا الطريق قليل الفائدة.

حيث انه إنما يفيد فيما إذا كان الخصم بعملة أجنبية. و أما إذا كان بعملة محلية فلا أثر له، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ.

و إمّا بتنزيل ما يقتطعه البنك من قيمة الكمبيالة على أنه لقاء قيام البنك بالخدمة له كتسجيل الدين و تحصيله و نحوهما و عندئذ لا بأس به، و أما رجوع موقع الكمبيالة إلى المستفيد و أخذ قيمتها تماما فلا ربا فيه، و ذلك لأن

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 433

المستفيد حيث

أحال البنك على الموقع بقيمتها أصبحت ذمته مدينة له بما يساوي ذلك المبلغ.

أعمال البنوك

تصنف أعمال البنوك صنفين:

(أحدهما): محرّم و هو عبارة عن المعاملات الربوية فلا يجوز الدخول فيها و لا الاشتراك، و العامل لا يستحق الاجرة لقاء تلك الأعمال.

(ثانيهما): سائغ، و هو عبارة عن الأمور التي لا صلة لها بالمعاملات الربوية، فيجوز الدخول فيها و أخذ الأجرة عليها.

(مسألة 22): لا فرق في حرمة المعاملات الربوية بين بنوك الدول الإسلامية و غيرها. نعم تفترقان في أن الأموال الموجودة في الأولى مجهولة المالك لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله. و أما أموال بنوك الدول غير الإسلامية فلا تترتب عليها أحكام الأموال مجهولة المالك، فيجوز أخذها استنقاذا بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي أو وكيله. كما عرفت.

الحوالات المصرفية

للشخص المدين أن يحيل دائنه على البنك بإصدار صك لأمره، أو يصدر أمرا تحريريا إلى البنك بتحويل مبلغ من المال إلى بلد الدائن، و ذلك كما إذا استورد التاجر العراقي بضاعة من الخارج و أصبح مدينا للمصدر، فعندئذ يراجع البنك ليقوم بعملية تحويل ما يعادل دينه لأمر المصدر على مراسله أو فرعه في بلد المصدر و يدفع قيمة التحويل للبنك بنقد بلده، أو

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 434

يخصم البنك من رصيده لدينه. و مرد ذلك قد يكون إلى حوالتين:

(إحداهما): حوالة المدين دائنه على البنك و بذلك يصبح البنك مدينا لدائنه.

(ثانيهما): حوالة البنك دائنه على مراسله أو فرعه في الخارج أو على بنك آخر و كلتا الحوالتين صحيحة شرعا.

(مسألة 23): هل يجوز للبنك أن يتقاضى لقاء قيامه بعملية التحويل عمولة معينة من المحيل؟ الظاهر أنه لا بأس به و ذلك لأن للبنك حق الامتناع عن القيام بهذه العملية، فيجوز له أخذ شي ء لقاء تنازله عن هذا الحق، نعم إذا

لم يكن البنك مأمورا بالتحويل المذكور، و أراد أخذ عمولة لقاء قيامه بعملية الوفاء و التسديد لم يجز له ذلك إذ ليس للمدين أن يأخذ شيئا إزاء وفاء دينه في محله، نعم إذا لم يكن للمحيل رصيد لدى البنك و كانت حوالته عليه حوالة على البري ء، جاز للبنك أخذ عمولة لقاء قبول الحوالة، حيث أن القبول غير واجب على البري ء و له الامتناع عنه. و حينئذ لا بأس بأخذ شي ء مقابل التنازل عن حقه هذا.

(مسألة 24): لا فرق فيما ذكرناه من المسائل و الفروع التي هي ذات طابع خاص بين البنوك و المصارف الأهلية و الحكومية و المشتركة، فإنها تدور مدار ذلك الطابع الخاص في أي مورد كان و أي حالة تحققت.

عقد التأمين

و هو اتفاق بين المؤمّن (الشركة أو الدولة)، و بين المؤمّن له (شخص، أو أشخاص) على أن يدفع المؤمّن له للمؤمّن مبلغا معينا شهريا أو سنويا نصّ عليه في الوثيقة (المسمى قسط التأمين) لقاء قيام المؤمّن بتدارك الخسارة التي تحدث في المؤمّن عليه على تقدير حدوثها.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 435

(مسألة 25): التأمين على أنواع: على الحياة، على المال، على الحريق، على الغرق، على السيارة، على الطائرة، على السفينة و ما شاكلها. و هناك أنواع أخر لا تختلف في الحكم الشرعي مع ما ذكر فلا داعي إلى إطالة الكلام بذكرها.

(مسألة 26): يشتمل عقد التأمين على أركان:

1- الإيجاب من المؤمن له.

2- القبول من المؤمن.

3- المؤمن عليه: الحياة، الأموال، الحوادث، و غيرها.

4- قسط التأمين الشهري و السنوي.

(مسألة 27): يعتبر في التأمين تعيين المؤمن عليه و ما يحدث له من خطر، كالغرق و الحرق و السرقة و المرض و الموت، و نحوها، و كذا يعتبر

فيه تعيين قسط التأمين، و تعيين المدة بداية و نهاية.

(مسألة 28): يجوز تنزيل عقد التأمين- بشتى أنواعه- منزلة الهبة المعوّضة فإن المؤمن له يهب مبلغا معينا من المال في كل قسط إلى المؤمن، و يشترط عليه ضمن العقد تعهّده أنه على تقدير حدوث حادثة معينة نص عليها في الاتفاقية أن يقوم بتدارك الخسارة الناجمة له، و يجب على المؤمن الوفاء بهذا الشرط. و على هذا فالتأمين بجميع أقسامه عقد صحيح شرعا.

(مسألة 29): إذا تخلف المؤمن عن القيام بالشرط ثبت الخيار للمؤمن له و له- عندئذ- فسخ العقد و استرجاع قسط التأمين.

(مسألة 30): إذا لم يقم المؤمن له بتسديد (قسط التأمين) كما و كيفا فلا يجب على المؤمن القيام بتدارك الخسارات الناجمة له، كما لا يحق للمؤمن له استرجاع ما سدده من أقساط التأمين.

(مسألة 31): لا تعتبر في صحة عقد التأمين مدة خاصة، بل هي

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 436

تابعة لما اتفق عليه الطرفان (المؤمن و المؤمن له).

(مسألة 32): إذا اتفق جماعة على تأسيس شركة يتكون رأس مالها من أموالهم على نحو الاشتراك و اشترط كل منهم على الآخر في ضمن عقد الشركة أنه على تقدير حدوث حادثة (حدد نوعها) في ضمن الشرط على ماله أو حياته أو داره أو سيارته أو نحو ذلك أن تقوم الشركة بتدارك خسارته في تلك الحادثة من أرباحها وجب على الشركة القيام بذلك.

السرقفلية- الخلو

من المعاملات الشائعة بين التجار و الكسبة ما يسمى السرقفلية، و هي إنما تكون في محلات الكسب و التجارة، و الضابط في جواز أخذها و عدمه هو أنه في كل مورد كان للمؤجر حق الزيادة في بدل الإيجار أو تخلية المحل بعد انتهاء مدة الايجار،

و لم يكن للمستأجر الامتناع عن دفع الزيادة أو التخلية لم يجز أخذها، و التصرف في المحل بدون رضا مالكه حرام. و أما إذا لم يكن للمالك حق زيادة بدل الايجار بغير الصورة المتعارفة في أمثاله و تخلية المحل و كان للمستأجر حق تخليته لغيره بدون إذن المالك جاز له- عندئذ- أخذ السرقفلية شرعا. و يتضح الحال في المسائل الآتية.

(مسألة 33): قبل صدور قانون منع المالك عن إجبار المستأجر على التخلية أو عن الزيادة في بدل الايجار، كان للمالك الحق في ذلك، فإن كانت الاجارة قد وقعت قبل صدور القانون المذكور، و لم يكن هناك شرط متفق عليه بين الطرفين بخصوص الزيادة أو التخلية إلا أن المستأجر استغل صدور القانون فامتنع عن دفع الزيادة أو التخلية، و قد زاد بدل إيجار أمثال المحل إلى حد كبير بحيث أن المحل تدفع السرقفلية على تخليته، فإنه لا يجوز للمستأجر- حينئذ- أخذ السرقفلية و يكون تصرفه في المحل بدون رضا المالك

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 437

غصبا و حراما.

(مسألة 34): المحلات المستأجرة بعد صدور القانون المذكور، قد يكون بدل إيجارها السنوي مائة دينار مثلا، إلا أن المالك- لغرض ما- يؤجرها برضى منه و رغبة بأقل من ذلك، و لكنه يقبض من المستأجر مبلغا كخمسمائة دينار مثلا و يشترط على نفسه في ضمن العقد- أن يجدد الإيجار لهذا المستأجر أو لمن يتنازل له المستأجر سنويا بدون زيادة و نقيصة، و إذا أراد المستأجر التنازل عن المحل لثالث أن يعامله نفس معاملة المستأجر، فحينئذ يجوز للمستأجر أن يأخذ لقاء تنازله عن حقه مبلغا يساوي ما دفعه إلى المالك نقدا أو أكثر أو أقل، و ليس للمالك مخالفته حسب الشرط

المقرر.

(مسألة 35): المحلات التي تؤجر بلا سرقفلية، إلا أنه يشترط في عقد الايجار ما يأتي:

(1) ليس للمالك إجبار المستأجر على التخلية و للمستأجر حق البقاء في المحل.

(2) للمستأجر حق تجديد عقد الإجارة سنويا بالصورة التي وقع عليها في السنة الأولى أو بالصورة المتعارفة في أمثاله.

فإذا اتفق أن شخصا دفع مبلغا للمستأجر إزاء تنازله عن المحل و تخليته فقط حيث لم يكن له إلا حق البقاء، مع أن للمالك- بعد التخلية- الحرية في إيجار المحل، و الثالث يستأجر المحل من المالك، فعندئذ يجوز للمستأجر أخذ المبلغ المذكور و تكون السرقفلية لقاء التخلية فحسب لا بإزاء انتقال حق التصرف منه إلى ثالث.

فروع قاعدة الإلزام

(الأول): يعتبر الاشهاد في صحة النكاح عند العامة، و لا يعتبر عند

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 438

الإمامية و عليه فلو عقد رجل من العامة على امرأة بدون اشهاد بطل عقده، و عندئذ يجوز للشيعي أن يتزوجها بقاعدة الإلزام.

(الثاني): الجمع بين العمة أو الخالة و بين بنت أخيها أو اختها في النكاح باطل عند العامة، و صحيح على مذهب الشيعة، غاية الأمر تتوقف صحة العقد على بنت الأخ أو الاخت مع لحوق عقدها على اجازة العمة أو الخالة، و عليه فلو جمع سنّي بين العمة أو الخالة و بين بنت أخيها أو اختها في النكاح بطل، فيجوز للشيعي أن يعقد على كلّ منهما بقاعدة الإلزام.

(الثالث): تجب العدة على المطلقة اليائسة أو الصغيرة بعد الدخول بهما على مذهب العامة، و لا تجب على مذهب الخاصة، و على ذلك فهم ملزمون بترتيب أحكام العدة عليها بمقتضى القاعدة المذكورة. و عليه فلو تشيعت المطلقة اليائسة أو الصغيرة خرجت عن موضوع تلك القاعدة، فيجوز لها مطالبة نفقة أيام

العدة إذا كانت مدخولا بها و كان الطلاق رجعيا و إن تزوجت من شخص آخر. و كذلك الحال لو تشيع زوجها فإنه يجوز له أن يتزوج باختها أو نحو ذلك، و لا يلزم بترتيب أحكام العدة عليها.

(الرابع): لو طلق السنّي زوجته من دون حضور شاهدين صح الطلاق على مذهبه كما أنه لو طلق جزء من زوجته كإصبع منها مثلا وقع الطلاق على الجميع على مذهبه، و أما عند الإمامية فالطلاق في كلا الموردين باطل و عليه فيجوز للشيعي أن يتزوج تلك المطلقة بقاعدة الإلزام بعد انقضاء عدتها.

(الخامس): لو طلق السنّي زوجته حال الحيض أو في طهر المواقعة صح الطلاق على مذهبه، و يجوز للشيعي أن يتزوجها بقاعدة الإلزام بعد انقضاء عدتها.

(السادس): يصح طلاق المكره عند أبي حنيفة دون غيره، و عليه فيجوز للشيعي أن يتزوج المرأة الحنفية المطلقة بإكراه بمقتضى قاعدة الإلزام.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 439

(السابع): لو حلف السني على عدم فعل شي ء و إن فعله فامرأته طالق، و اتفق أنه فعل ذلك الشي ء، فعندئذ تصبح امرأته طالقا على مذهبه.

فيجوز للشيعي أن يتزوجها بمقتضى قاعدة الإلزام، و من هذا القبيل طلاق المرأة بالكتابة، فإنه صحيح عندهم و فاسد عندنا و بمقتضى تلك القاعدة يجوز للشيعي ترتيب آثار الطلاق عليه واقعا.

(الثامن): يثبت خيار الرؤية على مذهب الشافعي لمن اشترى شيئا بالوصف ثمّ رآه، و إن كان المبيع حاويا للوصف المذكور، و على هذا فلو اشترى شيعي من شافعي شيئا بالوصف ثمّ رآه ثبت له الخيار بقاعدة الإلزام و إن كان المبيع مشتملا على الوصف المذكور.

(التاسع): لا يثبت خيار الغبن للمغبون عند الشافعي، و عليه فلو اشترى شيعي من شافعي شيئا، ثمّ انكشف أن البائع

الشافعي مغبون فللشيعي إلزامه بعدم حق الفسخ له.

(العاشر): يشترط عند الحنفية في صحة عقد السلم أن يكون المسلم فيه موجودا و لا يشترط ذلك عند الشيعة و عليه فلو اشترى شيعي من حنفي شيئا سلما و لم يكن المسلم فيه موجودا، جاز له إلزامه ببطلان العقد، و كذلك لو تشيع المشتري بعد ذلك.

(الحادي عشر): لو ترك الميت بنتا سنّية و أخا و افترضنا أن الأخ كان شيعيا أو تشيع بعد موته، جاز له أخذ ما فضل من التركة تعصيبا بقاعدة الإلزام، و إن كان التعصيب باطلا على المذهب الجعفري. و من هذا القبيل ما إذا مات و ترك أختا و عما أبويا، فإن العم إذا كان شيعيا أو تشيع بعد ذلك جاز له أخذ ما يصله بالتعصيب بقاعدة الإلزام، و هكذا الحال في غير ذلك من موارد التعصيب.

(الثاني عشر): ترث الزوجة على مذهب العامة من جميع تركة الميت

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 440

من المنقول و غيره و الأراضي و غيرها و لا ترث على المذهب الجعفري من الأرض لا عينا و لا قيمة، و ترث من الأبنية و الأشجار قيمة لا عينا، و على ذلك فلو كان الوارث سنيا و كانت الزوجة شيعية جاز لها أخذ ما يصل إليها ميراثا من الأراضي و أعيان الأبنية و الأشجار بقانون إلزامهم بما يدينون به.

هذه هي أم الفروع التي ترتكز على قاعدة الإلزام و بها يظهر الحال في غيرها من الفروع، و الضابط هو أن لكل شيعي أن يلزم غيره من أهل سائر المذاهب بما يدينون به و يلزمون به أنفسهم.

أحكام التشريح

(مسألة 36): لا يجوز تشريح بدن الميت المسلم فلو فعل لزمته الدية على تفصيل ذكرناه

في كتاب الديات.

(مسألة 37): يجوز تشريح بدن الميت الكافر بأقسامه. و كذا إذا كان إسلامه مشكوكا فيه بلا فرق في ذلك بين البلاد الإسلامية و غيرها.

(مسألة 38): لو توقف حفظ حياة مسلم على تشريح بدن ميت مسلم، و لم يمكن تشريح بدن غير المسلم و لا مشكوك الإسلام، و لم يكن هناك طريق آخر لحفظه ففي جوازه إشكال.

أحكام الترقيع

(مسألة 39): لا يجوز قطع عضو من أعضاء الميت المسلم كعينه أو نحو ذلك لإلحاقه ببدن الحي، و في جوازه فيما لو توقف حفظ حياة مسلم عليه أو أوصى الميت بذلك إشكال، و كذا في جواز ترقيعه بعد القطع و ترتّب أحكام بدن الحي عليه و الأظهر ثبوت الدية على القاطع في جميع

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 441

الفروض، و لا بأس بقطع شي ء من عضو إنسان للترقيع بعضوه الآخر.

(مسألة 40): هل يجوز قطع عضو من أعضاء إنسان حي للترقيع إذا رضي به؟ فيه تفصيل: فإن كان من الأعضاء التي كالعين و اليد و الرجل و ما شاكلها مما يحسب قطعه ظلما و جناية على النفس لم يجز. و أما إذا كان من قبيل قطعة جلد أو لحم فلا بأس به. و هل يجوز له أخذ مال لقاء ذلك؟

الظاهر الجواز.

(مسألة 41): يجوز التبرع بالدم للمرضى المحتاجين إليه، كما يجوز أخذ العوض عليه.

(مسألة 42): يجوز قطع عضو من بدن ميت كافر للترقيع بباطن بدن المسلم، كما أنّه لا بأس بالترقيع كذلك بعضو من أعضاء بدن حيوان نجس العين كالكلب أو غيره.

التلقيح الصناعي

(مسألة 43): لا يجوز تلقيح المرأة بماء الرجل الأجنبي، سواء أ كان التلقيح بواسطة رجل أجنبي أو بواسطة زوجها، و لو فعل ذلك و حملت المرأة ثمّ ولدت فالولد ملحق بصاحب الماء و يثبت بينهما جميع أحكام النسب و يرث كل منهما الآخر، لأن المستثنى من الإرث هو الولد عن زنا، و هذا ليس كذلك، و إن كان العمل الموجب لانعقاد نطفته محرما كما أن المرأة أمّ له، و يثبت بينهما جميع أحكام النسب و نحوها. و لا فرق بينه و بين سائر أولادهما

أصلا، و من هذا القبيل ما لو ألقت المرأة نطفة زوجها في فرج امرأة أخرى بالمساحقة أو نحوها، فحملت المرأة ثمّ ولدت، فإنه يلحق بصاحب النطفة.

(مسألة 44): يجوز أخذ نطفة رجل و وضعها في رحم صناعية

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 442

و تربيتها لغرض التوليد حتى يصبح ولدا، و بعد ذلك هل يلحق بصاحب النطفة؟ الظاهر أنه ملحق به و يثبت بينهما جميع أحكام الابوة و البنوة حتى الإرث، غاية الأمر أنه ولد بغير أم.

(مسألة 45): يجوز تلقيح الزوجة بنطفة زوجها نعم لا يجوز أن يكون المباشر غير الزوج إذا كان ذلك موجبا للنظر إلى العورة أو مسها.

و حكم الولد منه حكم سائر أولادهما بلا فرق أصلا.

أحكام الشوارع المفتوحة من قبل الدولة

(مسألة 46): ما حكم العبور من الشوارع المستحدثة الواقعة على الدور و الأملاك الشخصية للناس التي تستملكها الدولة جبرا و تجعلها طرقا و شوارع؟ الظاهر جوازه لأنها تصير من الأراضي الوسيعة، و أما الفضلات الباقية منها فهي لا تخرج عن ملك أصحابها، و عليه فلا يجوز التصرف فيها بدون إذنهم و لا شراؤها من الدولة إذا استملكتها غصبا إلا بإرضاء أصحابها.

(مسألة 47): المساجد الواقعة في الشوارع المستحدثة الظاهر أنها تخرج عن عنوان المسجدية. و على هذا فلا بد من التفصيل بين الأحكام المترتبة على عنوان المسجد الدائرة مداره وجودا و عدما، و بين الأحكام المترتبة على عنوان وقفيته. و من الأحكام الأولى حرمة تنجيس المسجد و وجوب إزالة النجاسة عنه و عدم جواز دخول الجنب و الحائض فيه و ما شاكل ذلك، فإنها أحكام مترتبة على عنوان المسجدية، فإذا زال انتفت هذه الأحكام و إن كان الأحوط ترتيب آثار المسجد عليه. و من الأحكام الثانية عدم جواز

التصرف في موادها و فضلاتها كأحجارها و أخشابها و أرضها و نحو ذلك، و عدم جواز بيعها و شرائها، و يجوز في هذه الحالة صرف نفس

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 443

تلك المواد في تعمير مسجد آخر، و من ذلك يظهر حال المدارس الواقعة في تلك الشوارع و كذا الحسينيتات فإن أنقاضها كالأحجار و الأخشاب و الأراضي و غيرها لا تخرج عن الوقفية بالخراب و الغصب، فلا يجوز بيعها و شراؤها. نعم يجوز ذلك بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله و صرف ثمنها في مدرسة أو حسينية أخرى مع مراعاة الأقرب فالأقرب، أو صرف نفس تلك الانقاض فيها.

(مسألة 48): يجوز العبور و المرور من أراضي المساجد الواقعة في الشوارع، و كذلك الحكم في أراضي المدارس و الحسينيات.

(مسألة 49): ما بقي من المساجد إن كان قابلا للانتفاع منه للصلاة و نحوه من العبادات ترتب عليه جميع أحكام المسجد، و إذا جعله الظالم دكانا أو محلا أو دارا بحيث لا يمكن الانتفاع به كمسجد، فهل يجوز الانتفاع به كما جعل أي دكانا أو نحوه فيه تفصيل، فإن كان الانتفاع غير مناف لجهة المسجد كالأكل و الشرب و النوم و نحو ذلك فلا شبهة في جوازه، و ذلك لأن المانع من الانتفاع بجهة المسجدية إنما هو عمل الغاصب. و بعد تحقق المانع و عدم إمكان الانتفاع بتلك الجهة لا مانع من الانتفاع به من جهات أخرى، نظير المسجد الواقع في طريق متروك التردد، فإنه لا بأس بجعله مكانا للزراعة أو دكانا. نعم لا يجوز جعله مكانا للأعمال المنافية لعنوان المسجد كجعله ملعبا أو ملهى و ما شاكل ذلك، فلو جعله الظالم مكانا لما ينافي العنوان لم يجز الانتفاع

به بذلك العنوان.

(مسألة 50): مقابر المسلمين الواقعة في الشوارع إن كانت ملكا لأحد فحكمها حكم الأملاك المتقدمة، و إن كانت وقفا فحكمها حكم الأوقاف كما عرفت. هذا إذا لم يكن العبور و المرور عليها هتكا لموتى المسلمين و إلا فلا يجوز. و أما إذا لم تكن ملكا و لا وقفا، فلا بأس

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 444

بالتصرف فيها إذا لم يكن هتكا. و من ذلك يظهر حال الفضلات الباقية منها، فإنها على الفرض الأول لا يجوز التصرف فيها و شراؤها إلا بإذن مالكها، و على الفرض الثاني لا يجوز ذلك إلا بإذن المتولي و صرف ثمنها في مقابر أخرى للمسلمين مع مراعاة الأقرب فالأقرب، و على الفرض الثالث يجوز ذلك من دون حاجة إلى إذن أحد.

مسائل الصلاة و الصيام

(مسألة 51): لو سافر الصائم جوا بعد الغروب و الافطار في بلده في شهر رمضان إلى جهة الغرب فوصل إلى مكان لم تغرب الشمس فيه بعد، فهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب؟ الظاهر عدم الوجوب، حيث إنه قد أتم الصوم إلى الغروب في بلده، و معه لا مقتضي له كما هو مقتضى الآية الكريمة: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ ....

(مسألة 52): لو صلى المكلف صلاة الصبح في بلده، ثمّ سافر إلى جهة الغرب فوصل إلى بلد لم يطلع فيه الفجر بعد ثمّ طلع، أو صلى صلاة الظهر في بلده ثمّ سافر جوا فوصل إلى بلد لم تزل الشمس فيه بعد ثمّ زالت، أو صلى صلاة المغرب فيه ثمّ سافر فوصل إلى بلد لم تغرب الشمس فيه ثمّ غربت فهل تجب عليه إعادة الصلاة في جميع هذه الفروض؟

وجهان: الأحوط استحبابا الإتيان بها مرة ثانية.

(مسألة 53): لو خرج وقت

الصلاة في بلده: كأن طلعت الشمس أو غربت و لم يصل الصبح أو الظهرين ثمّ سافر جوا فوصل إلى بلد لم تطلع الشمس فيه أو لم تغرب بعد فهل عليه الصلاة أداء أو قضاء أو بقصد ما في الذمة؟ فيه وجوه، الأحوط هو الاتيان بها بقصد ما في الذمة أي الأعم من الأداء و القضاء.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 445

(مسألة 54): إذا سافر جوا و أراد الصلاة فيها، فإن تمكّن من الاتيان بها إلى القبلة واجدة لسائر الشرائط صحت، و إلا لم تصح إذا كان في سعة الوقت بحيث يتمكن من الاتيان بها إلى القبلة بعد النزول من الطائرة و أما إذا ضاق الوقت وجب عليه الإتيان بها فيها، و عندئذ إن علم بكون القبلة في جهة خاصة صلى نحوها، و إن لم يعلم صلى إلى الجهة المظنون كونها قبلة، و إلا صلى إلى أي جهة شاء، و إن كان الأحوط الإتيان بها إلى أربع جهات. هذا فيما إذا تمكن من الاستقبال، و إلّا سقط عنه.

(مسألة 55): لو ركب طائرة كانت سرعتها سرعة حركة الأرض و كانت متجهة من الشرق إلى الغرب و دارت حول الأرض مدة من الزمن، فالأحوط الاتيان بالصلوات الخمس في كل أربع و عشرين ساعة. و أما الصيام فالظاهر عدم وجوبه عليه. و ذلك لأن السفر المذكور إن كان في الليل فواضح و إن كان النهار فلعدم الدليل على الوجوب في مثل هذا الفرض.

و أما إذا كانت سرعتها ضعف سرعة الأرض، فعندئذ- بطبيعة الحال- تتم الدورة في كل اثنتي عشر ساعة و في هذه الحالة هل يجب عليه الاتيان بصلاة الصبح عند كل فجر و بالظهرين عند كل زوال و

بالعشاءين عند كل غروب؟ فيه وجهان الأحوط بل الأظهر الوجوب. نعم لو دارت حول الأرض بسرعة فائقة بحيث تتم كل دورة في ثلاث ساعات مثلا أو أقل، فعندئذ إثبات وجوب الصلاة عليه عند كل فجر و زوال و غروب بدليل مشكل جدا، فالأحوط الاتيان بها في كل أربع و عشرين ساعة، و من هنا يظهر حال ما إذا كانت حركتها من الغرب إلى الشرق و كانت سرعتها مساوية لسرعة حركة الأرض. و في هذه الحالة الأظهر وجوب الاتيان بالصلوات في أوقاتها و كذا الحال فيما إذا كانت سرعتها أقل من سرعة الأرض. و أما إذا كانت سرعتها أكثر من سرعة الأرض بكثير بحيث تتم الدورة في ثلاث ساعات مثلا أو أقل، فيظهر حكمه مما تقدم.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 446

(مسألة 56): من كانت وظيفته الصيام في السفر و طلع عليه الفجر في بلده، ثمّ سافر جوا ناويا للصوم و وصل إلى بلد آخر لم يطلع الفجر فيه بعد، فهل يجوز له الأكل و الشرب و نحوهما الظاهر جوازه بل لا شبهة فيه، لعدم مشروعية الصوم في الليل.

(مسألة 57): من سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال، و وصل إلى بلد لم تزل فيه الشمس بعد، فهل يجب عليه الإمساك و إتمام الصوم؟ الظاهر وجوبه، حيث أنه مقتضى اطلاق ما دل على أن وظيفة من سافر من بلده بعد الزوال هو إتمام الصوم إلى الليل.

(مسألة 58): إذا فرض كون المكلف في مكان نهاره ستة أشهر و ليله ستة أشهر مثلا و تمكن من الهجرة إلى بلد يتمكن فيه من الصلاة و الصيام وجبت عليه. و إلا فالأحوط هو الاتيان بالصلوات الخمس في كل أربع

و عشرين ساعة.

أوراق اليانصيب

و هي أوراق تبيعها شركة بمبلغ معين، و تتعهد بأن تقرع بين المشترين فمن أصابته القرعة تدفع له مبلغا بعنوان الجائزة، فما هو موقف الشريعة من هذه العملية و تخريجها الفقهي، و هو يختلف باختلاف وجوه هذه العملية.

(الأول): أن يكون شراء البطاقة بغرض احتمال إصابة القرعة باسمه و الحصول على الجائزة، فهذه المعاملة محرّمة و باطلة بلا إشكال. فلو ارتكب المحرّم و أصابت القرعة باسمه، فإن كانت الشركة حكومية، فالمبلغ المأخوذ منها مجهول المالك، و جواز التصرف فيه متوقف على إذن الحاكم الشرعي أو وكيله، و إن كانت أهلية لم يجز التصرف فيه، إذ الشركة قد دفعته إليه بما أنه صار ملكه بالقرعة.

منهاج الصالحين (للتبريزي)، ج 1، ص: 447

(الثاني): أن يكون إعطاء المال مجانا و بقصد الاشتراك في مشروع خيري لا بقصد الحصول على الربح و الجائزة، فعندئذ لا بأس به، ثمّ إنه إذا أصابت القرعة باسمه، و دفعت الشركة له مبلغا فلا مانع من أخذه بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله إن كانت الشركة حكومية، و إلا فلا حاجة إلى الاذن.

(الثالث): أن يكون دفع المال بعنوان إقراض الشركة بحيث تكون ماليتها له محفوظة لديها، و له الرجوع إليها في قبضه بعد عملية الاقتراع، و لكن الدفع المذكور مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة له جائزة عند إصابة القرعة باسمه، فهذه المعاملة محرّمة لأنها من القرض الربوي.

و الحمد للّه أولا و آخرا.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، منهاج الصالحين (للتبريزي)، 2 جلد، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.